رقص عارٍ ومشاهد خليعة.. مهرجان الرياض لتغيير الهوية أم إهانة المقدسات؟
“ابن سلمان يبحث عن قوة ثقافية جديدة للمملكة بمظهر علماني يرضي الغرب قبل الداخل”
عروض رقص، أمام مشهد افتراضي بالليزر يُحاكي الكعبة المشرفة، ومغنية أميركية تظهر وهي تخلع أشياء ترتديها (قبعة وغطاء)، ترمز ضمنا إلى العباءة أو الحجاب، وترميهما ثم ترقص، وسط تصفيق الحضور من أجانب وسعوديين.
هكذا بدأ الموسم الخامس لمهرجان الرياض الترفيهي، والذي انطلق عام 2019، بهذه المشاهد الخليعة، برعاية ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء، محمد بن سلمان، عبر مستشاره للترفيه تركي آل الشيخ، وسط تغيير مدمر ومتعمد متزايد لهوية المملكة.
ومنذ نشأتها، تستمد السعودية قوتها الناعمة وتأثيرها الخارجي من الحرمين الشريفين، لكن تحركاتها الحالية في ظل ما يُسمى "الانفتاح" الذي يقوده ابن سلمان، تشير إلى بحثها عن قوة ثقافية جديدة بمظهر علماني يرضي الغرب، قبل الداخل.
وتسعى السعودية لاستبدال قوتها التقليدية المرتبطة بوجود "الحرمين" على أرضها، بالترفيه على الطريقة الغربية المنحلة، والانسلاخ من هويتها الإسلامية، لإرضاء الغرب، و"تبييض صفحتها" الحقوقية أمامه.
تدمير ممنهج
كان استقدام رئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ، بدعم مباشر من ولي العهد، لمغنيات أجنبيات تراقصن بملابس شبه عارية، في مهرجانات الرياض المختلفة، مؤشرا للسياسة الجديد القائمة على التدمير الممنهج لهوية بلاد الحرمين.
لكن استحضار مجسم افتراضي بالألوان لشكل مربع، يشبه الكعبة، في موسم 2023 ثم 2024، يتراقص ويغني أمامه فرق أجنبية، أظهر هدفا آخر، هو إهانة المقدسات وتشويه الرموز الإسلامية الكبرى، لكل العالم الإسلامي، لا المملكة فقط.
حملة الغضب التي واكبت مهرجان 2024 تركزت حول النظر إلى ما يجرى، هذه المرة، على أنه أكبر من أن يكون ترفيها أو حداثة أو فرض هوية علمانية على المملكة التي تحتضن الحرمين، وإنما أمر يمس المقدسات الإسلامية بطريقه مباشرة يجب التصدي له.
وكان الغضب من العبث بمقدسات المسلمين، ممن يسمون أنفسهم خدام الحرمين، هو عنوان الجدل الذي تفجر بالعالم الإسلامي، حيث تكرر هذا العبث بشكل مجسم الكعبة في مهرجاني الرياض 2023 و2024.
الدعاة والسياسيون الذين تصدروا لهذا العبث، اعتبروا الأمر ليس مجرد رقص عار حول مجسم للكعبة، ولا مجرد خطة ينفذها ابن سلمان لتغيير هوية المملكة، لإلغاء دورها كخادم الحرمين، وإنما تحول مهين وصل لإهانة المقدسات نفسها.
وعدوا الهدف النهائي مما يجري، نزع وقار الكعبة والبيت الحرام من القلب، ليسهل بعد إهانة المقدسات تبرير المنكرات، وتغيير الهوية، وتصدير الإسلام الذي تريد الولايات المتحدة وإسرائيل إلى العالم عبر بلاد الحرمين.
وقالوا: “كنا نتساءل كيف سيكون خراب الكعبة كأحد علامات يوم القيامة، لكن بعد ما حدث في الرياض وجدة بجوار الكعبة مباشرة أصبحت العلامات واضحة”.
أحد علماء الدين المصريين رجح لـ"الاستقلال" سببا آخر لهذه الإهانة للمقدسات الإسلامية، معتبرا أن يكون ما حدث من مظاهر انحلالية وإهانة رمزية للكعبة في مهرجان موسم الرياض، "يأتي في إطار مشروع الدين الإبراهيمي أو له صلة به".
وأشار إلى أن الهدف "تمييع الدين وإضاعة معالمه وأركانه في نفوس المسلمين وضرب قيم وحرمه وقدسية الإسلام والمقدسات، وتهوين حرص المسلم على التمسك والاعتزاز بالحرمين الشريفين، تدريجيا، ليسهل قبول السعوديين بالهوية الجديدة (العلمانية) لبلادهم".
واتهم عالم الدين حكام السعودية بأنهم يسعون بهذه الأفعال لإضعاف "رمزية الإسلام" وقوته في العالم، وإهانة الشعائر الإسلامية، لأن العالم "ينظر للمملكة كرمز للإسلام، وحين يرونها تنخلع عن الإسلام وترتمي في أحضان مظاهر الغرب الانحلالية، تضعف رمزية الإسلام لديهم".
قصة المجسم
ليست هذه المرة الأولى التي يظهر فيها شكل في صورة ألوان بتقنية صورة تنزل من مرآة في السقف، لمجسم يشبه الكعبة في مهرجان الرياض.
فقد تكرر ذلك في مهرجان الرياض بنسخته الرابعة في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حين قام منظمو حفل المغنية بيكي جي ومباراة مصارعة بإنزال مجسم يشبه الكعبة على الحلبة من أجهزة فنية ومرآة في السقف عبر ألوان الليزر، قبل بدء المباراة.
وخلال افتتاح موسم الرياض الترفيهي في 28 أكتوبر 2023، عُرض مجسم من الأنوار مصغر للكعبة، وتم عرض لقطات من المطربين والراقصين حوله، وكانت المغنية بيكي جي تغني في حفل الافتتاح آنذاك.
مصادر سعودية تابعت مهرجانات الرياض المختلفة أبلغت "الاستقلال" أنه خلال مهرجان الرياض نهاية أكتوبر 2023، ظهر بالفعل مجسم بالألوان، للكعبة لأول مرة.
ووقتها أثير جدل داخل المملكة، ولكن بسبب تزامن العرض مع انشغال العالم بإبادة قطاع غزة، جعل أخبار مجسم الكعبة ورقص مطربات وعارضين حولها، تتوارى ولا تثير ضجة كالتي حدثت في مهرجان 2024.
المصادر أوضحت أنه في موسم 2023، افتتحت الليلة الأولى بصور لمجسم للكعبة الشريفة على خشبة المسرح وجدرانه عبارة عن شاشة عرض للفرق الراقصة وظهر بوضوح خلال حفل غنائي راقص لفرقة أجنبية بقيادة المغنية "بيكي جي".
لكن، اختلط الأمر على كثيرين خلال مهرجان 2024، وتصوروا أن فيديو 2023 الذي ظهر فيه مجسم الكعبة بوضوح خلال العروض الراقصة، هو فيديو تم في المهرجان الحالي، وجرى تداوله على أنه حدث هذا العام.
وتقول المصادر السعودية إن مجسم الكعبة الذي يتم إظهاره عبر أشكال بالليزر والأضواء الملونة، ظهر أيضا في مهرجان عام 2024، ولكن بصورة مخففة، وكان الأمر واضحا في دعاية تركي آل الشيخ نفسه للمهرجان عبر حسابه.
وأضافت، أنه سبق أن أثار مشروع ترفيهي سكني إداري في الرياض يُسمى "المكعب" أعلن عنه ولي العهد ابن سلمان، جدلا مشابها في فبراير/شباط 2023.
المشروع أثار ضجة بسبب تشبيه اسمه "المكعب" ومجسم تصميماته بالكعبة المشرفة، ما أغضب كثير من المسلمين في العالم، بحسب شبكة "سي إن إن" في 17 فبراير 2023.
انتشار الرذيلة
وردا على الضجة، نفت الهيئة العامة للترفيه في السعودية "مزاعم" استخدام نموذج للكعبة المشرفة خلال المهرجان، ومع ذلك، بدا أن مقاطع الفيديو المتداولة على الإنترنت تتناقض مع هذه المزاعم، حسبما ذكر موقع "ملفات أهل السنة والجماعة" في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
واقتصر النفي على مواقع عربية مغمورة غير معروفة، ركزت على نفي وجود أصنام أو مجسم مبني للكعبة في عروض الغناء والرقص.
لكن، للتخفيف من أثر الصدمة والغضب في الشارع الإسلامي، نفت ما تُسمى "هيئة مكافحة الإشاعات السعودية"، التي تقول إنها جهة "مستقلة" غير رسمية، "وجود مجسمات أصنام ومجسم للكعبة في عرض أزياء موسم الرياض 2024".
وأفادت الهيئة، التي تقول إنها نشأت عام 2012 للرد على الشائعات، عبر منصاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، بـ"عدم وجود مجسمات للكعبة في المملكة، وأنها صورة لمرآة متصلة للسقف، وتمت معالجتها رقميا بإضافة أصنام عليها".
ومع هذا دافعت الهيئة عن مجسمات الكعبة وقالت إن "هناك مباني مكعبة مشهورة في أرجاء المعمورة، مثل متجر أبل في نيويورك ومكعب برلين في ألمانيا، ولكن لم يخطر ببال أحد أنها تمثل الكعبة كما يُشاع اليوم عن المملكة".
وكان لافتا قيام مجهولين بثوا صورا مفبركة عبر مواقع التواصل لمجسم الكعبة الذي ظهر عام 2023، وأضافوا له أصنام من الحجارة كالتي تظهر في الأفلام التاريخية القديمة لأصنام قريش، وبجوارها عارضات الأزياء، لانقاد مهرجان الرياض.
لكن المصادر السعودية رجحت أن تكون هذه الصور المفبركة من صنع موالين لتركي آل الشيخ، بغرض بناء قصة نفي وجود أي مخالفات شرعية في المهرجان، مع نفي قصة وجود "أصنام".
وهو ما ظهر في رواية "هيئة مكافحة الإشاعات" ورواية صحف مغمورة تطوعت بنشر نفس الخبر عن عدم وجود مخالفات، مركزة على قصة الأصنام، لا مجسم الكعبة ولا ملابس المغنيات والراقصات شبه العارية.
وطالت الانتقادات علماء السلطان، ومنهم عائض القرني لأنه بشّر قبل مهرجان الرياض بانتشار الرذيلة حين قال: "كنا قبلة للصلاة فأصبحنا قبلة للسياحة والثقافة".
بالمقابل، انتشرت فيديوهات لشاب سعودي يعترض على ما يجري في أرض الحرمين ويردد الآية: “إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق”.
وصب ناشطون جام غضبهم على ابن سلمان وتركي آل الشيخ، واتهموهما بإهانة المقدسات وانتهاك حرمة الكعبة الشريفة والإساءة لها، والخروج عن القيم التي تتحلى بها بلاد الوحي، مستنكرين صمت علماء الدين على هذه الأفعال.
مصير مكة والمدينة
هذه الواقعة والإهانة المتكررة للمشاعر المقدسة دفعت كثيرين للمطالبة بالبحث عن حل لرعاية المشاعر المقدسة في مكة والمدينة بعيدا عن سلطة السعودية التي تبحث عن هوية علمانية جديدة لها.
وطرح البعض مجددا فكرة تدويل المشاعر المقدسة، على غرار ما جرى عقب حادث التدافع في 24 سبتمبر/ أيلول 2015، من قبل الحجاج في مشعر منى، والذي أدى إلى مقتل 769 حاجا، وتم اتهام إيران حينها بالترويج لفكرة التدويل.
وطرح الممثل المصري عمرو واكد فكرة "عزل مكة المكرمة والمدينة المنورة" عن "مُلك آل سعود"، وأن "يدير المدينتين أهلهما بالانتخاب، ويمنع أي شخص من امتلاك أرض عليها مقدساتنا".
وقال عبر مواقع التواصل، عقب هذه المشاهد أنه “ليس من الضروري أن تكون للسلطة السعودية وجودها الدائم في أماكن الحج، وأنه يمكن أن يكون للحجاز شبه حكم ذاتي له سلطة مستقلة وموارد إسلامية متجددة، حيث إن الحج والعمرة يجلب أرباحا”.
ودافع موالون للنظام السعودي عن مظاهر الانحلال في الرياض بدعوى أن "السعودية ليست مكة والمدينة بل قارة، ومكة والمدينة جزء من أراضيها ولهما قدسية".
وقالوا إنه "ليس هناك علاقة بين قدسيتهما والانفتاح الذي نعيشه، فمن حقنا كشعب اختيار أسلوب حياتنا بحرية دون تدخل الآخرين"، مؤكدين أن "السعودية ليست دولة كهنوتية".
حفاوة غربية
لم تصدم مظاهر العري والانحلال التي ظهرت في مهرجان 2024، خاصة حفلة المغنية الأميركية، جينفر لوبيز، السعوديين المحافظين ولا المسلمين والعرب فقط، ولكنها أدهشت صحف الغرب، التي استغربت هذا الرقص الخليع والمساس بالمقدسات.
صحيفة "ديلي ميل" البريطانية قالت إن "جينفر لوبيز قامت بأداء رقصة الإغراء في موسم الرياض".
وركزت الصحيفة، مع صحف أخرى مثل “إيكونوميست تايمز”، على أن لوبيز زادت من جرعة الانحلال والرقص، لتظهر تغلبها على محنة طلاقها الأخير من الممثل بن أفليك.
واتسم الحفل الراقص وعرض الأزياء للمصمم إيلي صعب والذي حضرته لوبيز، وكاميلا كابيو وسيلين ديون، وفنانون عرب آخرون، بالعري الفاضح والرقصات المبتذلة والإيحاءات، وتم إقحام الكعبة المشرفة فيه.
وانتقدت مجلة “لايف مينت” الترفيهية الهندية، في 16 نوفمبر 2024، السماح للوبيز بالرقص "مرتدية ثوبا ضيقا مكشوفا في الرياض"، معتبرة ذلك "معايير مزدوجة" في السعودية التي ألغت النقاب عام 2015 والعباءة عام 2018.
ونقلت المجلة عن سعوديين إن "المملكة تتصرف كدولة تقدمية مع الأجانب بينما لا تزال تعاقب المواطنين السعوديين على أي شيء يفعلونه، أي بقانونين، قانون صارم للمواطنين، وآخر ليبرالي للأجانب".
فيما قالت مجلة "فوج" للترفيه والأزياء، في 15 نوفمبر 2024، إن الماروني اللبناني مصمم الأزياء، إيلي صعب، استغل المهرجان الذي تم بناء مكانه بالملايين ليحوله إلى حفل ملحمي ينافس عروض الغرب، للفت أنظار العالم للسعودية، بحضور 900 ضيف و90 عارضة أزياء.
وسبق أن ذكرت تقارير أجنبية أن فعاليات الترفيه الخليعة التي يقدمها تركي آل الشيخ مندوب ولي العهد هدفها تغيير هوية المملكة الإسلامية، مثل مهرجان "ميدل بيست" للرقص والغناء ومسابقات المصارعة النسائية وغيرها.
وسلطت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2022، الضوء على "التحول الثقافي السريع بالسعودية والذي يثير جدلا واسعا بين المواطنين أنفسهم في بلد يعرف بأنه قبلة المسلمين".
وقالت: “قبل حوالي أربعة عقود أبرم النظام السعودي صفقة منحت السلطات الدينية شديدة المحافظة سيطرة واسعة، ولكن منذ وصوله لولاية العهد عام 2017، عمل ابن سلمان على تهميش السلطات الدينية في محاولة للانفتاح”.
المصادر
- Jennifer Lopez performs in plunging fringe bodysuit at Riyadh event; netizens slam ’double standards’ in Saudi Arabia
- Saudi Arabia: Controversy Erupts Over Women Circling a Replica of the Ka’aba During Riyadh Season
- Jennifer Lopez, 55, still fresh-faced after ELEVEN-hour flight from Saudi Arabia
- السعودية.. تشبيه مشروع "المكعب" بمجسم الكعبة يثير جدلا
- A Saudi Rave Sparks Debate Over Kingdom’s Cultural Transformation