المعارضة التركية تزعم حدوث "انشقاق" بين أردوغان وبهتشلي.. ما القصة؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

فند مركز دراسات تركي ادعاءات المعارضة بشأن ضعف العلاقات بين الرئيس التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم رجب طيب أردوغان وحليفه زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي.

واستبعد مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في مقال للكاتب التركي "نبي ميش"، حدوث انشقاق بين الطرفين اللذين يجمعهما "تحالف الجمهور".

كسل سياسي

وقال الكاتب: تعد السياسة عملية ديناميكية تتطلب من الأطراف السياسية القدرة على المبادرة والإبداع في طرح الحلول وتقديم السياسات البديلة. 

إلا أن العديد من أحزاب المعارضة التركية تتبنّى نوعا من "الكسل السياسي" بدلا من أن تسعى لإنتاج سياسة فعّالة مؤثرة خاصة بها.

إذ إن سياسة هذه الأحزاب تتمثّل في انتظار لحظة الانشقاق داخل تحالفات السلطة من أجل الاستفادة منها. 

وتتكرر هذه الظاهرة في المشهد السياسي، حيث تركز الأحزاب المعارضة على التوقعات بأن تحالفات السلطة ستتفكك في مرحلة ما، وأن المعارضة ستستغل الفرصة الناتجة عن هذا التفكك للانقضاض على الحكم. 

ولكن هذه الإستراتيجية لا تملك أساسا متينا، بل تعكس نوعا من الضعف السياسي وعدم الثقة في قدرة هذه الأحزاب على مواجهة تحديات السياسة.

وأردف الكاتب: يبدو في الأوساط السياسية والإعلامية بين الحين والآخر أن هناك حديثا عن وجود شقاق محتمل داخل تحالف الجمهور في تركيا.

وبين أن هذه التوقعات تعتمد على فكرة أن أي تطور سياسي جديد أو توتر بين الأطراف يمكن أن يؤدي إلى تفكك التحالف. ومع ذلك، تظهر التجربة السياسية في السنوات الأخيرة أن هذه التوقعات تفتقر إلى أساس واقعي. 

فعلى الرغم من تنامي التوتر بين فاعلي المعارضة، لم تشهد الساحة السياسية أي شقاق حقيقي بين أردوغان وبهتشلي، حتى في أوقات الاختبارات السياسية الكبرى.

وأشار الكاتب التركي إلى أن انتظار حدوث انشقاق داخل تحالفات السلطة بدلا من إنتاج سياسة بديلة وقوية هو علامة على ضعف أحزاب المعارضة. 

إذ يُظهر هذا السلوك عدم الثقة في القدرة على التأثير السياسي المستقل، ويعكس حالة من الكسل الذي يحول المعارضة إلى طرف متفرج ينتظر سقوط الخصم بدلا من أن يكون لاعبا نشطا. 

من خلال هذه الإستراتيجية تصبح التوقعات بتفكك تحالفات السلطة في النهاية مجرد أحلام غير مستندة إلى أي أساس سياسي قوي.

وعلى الرغم من كثرة النقاش حول وجود خلافات محتملة بين بهتشلي وأردوغان في بعض القضايا، فإن موقفهما من مسألة مكافحة الإرهاب يظهر بوضوح مدى التوافق بين الزعيمين. 

فمنذ البداية كان بهتشلي يؤكد على أهمية عدم التراجع في مكافحة الإرهاب مع ضرورة الفصل بين هذا الأمر والقضايا المتعلقة بالأكراد.

كما أن أردوغان أشار في العديد من خطاباته إلى التزامه الثابت بمواصلة الحرب ضد الإرهاب، وأكد على أن هذا التوجه لا يحتمل المساومة. وبالتالي، لا يُتوقع حدوث أي شقاق حقيقي بين الزعيمين في هذا المجال.

لكن رغم التوافق في المواقف المتعلقة بمكافحة الإرهاب، تبقى هناك تحديات أخرى سياسية واقتصادية قد تواجه تحالف الجمهور.

ومع ذلك فإن محورية قضية "الالتزام بمكافحة الإرهاب" تجعل من غير المرجح أن يكون هذا الموضوع سببا لحدوث شقاق في المستقبل. 

وأضاف الكاتب: الحديث عن وجود شقاق حول هدف "تركيا خالية من الإرهاب" يشير إلى غياب القدرة على "قراءة الرسائل السياسية" بشكل صحيح. 

إذ إنّ هناك توافقا قويا بين أردوغان وبهتشلي في هذا المجال، ويستمر هذا التوافق رغم التوترات الإعلامية والسياسية. 

وعلى الأحزاب المعارضة أن تتحمل مسؤوليتها في تطوير سياساتها بدلا من انتظار فشل خصمها، وأن تسعى إلى إنتاج بدائل سياسية حقيقية تؤثر في الواقع وتسهم في بناء نظام سياسي قوي ومستقر، وفق تقدير الكاتب.

تحديات التحالف

واستدرك: تواجه التحالفات السياسية دائما تحديات بسبب اختلاف أساليب وأيديولوجيات الأحزاب المشاركة فيها. 

ففي تركيا يشكل "تحالف الجمهور" بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية نموذجا حيا للتحالفات السياسية المعقدة. 

وعلى الرغم من التوافق العام بين زعيمي الحزبين في العديد من القضايا الأساسية مثل مكافحة الإرهاب، هناك دائما محاولات من بعض الأطراف المعارضة لتفسير أي اختلافات أو مواقف غير متوافقة كدليل على وجود انشقاق داخل التحالف. 

وقد أكد الرئيس أردوغان في العديد من تصريحاته وخطاباته، بما في ذلك تلك المتعلقة بالعمليات عبر الحدود ضد التنظيمات الإرهابية، على أن تركيا لن تتراجع أبدا عن موقفها الصارم في مكافحة الإرهاب. 

من خلال هذه التصريحات يؤكد أردوغان على عدم وجود أي تباين في النهج بينه وبين بهتشلي في هذا الملف، ما يعكس التوافق الكامل بينهما في إستراتيجية مكافحة الإرهاب.

ففي تصريحاته الأخيرة، بما في ذلك ما قاله في اجتماع المجموعة البرلمانية في 12 نوفمبر، أشار بهتشلي إلى ضرورة محاسبة أي طرف سياسي يدعم الإرهاب، عادّا هذا الموقف "تناقضا غير شرعي وغير قانوني يجب القضاء عليه". 

كما أكد بهتشلي أن مكافحة الإرهاب لا علاقة لها بأي قضايا قومية أو عرقية، وأن موقف حزب الديمقراطية والتقدم الكردي من الأمر هو المسألة التي يجب أن يتم التعامل معها وفقا للقانون التركي.

من جهة أخرى ورغم التنسيق الواضح بين أردوغان وبهتشلي في ما يتعلق بقضايا مكافحة الإرهاب، حاولت بعض الأوساط السياسية والإعلامية تفسير تعيين وصاة على بعض البلديات التي يسيطر عليها حزب الديمقراطية والتقدم (ديم) كدليل على وجود تباين أو شقاق داخل تحالف الجمهور. 

وأخيرا، اعتُقل رئيس بلدية منطقة إسنيورت في إسطنبول بتهمة صلات  بحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا. كما جرى عزل ثلاثة رؤساء بلديات أكراد في جنوب شرق تركيا واستبدالهم برؤساء بلديات عينتهم الدولة وهو ما أثار احتجاجات. 

وقبلها أطلق بهتشلي في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2024، "مبادرة استثنائية" وصفها البعض أيضا بـ"التاريخية" عندما وجه مقترحا علنيا لزعيم "حزب العمال الكردستاني" المسجون، عبد الله أوجلان.

 المبادرة "الاستثنائية" التي طرحها في جلسة للبرلمان تتلخص في أنه: "إذا تم رفع العزلة عن زعيم الإرهابيين (أوجلان)، فليأت ويتحدث في اجتماع الحزب الديمقراطي (المؤيد للأكراد) في البرلمان. وليصرخ بأن الإرهاب انتهى تماما، وأن منظمته تم حلها".

"المبادرة" كان سبقها خلال الأسابيع الماضية سلسلة من الخطوات التمهيدية، وحصلت الأولى منها في بداية شهر أكتوبر عندما توجه بهتشلي نحو أعضاء الحزب الديمقراطي الكردي (ديم) داخل البرلمان، وأجرى معهم محادثة قصيرة.

بعد ذلك بدأ بهتشلي بالتدريج إطلاق تصريحات تتعلق بالقضية الكردية وعملية السلام في البلاد. وفي مناسبتين منفصلتين قال إن تحركه "كان متعمدا" في إشارة للمصافحة، وإنه يهدف إلى البحث عن السلام في تركيا.

ويعلق الكاتب بأن قراءة خطوات بهتشلي على أنها تظهر انقساما بينه وبين أردوغان، تفسير يفتقر إلى أساس واقعي.

فمن خلال تصريحات بهتشلي يمكن رؤية أن الزعيمين يتبعان نهجا متشابها في التصدي للإرهاب، حتى وإن كانا يختلفان أحيانا في أساليب التعبير عن مواقفهما. 

على سبيل المثال، يركز أردوغان على استمرارية العمليات العسكرية عبر الحدود، في حين يرى بهتشلي ضرورة تعزيز المواقف القانونية والسياسية تجاه التنظيمات التي تدعم الإرهاب.

وأردف الكاتب التركي: إن التحالف بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية مكون من أحزاب ذات خلفيات سياسية مختلفة، ما يقتضي التفاهم والمرونة بين الزعيمين في العديد من القضايا. 

وعلى الرغم من أن أساليبهم السياسية قد تختلف في بعض الأحيان، فإن التعاون الوثيق بينهما يمكن أن يكون حاسما في الحفاظ على استقرار التحالف.

وختم الكاتب مقاله قائلا: إن التفاهم الواضح بين أردوغان وبهتشلي في قضية مكافحة الإرهاب يعكس تماسكا قويا داخل تحالف الجمهور، رغم المحاولات الإعلامية لتفسير أي تباين على أنه شقاق. 

ويظل التحدي الأكبر للتحالف في إدارة الاختلافات في الأساليب السياسية المستَخدَمَة من قبل الأحزاب المكونة له. 

وعليه يتطلب الأمر المزيد من التعاون والمرونة لضمان استمرار قوة التحالف واستقراره في مواجهة التحديات السياسية، كما قال الكاتب.