"منفذ على المحيط الأطلسي".. هل تتفاعل الجزائر مع رسالة العاهل المغربي؟

6 days ago

12

طباعة

مشاركة

في رسالة موجهة لجارته الشرقية، بغية طي النزاع القائم بشأن إقليم الصحراء الغربية، رحب العاهل المغربي محمد السادس بسعي الجزائر للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي، منتقدا في الآن نفسه دعاة "الانفصال" وداعميهم.

جاء ذلك في خطاب للملك محمد السادس، بمناسبة "المسيرة الخضراء"، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حيث أكد أن تلك "المسيرة السلمية والشعبية (عام 1975)، مكنت من استرجاع الصحراء المغربية (من الاستعمار الإسباني)، وعززت ارتباط سكانها، بالوطن الأم".

مبادرة دولية

وقال العاهل المغربي إنّه "منذ ذلك الوقت، تمكن المغرب من ترسيخ واقع ملموس، وحقيقة لا رجعة فيها، قائمة على الحق والشرعية، والالتزام والمسؤولية".

ورأى أن "ذلك يتجلى من خلال تشبث أبنائنا في الصحراء بمغربيتهم، وتعلقهم بمقدسات الوطن.. والنهضة التنموية، والأمن والاستقرار، الذي تنعم به الصحراء المغربية.. والاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء، والدعم الواسع لمبادرة الحكم الذاتي".

وقال الملك إنه "بموازاة مع هذا الوضع الشرعي والطبيعي، هناك مع الأسف، عالم آخر، منفصل عن الحقيقة، مازال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن".

واستطرد: "هناك من يطالب بالاستفتاء، رغم تخلي الأمم المتحدة عنه، واستحالة تطبيقه، وفي نفس الوقت، يرفض السماح بإحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، ويأخذهم كرهائن، في ظروف يرثى لها، من الذل والإهانة، والحرمان من أبسط الحقوق".

وأردف بأن "هناك من يستغل قضية الصحراء، للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي".

وأضاف: "لهؤلاء نقول: نحن لا نرفض ذلك؛ والمغرب كما يعرف الجميع، اقترح مبادرة دولية، لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في إطار الشراكة والتعاون، وتحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة".

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2023، اتفق وزراء دول الساحل الإفريقي، بمدينة مراكش المغربية، على إنشاء فريق عمل وطني في كل دولة، لإعداد واقتراح سبل تفعيل مبادرة دولية للملك محمد السادس، لاستفادة بلدان الساحل من المحيط الأطلسي.

وبدأت قضية الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول النزاع بين المغرب وجبهة "البوليساريو" إلى نزاع مسلح استمر حتى 1991، وتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.

ويقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا في الإقليم تحت سيادته، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‪‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم

وفي السياق، قال الخبير في قضية الصحراء، أحمد نور الدين، إن ما جاء في الخطاب بشأن المنفذ الأطلسي “موجه بشكل مباشر إلى الجارة الشرقية للمغرب، أي الجزائر”.

وأضاف نور الدين لـ"الاستقلال"، أن "دعم الجزائر المستمر لجبهة البوليساريو يروم الوصول إلى الواجهة الأطلسية، نظرا لمحدودية حدودها البحرية في الواجهة المتوسطية".

ورأى أن “هذا الحلم لطالما راود الكثير من المسؤولين الجزائريين”، وفق قوله.

من جهته، قال الوزير والدبلوماسي الجزائري السابق، عبد العزيز رحابي: "لو كانت لها أطماع للنفاذ نحو الأطلسي لقبلت عرض ديغول وفرانكو".

وأفاد بأن "الصحراء الغربية عُرضت عدة مرات على الجزائر اقتراحات من فرنسا في عهد الرئيس شارل ديغول، ومن إسبانيا في عهد الديكتاتور فرانكو للتنازل لها عليها، وحتى من الولايات المتحدة التي اقترحت، حسبه، على الجزائر تقاسمها مع حليفها المغربي". 

وذكر في مقال نشرته جريدة "الوطن" الجزائرية في 13 نوفمبر 2024، أن "الجزائر رفضت هذه المقترحات كلها لأنها كانت تفتقر إلى الشرعية".

فيما لم يصدر عن السلطات الجزائرية أي تعليق بخصوص ما جاء في خطاب العاهل المغربي بشأن “منفذ المحيط الأطلسي”.

مسؤولية كاملة

من جانب آخر، قال نور الدين، لـ"الاستقلال" إن "العاهل المغربي في خطاب المسيرة الخضراء حمّل الأمم المتحدة كامل المسؤولية للقيام بما يلزم من إجراءات لتأكيد العلاقة الشرعية والتاريخية للمغرب بالصحراء".

وتابع: "وكذا القطع مع المسلسل السريالي العبثي بشأن القضية، ومنه التقسيم والاستفتاء أو محاولة الإبقاء على الملف كشكل من أشكال الابتزاز، أو لعبة في يد البعض للتغطية والإلهاء عن أزماته الداخلية".

وأكد نور الدين أن "الرسالة التي أراد الملك محمد السادس بعثها، عنوانها أن المغرب حسم الأمر بشكل نهائي، وأن المدفعية يجب أن تصوب نحو الأمم المتحدة لإغلاق الملف بشكل رسمي".

هذا التوجه، وفق الخبير في قضية الصحراء، يقوم على إنهاء بعثة "المينورسو"، لأنه لم يعد لها ما يبرر وجودها، بعد انهيار المهمتين الوحيدتين اللتين أنشئت من أجلهما، أي الاستفتاء ووقف إطلاق النار".

وتابع، فالأولى "قالت عنها الأمم المتحدة في تقرير عام 2004 استحالة تنظيم الاستفتاء بسبب انسحاب الجبهة الانفصالية من لجان تحديد الهوية".

وأضاف، أما المهمة الثانية "فقد انتفت بعد إعلان الجبهة الانفصالية عام 2020 عن تنصلها رسميا من اتفاق وقف إطلاق النار، وعودتها إلى أعمال إرهابية وعسكرية في المنطقة العازلة، برعاية ودعم وتأطير عسكري جزائري".

وشدد نور الدين على أن "الدور في الوقت الراهن على عاتق وزارة الخارجية المغربية، للتحرك داخل اللجنة الرابعة من أجل تعبئة أصدقاء المغرب للتصويت على توصية تعلن أن ساكنة الصحراء قامت فعلا بتقرير مصيرها".

من جانبه، أكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، محمد نشطاوي، أن "الجميع لاحظ نبرة الخطاب الملكي التي كانت قوية، وذلك بعد السنوات التي كانت فيها اليد المغربية ممدودة إلى الجزائر على سبيل المثال".

وذكر نشطاوي لـ"الاستقلال"، أن "الجارة الشرقية لم تستجب لهذه اليد الممدودة، بحيث رفعت سقف معاندة المصالح العليا للمملكة أو تهديد هذه المصالح".

وأوضح أن "تغير لَهجة الخطاب تعود إلى أن المعطيات الأخرى التي ترتبط بملف قضية الصحراء المغربية تغيّرت هي الأخرى، إذ تعزز هذا الملف باعتراف فرنسي وإسباني وأميركي، في وقت مازالت الجزائر تُصر على عدم فتح صفحة جديدة مع الرباط".

وتابع: "إلى جانب الاعترافات التي عبّرت عنها دول كبرى بخصوص سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، نجد أن قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم 27.56، أكد هو الآخر على مبادرة الحكم الذاتي، في وقت طلب الملك محمد السادس ضمن خطابه من الأمم المتحدة تحمل مسؤوليتها في طيّ هذا النزاع".

رد البوليساريو

رد جبهة البوليساريو على خطاب العاهل المغربي كان في اليوم نفسه، وذلك عبر بلاغ نقلته "وكالة الأنباء الصحراوية"، في 6 نوفمبر 2024.

وقالت الجبهة إن "الملك المغربي لجأ من جديد إلى السباحة في بحر الوهم والتضليل في خطاب يُجسد بلغة التصعيد الأجوف مدى ما بلغه النظام المغربي من تعنت وتمرد على الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والتمادي في منطق التوسع والاحتلال"، وفق تعبيرها.

وعبرت الجبهة عن إدانتها "بأشد عبارات الإدانة ما جاء في خطاب الملك المغربي، من مغالطات ومحاولة لتحريف الحقائق التاريخية والقانونية الثابتة بخصوص الطبيعة الدولية لقضية الصحراء الغربية كقضية تصفية استعمار".

واتهمت الجبهة المغرب بـ"عرقلة كل مراحل تطبيق خطة التسوية الأممية الإفريقية، ثم رفضه بعد ذلك لاستفتاء تقرير المصير، وانخراطه في محاولات لتمرير بعض الحلول المشبوهة التي ولدت ميتة أصلا".

وفي 10 نوفمبر، أعلنت القيادة العسكرية لجبهة البوليساريو، "استهداف المعاقل الخلفية لقوات الجيش الملكي المغربي مرتين متتاليتين".

وذكر بلاغ عسكري للجبهة، أن "قواعد الجيش الملكي كانت على موعد مع جحيم وبأس صواريخنا مرتين وبشكل متواصل، حيث تم قصف قواعد العدو خلف الحزام الدفاعي المعادي فجرا".

واسترسل: "لينتقل أسود جيشنا للمرحلة الثانية ويكرروا القصف من جديد ظُهرا مستهدفين بلدة المحبس المحتلة، ما خلف خسائر معتبرة وحالة معنوية منهارة يسودها الارتباك والخوف بين صفوف العدو".

وقبل هذا الإعلان بيوم واحد، نقل موقع "هسبريس" المغربي عن مصدر مطلع أن "طائرة مسيرة تابعة للقوات المسلحة الملكية قصفت في 7 نوفمبر سيارة تابعة لمليشيا البوليساريو اخترقت المنطقة العازلة واقتربت من الجدار الأمني في الصحراء، ما أسفر عن مقتل عنصر واحد على الأقل ".

وتخضع المنطقة العازلة منزوعة السلاح لمقتضيات اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين المغرب وجبهة البوليساريو عام 1991، الذي انسحبت بموجبه القوات المغربية خلف الجدار الأمني لتمكين بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية "المينورسو" من مراقبة احترام وقف الأعمال القتالية.

غير أن هذه المنطقة شرق الجدار تبقى خاضعة لسيادة الرباط، التي وضعتها تحت تصرف آليات الأمم المتحدة في إطار الاتفاق.

وأعلنت الجبهة رسميا في نوفمبر 2020 العودة إلى ما تسميه "الكفاح المسلح"، لتنخرط منذ ذلك الوقت في مجموعة من الأعمال العسكرية، فيما أعلنت الرباط احتفاظها بحق الرد ضد أي أعمال تستهدف أمنها واستقرارها.

حل توافقي

وخاطب محمد السادس، الأمم المتحدة بقوله، إنه "حان الوقت لتتحمل مسؤوليتها، وتوضح الفرق الكبير، بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد، بعيد عن الواقع وتطوراته".

يشار إلى أن مجلس الأمن الدولي، دعا في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024، إلى حل سياسي “واقعي ومقبول”، بعد قرار تمديد تفويض بعثة "المينورسو" بالمنطقة لمدة عام، أي حتى 31 أكتوبر 2025.

وقال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، خالد شيات، إن "هناك مجموعة من القضايا التي يجب أن تحسم فيها الأمم المتحدة بشكل قوي ومباشر، للوصول إلى حل نهائي لهذا النزاع الذي طال أمده".

وأبرز شيات لموقع "العدالة والتنمية" المغربي، في 7 نوفمبر 2024، أن "الأولوية حاليا هي لقيام الأمم المتحدة بإحصاء ساكنة مخيمات تندوف، لمعرفة من منهم يحمل صفة اللجوء التي تضبطها اتفاقية جنيف، ومن هم خلاف ذلك".

ولفت إلى أن  “بعض الموجودين في مخيمات تندوف قد أتوا من مناطق أخرى كالجزائر ومالي وموريتانيا، وهي عائلات لا تخضع لمفهوم الحدود السياسية ولكن للانتماءات القبلية”.

واسترسل "في حين أن المشكل في أصله هو ذو طبيعة قانونية وسياسية، ولذلك يجب أن يكون هناك دعوات لفرض هذه المسألة، لأنه لا يمكن أن يكون الحل سياسيا إذا لم يكن الطرف الآخر محددا من الناحية العددية".

وأما المسألة الثانية على الأرض، فتتعلق، بحسب شيات، بما تسميه البوليساريو بـ"الكفاح المسلح" والعودة إلى استعمال القوة، وهذا يستدعي حزما من الأمم المتحدة لمنعه بأي شكل من الأشكال.

ويرى أن "الأمم المتحدة يجب أن تكتفي بالدعوة إلى وقف إطلاق النار والعودة للمفاوضات، ولكن أيضا بتحميل المعنيين كامل المسؤولية فيما يتعلق بالأعمال المسماة عسكرية".

وأكد شيات أن "سعي الأمم المتحدة لإيجاد حل من الناحية القانونية وفي إطار أممي والسعي إلى حل سياسي لهذه القضية، يحتاج إلى آلية المفاوضات وإلى تحديد أطراف هذه المفاوضات".

ويعتقد المتحدث ذاته، أن "الأمم المتحدة تتحمل مسؤوليات أخرى في عدم إعادة صياغة مناسبة لبعثتها للصحراء مع استحالة تحديد الاستفتاء، فهي أصبحت بعثة خاصة لمراقبة وقف إطلاق النار".

وشدد شيات على أن "المطلوب حاليا هو الحل السياسي المتوافق عليه، بما يطوي هذا الملف بشكل نهائي، ويحقق أمل شعوب المنطقة المغاربية في الوحدة والنهضة والاندماج الاقتصادي بين دوله الخمس".