"تجاوز الخطوط الحمراء".. ما حقيقة دعم روسيا للحوثيين في البحر الأحمر؟
“هناك غياب دليل واضح عن نوع بيانات الاستهداف التي قدمها الروس للحوثيين”
رأت تحليلات أن “هناك حربا روسية غير معلنة على الشحن الغربي”، جراء استهداف "الحوثيين" بصواريخ ومسيّرات سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بها في البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي في خضم "تضامنها مع قطاع غزة" التي تواجه إبادة إسرائيلية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وقالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إنه "في السابق، بدا أن روسيا والصين تستفيدان من هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر؛ لأن الهجمات تجنبت سفنهم، ولكن اتضح أن موسكو كانت أكثر من مجرد مستفيد سلبي".
من جهتها، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أخيرا، بأن "روسيا كانت تزود الحوثيين ببيانات لتمكينهم من شن هجماتهم".
فيما علقت فورين بوليسي: ”بعد أن تجاوزت روسيا هذا الخط الأحمر من خلال تقديم المساعدة الفعلية للهجمات على الشحن الغربي، قد تبدأ دول معادية أخرى في مشاركة بيانات عسكرية عالية المستوى مع وكلاء تختارهم".
وقالت المجلة إن "أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعم بنشاط الهجمات على الشحن العالمي".
ورأت أن "هذا انتهاك صارخ للقواعد البحرية، التي تمنح السفن التجارية الحرية والحق في الإبحار ليس فقط في أعالي البحار، ولكن أيضا عبر مياه الدول الأخرى وعبر المضائق المعترف بها دوليا، دون الخوف من العدوان".
وشددت على أن "حقيقة أن روسيا تقدم للحوثيين معلومات محددة حول الوجود الدقيق للسفن في البحر الأحمر، تجعل هذا الممر المائي الإستراتيجي أكثر خطورة بالنسبة للسفن المرتبطة بالغرب".
معلومات معقدة
وقالت: "لقد حقق الحوثيون نجاحا كبيرا بفضل الصواريخ والطائرات بدون طيار المتطورة التي قدمتها إيران".
واستدركت: "لكن امتلاك أسلحة عالية الأداء لا يجلب سوى فائدة محدودة إذا ضربت هدفا خاطئا، ومن المعلوم أن الحوثيين يفتقرون إلى التكنولوجيا التي تسمح لهم بتمييز إحداثيات السفينة".
وأوضحت أنه "في هذه اللحظة، وكما اتضح لنا، تحولت روسيا إلى حليف مفيد للغاية، حيث ساعدت الإحداثيات الروسية الحوثيين على مواصلة هجماتهم حتى في الوقت الذي كانت فيه السفن البحرية الغربية تحاول إحباطهم".
بدوره، قال نائب الأدميرال المتقاعد في البحرية الملكية البريطانية، دانيال بوتس، إن "الاستهداف يشمل مجموعة واسعة من التعقيدات، ذلك أن ضرب هدف ثابت على الأرض يمكن أن يكون سهلا مثل استخدام المعلومات على خرائط جوجل".
وتابع: "أما من جهة أخرى، فعندما يتعلق الأمر بالأهداف المتنقلة مثل السفن في البحر، فإن ضربها يتطلب بيانات استهداف عالية الدقة وفي الوقت الفعلي لشن الهجوم".
وأكد بوتس أن "مثل هذا الاستهداف معقد للغاية حتى بالنسبة للأساطيل البحرية الغربية".
وأوضحت المجلة أنه "نظرا لأن السفن متحركة، فإن بيانات الاستهداف تحتاج عادة إلى معلومات في الوقت الفعلي لشن الهجوم".
وأشارت إلى أن "هناك احتمالا كبيرا بأن البيانات التي قدمها الروس تتضمن معلومات تُحدَّث في الوقت الفعلي، رغم عدم توفر تفاصيل دقيقة عن طبيعتها".
فيما قال بوتس: "هذا التطور بلا شك مهم وملحوظ، لكنه لا يفاجئني".
من جانبه، أوضح الأدميرال المتقاعد والقائد السابق للبحرية الدنماركية، نيلز كريستيان وانغ، أنه "إذا كانت هناك سفينة تجارية مرتبطة بالغرب وتُبحر عبر البحر الأحمر حتى وإن كانت ترافقها سفن حربية، فإنها ستظل تتجنب استخدام أنظمة التعريف التلقائي (AIS)، وهو نظام ملاحي بحري يعتمد على تحديد المواقع".
هذا يعني -بحسب الأدميرال المتقاعد- أن الحوثيين سيواجهون صعوبة في معرفة السفن القادمة ومواقعها، لذا ستكون هذه البيانات الروسية ذات فائدة كبيرة للغاية".
والجدير بالذكر أن القوات البحرية الغربية في البحر الأحمر تؤمّن حماية للسفن، دون تقدير لعلمها أو الدولة التي تملكها.
وأشارت المجلة إلى أنه "لم يتضح على وجه التحديد نوع بيانات الاستهداف التي قدمها الروس".
وقال وانغ: "قد يساعد الروس الحوثيين في الحصول على صورة بحرية دقيقة لضمان عدم استهدافهم السفن الروسية، لكنهم قد يوفرون أيضا بيانات لمساعدة الحوثيين على استهداف أهداف غربية".
وأكد أن "هناك فرقا بين إعطاء البيانات لحماية سفنك الخاصة، وبين تزويدهم ببيانات تساعدهم في مهاجمة السفن الغربية".
تجنب السويس
وعلى أية حال، تسببت هجمات الحوثيين بالفعل في انخفاض كبير في حركة الشحن في البحر الأحمر وقناة السويس إلى الشمال.
ففي الفترة من مايو/أيار 2023 إلى مايو/أيار 2024، انخفضت حركة المرور عبر قناة السويس بنسبة 64.3 بالمئة، حسبما ذكرت جريدة "المال" المصرية.
وانخفض عدد السفن التي تمر عبر القناة شهريا من 2396 سفينة في مايو 2023 إلى 1111 سفينة في مايو 2024.
وبحسب المجلة، فإن "أغلب السفن المرتبطة بالغرب تبحر بدلا من ذلك حول رأس الرجاء الصالح، ولكن هذا يستلزم إبحارا إضافيا لمدة 10-12 يوما وزيادة في التكلفة بنسبة 50 بالمئة".
ولا يزال عدد قليل من خطوط الشحن وشركات التأمين الغربية يجرؤ على إرسال سفنه عبر قناة السويس والبحر الأحمر، ولكن السفن البحرية الغربية يجب أن تبقى هناك لتوفير قدر من النظام، بحسب "فورين بوليسي".
وقالت المجلة: "خلال الأشهر الأخيرة، هاجم الحوثيون هذه السفن أيضا"، مشيرة إلى أن "تقديم روسيا لبيانات الاستهداف قد يتبعه المزيد من الدعم للحوثيين".
فوفقا لشركة ديسربتيڤ إندستريز (DI) -وهي شركة تكنولوجيا بريطانية متخصصة في اكتشاف المخاطر العالمية من مصادر مغلقة- هناك نشاط روسي واسع النطاق وغير مرئي في الأجزاء التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.
وقال وانج: "إن هجمات الحوثيين تتوافق بالتأكيد مع رغبة روسيا في إبعاد تركيز العالم عن أوكرانيا، ويكاد يُخيّل للمرء أن هذا جزء من مخطط مدروس؛ فهذه الهجمات تخدم المصالح الروسية إلى حد كبير".
وأشارت المجلة إلى أن "الآن بعد أن عبر الكرملين هذا الخط الأحمر في البحر الأحمر دون أن يعاقَب على ذلك، فقد يقرر تبادل بيانات الاستهداف مع جهات غير حكومية أخرى، وقد تفعل أنظمة أخرى نفس الشيء".
وتابعت: "تخيل، على سبيل المثال، جماعة مسلحة مرتبطة بالصين في ميانمار أو إندونيسيا تستهدف السفن التجارية في المياه القريبة، بمساعدة بيانات الاستهداف من البحرية التابعة للجيش الصيني".
وأكدت أن "الحكومات الغربية وشركات الشحن والوكلاء سيحتاجون إلى إيلاء اهتمام وثيق لهذا الأمر".
وأوضحت المجلة أنه "في الوقت الحالي، تشكل الضربات المستمرة ضد السفن الغربية خطرا هائلا على السفن التجارية المرتبطة بالغرب في البحر الأحمر والسفن البحرية الغربية الموجودة هناك لحماية الشحن".
ونوهت إلى أن "اكتشاف أن روسيا تقدم بيانات استهداف للحوثيين، قد يدفع القلة المتبقية من شركات الشحن الغربية التي لا تزال ترسل سفنها عبر البحر الأحمر إلى التوقف عن ذلك تماما، وعن استخدام قناة السويس كذلك".
وختمت المجلة قائلة: "ربما نضطر إلى التخلي عن إحدى أقدم طرق الشحن الحديثة، حتى نتمكن من كبح جماح روسيا والحوثيين".