لاريجاني يزور لبنان.. لنسف المبادرة الأميركية أم فرض شروط جديدة؟
"زيارة لاريجاني مرتبطة بمفاوضات إيران مع الأميركيين وجزء منها متعلق بلبنان"
منذ دخول حزب الله في جبهة إسناد لغزة في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت إيران تحضر بقوة دبلوماسية إلى بيروت تزامنا مع طرح أي مبادرة لوقف إطلاق النار مع إسرائيل.
تمثل هذا الحضور أخيرا في إجراء علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي زيارة إلى بيروت في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وهي ثالث زيارة يجريها مسؤول إيراني إلى لبنان منذ أن شنت إسرائيل عدوانا موسعا على هذا البلد في 27 سبتمبر/أيلول من العام ذاته؛ حيث سبقه وزير الخارجية عباس عراقجي ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف.
رسالة خامنئي
والتقى لاريجاني في العاصمة اللبنانية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يترأس حركة أمل الشيعية ويعد حليفا مقربا لحزب الله ويتولى التفاوض نيابة عنه بشأن سبل وضع حد للحرب.
وقال لاريجاني في مؤتمر صحفي، عقب لقائه نبيه بري، في مقره ببيروت، إن إيران تريد حل الأزمات في لبنان، ولا تسعى لنسف أي مبادرة أو وثيقة يجرى العمل عليها لوقف إطلاق النار وإنهاء العدوان الإسرائيلي.
وردا على سؤال عما إذا كانت الزيارة تهدف إلى نسف الوثيقة أو المبادرة الأميركية بشأن لبنان، قال لاريجاني "نحن لا نسعى وراء نسف أي شيء"، مضيفا "نريد حل المشكلة وفي كل الظروف"، متهما إسرائيل بـ"نسف الأوضاع".
وبشأن تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701، قال لاريجاني “سنوافق وندعم أي قرار تتخذه المقاومة والحكومة اللبنانية”.
وينص هذا القرار على انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان، وتعزيز انتشار قوة الأمم المتحدة المؤقتة في ذلك البلد "يونيفيل" وحصر الوجود العسكري في المنطقة الحدودية بالجيش اللبناني والقوة الدولية.
وقُتل أكثر من 3400 شخص في لبنان، وأصيب ما يزيد على 14400 آخرين، ونزح أكثر من مليون شخص بسبب الهجمات الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023، وفقا للسلطات الصحية اللبنانية.
وقد شنت إسرائيل توغلا بريا وتقدمت في بعض القرى في جنوب لبنان منذ مطلع أكتوبر 2024.
وبدوره، أعلن نبيه بري، في 15 نوفمبر 2024 ، تسلمه مقترحا أميركيا لوقف إطلاق النار في ظل الحرب الإسرائيلية على بلاده، لافتا إلى أن النقاش لا يزال متواصلا بشأن تفاصيله.
ونفى بري في تصريحات صحفية نقلتها وكالة الأنباء الرسمية، أن يكون هذا المقترح "يتضمن أي نوع من حرية الحركة للجيش الإسرائيلي في لبنان".
وأضاف أن "الأميركيين وغيرهم يعرفون أنه أمر غير مقبول، ولا يمكن حتى النقاش فيه في المبدأ، ولا يمكن أن نقبل بأي مساس بسيادتنا".
ونفى بري أن يكون المقترح "متضمنا نشر قوات أطلسية أو غيرها في لبنان"، على حد تعبيره.
وكشف أن "المقترح يتضمن نصا غير مقبول لبنانيا، وهو مسألة تأليف لجنة إشراف على تنفيذ القرار 1701، تضم عددا من الدول الغربية".
وقال رئيس البرلمان: "هناك نقاش دائر الآن حول الآلية البديلة المقترحة، ونحن لن نسير فيها، فهناك آلية واضحة موجودة لا مانع من تفعيلها".
مبادرة وتعديلات
وزار مستشار خامنئي العاصمة السورية دمشق والتقى برأس النظام بشار الأسد قبل أن ينتقل إلى البلد المجاور لبنان.
وقد حل لاريجاني على بيروت في وقت تحدثت فيه وسائل إعلام غربية، عن انتظار إسرائيل ردا من لبنان على اقتراح وقف إطلاق النار المدعوم من الولايات المتحدة في غضون أيام قليلة، حسبما ذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية في 15 نوفمبر 2024.
ونقلت وكالة "رويترز" البريطانية عن مسؤول إسرائيلي لم تكشف هويته قوله: "حزب الله سيرد على المخطط الأميركي خلال أيام قليلة".
وأشارت تقارير إعلامية، إلى أن السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون قدمت مقترحا لوقف إطلاق النار إلى بيروت، دون الكشف عن تفاصيله.
وأعادت الإذاعة الإسرائيلية تسليط الضوء على النقاط الرئيسة في الاقتراح الأميركي الذي نشرته في وقت سابق.
ويتضمن الاقتراح اعتراف كل من إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 مع الحفاظ على حقهما بالدفاع عن النفس إذا لزم الأمر.
والقرار 1701، الذي اعتمد في 11 أغسطس/آب 2006، يطالب بوقف كامل للأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل وإقامة منطقة منزوعة السلاح بين الخط الأزرق - وهو الحدود الفعلية بين الجانبين - ونهر الليطاني.
وبموجبه، يسمح فقط للجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) بامتلاك الأسلحة والمعدات العسكرية في المنطقة.
كما يدعو الاقتراح إلى منع إعادة تسليح المجموعات غير الحكومية في لبنان بما يتماشى مع القرار 1701. كما يؤكد على أن أي بيع أو إنتاج للأسلحة داخل البلاد سيكون تحت إشراف الحكومة في بيروت.
وينص الاقتراح أيضا على أن حكومة بيروت ستمنح قوات الأمن الصلاحيات اللازمة لتطبيق القرار، ومراقبة استيراد الأسلحة عبر الحدود اللبنانية، والإشراف على وتفكيك أي منشآت أو بنية أساسية غير معترف بها للأسلحة تنتهك شروط الاتفاق.
وفي المقابل، يطلب الاقتراح الأميركي من إسرائيل سحب قواتها من جنوب لبنان في غضون سبعة أيام، على أن يحل محلها الجيش اللبناني. وستشرف الولايات المتحدة ودول أخرى لم تحددها على عملية الانسحاب.
ومن المتوقع أن تعمل إسرائيل في وقت لاحق على نشر قوات على طول الحدود والمعابر.
وأشارت الإذاعة إلى أن الخطة الأميركية تنص أيضا على أنه خلال 60 يوما من توقيع الاتفاق، يتعين على لبنان نزع سلاح أي مجموعات عسكرية غير حكومية في جنوب البلاد.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن واشنطن اقترحت أخيرا خطة تقتضي انسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، مع انتشار الجيش اللبناني في الجنوب.
ويدعو الاقتراح أيضا إلى منع حزب الله من إعادة تمركز قواته في المنطقة ووقف نقل الأسلحة من سوريا إلى الحزب.
لكن تصر إسرائيل على استهداف حزب الله في لبنان حتى بعد أي اتفاق، وهو الموقف الذي رفضته بيروت بشدة.
وأكد حزب الله أن أي مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل يجب أن تستند إلى شرطين: وقف إطلاق النار وحماية السيادة اللبنانية كاملة غير منقوصة.
ويبدو أن إيران التي أسست حزب الله في ثمانينيات القرن العشرين ودعمته بالمال والسلاح، غير مرتاحة للمبادرة الأميركية، وفق مراقبين.
لا سيما أن الإسرائيليين يريدون تضمين بنود جديدة إضافية للقرار 1701 في حال الاتفاق على وقف إطلاق النار في لبنان.
وذلك مثل مراقبة مطار رفيق الحريري والمعابر مع سوريا وما تبقى من السلاح لدى حزب الله، عبر لجنة أميركية فرنسية وبريطانية وألمانية، الأمر الذي ترى فيه إيران تطويقا لنفوذ الحزب في لبنان بشكل كامل.
"تثبيت النفوذ"
وضمن هذا السياق، رأى المحلل اللبناني علي حمادة أن "لاريجاني الأكثر قربا من خامنئي جاء إلى لبنان لتسليم نبيه بري رسالة بأنهم موجودون في البلاد وللتأكيد بأن هيكلية حزب الله باتت تحت إدارة إيران".
وأضاف في تصريحات تلفزيونية: "زيارة لاريجاني مرتبطة بالعملية التفاوضية التي قد تبدأ بين الأميركيين والإيرانيين وجزء منها متعلق بلبنان".
بدورها، كشفت مصادر مطلعة لـ موقع "جنوبية" اللبناني المحلي، أن "لاريجاني جاء لشد عصب الثنائي الشيعي (حزب الله - حركة أمل)، وفي ظل إيعاز خامنئي للأذرع الايرانية بالتصعيد في المنطقة، في انتظار تسلم دونالد ترامب" لمقاليد السلطة في البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2025.
وتشير المصادر إلى أن "الجانب الإيراني بحث مع بري القرار 1701 وضرورة التشدد في أي تسوية تعقد قبل تسلم ترامب السلطة لأنها ستكون مؤقتة وظرفية".
ويرى رئيس تحرير موقع جنوبية “علي الأمين”، أن "حزب الله ومن خلفه إيران، سيرفض المبادرة الأميركية لأن تنفيذ القرار 1701 يعني منع وجود الحزب عسكريا في جنوب نهر الليطاني، وكذلك أيضا لأن المقترح المقدم هو كأنه 1701 بلس، أي فيه إضافات جديدة لصالح إسرائيل".
وأضاف الأمين قائلا خلال مقال نشره في 15 نوفمبر 2024 “أن ترتيب منطقة جنوب الليطاني، بما يضمن خلوها من أي مصدر تهديد لإسرائيل، بات شبه محقق”.
وأردف أن "ما ينقص رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو، هو ضمان أن لا يكون هناك خطر مستقبلي، سواء باستمرار حصول حزب الله على السلاح، تحديدا عبر سوريا، أو ضمان عدم وجود أسلحة للحزب في البقاع والقلمون السورية على الحدود اللبنانية يمكن أن تشكل تهديدا لإسرائيل".
وبين أن “أهم ما تتضمنه مسودة المبادرة الأميركية، هو وجود منحى يتمثل بدخول لبنان مرحلة التدويل، من باب تنفيذ القرار 1701”.
وهذا يتأتى من رفض واشنطن ضمانة نبيه بري الشخصية لتنفيذ القرار، والاستعاضة بضمانة أميركية وفرنسية وبريطانية ودولة عربية، أي ستشكل هذه الدول وعبر وجود عسكري مباشر لها، الضامن للبنان ولإسرائيل لتنفيذ القرار الدولي، وفق تقديره.
واستدرك: "وهذا سيطوي مرحلة بدأت منذ تفاهم (أبريل) نيسان 1996، وبعد تحرير الجنوب عام 2000، ثم حرب 2006 حيث لعبت سوريا وإيران ثم حزب الله، دور الطرف (الأساسي) في أي تفاهم أو اتفاق لوقف النار بين الحزب وإسرائيل".
ويرى بعض المراقبين أن لاريجاني جاء إلى بيروت للتأكيد على رفض إيران أيضا ضم القرار الدولي 1559 بشأن لبنان إلى القرار 1701 ضمن معادلة الحل المطروح في هذا البلد.
والقرار 1559 صدر عن مجلس الأمن الدولي عام 2004، ويقضي بسحب قوات النظام السوري العسكرية والأمنية من لبنان، بالإضافة إلى حل ونزع أسلحة كل "المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية"، بينما يدعم "بسط سلطة حكومة بيروت على كل التراب اللبناني".