بعد عملية "طوفان الأقصى". لماذا اختلف الخطاب الصيني تجاه إسرائيل؟
“المشكلة الرئيسية ليست فيما تقوله الصين بل فيما لا تقوله”
توقف معهد عبري عند ما سماه “التغيرات” في خطاب الصين تجاه إسرائيل، خاصة بعد عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وما تبعها من عدوان مستمر على قطاع غزة.
وقال معهد “دراسات الأمن القومي” إن "الصين، في الأشهر الأخيرة، أظهرت لغة أكثر توازنا تجاه إسرائيل، مع التأكيد على الاعتبارات الأمنية المشروعة".
واستدرك: "رغم هذا التغيير، فإن الصين تستمر في تبني مواقف مؤيدة للفلسطينيين بشكل عام، مع تجاهلها للهجمات على إسرائيل من قبل جماعات مثل حزب الله وحركة حماس".
ولفت المعهد إلى أن "الخطاب الصيني تجاه إسرائيل يثير استياء في الأوساط الإسرائيلية، مع تراجع في تأييد الرأي العام الإسرائيلي لبكين".
ورأى أن "التغيرات في الخطاب الصيني تُعد شكلية وغير جوهرية، ولا تشير إلى تغيير حقيقي في السياسة تجاه إسرائيل، حيث لا تزال بكين تتجنب إدانة الجماعات الموالية لإيران أو ذكرها بشكل صريح في تصريحاتها".
انحياز للفلسطينيين
وأكد المعهد أن "الصين، منذ السابع من أكتوبر 2023، تتبنى موقفا واضحا مؤيدا للفلسطينيين".
ويتمثل هذا الموقف، بحسبه، في "تجاهل كامل لعملية حماس والهجمات الأخرى من جبهات مختلفة، مع إدانة الردود الإسرائيلية التي أعقبته".
هذا بالإضافة إلى “تجاهلها الهجمات الأخرى ضد إسرائيل من قبل حزب الله وإيران والعراق والحوثيين، والتي انتهكت العديد منها أيضا سيادة دول أخرى في المنطقة، مثل الأردن والسعودية”.
ومن جهة أخرى، نوه المعهد إلى أن "بكين لم تجد صعوبة في إدانة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، في طهران، رغم أنها لم تنسب الحدث مباشرة إلى إسرائيل".
علاوة على ذلك، بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل في 14 أبريل/ نيسان 2024، برر سفير الصين في الأمم المتحدة الهجوم بقوله إن "طهران أعلنت أن عملها العسكري هو رد على عدوان إسرائيل".
وفي هذا الصدد، قال معهد دراسات الأمن القومي إنه "من الممكن تفسير المواقف المعارضة للصين من خلال الانخفاض الملحوظ في تأييد الرأي العام الإسرائيلي لها".
ففي عام 2019، كان 66 بالمئة من سكان إسرائيل يحملون آراء إيجابية تجاه الصين، وفقا لاستطلاع أجراه معهد "بيو".
إلا أن جائحة كورونا في عام 2020 والانتقادات التي وُجهت إلى الصين على إثرها أدت إلى تراجع النظرة الإيجابية نحوها إلى 48 بالمئة، بحسب ما ورد عن المعهد.
وفي استطلاع نُشر في يوليو/ تموز 2024، انخفضت نسبة التأييد إلى 33 بالمئة فقط.
علاوة على ذلك، أظهرت استطلاعات أجراها معهد "دراسات الأمن القومي" بعد السابع من أكتوبر 2023 استمرار تراجع الرأي العام الإسرائيلي الإيجابي تجاه الصين.
وفي سبتمبر/ أيلول 2024، أظهرت النتائج أن 16 بالمئة فقط من المشاركين يرون في الصين دولة صديقة أو حليفا لإسرائيل".
تغيير ملحوظ
وخلافا لموقفها المعتاد، سلط المعهد الضوء على أن الصين، في أكتوبر 2024، بدأت تخفف من حدة خطابها تجاه إسرائيل وأصبحت تصريحاتها أقل مواجهة.
وفي 8 أكتوبر 2024، ردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية على سؤال صحفي قائلة إنه "يجب مراعاة المخاوف الأمنية المشروعة لإسرائيل".
ثم في 14 أكتوبر، أجرى وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، مكالمة مع نظيره الإسرائيلي آنذاك، يسرائيل كاتس، داعيا خلالها إلى "الإفراج عن جميع الرهائن"، وهو المصطلح الذي لم يكن ظاهرا في تصريحات المسؤولين الصينيين السابقة.
إضافة إلى ذلك، ذكر المعهد أنه في 28 أكتوبر، وبعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، رد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية على سؤال حول الموضوع "بنبرة غير مبالية نسبيا".
وقال إن "الصين تعارض انتهاك سيادة وأمن الدول الأخرى والاستخدام المتكرر للقوة"، دون إصدار إدانة صريحة أو ذكر إسرائيل.
وفي تفسيرهم لهذا التغيير الواضح في الخطاب الصيني، نقل المعهد عن باحثين أن التفسير الأول يشير إلى “نجاحات إسرائيل في الحرب، التي ربما أوضحت للصين أنها راهنت على الطرف الخطأ”، وفق ادعائهم.
أما التفسير الثاني -حسب المعهد- “يتعلق بسياسة التوازن المعتادة للصين، حيث شعرت بكين أن خطابها المتطرف خلق وضعا غير متوازن، مما دفعها إلى إعادة ضبط موقفها”.
وتابع: "هناك تفسير ثالث يربط التغيير بالهجوم الإسرائيلي على إيران في 26 أكتوبر 2024. حيث يُعتقد أن محادثة وانغ يي مع كاتس، التي سبقت الهجوم، كانت تهدف إلى التقارب مع إسرائيل ومحاولة إقناعها بالتراجع عن الهجوم أو تقليل حجمه".
ومع ذلك، نوه المعهد إلى أن "هذه التفسيرات تشير إلى افتراض حدوث تغيير حقيقي في الخطاب الصيني تجاه إسرائيل"، لكن الفحص الدقيق يكشف أن "الأمر ليس كذلك."
وأوضح أن "التصريحات التي تشير إلى المخاوف الأمنية لإسرائيل نادرة، لكنها ليست جديدة وغير مسبوقة".
وبالإشارة إلى أنها ظهرت سابقا في تصريحات لمسؤولين صينيين مختلفين، قال المعهد إن "المخاوف الأمنية لإسرائيل أُشير لها لأول مرة في عام 2014 خلال عملية (الجرف الصامد)، عندما قدمت الصين (خطة النقاط الخمس) لحل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني".
وتنص النقطة الثانية في تلك الخطة صراحة على أن "المخاوف الأمنية المشروعة لإسرائيل يجب أخذها على محمل الجد".
وأضاف المعهد أنها “ظهرت مرة أخرى بعد أسبوعين من 7 أكتوبر 2023، وتحديدا في 23 من الشهر ذاته، عندما تحدث وانغ يي مع وزير الخارجية الإسرائيلي السابق إيلي كوهين”.
وخلال تلك المحادثة، أدان وانغ “جميع الأعمال التي تستهدف المدنيين وأشار إلى المخاوف الأمنية لإسرائيل”، قائلا إن "التمسك بتسوية سياسية فقط يمكن أن يعالج بشكل جذري المخاوف الأمنية المشروعة لإسرائيل".
تغيير متأخر
وأشار المعهد إلى أنه "حتى عند تحليل بيانات الإدانة الصادرة عن الصين، يتضح أنها غالبا لا تدين إسرائيل بشكل مباشر، بل تكتفي بإدانة عامة لاستهداف المدنيين أو استخدام القوة أو انتهاك السيادة".
وذكر أن "الصين تستخدم هذه اللغة أيضا عند الحديث عن دول أخرى، حيث تتجنب ذكر أسمائها صراحة وتستعيض عنها بتعبيرات مثل (الأطراف المعنية) أو (الدول المؤثرة)".
وعلى عكس هذه الصياغات التي لا تدل على أي تغيير في النهج الصيني، يرى المعهد أن "الإشارة إلى الرهائن لأول مرة -بدلا من استخدام كلمة معتقلين- تُعد تغييرا مهما ومرحبا به".
وبما أن هذا الاستخدام ورد على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية وكذلك السفير الصيني في الأمم المتحدة، يمكن الاستنتاج أن هذا التغيير مقصود.
ومع ذلك، أوضح المعهد أنه "لا يمكن عد ذلك تحولا في السياسة الصينية لصالح إسرائيل".
وادعى أنه "من الأرجح أن السلطات الصينية، بعد أشهر طويلة من تلقيها طلبات عديدة من وزارة الخارجية الإسرائيلية وسفارتها في بكين وباحثين مختلفين، وبعد انتشار استخدام مصطلح رهائن في العالم بأسره، بما في ذلك العالم العربي، أدركت أن مصطلح معتقلين غير مناسب".
"وحتى لو كان هذا التغيير يُقصد به مجاملة إسرائيل، فإنه يبقى خطوة صغيرة جدا ومتأخرة للغاية"، على حد وصف المعهد.
وأكد أنه "حتى تاريخ كتابة هذه السطور، يبقى التغيير في الخطاب الصيني تجميليا فقط ولا يحمل أي تأثير حقيقي على السياسة تجاه إسرائيل".
واختتم المعهد تقريره بالقول إن "المشكلة الرئيسة ليست فيما تقوله الصين، بل فيما لا تقوله، وإذا استمرت بكين في تجاهل أفعال الطرف الآخر، حماس وحزب الله وإيران، فلا يوجد سبب للاحتفاء حتى عندما لا تدين إسرائيل بشكل مباشر".