تحت الصدمة.. كيف تؤثر رسوم ترامب الجمركية على القارة الإفريقية؟

"صدرت الدول الإفريقية، في عام 2024، سلعا إلى الولايات المتحدة بقيمة تقارب 8 مليارات دولار "
مثلها مثل باقي أنحاء العالم، ستتأثر القارة الإفريقية بعواقب الزيادة العامة في الرسوم الجمركية التي قررها رئيس الولايات المتحدة، لكن هذه العواقب ستتفاوت بدرجة كبيرة من بلد إلى آخر.
وهو ما سلط عليه الضوء تقرير، نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية أشار، في بدايته، إلى تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 2 أبريل/ نيسان 2025، حيث قال: "لقد نُهبت بلادنا وخُربت ودُمرت وانتُهكت من قبل القريب والبعيد، ومن الحلفاء كما الأعداء".
ولفتت الصحيفة إلى أن هذا الخطاب الذي وصفته بـ "الدرامي"، أثار الصدمة، لا سيما في الدول التي شهدت تدخلات عسكرية أميركية.
وعزت تلك الصدمة إلى أن "هذا القرار التاريخي قد يُربك بشكل دائم نظام التجارة الدولية".

ما مصير "أغوا"؟
وحول ردود الفعل الإفريقية، ذكر التقرير أنها جاءت "متحفظة ومعزولة"، وأرجع ذلك إلى أن "ملامح هذا القرار الأحادي ما تزال غير واضحة".
وتابع موضحا: "فعلى سبيل المثال، لم يُحدد بعد ما إذا كانت هذه الزيادة في الرسوم الجمركية ستجعل قانون النمو والفرص في إفريقيا (أغوا) لاغيا".
لكنه أكد -في ذات الوقت- أن "كل المؤشرات في الواقع تدعو إلى الاعتقاد بذلك".
جدير بالذكر أن هذا القانون اعتُمد في عام 2000، وأعيد التفاوض بشأنه بانتظام منذ ذلك الحين.
ويُتيح هذا "القانون الخاص بالنمو والفرص الاقتصادية في إفريقيا" لمعظم الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء –32 دولة في الوقت الراهن– الاستفادة من إعفاءات جمركية على صادرات بعض المنتجات إلى الولايات المتحدة.
وحسب الصحيفة الفرنسية، صدرت الدول الإفريقية، في عام 2024، سلعا إلى الولايات المتحدة بقيمة تقارب 8 مليارات دولار في إطار هذا النظام التفضيلي.
مشيرة إلى أن جنوب إفريقيا كانت أكبر المستفيدين منه؛ حيث كان نصيبها 3.7 مليارات دولار من الصادرات. وكانت نيجيريا في المرتبة الثانية، بنصيب 1.6 مليار دولار. ثم لحقتهما كينيا ومدغشقر بـ 756 و345 مليون دولار على التوالي.
من 10 إلى 50 بالمئة
وإذا ما نُفذت القرارات التي اتخذها دونالد ترامب، فإن جميع دول القارة السمراء سيُفرض عليها من الآن فصاعدا رسوم جمركية لا تقل عن 10 بالمئة.
لكن التقرير نوه إلى أن بعض الدول ستتضرر بشكل أكبر بكثير من غيرها.
حيث تفاوتت نسبة الرسوم الجمركية المفروضة؛ فعلى سبيل المثال، كان نصيب ليسوتو 50 بالمئة، ومدغشقر 40 بالمئة، وبوتسوانا 37 بالمئة. ولحق بهذه الدول أخرى مثل أنغولا التي كان حظها 32 بالمئة، وليبيا 31 بالمئة، والجزائر وجنوب إفريقيا 30 بالمئة، وتونس 28 بالمئة، وساحل العاج 21 بالمئة.
وفي عام 2024، ووفقا لبيانات مكتب الممثل التجاري الأميركي، بلغت الصادرات الإفريقية الإجمالية -بما في ذلك تلك التي تخضع لنظام أغوا- من السلع إلى الولايات المتحدة 39.5 مليار دولار، بزيادة 1.9 بالمئة مقارنة بعام 2023.
وللمقارنة، فإن هذا الرقم يبقى أقل بكثير من الصادرات إلى الصين (116 مليار دولار)، لكنه يعادل ثلاثة أضعاف الصادرات إلى فرنسا (14.5 مليار دولار)، وفق التقرير الفرنسي.
وأورد التقرير أبرز الدول الإفريقية المصدرة إلى الولايات المتحدة.
فحسب البيانات، تأتي جنوب إفريقيا في المركز الأول بقيمة 14 مليار دولار، بينما تتلوها نيجيريا بقيمة 5.7 مليارات دولار، وغانا 1.7 مليار، وأنغولا 1.2 مليار، وساحل العاج 948 مليون دولار.
كذلك تظهر البيانات أن الجزء الأكبر من هذه الصادرات يتكوّن من المواد الخام، وعلى رأسها النفط؛ حيث تصدر القارة نفطا إلى الولايات المتحدة بقيمة 7.3 مليارات دولار، في حين تصدر معادن بقيمة 4.7 مليارات، إضافة إلى الأحجار الكريمة والكاكاو، بقيمة 2.2 مليار و800 مليون دولار، على التوالي.
وبعد المواد الخام، تأتي بعض المنتجات المصنَّعة؛ مثل السيارات بقيمة 1.7 مليار دولار، والملابس بـ 1.4 مليار دولار.

تأثير محدود؟
وهنا، تتساءل الصحيفة الفرنسية: “ما هي إذن العواقب المتوقعة لهذه الحواجز الجمركية الجديدة؟”
وفي هذا الصدد، لا يتوقع مسؤول في صندوق استثماري عالمي كبير تحدثت إليه "جون أفريك"، أن يكون للقرار تأثير كبير على إفريقيا، رغم الضجة المثارة حول القرار.
وأضاف: "إذا أخذنا مثلا حالة زامبيا (التي فُرضت عليها رسوم جمركية جديدة بنسبة 17 بالمئة من قبل الولايات المتحدة)، فسنجد أن المنتجات التي تصدرها زامبيا إلى الولايات المتحدة مدرجة ضمن قائمة السلع المعفاة من هذه الرسوم".
وهنا، ذكرت الصحيفة أن البيت الأبيض نشر بالفعل قائمة، وصفها التقرير بأنها "غير دقيقة"، بالمنتجات المعفاة من الضرائب الجديدة.
مشيرا إلى أن هذه القائمة شملت الذهب والمواد الهيدروكربونية والنحاس والخشب والمنتجات الصيدلانية، وكذلك الألمونيوم والحديد، اللذين سبق أن خضعا لزيادات في الرسوم الجمركية.
وتابع التقرير: "بعبارة أخرى، فإن النفط النيجيري والأنغولي والجزائري، ومعادن جمهورية الكونغو الديمقراطية، بالإضافة إلى الذهب المالي أو الغاني، ستُستثنى من هذه الزيادة في الرسوم الجمركية".
في المقابل، لفتت الصحيفة إلى أن هناك دولا أخرى في القارة "ستتلقى هذه الإجراءات بشكل مباشر وقاسٍ".
فالولايات المتحدة تُعد ثاني شريك تجاري لجنوب إفريقيا، وتُقدَّر صادرات هذه الدولة، التي تُعد الأكثر تصنيعا في القارة، بأكثر من 14 مليار دولار، وتضم بشكل أساسي مركبات وقطع غيار سيارات.
وهنا، يوضح التقرير أن ترامب أعلن كذلك عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على السيارات.
وحسب دونالد ماكاي، المحلل لدى شركة "XA Global Trade Advisors"، الذي علق على القرارات في وسائل الإعلام الجنوب إفريقية: "من غير الواضح إذا ما كانت نسبة الـ 30 بالمئة التي فُرضت على جنوب إفريقيا تشمل هذه الـ 25 بالمئة أم تُضاف إليها".
وتابع مؤكدا: "في كل الأحوال، فإن بيع السيارات الجنوب إفريقية في الولايات المتحدة سيواجه مشاكل".
أما ساحل العاج، فتشير الصحيفة إلى أنها "كذلك قد تتأثر بشكل خاص، لا سيما أن المواد الأولية الزراعية لا تبدو مشمولة في قائمة المنتجات المعفاة من الضرائب".
وأفادت أن الدولة تصدر سنويا ما يعادل مليار دولار من السلع إلى الولايات المتحدة، تتكون بشكل رئيس من الكاكاو، بالإضافة إلى المطاط والكاجو.

الدول الأكثر فقرا هي الأكثر تضررا
في نهاية المطاف، تقول الصحيفة الفرنسية: إن "الدول المصنفة أصلا من بين الأفقر في العالم ستعاني أكثر من غيرها".
ففي ليسوتو مثلا، قوبل إعلان دونالد ترامب بـ "صدمة"، بحسب تعبير وزير التجارة في البلاد.
حيث تتجه نحو 45 بالمئة من صادرات هذا البلد -ومعظمها منسوجات- نحو السوق الأميركية، وهو ما يمثل حوالي 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذا البلد الجبلي، وفق الصحيفة.
وهذا الوضع "يشبه إلى حد كبير ما يحدث في مدغشقر، التي فُرضت عليها رسوم جمركية بنسبة 47 بالمئة".
وأشار التقرير إلى أن "صناعة النسيج هناك تمثل ما يقارب 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وحوالي 40 بالمئة من الملابس المُنتجة في البلاد تصدر إلى الولايات المتحدة، لصالح علامات تجارية كبرى، وأحيانا علامات فاخرة".
وفي المجمل، صدّرت مدغشقر أكثر من 730 مليون دولار من السلع إلى الولايات المتحدة في عام 2024.
وأضاف التقرير أن "قطاع الفانيليا قد يتأثر أيضا؛ إذ إن الزبون الأول لهذه التوابل الثمينة لا يزال الولايات المتحدة، التي استوردت منها بقيمة 143 مليون دولار في عام 2023".
واختتمت الصحيفة الفرنسية التقرير بالقول: "لم يعد أمام هذه الدول إلا أمل واحد: أن يتراجع الرئيس الأميركي عن قراره أو أن يضيف إعفاءات جديدة. وإلا فإن (يوم التحرير) الذي احتفل به دونالد ترامب قد يكون قد أغلق باب الأمل وأغرق آلاف الأفارقة في مزيد من الفقر".