رغم وصول الآلاف سنويا.. لماذا يرفض اللاجئون البقاء في اليونان؟
"اللاجئون يحركون اقتصاد أوروبا بشكل أو بآخر ومقولة القارة العجوز هي حقيقة"
ما تزال اليونان تشكل مقصدا رئيسا للمهاجرين غير النظاميين الطامحين في الوصول إلى القارة العجوز، بحثا عن حياة أفضل بعيدة عن الحروب والاضطهاد في بلدانهم الأم.
وفي أحدث إحصائية، شكل السوريون غالبية طالبي اللجوء الواصلين إلى الأراضي اليونانية عام 2024، متقدمين على الأفغان والمصريين والفلسطينيين.
زيادة بالواصلين
وكشفت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 عن وصول نحو 28.4 ألف طالب لجوء إلى اليونان خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام المذكور.
وأضافت المفوضية أن نسبة السوريين من بينهم وصلت إلى 36 بالمئة، تلاهم الأفغان بنسبة 25 بالمئة وجاء بعدهم المصريون بنسبة 12 بالمئة وبعدهم الفلسطينيون بنسبة 4 بالمئة.
وقالت المفوضية في تقرير لها، إن عدد طالبي اللجوء الواصلين إلى اليونان عام 2024، خلال الفترة المشمولة بالتقرير، ارتفع بنسبة 94 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2023، حين بلغ العدد نحو 14.7 ألف طالب لجوء.
وأوضحت أن جزر دوديكانيسيا استقبلت غالبية الوافدين الجدد (39 بالمئة) في 2024، تلتها جزيرة ليسبوس (20 بالمئة)، ثم ساموس (14 بالمئة)، وخيوس (10 بالمئة) والجزر الأخرى (17 بالمئة).
وتمثل هذه البيانات المسجلين فقط، بينما يمر بعض المهاجرين دون أن يتم اكتشافهم وهم يحاولون شق طريقهم إلى دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وبلجيكا وغيرها، رغم تنقلهم بين الجزر اليونانية.
ولطالما دعت اليونان وإيطاليا ودول جنوب أوروبا الأخرى، بصفتها الخط الأمامي للاجئين الذين يدخلون أوروبا، الاتحاد الأوروبي إلى زيادة الدعم في معالجة أزمة اللاجئين، لكنها لم تتلق الدعم الكافي.
وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فقد جرى تسجيل أكثر من 48 ألف وافد في عام 2024 إلى اليونان.
حيث دخل أكثر من 42 ألف مهاجر إلى اليونان عبر جزر بحر إيجة، و6 آلاف عبر الحدود البرية الطويلة التي تفصل اليونان عن تركيا الواقعة على بعد بضعة أميال بحرية من تلك الجزر.
وتراقب السلطات اليونانية وصول هؤلاء المهاجرين إلى جزرها وتعمل على محاولة ضبطهم وإدخالهم في مخيمات لتسجيلهم ومعالجة ملفاتهم أو منحهم أورقا مؤقتة للتنقل يستخدمها البعض في الهروب بطرق مختلفة إلى دول أوروبية ثانية لتقديم اللجوء هناك.
وحاليا تبلغ نسبة الإشغال في المخيمات الموجودة في الجزر 100 بالمئة، لكن المخيمات في البر الرئيس ممتلئة بنسبة 55 بالمئة فقط، ما يترك مجالا للمناورة في حال زيادة عدد الوافدين إلى الجزر.
ورغم تسجيل حوادث غرق قوارب المهاجرين في البحر المتوسط المتوجهة نحو اليونان وتوثيق وفيات، إلا أن تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر نحو اليونان من تركيا ولبنان وبصورة أقل من سوريا وليبيا ما تزال مستمرة متصاعدة.
وأعلن مسؤول يوناني كبير مطلع على قضية الهجرة في 24 أكتوبر 2024 أن اليونان تريد مناقشة إجراءات أكثر صرامة مع جارتها تركيا والاتحاد الأوروبي لتقييد أنشطة المهربين الناشطين على أراضيها.
وقال المسؤول طالبا عدم كشف هويته لوكالة الصحافة الفرنسية "لا نفعل ما يكفي للتصدي لمهربي المهاجرين، نحن نثير الملف مع نظرائنا الأوروبيين وجيراننا الأتراك".
"بصمة دبلن"
وتعليقا على هذه الإحصاءات، قال محمود العيسى، وهو محام سوري مقيم في ألمانيا، إن "هناك طردا وإبعادا متعمدا من اليونان للمهاجرين نحو دول أوروبية ثانية، خاصة عندما تبلغ مرافق احتجاز اللاجئين طاقتها الاستيعابية والتي تقول الحكومة إنها تبلغ 50 ألف شخص".
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "اليونان كنقطة انطلاق أساسية نحو دول أوروبية مثل ألمانيا وبلجيكا وهولندا ربما تعطي فرص لتلك الدول عبر السماح بمرور الواصلين إلى أراضيها لتخفيف العبء عليها على الرغم من أنها تتلقى المساعدات من الاتحاد الأوروبي".
وأوضح العيسى أن "ما يجعل اليونان وجهة غير مفضلة لكثير من اللاجئين لتعدد الطرق في الوصول إلى جزرها البحرية، ثم لرغبة هؤلاء اللاجئين في الالتحاق بأقاربهم في بعض دول أوروبا أو الحصول على الميزات التي تتمتع بها دول أوروبية لا تمنحها اليونان".
وفي سياق متصل، أشار إلى أن “هناك من يحصل على بصمة دبلن في اليونان ثم يقصد دولا أوروبية مثل ألمانيا وبلجيكا ويبدأ في عملية كسر البصمة عبر توكيل محامٍ”.
“وهناك من ينجح في ذلك ويحصل على اللجوء وهذه عملية تأخذ وقتا إذ إن البعض ليس لديه مانع من الانتظار والسير في الطرق القانونية للحصول على اللجوء”، بحسب العيسى.
و"اتفاقية دبلن" أقرت في 15 يونيو/حزيران 1990 ووقع عليها في العاصمة الأيرلندية تباعا دول الاتحاد الأوروبي.
وهي: النمسا، بلجيكا، بلغاريا، كرواتيا، قبرص، جمهورية التشيك، الدنمارك، استونيا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، هولندا، هنغاريا، أيسلندا، أيرلندا، إيطاليا، لاتفيا، ليختنشتاين، ليتوانيا، لوكسمبورغ، مالطا، النرويج، بولندا، البرتغال، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، إسبانيا، السويد، سويسرا.
وبموجب لائحة دبلن فإنه تؤخذ بصمات أي طالب لجوء في أول دولة يدخلها -من الدول الموقعة على الاتفاقية- وتدرج في قاعدة البيانات المشتركة.
وبالتالي يمكن تحديد ما إن كان صاحبها تقدم بطلب لجوء في دولة أوروبية أخرى غير التي يوجد فيها أم لا.
وفي حالة قيامه بذلك تعد دولة الاختصاص غير مختصة بطلب لجوئه، ويُعاد إلى الدولة الأولى التي بصم فيها.
وأشار العيسى إلى أن "ألمانيا فيها فرص عمل أكثر من اليونان وأعلى أجرا حتى إن قصة نجاح اللاجئين السوريين (عددهم أكثر من مليون) في هذا البلد تشجع هذه الدولة من الناحية المادية والاقتصادية البحتة لاستيعاب أعداد جديدة من اللاجئين".
وقال العيسى إن "اللاجئين يحركون اقتصاد أوروبا بشكل أو بآخر ومقولة القارة العجوز هي حقيقة وقد لعب المهاجرون بعد عام 2015 إلى أحداث موجة جديدة من الانتعاش الاقتصادي وبث دماء جديدة في السوق الأوروبية".
وذهب للقول: "اليونان تتعمد غض الطرف عن المهاجرين للسماح لهم بعبورها نحو دول أوروبية ثانية، والأسباب كثيرة في ذلك.
منها بالدرجة الأولى رغبة اللاجئ في اختيار بلد أوروبي غير اليونان، فضلا عن الأسباب الفنية والقدرة الاستيعابية أو عدم تحمل الرعاية الصحية لهؤلاء القادمين من مناطق حروب وربما يعانون مشاكل صحية مزمنة، بحسب المحامي السوري.
وأشار إلى أن "الجزر اليونانية تفتقر إلى الموظفين وضباط الشرطة وخفر السواحل اللازمين لتسجيل الوافدين قبل نقلهم إلى معسكرات مكتظة في جزر".
سياسات أكثر صرامة
وفي نهاية أكتوبر 2024 قال وزير الهجرة نيكوس باناجيوتوبولوس إن اليونان تسعى إلى تطبيق سياسات هجرة أكثر صرامة من جانب الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي تستعد فيه لزيادة محتملة في أعداد المهاجرين واللاجئين بسبب الحرب المستمرة في الشرق الأوسط.
وأشار باناجيوتوبولوس إلى أن الحكومة تدرس إنشاء مرافق احتجاز على جزيرتي رودس وكريت بعد أن تضاعف معدل الوافدين عن طريق البحر أكثر من الضعف، بدءا من خريف 2024.
وقال باناجيوتوبولوس لقناة أكشن 24 التلفزيونية الخاصة: "بناء على البيانات الحالية، نتوقع أنه بحلول نهاية العام، سيكون حوالي 50 ألف مهاجر قد دخلوا بلادنا".
وقال الوزير إن المهاجرين يأتون في الغالب من الساحل التركي ولكن أيضا من طرق شمال إفريقيا حيث يتأثر الوافدون بالصراعات في الشرق الأوسط.
ولكنه أضاف: "من المؤكد أننا نشهد بعض التدفق من لبنان، لكننا لم نشهد بعد الارتفاع الذي قد نتوقعه من صراع واسع النطاق هناك".
وتأتي موجة اللجوء هذه الجديدة نحو أوروبا، في وقت من المتوقع أن يدخل اتفاق الهجرة التاريخي للاتحاد الأوروبي الذي تم الاتفاق عليه منتصف عام 2024 حيز التنفيذ في منتصف عام 2026، بعد جولة جديدة من المفاوضات.
ويقول المسؤولون اليونانيون إنهم يسعون إلى إدخال تعديلات من أجل إنشاء سياسات ترحيل أكثر قوة وضوابط حدودية خارجية أكثر صرامة.
ومن وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، فإن مسارات الهجرة القانونية المحدودة، إلى جانب وجود ضغوط هجرة متزايدة بالفعل، قد تؤدي إلى تكرار أزمة اللاجئين في عام 2015.
ولكن المشهد السياسي اليوم مختلف، فقد أدى الدعم المتزايد للأحزاب المناهضة للهجرة إلى خلق انقسامات اجتماعية أعمق بشأن قبول اللاجئين.
وتحول الرأي العام نحو المطالبة بفرض ضوابط حدودية أكثر صرامة والحد من استقبال المهاجرين .
وقد تعمق هذا الاتجاه المستمر منذ انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2024، عندما اكتسبت الأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة أرضية سياسية كبيرة.
ومع اتساع تدفقات الهجرة، يتعين على أوروبا أن توازن بين الاحتياجات الإنسانية الفورية والقضايا الأطول أمدا المتعلقة بإعادة توطين اللاجئين ودمجهم.
بيد أن المشهد السياسي الحالي في القارة يفرض عقبات بالغة الصعوبة تحول دون تحقيق هذه الغاية، لا سيما أنه اليوم يدفع العدوان الإسرائيلي على لبنان اللاجئين السوريين والفلسطينيين والمقيمين اللبنانيين للهجرة بحرا نحو أوروبا.