شركة حكومية تنشر خريطة مقتطعة لمصر.. هل السيسي على موعد مع صفقة جديدة؟
"شبكة الفساد في هذه البلاد أكبر من شبكة الصرف الصحي"
بعد توقف 15 عاما، عادت شركة "النصر للسيارات" إلى الإنتاج في مصر، لكن عودتها كانت كارثية بعد نشرها خريطة للبلاد على موقعها الإلكتروني لا تتضمن أراضي سيناء وحلايب وشلاتين.
وتسيطر مصر منذ خمسينيات القرن الماضي على مثلث حلايب وشلاتين أقصى شمال شرق البلاد، وتعدها مناطق مصرية وتتجه إلى بناء مدن فيها والاستفادة من إطلالتها على البحر الأحمر، فيما يجدد السودان شكواه سنويا في الأمم المتحدة بشأن ملكية البلاد للمنطقة.
أما سيناء التي لم تظهر كذلك في الخريطة التي نشرتها شركة النصر للسيارات، فتبلغ مساحتها نحو 61 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل نحو 6 بالمئة من جملة مساحة مصر، وتمتلك وحدها نحو 30 بالمئة من سواحل البلاد، حيث تحاط بالمياه من أغلب الجهات.
وجاء عرض الخريطة الناقصة في أعقاب إعلان الحكومة المصرية عودة شركة "النصر للسيارات" إلى الإنتاج بإطلاق أول أتوبيس محلي من إنتاجها بمعدل 300 أتوبيس في العام، وأكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، حرص الدولة على وجود شريك دولي فيها لضمان استدامة عملها.
وأثارت الخريطة موجة غضب واسعة ودفعت رئيس شركة النصر خالد شديد للتبرؤ منها.
وقال لموقع القاهرة 24 المحسوب على النظام المصري إن الموقع الذي ظهرت عليه الخريطة قديم وغير مكتمل، و"لا نعلم عنه شيئا وتم إغلاقه".
ونقل عن مصدر آخر بالشركة، قوله إن الموقع الإلكتروني الخاص بشركة النصر لصناعة السيارات، يجرى تحديثه منذ فترة، ولم يعمل الآن لحين الانتهاء من التحديثات اللازمة له.
وأشار المصدر إلى أن الصفحة الرسمية الخاصة بشركة النصر على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قيد التعديل هي الأخرى، ويتم إجراء تعديلات عليها منذ فترة بالتزامن مع تحديث الموقع الإلكتروني.
شركة حكومية
والنصر لصناعة السيارات هي شركة حكومية مصرية، تابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام، تعمل في مجال إنتاج السيارات الكهربائية، ولعبت دورا محوريا في دعم الصناعة الوطنية.
أنشئت بقرار رئيس النظام الأسبق جمال عبد الناصر رقم 913 لسنة 1960، ضمن مشروع الحكومة المصرية في ذلك الوقت والمسمى "من الإبرة إلى الصاروخ" بهدف تجميع السيارات في المرحلة الأولى ثم الانتقال لتصنيعها بشكل كامل في مرحلة لاحقة.
ويقع مقر الشركة الرئيس ومصنعها على مساحة 900 ألف متر مربع بمنطقة وادي حوف بحلوان جنوب القاهرة، وتتكون من 9 مصانع.
وبدأت الشركة بـ 290 عاملا حتى وصلت لأكثر من 12 ألفا من العمالة الفنية، بالإضافة إلى العمالة في مصانع الصناعات المغذية للشركة.
وأنتجت الشركة عدة طرازات من السيارات والشاحنات، لكن أوضاعها تدهورت مع بداية التسعينيات وصدر قرارا بتصفيتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2009، ثم أُعيدت للعمل في مارس/أيار 2013.
واستنكر ناشطون عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية على منصتي "إكس"، و"فيسبوك" نشر الشركة خريطة مصر محذوفا منها مناطق مصرية، في خطوة رأوا فيها مزيدا من التفريط وتهيئة الرأي العام لما هو قادم، حيث باع نظام السيسي وفرّط في كثير من الأراضي والمدن لصالح السعودية والإمارات.
وفندوا عبر مشاركتهم في وسم عدة أبرزها #النصر_للسيارات، #شركة_النصر #مصطفى_مدبولي، #سيناء، وغيرها، ما جاء في إعلان الحكومة المصرية بشأن عودة الشركة للعمل وما تبعه من حفاوة وترويج إعلامي واسع للخطوة والتعامل معها كإنجاز غير مسبوق.
واستنكر ناشطون إصرار الحكومة المصرية على مزاحمة شركات القطاع الخاص والاستحواذ على النصيب الأكبر من الشركات، مؤكدين أن رؤساء مصر الاستبداديين هم السبب الرئيس في تدمير الاقتصاد وإغلاق مصانع الحديد والصلب والغزل والنسيج وغيرها.
عودة للخلف
وبدوره، قال الخبير الاقتصادي مراد علي: "شهدنا احتفالات ضخمة وخطابات حماسية بمناسبة إعادة تشغيل مصنع النصر للسيارات، وحاول الإعلام الرسمي تصوير الحدث بأنه قفزة نوعية للصناعة في مصر".
وأضاف أن أي خطوة نحو الإنتاج المحلي تستحق الثناء، ولكن عند التدقيق في التفاصيل، نجد أن ما يجرى في مصنع النصر مجرد عملية "تجميع" لصالح شركة يوتونج YUTONG الصينية.
وأضاف أن الأكثر غرابة أن شركة النصر كانت تعمل على تجميع السيارات منذ أكثر من 65 سنة، أي منذ عام 1959، بالتعاون مع شركات إيطالية، بينما بدأت شركة يوتونج الصينية نشاطها الصناعي في عام 1997.
وتساءل: “هل من المنطقي أن نحتفل الآن بتجميع سيارات صينية بدأت التصنيع بعدنا بما يقرب من 30 عاما؟ ألم يكن الأولى أن تتيح الحكومة هذه الفرصة للقطاع الخاص؟”
وأشار إلى أن القطاع الخاص يعاني تحت ضغط سيطرة الجيش الشاملة على قطاعات الاقتصاد والتجارة، متسائلا: “لماذا تصر الحكومة على إعادة العجلة للوراء؟ ومن هم المستفيدون مما يجرى؟”
وسخر الناشط السياسي والخبير الهندسي ممدوح حمزة، من الحفاوة المبالغ بها بإعادة تشغيل شركة النصر، قائلا: "تخيلوا اليوم في أواخر 2024 نتطلع لنكون مثل يوم عام 1959 عند افتتاح مصنع النصر للسيارات ولكن في منتج واحد فقط: أتوبيسات".
وذكر أن مصر كانت تنتج في هذا المصنع 10 أنواع من المركبات افتتحه عبد الناصر وأغلقه (نظام حسني) مبارك 2009 كما أغلق معظم المصانع.
ورأى طارق سلامة، أن الإعلان عن عودة النصر للسيارات للنور من جديد وإنتاجها أتوبيس "النصر سكاي" بمكون محلي 5 بالمئة، بالتعاون مع يوتونج الصينية، ليس له أي جانب إيجابي.
وأكد أن الخبر يتناقض مع الوعود بالانسحاب من منافسة القطاع الخاص الأكثر كفاءة دون أدنى شك والذي يُنتج أتوبيسات منذ عقود ويعمل على التصدير أيضا.
وأوضح سلامة، أن تلك المشروعات تشبه تفريعة القناة التي أُنشئت لرفع الروح المعنوية دون أي فائدة اقتصادية مميزة، والإيحاء بأن هناك تنمية صناعية وأن الدولة قادرة على إنجاح مشاريعها، وهو ما لم يحدث من عشرات السنين ولا يمكن أن يحدث لسبب جوهري يتمثل في قلة المعرفة والخبرة لدى أصحاب القرار والمسؤولين الحاليين.
وبين أن مصطلح "مكون محلي" الذي يستخدم في الترويج للخبر لا يعني بالضرورة أنه جرى تصنيعه بالكامل في مصر. وأن أي مكون تم استيراده ودفعت عنه الجمارك وهو متوفر في السوق يمكن عده "محليا" في سياق التصنيع أو التجميع.
كذب وتدليس
وكتب فاضل الجريتلي: "بخصوص زفة شركة النصر.. بلاش كدب وتدليس.. الأوتوبيسات مش صناعة مصرية بالمرة وهي أوتوبيسات صينية ماركة YUTONG وغالبا تجميع مصري بنسبة مكون محلي.. بلاش كدب وننضف شويه ونتعلم الصدق والحق والأمانة علشان نتقدم على أسس سليمة وقوية ولا نكرر أخطاءنا".
وعد الكاتب سامح عسكر، عودة شركة النصر للسيارات للعمل مرة أخرى، دليل أن قرار إيقافها (محلي) وليس (خارجيا) وأنها لم تكن مؤامرة من الخارج لتدمير الصناعة المصرية.
وأوضح أن القصة وما فيها أنه في أواخر عصر مبارك، فقد المصريون شغف الصناعة مع تحول رغبتهم وميلهم للخليج والاقتصاد الريعي، وما يتعلق به من المنح والهبات والمساعدات.
وقال عسكر: "لو سألت أي مسؤول أو مواطن وقت غلق هذه الشركة، هيوجد لك ألف مبرر للإغلاق، لكن دلوقتي الكل فرحان إنها رجعت تشتغل..كدا بدون دراسة أسباب غلقها أو فتحها، أو عرض القضية للنقاش العلني (الحر) أمام الرأي العام".
وسخرية من الأرقام المذكورة، استغرب المغرد إسحاق، قول رئيس النصر للسيارات: "نستهدف إنتاج سيارة كل 6 دقائق بداية من منتصف العام المقبل (2025)"، ووصفه بأنه “كذاب وفاشل”.
وأوضح أن مصنع سيارات رينو بالمغرب هو الأكبر في القارة؛ وتبلغ مساحته 740 فدانا يعني 3 ملايين متر مربع، وأنتج في 2023 حوالي 300 ألف مركبة، ويستهدف في 2025 إنتاج نصف مليون سيارة.
خريطة مكذوبة
وعن قضية الخريطة، قال الباحث الاقتصادي مصطفى عادل: "اللي هيقولي غلطة.. هقوله هل الشركات والحكومة وحتى الشعب بيعتمد وبيستخدم خرائط بالحدود دي؟ سيناء نسيوا يلونوها.. اصدق التبريرة دي .. طيب وحلايب وشلاتين اللي خطوط الحدود فيها مختلفة أصلا!! مش مهم المهم أكبر مصنع وعربية كل 6 ثوانٍ".
وأعرب جمال والي، عن أسفه على عودة شركة النصر للعمل مرة أخرى مع وضع خريطة مصر منقوصة بدون "سيناء ، وحلايب وشلاتين" في جهل بحدود البلاد.
وتساءل: "هل وضع خريطة مصر منقوصة بدون سيناء ، وحلايب وشلاتين على موقع الشركة الرسمي تم بالخطأ .. أم عن قصد ؟!!.
وقال: "إذا كان تم وضع تلك الخريطة بالخطأ فهذا يستوجب تبريرا واعتذارا عاجلا من الحكومة، وتغيير هذه الخريطة من على موقع الشركة، والفصل الفوري لكل من تسبب في هذا الخطأ، وإلا فسيعد هذا خطأ مقصودا لجس نبض الشعب الذي طفح الكيل لديه أصلا من كثرة خداعكم وتدليسكم عليه".
وعرض حزب تكنوقراط مصر، الصورة التي نشرتها شركة النصر، قائلا: "بدأ التمهيد لمخططهم".
وتساءل أحد المغردين: "هل نفهم من نشر خريطة لمصر بدون سيناء وحلايب وشلاتين أن هاتين البقعتين من أراضي مصر لن يصبحا ضمن حدودها وأنهم فى طريقهم ليصبحا مثل تيران وصنافير؟" اللتين سلمهما السيسي للسعودية، ومدينة رأس الحكمة التي باعها النظام للإمارات.
احتكار الصافي
وندد ناشطون بإعلان شركة النصر للسيارات عن تدشين شركة جديدة تحمل اسم "إس إن أوتوموتيف"، بالشراكة مع مجموعة الصافي المصرية، بهدف الإشراف على عمليات البيع وتقديم خدمات ما بعد البيع.
ومجموعة الصافي الاستثمارية يمتلكها رجل الأعمال صافي وهبة، الذي زوج نجله محمد من مريم ابنة المستشار أحمد السيسي، الشقيق الأكبر لرئيس النظام المصري.
وكان نسب عائلة الصافي بعائلة السيسي بمثابة التحول الأكبر في مسيرة صافي وهبة ومجموعته.
فبعدها مباشرة أصبحت “الصافي جروب" المورد الحصري لصفقة "التابلت" للمدارس في مشروع وزير التربية والتعليم السابق، طارق شوقي.
وفي أغسطس/آب 2019، تم تعيين صافي وهبة بقرار من وزير الصناعة رئيسا للجانب المصري في مجلس الأعمال المصري الكويتي.
وفي 2020 ظهر اسم وهبة كرئيس لمجلس إدارة شركة النيل لحلج الأقطان، والتي كانت شركة حكومية جرى خصخصتها قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ولكن صدر حكم من الإدارية العليا ببطلان عقد الخصخصة بعد الثورة خلال عام 2012.
ولكن أصبح وهبة رئيسا لمجلس إدارة "النيل لحلج الأقطان" عام 2020 بعد انتهاء الاستحواذ على كامل الشركة تقريبا بنسبة 93 بالمئة من خلال عرض شراء إجباري للأسهم من البورصة بقيمة 50 جنيها للسهم (1.6 دولار)، رغم أنه في 2016 أثناء المفاوضات على حل أزمة الخصخصة كان تقييم السهم حوالي 100 جنيه (3.25 دولارات).
ووصل الصعود السريع لوهبة به إلى أن أصبح واحدا من كبار "حيتان" الاقتصاد، حتى استطاعت "الصافي جروب" في 2022 بالإضافة للعرجاني جروب، مشاركة مجموعة الغانم الكويتية، الوكيل الحصري لسيارات "بي إم دبليو" الألمانية في مصر.
وذكر شريف عثمان، بأن مجموعة الصافي ليست مصرية، موضحا أن صاحبها هو نسيب شقيق السيسي الذي تحول من بائع في كشك ورد في أميركا إلى ملياردير.
وسخر أحد المغردين قائلا: "الصافي أبو نسب دا راشق في أي مصلحة".
ونقل أحد المغردين مقولة للكاتب الساخر الشهير جلال عامر، قوله إن "شبكة الفساد في هذه البلاد أكبر من شبكة الصرف الصحي".
وقال وائل آل جابري: "أي احتكار في البلد هتلاقي صافي وهبة على رأسه"، مضيفا: "بالمناسبة قانون الموبايلات الجديد برضو في مصلحته لأن هو أكبر مستورد موبيلات في مصر".