"شبكة علاقات".. هل يصبح إيلون ماسك رجل الصفقات في إدارة ترامب الجديدة؟
"تبرع ماسك بـ119 مليون دولار لدعم فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب"
تكاد تحركات الملياردير الأميركي إيلون ماسك المقرب من الرئيس المنتخب دونالد ترامب ترمز إلى دور الرجل في "الصفقات السياسية والاقتصادية" التي يريد ترامب تنفيذها خلال فترة ولايته لأربع سنوات قادمة.
فقبل دخول ترامب (78 عاما) إلى البيت الأبيض رسميا في 20 يناير/ كانون الثاني 2025، يتحرك إيلون ماسك "بشكل خفي" وبوقت مبكر فيما يبدو لتنفيذ سياسات ترامب وجس النبض حول كثير من القضايا الشائكة.
"أولى الصفقات"
وماسك (53 عاما) الذي قضى ليلة الانتخابات في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 مع ترامب في ناديه بفلوريدا، عهد إليه رفقة رجل الأعمال فيفيك راماسوامي، مهمة قيادة وزارة مستحدثة تعنى بـ"الكفاءة الحكومية" مهمتها خفض الهدر.
وأصبح ماسك حليفا رئيسا لترامب خلال الحملة الانتخابية، وبحسب ملفات لجنة الانتخابات الفيدرالية، تبرع ماسك بنحو 119 مليون دولار للجنة عمل سياسية أنشأها لدعم المرشح الجمهوري على الفوز.
وفي أحدث مؤشر على ثقة ترامب بأغنى رجل في العالم ومالك شركة “تيسلا” للسيارات الكهربائية ومنصة "إكس" الشهيرة، فقد كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” في 14 نوفمبر 2024 أن ماسك التقى سفير إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني، في محاولة لنزع فتيل التوتر بين طهران وواشنطن.
ونقلت الصحيفة عن مصدرين إيرانيين لم تسمهما قولهما إن اللقاء بين ماسك والسفير إيرواني "كان إيجابيا".
وذكرت الصحيفة أن الرجلين التقيا لأكثر من ساعة في مكان سري لم يحدد، في 12 نوفمبر 2024، حيث حض السفير الإيراني ماسك في اجتماعهما على السعي للحصول على إعفاءات من العقوبات الأميركية، والقيام بأعمال تجارية في طهران، حسبما نقلت الصحيفة عن مسؤول بوزارة الخارجية الإيرانية.
ويبعث هذا اللقاء إشارة مبكرة إلى أن ترامب جاد بشأن إجراء حوار مع إيران وعدم الركون إلى النهج الأكثر تشددا الذي يفضله العديد من المحافظين في حزبه الجمهوري وكذلك إسرائيل.
وقد تحدثت وسائل إعلام أميركية، بأن ماسك هو من طلب لقاء السفير الإيراني، لكن الإيرانيين هم من حددوا مكان اللقاء الذي دام ساعة.
كما أن قبول إيران لماسك كأحد الشخصيات في إدارة ترامب الجديدة لإجراء مشاورات مسبقة معه، تدل على مدى قرب الرجل من الرئيس المنتخب وقدرته على ترتيب أي صفقة تحظى بقبول برجل البيت الأبيض الجديد.
لا سيما أن إيران خلال فترة ولاية ترامب الأولى (2017-2021) تلقت كثيرا من الضربات الأميركية سواء بإعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران عام 2018 الذي أبرم خلال عهد سلفه باراك أوباما.
وكذلك اتباع ترامب بعد ذلك سياسة "الضغوط القصوى" على طهران التي شملت إجبار الدول على عدم شراء النفط الإيراني، فضلا عن أمر ترامب باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني عام 2020.
وبما أن الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان "منفتح" على علاقة جديدة مع الولايات المتحدة كما أشار في أكثر من مناسبة، فإن ترامب يقدم نفسه بصفته "رجل الصفقات".
ويرى بعض المراقبين أن على طاولة ترامب "ملفات سلبية" تجاه إيران، وتريد طهران إبرام تفاهمات حولها، خاصة أن إسرائيل التي تهدد بضرب منشآت نووية إيرانية، مرتاحة لعودة ترامب إلى السلطة.
وقالت الباحثة السياسية، سينا توسي، عن ماسك: "إنه يتواصل مع الإيرانيين. ولم يتواصل الإيرانيون مع الأميركيين في مفاوضات مباشرة منذ ما قبل انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، لذا فقد يكون هذا بمثابة صفقة كبيرة للغاية".
وأضافت توسي لصحيفة الغارديان في 15 نوفمبر 2024، أن "قدرة أميركا على إجراء مفاوضات ناجحة مع إيران تحت قيادة ترامب ستعتمد حقا على ماسك أو من سيقود هذه المفاوضات، وفريق مخصص لعملية التفاوض، والذي يكون على استعداد للقيام بالعمل الجاد الذي تستلزمه العملية الدبلوماسية الفعلية والعلاقات الدولية".
لقد كان إيلون ماسك الذي تبلغ ثروته 264 مليار دولار، من الداعمين الرئيسين لعودة ترامب إلى الرئاسة.
إذ كان ماسك في وضع الاستعداد الافتراضي حيث استخدم منصة "إكس" الخاصة به لنشر صورة مركبة لنفسه وهو يمسك بحوض مغسلة داخل البيت الأبيض، فور فوز ترامب، في إشارة واضحة إلى أنه بات ركنا من الإدارة الجديدة ومستعدا لخدمتها.
وقد أشاد ترامب علنا بجهود ماسك في الحملة الانتخابية، وفي حفل ليلة الانتخابات الذي أقامه ترامب في فلوريدا، كان ماسك ضيف الشرف، وتحدث على انفراد مع ترامب أثناء الحدث، وحصل على صيحة في خطاب الرئيس المنتخب أمام المؤيدين.
ظهور النفوذ
لقد أظهرت المحادثة بين الملياردير والمسؤول الإيراني مدى نفوذه في الإدارة الأميركية القادمة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية الأميركية.
فقد سبق ذاك اللقاء، انضمام الملياردير ماسك إلى الرئيس المنتخب في مكالمة هاتفية يوم 8 نوفمبر 2024 مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي يخشى من أي صفقة بين ترامب وبوتين تصب في صالح موسكو.
وقال مصدران لم يكشف عن هويتهما تحدثا لصحيفة “واشنطن بوست” وموقع “أكسيوس” إن زيلينسكي شعر بأن المكالمة "كانت إيجابية".
وقال أحد مصادر أكسيوس إن المكالمة "لم تترك لدى زيلينسكي شعورا باليأس"، كما شكر زيلينسكي، ماسك على الأقمار الصناعية التي كان يقدمها لأوكرانيا من خلال شركته "ستارلينك" وهي خدمة إنترنت قائمة على الأقمار الصناعية أنشأتها شركة "سبيس إكس" التابعة لماسك.
وسبق أن كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” في أكتوبر 2024 أن ماسك كان على اتصال منتظم مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين منذ أواخر عام 2022 وأن المناقشات أكدها مسؤولون أميركيون وأوروبيون وروس حاليون وسابقون.
بينما تحدث ترامب مع بوتين ما يصل إلى سبع مرات منذ مغادرته البيت الأبيض في عام 2021، وآخر مرة تحدث فيها كانت خلال عام 2024، وفقا لما ورد في كتاب "الحرب" الذي نشره الصحفي الأميركي "بوب وودوارد" أخيرا.
ويقول ماسك قبل فوز ترامب إنه يستطيع تحديد "2 تريليون دولار على الأقل" من التخفيضات من ميزانية الحكومة الفيدرالية البالغة 6.75 تريليونات دولار.
لكن سكوت بيسنت، المرشح الأوفر حظا للحصول على الدور الاقتصادي الأعلى لوزير الخزانة في حكومة ترامب، أعرب عن شكوكه بشأن هذا الإعلان.
حيث قال لمجلة "فوربس" عقب فوز ترامب إنه "غير متأكد من كيفية وصولهم إلى هذا الرقم"، لكن "انظر إلى الطريقة التي يدير بها ماسك شركاته. إنه يديرها بشكل جيد جدا".
واللافت أن ماسك بصفته مستشارا خارجيا للحكومة الفيدرالية، لن يحتاج إلى سحب أي استثمارات أو التنحي عن أي مناصب في شركات خاصة.
وهذا يعني أن ماسك يمكنه المضي قدما بشكل طبيعي كرئيس تنفيذي وأكبر مساهم فردي في شركة تيسلا للسيارات الكهربائية التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، وشركة سبيس إكس للطيران والاتصالات التي تبلغ قيمتها 210 مليارات دولار ، وشركة إكس إيه آي الناشئة للذكاء الاصطناعي التي تبلغ قيمتها 40 مليار دولار.
طموح شخصي
وعلى الصعيد الشخصي هناك طموح لدى ماسك لتعزيز ثروته حيث يسعى لرسم انطباع عنه لدى الأميركيين أنه رجل سياسة واقتصاد ويشبه ترامب.
إذ إن انخراط رجل الأعمال الثري المتزايد في السياسة قد يجعل إمبراطوريته الصناعية في وضع يشبهه الموظفون الحاليون والسابقون بالعصر الذهبي، عندما كان عمالقة الصناعة مثل جه.بي مورغان وجون دافيسون روكفلر يتمتعون بنفوذ واسع على السياسة الحكومية بشكل استفادت منه أعمالهم وثرواتهم.
وأثارت قوة ماسك المتنامية حماس مؤيديه الذين ينظرون إلى الحكومة بصفته عائقا أمام عملياته عالية التكنولوجيا.
وماسك، رئيس "تيسلا" و"إكس"، سيعمل أيضا على "عملية تدقيق شاملة" في الإدارة الأميركية بغية إصلاحها إصلاحا جذريا وهي مهمة قبلها أثرى أثرياء العالم.
وقد ترتفع أو تنخفض ثروات “تيسلا” اعتمادا على تعامل ترامب مع مجموعة متنوعة من الدعم والسياسات والخطط التنظيمية للسيارات الكهربائية والسيارات ذاتية القيادة.
فبالنسبة لتسيلا، تتضمن أهداف ماسك إقناع الإدارة الوطنية للسلامة المرورية على الطرق السريعة، وهي الجهة التنظيمية الاتحادية الأساسية للسلامة، بتأجيل إجراءات إنفاذ القانون المحتملة التي تتعلق بسلامة أنظمة مساعدة السائق الحالية في تيسلا، والتي تسمى "الطيار الآلي" و"القيادة الذاتية الكاملة".
ولهذا فإن التركيز الأساسي لماسك على مدى السنوات الأربعة المقبلة سيكون على إزالة القيود.
كما تخطط شركة "سبايس إكس" التابعة للملياردير إيلون ماسك والتي تقود العالم حاليا في مجال إطلاق الصواريخ الممول من الحكومة، لاستثمار 1,5 مليار دولار في فيتنام، وهي دولة تسعى إلى تعزيز جاذبيتها لاستثمارات أكبر الشركات في العالم، على ما أعلنت وكالة الأنباء الفيتنامية الرسمية.
وفي شركته الناشئة "نيورالينك" لزراعة شرائح الدماغ لدى البشر، يشتكي ماسك من أن عملية موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية أبطأت الشركة عن زرع الجهاز في البشر.
ويرى مصدر مطلع على عمليات "نيورالينك" تحدث لوكالة رويترز في 7 نوفمبر 2024 أن ماسك ربما يستخدم نفوذه المتزايد في إدارة ترامب لتجاوز بعض الموافقات المتعلقة بالسلامة في هذه العملية.