رغم مزاعمه بشأن سيادة تونس.. لماذا لم يرد قيس سعيد على تدخلات إسرائيل؟

منذ ٦ ساعات

12

طباعة

مشاركة

رغم رفعه المستمر لشعار السيادة والاستقلالية، إلا أن حادث تدخل مسؤول إسرائيلي في الشأن الداخلي التونسي، أعاد نقاش مزاعم الرئيس قيس سعيد، خاصة أن نظامه لم يرد على هذا التدخل.

الواقعة الأخيرة جسدها جدعون ساعر، وزير الخارجية الإسرائيلي، بعد دعوته السلطات التونسية إلى "حماية المواطنين اليهود"، عقب حادثة محاولة طعن صائغ في جزيرة جربة.

إذ أصيب صائغ تونسي يهودي بجروح في 8 مايو/أيار 2025، إثر تعرضه لاعتداء من رجل مسلح بسكين، بحسب ما صرح روني الطرابلسي، ممثل الجالية اليهودية والوزير السابق لوكالة فرانس برس.

واستغل جدعون ساعر، الحادثة وكتب على حسابه في منصة إكس: "أُدين بشدة الهجوم على يهودي في جربة بتونس. وأتمنى الشفاء العاجل للشخص المصاب".

وأضاف: "يأتي هذا الهجوم بعد عامين من الهجوم المميت السابق الذي أودى بحياة يهود وأفراد أمن خلال احتفالات عيد "لاغ بعومر" (عيد يهودي).

ودعا السلطات التونسية إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية الطائفة اليهودية.

في المقابل، قررت هيئة تنظيم الزيارة السنوية الدينية لمعبد الغريبة بجزيرة جربة تنظيم زيارة هذا العام بداية من يوم 11 مايو حتى يوم 18 مايو 2025، مقتصرة على ممارسة الطقوس الدينية داخل المعبد فقط وعلى مشاركة اليهود المقيمين بتونس.

وأكدت الهيئة في بلاغ، وفق موقع "تونيسيان"، في 9 مايو 2025، تقديرها لجهود جميع السلطات من أجل إنجاح إحياء هذه الزيارة وتوفير أفضل الظروف لها ، مجددة تعبيرها على أن تونس تبقى أرض التسامح والتعايش والسلام.

دوافع العملية

وتفاعلا، مع هذا الانتهاك الإسرائيلي، قال الناشط السياسي إيلي الطرابلسي، نجل رئيس الطائفة اليهودية في جزيرة جربة التونسية، إنه ليست ثمة "دوافع إجرامية" لحادثة الاعتداء على صائغ في الجزيرة.

وأوضح الطرابلسي في تصريحات صحفية، أن العملية هي الثانية في أقل من شهر، ففي أبريل/نيسان 2025 أصيبت سائحة أجنبية بجروح بعد تعرضها للاعتداء بسكين من قبل أحد الأشخاص.

وحول محاولة البعض ربط الحادثة بالإرهاب ومعاداة السامية، قال الطرابلسي: "لا أعتقد -شخصيا- أن ثمة دوافع إجرامية للعملية، ولكن نحن الآن على وشك بداية الموسم السياحي في الجزيرة، ويمكن ملاحظة توقيت العملية ونوعيتها وأداة الجريمة. وعموما، الأبحاث جارية لمعرفة دوافع الاعتداء".

وأكد الطرابلسي أن "تونس ليست معزولة عن العالم، وهي تحت المجهر، وأي اعتداء على الأقليات في العالم خاصة اليهود في هذا الظرف، سواء في أوروبا أو أميركا أو في الدول العربية، يدفع بعض الأطراف السياسية للحديث عن دعم الأقليات، خاصة إسرائيل لأنها دولة يهودية، وهذا ينطبق أيضا على الأقليات الدرزية".

وكانت تونس تضم أكثر من 100 ألف يهودي قبل استقلالها في عام 1956. واليوم يقدر عددهم بنحو 1,500 شخص، تعيش الغالبية العظمى منهم في جزيرة جربة.

5953DA09-AED1-4952-B45A-5F2F84FAEFFD.jpg

تدخل سافر

عدد من الناشطين والناشطين السياسيين عبروا عن انتقادهم الشديد لتدخل المسؤول الإسرائيلي في الشأن الداخلي التونسي، منتقدين عدم رد السلطات التونسية عليه إلى الآن.

وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية التونسي الأسبق رفيق عبد السلام، متحدثا عن الرئيس قيس سعيد: "ليجب صاحب السيادة العليا والمطلقة عن المس بالسيادة الوطنية، بشأن مواطن تونسي وليس جالية تونسية عدتها دولة الاحتلال تابعة لها بالجملة والتفصيل".

وأضاف عبد السلام في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك، في 9 مايو 2025، "وإلا فإن قصة السيادة ليست إلا شماعة للاستحواذ على السلطة وضرب كل معارض وأي صاحب موقف أو رأي بحجة الخيانة والمس بالسيادة الوطنية".

من جانبه، قال الناشط السياسي عبد الواحد هاني، إن "على السلطات إنارة الرأي العام بما يجري، حتى لا ينساق الرأي العام الوطني والدولي وراء ادعاءات أبواق دولة القوة القائمة بالاحتلال..".

وأشار هاني في تدوينة نشرها عبر فيسبوك، في 8 مايو 2025، إلى أن الحادث يأتي بعد محاولة سطو على محل الصائغ، حيث استعمل فيه المعتدي سلاحا أبيضا.

أما البرلمانية فاطمة المسدي فتوجهت برسالة إلى ساعر، قالت فيها: "من الغريب أنكم تذكّرتم اليوم القيم الإنسانية، وأنتم تصمتون عن موت آلاف الفلسطينيين جوعا تحت الحصار، وأصحاب الأرض يُقتَلون بلا ماء ولا دواء ولا مأوى. كفاكم متاجرة بآلام الشعوب، وتوظيفا سياسيا لقضايا إنسانية لا تمتّ إليكم بصلة".

وأضافت المسدي في تدوينة عبر حسابها على فيسبوك، في 8 مايو 2025، "ما حدث في جزيرة جربة شأن تونسي داخلي، تتولى مؤسسات الدولة معالجته، ولن نقبل بأن يتحدث أحد باسم التونسيين، لا في جربة ولا في غيرها".

وتابعت: "في تونس، لا نقسّم أبناء الوطن على أساس الدين أو العقيدة. ومن تعرّض للاعتداء هو مواطن تونسي كامل الحقوق، تصون كرامته الدولة التونسية، لا البيانات الخارجية ولا الوصاية الأجنبية".

وخلصت النائبة البرلمانية للقول: "تصريحاتكم لا تعبّر عن تضامن، بل تمثل تدخلا سافرا ومرفوضا في شؤون دولة ذات سيادة، ترفض الاعتراف بكيانكم".

بدوره، تفاعل رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبد الكبير، مع الحدث قائلا: "تونس دولة مدنية ولا تقبل دروسا من أحد في الحماية، على أساس ديانة أو عرق أو نسب أو غيرها".

وأضاف عبد الكبير: "القانون التونسي يُطبق على الجميع والتونسيون سواسية أمام القانون، والتقدير الوحيد هو المواطنة".

نظام هش

بدوره، يرى المحلل السياسي نصر الدين سويلمي، أن الكيان الإسرائيلي ما كان ليتدخل في الشأن الداخلي التونسي لولا إدراكه أن النظام هش، وأن البلاد هشة مع قيس سعيد، سياسيا واقتصاديا.

وأضاف لـ "الاستقلال"، كما أن الكيان يفهم أن النخبة العلمانية الاستئصالية في تونس تلعب على ورقة الأقليات، وقد استخدمتها في وقت سابق، وتعدها أولوية تحارب بها الأغلبية الإسلامية في البلاد، كفزاعة أو وسيلة تخويف منهم.

وبشأن عدم تدخل أو رد وزارة الخارجية التونسية على تدخل الكيان الإسرائيلي في الشأن التونسي إلى الآن، قال سويلمي: إن ما سيثير الاستغراب هو تدخلها وليس العكس.

وأوضح، ذلك أن قيس سعيد رهن كل ما يرتبط بالخارج لصالح ضمان تحكمه وتسلطه في الداخل، ولذلك لا يعير بالا لأي شيء إن لم يكن يهدد نفوذه أو تسلطه.

ورأى المتحدث ذاته أن النظام لا يرد على أي أشياء من هذا القبيل، لأنه يريد من الجهات الأجنبية الصمت أمام انتهاكاته وحكمه الفردي.

وتابع، ولذلك نرى سعيد يهين الدولة التونسية ويحولها إلى مجرد شرطي لصالح إيطاليا وأوروبا لمنع الهجرة غير القانونية، من أجل نيل رضا تلك الدول ولو على حساب صورة تونس الحقوقية.

وأردف، كما رأينا ذلك في استقباله لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية شهر أغسطس/آب 2022 في خرق تاريخي لأعراف الدبلوماسية التونسية الحيادية في شأن نزاع الصحراء، وذلك من أجل نيل رضا الجانب الجزائري.

وخلص سويلمي إلى أن لا أحد ينتظر من سعيد أي رد فعل سيادي، لأن كل عمليات التحشيد التي يقوم بها بتونس هي لهدف واحد، وهو تقوية وتأمين الديكتاتورية الداخلية.

يرى الناشط القانوني والناشط السياسي أحمد جربي، أن ما قام به المسؤول الإسرائيلي هو تدخل سافر في شأن تونسي سيادي.

ورأى لـ "الاستقلال" أن هذا الكيان البغيض دأب على اتخاذ المواطنين اليهود في البلاد العربية تعلة للتدخل في شأن هذه البلدان وبث الفرقة بين مواطنيها في إطار سياسة فرق تسد.

وأردف، هي محاولة مفضوحة للابتزاز السياسي قصد دفع هذه البلدان نحو التطبيع القسري، مشيرا إلى أن هذا الكيان البغيض بنى سرديته التوسعية على جملة من الادعاءات الكاذبة كالبحث عن هيكل سليمان تحت المسجد الأقصى.

وأضاف، بل إني قرأت أنهم يزعمون وجود صخرة مقدسة تحت معبد الغريبة بجربة، مشددا أن كل هذه محض أكاذيب تلمودية يروج لها هذا الكيان البغيض قصد الابتزاز السياسي.

من جانب آخر، رأى جربي أن الدبلوماسية التونسية تعيش ضعفا فادحا وتوجد في وضع تيه على غرار باقي مكونات النظام الذي يعيش تخبطا على كل المستويات.

ويشارك جربي رأي سويلمي من أن الدبلوماسية التونسية فقدت زمام المبادرة، وفقدت سياسة الحياد التي عُرفت بها وصارت سهلة.

وأشار إلى أن هذا الوضع السلبي الذي تعيشه الدبلوماسية التونسية جعل رئيسة وزراء إيطاليا تنجح في توظيف تونس كحارس لحدودها.

ولذلك، يقول الناشط السياسي: نرى أنه يتم توظيفها من أطراف إقليمية ودولية عديدة، مشددا أن صمتها تجاه هذا التصريح الخطير الذي يعد تدخلا سافرا في القرار الوطني هو أمر غريب فعلا.

دعوات حزبية

انتقاد موقف الخارجية التونسية جاء على لسان بعض الأحزاب السياسية أيضا، ومن ذلك ما عبر عنه "حزب التيار الشعبي" في بيان صدر الجمعة 09 مايو 2025.

حيث طالب الحزب وزارة الشؤون الخارجية للرد على تصريحات وزير خارجية كيان الاحتلال الصهيوني في علاقة بطعن مواطن تونسي يهودي في جربة.

وأضاف التيار الشعبي: "هؤلاء النازيون القتلة غير مؤهلين لإعطاء الدروس لأحد في العالم"، داعيا كل القوى الوطنية في تونس إلى إدانة هذا التصريح وتأكيد أن وحدة تونس أرضا وشعبا أمر مقدس للجميع وأن العدو الصهيوني هو عدو لكل التونسيين.

وشدد الحزب على أن الكيان الإسرائيلي يحاول خلق تناقضات داخلية في كل الأقطار العربية، في إطار مشروع تفكيك الدول والمجتمعات، وإيجاد نقاط ارتكاز للتدخل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر على غرار ما يحصل في أكثر من قطر عربي.

وشدد التيار الشعبي على ضرورة سن قانون يجرم التعامل مع العدو الصهيوني والتطبيع معه والاعتراف به، معتبرا أن هذا القانون "بات ضرورة أكثر من أي وقت مضى، لغلق كل المنافذ التي يمكن أن يستغلها العدو لاختراق الأمن القومي لتونس".

وأشار إلى ضرورة عدم الاستهانة بهكذا تصريحات، فكل ما يقوم به العدو الصهيوني هو ضمن إستراتيجيات مُعدّة سلفا لخلق الفوضى والدمار في كامل الوطن العربي، وكثير من الوقائع التي فرضها في أكثر من قطر عربي كانت في السابق مجرد تصريح.

وأكد ضرورة العمل على تعبئة وطنية حقيقية لرفع وعي ويقظة شعبنا لمواجهة تحديات جسيمة قادمة إقليميا ودوليا، وفق نص البيان.

DJERBA.jpeg

شهدت تونس خلال مايو من سنة 2023، حدثا بمعبد يهودي في جزيرة جربة، أدى إلى مقتل أحد عناصر الأمن واثنين من الزوار على يد مهاجم مسلح.

وقالت وزارة الداخلية التونسية في بيان وقتها، إن عنصر أمن داهم مركز الحرس البحري بجزيرة جربة وقتل عنصرا أمنيا في المركز وسرق سلاحه، ثم توجه إلى محيط الكنيس وأطلق النار على اثنين من الزوار، قبل أن يلقى مصرعه خلال تبادل إطلاق نار مع قوات الأمن.

وأضاف بيان الداخلية أن هذه العملية أسفرت عن مقتل عنصر أمن واثنين من الزوار لم يُكشف عن هويتهما، كما أصيب 5 من عناصر الأمن و5 أشخاص إصاباتهم متفاوتة الخطورة.

ونهاية شهر فبراير 2025، شهدت جربة أيضا احتجاجات لمواطنين يهود، أمام منطقة الأمن الوطني، ومحاولات لاقتحامه، بغية إخراج مواطن تونسي يهودي تم احتجازه في المركز الأمني.

وجاءت تلك التفاعلات بعد أن أوقفت الوحدات الأمنية مواطنا تونسيا مفتشا عنه لفائدة مصادر قضائية ومحكوم غيابيا بسبع سنوات سجنا، وهو ما دفع بسكان حيّه (حارة اليهود) إلى الاحتجاج مطالبين بإخلاء سبيله.

وأفادت جهات أمنية وقتها، بأنه تم تسليم الموقوف إلى مصدر التفتيش الذي فند ما يروج من شائعات بخصوص طبيعة انتمائه، موضحا أنه "مواطن تونسي مفتش عنه لجهات قضائية".