تاريخ عريق وواقع مؤلم.. هكذا أطفأ السيسي شعلة الحركة الطلابية بمصر

داود علي | 2 days ago

12

طباعة

مشاركة

 أظهرت انتخابات الاتحادات الطلابية الأخيرة في مصر، مدى هيمنة النظام على النشاط الطلابي في الجامعات مع تغييب أي منافسة حقيقية حتى من المستقلين.

فقد كانت السمة الطاغية على العملية الانتخابية، تتمثل في هيمنة "حركة طلاب من أجل مصر" التي يقف النظام وراءها، بعد أن حققت فوزا بالتزكية لغياب المنافسين.

وشهدت سائر الجامعات المصرية في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، انطلاق انتخابات الاتحادات الطلابية، للعام الدراسي 2024/ 2025 وسط تغييب كامل للتعددية السياسية، وشباب الأحزاب الفاعلين، وحصار أجهزة الأمن أواصر "الحركة الطلابية".

يوم حزين 

وعندما انطلق ماراثون انتخابات اتحاد الطلبة، بداية من جامعة القاهرة، أكبر وأعرق الجامعات المصرية، أعلن رئيسها محمد سامي عبد الصادق: أن “الانتخابات الطلابية ليست صراعا ولكنها منافسة شريفة”.

لكن الواقع وما شهد به شهود عيان من الطلبة أنه لم يكن هناك منافسة من الأساس.

وكتب الناشط الطلابي حسام محمود عبر حسابه بمنصة إكس: “يوم حزين في تاريخ الحركة الطلابية، محدش (لا أحد) اتسمح ليه (سمح له) يقدم للترشح في انتخابات اتحاد الطلبة غير طلاب من أجل مصر في الجامعات”.

وأكمل: "عدينا (تجاوزنا) مرحلة الشطب من جدول المرشحين ووصلنا لمرحلة منع الترشح من بابه". 

فيما غرد الحقوقي سيف الإسلام عيد، قائلا: "الحركة الطلابية المصرية في الطريق إلى المحو التام". 

ودون عبد الله نمير، معلقا على مشهد الانتخابات الأحادية: "أي لحظة بشوف (أرى) فيها موت الحركة الطلابية في جامعات مصر بتصيب قلبي بنغزة تشبه النكء في جراح قديم لا يلتئم".

قائمة واحدة 

وفي 16 نوفمبر 2024، قال موقع "مدى مصر" المحلي، إن عددا كبيرا من طلاب الجامعات المصرية اشتكوا من التعنت الرسمي بهدف منعهم من الترشح.

وجاء ذلك لصالح قوائم "طلاب من أجل مصر"، المنتشرة في الجامعات كافة، والمدعومة من النظام.

وقال قيادي طلابي للموقع مشترطا عدم ذكر اسمه، تفاديا للمضايقات أو الملاحقات الأمنية، إن الانتهاكات بدأت من خلال تسليم إدارات رعاية الشباب، بجامعتي القاهرة وعين شمس، الجدول الزمني للانتخابات إلى أسرة "طلاب من أجل مصر" فقط.

وذلك قبل أن يفاجأ الطلاب، يوم تقديم أوراق الترشح، بفتح باب التقدم لخمس ساعات فقط، تزامنت مع مواعيد امتحانات منتصف الفصل الدراسي بمعظم الكليات.

وبين الموقع المصري أنه "لم تتوقف التضييقات لصالح القائمة المدعومة من النظام عند ذلك، بل وصل الأمر إلى امتناع عدد من مكاتب رعاية الشباب بكليات جامعة عين شمس عن إبلاغ الطلاب بمتطلبات الترشح".

وذلك قبل أن تستخدم ذريعة عدم استكمال الأوراق غير المعلنة رسميا، لعرقلة قبول أوراق ترشيح الطلاب للانتخابات، بمن فيهم المستقلون. 

عراقيل متعددة 

وإضافة إلى تلك الهيمنة، وضعت مجموعة كبيرة من العراقيل في وجه الطلبة الذين يرغبون في الترشح.

إذ أعلنت وزارة التعليم العالي، والمجلس الأعلى للجامعات المصرية، أن الطلبة الذين دفعوا المصاريف فقط هم من يحق لهم الترشح. فيما تحدث موقع "مدى مصر" عن مشكلة أخرى واجهها طلاب جامعة القاهرة.

 فأثناء محاولتهم دفع الرسوم اللازمة لإتمام الترشح، توقف نظام الدفع بالكامل عن العمل طوال يوم تقديم الأوراق، الأمر الذي منعهم من تقديم أوراقهم.

وبحسب شهادات الطلاب، سمح موظفو قسم "رعاية الطلبة" في المقابل لمقرر "طلاب من أجل مصر" فقط بالولوج إلى النظام الإلكتروني للكلية لدفع الرسوم اللازمة لإتمام الترشح لأعضاء القائمة كافة.

كما نقلت أنه في جامعات الزقازيق والمنصورة والإسكندرية، امتنع موظفو رعاية الشباب عن تسليم استمارات الترشح للطلاب المستقلين وطلاب الأسر الأخرى غير التابعة لـ "طلاب من أجل مصر". 

وكشفت إحدى طالبات جامعة الزقازيق، أن موظف رعاية الشباب أبلغها بشكل مباشر بعدم وجود انتخابات من الأساس، وأنه جرى اعتماد قائمة واحدة فقط أرسلت بالفعل لإدارة الكلية.

لائحة قمعية

وفي عام 2017 صدق المجلس الأعلى للجامعات على لائحة طلابية جديدة وكانت المفاجأة بالإعلان رسميا عن إلغاء اتحاد الطلاب على المستوى القومي والاكتفاء باتحادات الكليات والجامعات.

في نفس الوقت كانت جامعة القاهرة تحضر للاحتفال بذكرى حرب أكتوبر 1973، وأعلنت الجامعة خلال الاحتفال إطلاق مبادرة طلاب من أجل مصر.

وطبقا لأهدافها المعلنة، ركزت المبادرة على تدريب الطلاب على المشروعات الصغيرة مع الابتعاد تماما على العمل السياسي.

وبداية من عام 2018 حتى الآن، بدأت "طلاب من أجل مصر" رحلة اكتساح انتخابات الاتحادات الطلابية.

وقد نظمت القائمة خلال تلك الفترة الكثير من الفعاليات لأغراض سياسية مثل “احتفالية لمرور 8 أعوام من حكم السيسي والإنجازات التي حققها”، وكذلك تنظيم مسيرات داعمة للنظام.

الطالب الأمنجي

وفي حديثه لـ"الاستقلال" قال الباحث المصري أحمد راغب، إن ما يحدث في الجامعات نموذج مصغر لما يجرى في الدولة.

وتابع: “تواصلت مع طلاب في جامعة القاهرة خلال هذا العام والأعوام السابقة (..) الأمن الوطني هو الذي ينظم تلك الانتخابات بامتياز، حيث تعرض أوراق المرشحين عليه أولا، ليعمل على منح أحقية خاصة لعضوية قائمة طلاب من أجل مصر”.

ولزيادة المشهد الهزلي، يحصل أولئك الطلاب أيضا على أولوية المنح الدراسية، ومقابلة المسؤولين أو تمثيل الكلية، وفق قوله.

وعقب أن الغرض هو صناعة طالب أمنجي (في إشارة إلى تبعيته إلى الأمن) يبلغ عن زملائه حال كان لهم نشاط ديني أو سياسي، وكذلك ضمان عدم الانخراط في عمل سياسي خاصة فيما يتعلق بالتجمعات والمظاهرات. 

وعلق بأن السيسي الذي قتل السياسة في مصر وحولها إلى حالة أشبه بكوريا الشمالية والدول القمعية الكبرى، يعلم أن الحركة الطلابية هي أساس العمل السياسي، والحاضنة الأساسية لها، وبالتالي أراد أن يقضي عليها تماما. 

تاريخ عريق

ذلك الوضع الذي تشهده الجامعات المصرية، مستجد عليها في تاريخها الطويل، فعبر ما يزيد عن قرن من الزمان، لعبت الحركة الطلابية في مصر، دورا مهما وحيويا، وذلك سواء في طرد الاحتلال الإنجليزي من البلاد، أو إحياء العمل السياسي.

وهو ما جعل المؤرخ الفرنسي "والتر لاكير" يقول عنها: "لم يلعب الطلاب دورا في الحركة الوطنية مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر".

وقد شهدت بداية قوية عند تشكيلها مطلع القرن العشرين، ومن السياقات التاريخية البارزة أن وجودها سبق تأسيس أول جامعة في 21 ديسمبر/ كانون الأول 1908، تحت مسمى الجامعة المصرية (تحولت لاحقا إلى جامعة القاهرة).

وبزغت الحركة الطلابية عام 1905، على يد الزعيم الوطني "مصطفى كامل"، الذي دشن نادي المدارس العليا، بهدف تنظيم صفوف الطلبة، وتنمية الوعي السياسي لديهم، ومن ثم تعبئتهم ضد المحتل البريطاني في ذلك الوقت.

وما هي إلا أعوام قليلة" حتى اندلعت أحداث ثورة 1919، وفي القلب منها نضال الطلاب المصريين الذين لعبوا الدور الأكبر في إذكاء روحها، وشكلوا قوامها الأساسي، كطليعة لطبقة مثقفة مناضلة تحمل هم مصر.

وقتها، تكررت مشاهد وصور الطلبة، وهم يخرجون من الجامعة والمدارس حاملين لافتة "الاستقلال التام أو الموت الزؤام" في مسعى لنيل الشعب آنذاك استقلاله.

وبقيت جذوة نضال الحركة الطلابية مشتعلة حتى انتفاضة 1946، وكان مطلبها الأساسي، وقف أي مفاوضات مع حكومة الاحتلال في مصر.

وفيها وقعت حادثة "كوبري عباس" الشهيرة، عندما فتحت قوات الأمن الجسر أثناء عبور الطلاب، ما أدى إلى قتل وغرق عدد منهم في نهر النيل.

بعدها بدأت تلك الحركة التنسيق مع اللجان العمالية، ونجحت في تكوين جبهة واحدة، دعت إلى جعل يوم 21 فبراير/ شباط 1946، يوما للجلاء، وأطلق عليه "يوم الطلاب الوطني".

خمول وبعث

بعدها جاءت ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، وبدأت حقبة الحكم العسكري بقيادة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، ليحدث تغييب جزئي للحركة الطلابية. 

ولم يكن غيابها عن المشهد في فترة الخمسينيات والستينيات، مع هيمنة الطليعة الاشتراكية على الأمور، إلا ممهدا لفشل الحياة السياسية المصرية بشكل عام، وهي الحالة التي أدت في نهايتها إلى نكسة 1967.  

تلك الهزيمة رغم قسوتها، بعثت روح الغضب في الحركة الطلابية. ففي 21 فبراير/شباط 1968، اندلعت انتفاضة عارمة ردا على النكسة المذلة، ووصل عدد المشاركين في المظاهرات آنذاك نحو 100 ألف طالب.

لم تتوقف المظاهرات الطلابية في الجامعات، حتى تحقق النصر على إسرائيل في معركة العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وحررت مصر سيناء المحتلة.

وطيلة فترة السبعينيات شهدت الحركة الطلابية بعثا جديدا في عصرها الذهبي، حيث برزت قيادات طلابية قادت المعارضة والحياة السياسية في مصر، لسنوات طويلة بعدها.

كان ذلك واضحا في انتفاضة الخبز 18 و19 يناير/كانون الثاني 1977،  عندما زلزل الطلاب أركان النظام في ثورة حقيقية كانت فخرا لذلك الجيل بأكمله ولأجيالٍ قادمة.

نصر وانتكاسة

وخلال حقبة الرئيس المخلوع حسني مبارك، حيث الفساد السياسي، وتغول الدولة البوليسية، لم يتوقف نضال الحركة الطلابية طيلة 30 عاما.

فقد أسهم الطلاب بقوة في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، في دور استمر وتطور حتى وقوع الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، الذي قوبل برفض شعبي كبير، كان الطلاب في طليعته.

واجه الطلاب آنذاك انتهاكات غير مسبوقة، من قبل قوات الأمن التي اقتحمت مختلف الجامعات، واعتقلت الطلبة وأخفت عددا منهم قسرا، وقتلت بعضهم تحت التعذيب.

بعدها منع نظام السيسي وأجهزته القمعية انتخابات اتحادات الطلبة لمدة عامين، وشددت السلطات قبضتها على الجامعات، من خلال شركات الأمن الخاصة، وقوات الشرطة.

ثم جرت انتخابات اتحادات الطلبة مرة أخرى في 2015، لكن وفقا لخريطة النظام الجديد، الذي أراد أن تكون صورية فقط، وخالية من أي منافسة حقيقية أو أصوات معارضة.