بعد أيام من وصف الجيش له بـ"الشيطان".. سر مكالمة البرهان وابن زايد

12

طباعة

مشاركة

في تطور مفاجئ وغامض وبعد أيام قليلة من شن مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، هجوما جديدا على الإمارات، متهما رئيسها محمد بن زايد أنه "شيطان" و"صهيوني"، أُعلن عن اتصال هاتفي بين قائدي البلدين.

وبلغت العداوة بين حكام السودان والإمارات أوجها أخيرا بسبب دعم الدولة الخليجية لمليشيا الدعم السريع التي تخوض منذ أبريل/نيسان 2023 حربا ضد الجيش.

لكن فجأة أعلن عن اتصال بين قائد الجيش، رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الإمارات محمد بن زايد.

مكالمة غامضة

بحسب مصادر سودانية متعددة، كان من المفترض أن يظل الاتصال سريا، لكن وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام) أوردت الخبر.

لذا أدى هذا التسريب إلى ظهور قصتين متنافستين، واحدة من الجيش السوداني والأخرى من الإمارات، حول من بادر بالاتصال وما جرت مناقشته.

وكالة الأنباء الإماراتية وصحف أبو ظبي حرصت على القول في 18 يوليو/تموز 2024 أن البرهان اتصل بابن زايد، والأخير أكد له، حرص بلاده "على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان.

لكن الجيش السوداني ووسائل الإعلام في الخرطوم حرصت على التأكيد أن ابن زايد هو الذي اتصل بالبرهان، وأن حاكم أبو ظبي أكد "رغبته في المساعدة على وقف الحرب الدائرة في السودان".

وكان لافتا أن موقع الجيش السوداني أكد أن البرهان أبلغ ابن زايد أن "دولة الإمارات متهمة من السودانيين وبأدلة وشواهد كثيرة تثبت دعمها للمتمردين الذين يقتلون السودانيين ويدمرون بلدهم، وأن عليها التوقف عن ذلك".

ما قاله موقع الجيش السوداني ومجلس السيادة عن تعنيف البرهان ضمنا لابن زايد كان مستغربا في العلاقات الدبلوماسية.

لكن المصادر السودانية ذكرت أن البرهان تواصل مع ابن زايد من موقع قوة بعدما أفشل الجيش المخطط الإماراتي للانقلاب على السلطة الشرعية في السودان.

ويتهم الجيش السوداني الإمارات بتوفير الأسلحة والدعم لقوات الدعم السريع شبه العسكرية في الصراع المستمر منذ 15 شهرا، وهو ما تنفيه أبوظبي.

فيما أرجعت مصادر أخرى سبب التشدد في بيان الجيش تجاه الاتصال بين البرهان وابن زايد بأنه يعود لسيطرة الإسلاميين على العسكر في هذه المرحلة، وعدم رغبته في تحسين العلاقات مع الإمارات لعلمهم أنها تدبر شيئا للبلاد ولو بوسائل ناعمة.

مع هذا، حاولت حسابات سودانية معارضة للبرهان وأخرى إماراتية أن تظهر الأمر وكأن قائد الجيش اتصل بـ "ابن زايد" ليعتذر له عن هجوم الجنرال "العطا" عليه.

وفي 16 يوليو، شنّ مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، هجوما جديدا على دولة الإمارات، متهما رئيسها محمد بن زايد بالعمل على تدمير السودان، من خلال تقديم العتاد العسكري لقوات الدعم السريع.

ودرج العطا، الذي يشرف على العمليات العسكرية في منطقة أم درمان، على توجيه انتقادات تُوصف باللاذعة إلى الدولة الخليجية، وكثيرا ما يطلق عليها "دولة الشر".

وقال في هجومه: “دولة الشر (تقع) في أبوظبي، محمد بن زايد شيطان، صهيوني قذر ومعه بعض القادة المرتشين في بعض دول الجوار حولنا”.

ونقلت وكالة "رويترز" 19 يوليو/تموز 2024 عن مصادر دبلوماسية سودانية أن ابن زايد والبرهان "ناقشا عرضا إثيوبيا (للتوسط في الحرب السودانية المستمرة منذ 15 شهرا".

أكدت أن البرهان ومحمد بن زايد ناقشا مقترحا تقدم به رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذي زار السودان في 9 يوليو 2024، للتوسط في إنهاء الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 بسبب خطط للانتقال السياسي.

الصحفي السوداني "مزمل أبو القاسم" قال حول تفاصيل ما جرى إن الدوافع الرئيسة لزيارة أحمد لبورتسودان كانت "طرح وساطة إثيوبية بين السودان والإمارات، سعياً لإنهاء الحرب".

ذكر، عبر حسابه على موقع إكس، أن "آبي أحمد، طلب من البرهان أن يلتقيه شخصياً في جلسة ثنائية لا يحضرها سواهما، فاستجاب له الأخير واصطحبه من مطار بورتسودان إلى مقر إقامته في سيارته الشخصية".

وساطة إثيوبية؟

وربط محللون سودانيون بين اتصال البرهان وابن زايد وبين زيارة آبي أحمد ورجحوا توسط الأخير بين السودان والإمارات.

موقع "ميدل إيست آي" ذكر 17 يوليو 2024، أن اللقاء الذي جمع البرهان وآبي أحمد، "شهد محادثات سرية تشير إلى تحول في موقف أديس أبابا بشأن الخرطوم"، وربما نقل رسائل سرية.

أوضح "أن مترجما واحدا فقط كان يرافق الرجلين في سيارتهما"، وقد أثار غياب المستشارين أو الوزراء في السيارة تكهنات بأن المحادثات بينهما كانت تتسم بطابع سري إلى حد ما.

"وفي الطريق نقل آبي أحمد للبرهان رغبة القيادة الإماراتية في التواصل المباشر معه لحل الأزمة، فوافق على إجراء مكالمة مباشرة مع الرئيس الإماراتي ترتب لها إثيوبيا بشروط محددة"، وفق الصحفي "أبو القاسم".

أولها: أن تتعهد الإمارات بالكف عن دعم المتمردين على الفور، وأن تقبل التفاوض على تسديد تعويضات تساهم في إعادة إعمار السودان وجبر الضرر بعد نهاية الحرب.

والثاني: أن تتم المكالمة من الجانب الإماراتي بتنسيق كامل مع نظيره الإثيوبي.

أكد أن البرهان افتتح المكالمة بمطالبة ابن زايد بأن يوسع صدره ويتقبل ما سيقوله على حِدَّته وقسوته، وتحدث معه عن توافر أدلة دامغة وشواهد عديدة تثبت دعم الإمارات للمتمردين في السودان.

ومن أبرزها تنقل قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بين الدول بطائرة إماراتية، وتوفير ونقل الأسلحة والعتاد الحربي للمتمردين عبر تشاد وأوغندا، وعلاج جرحى التمرد في المستشفيات الإماراتية، وإيواء المعارضين السودانيين ودعمهم إعلامياً ومادياً.

كما تحدث البرهان عن وجود ضباط إماراتيين مع المتمردين في الساعات التي سبقت الحرب، وطلب منه التوقف عن دعم المليشيا، ولم يطلب منه وساطة معهم.

"مزمل أبو القاسم" قال إن ابن زايد تلقى حديث البرهان بهدوء، وأخبره أن تلك الاتهامات كثيرة عليهم، وأنهم حريصون على أمن السودان واستقراره ورفاه شعبه، وأنهم سيحقّقون فيما ذكره.

كما سيتعهدون بمساعدة السودان وشعبه على تجاوز المحنة وإنهاء الحرب وإعادة التعمير.

أوضح أنه جرى الاتفاق على عدم نشر تفاصيل المكالمة إلا بتنسيق مسبق، لكن وكالة الأنباء الإماراتية خالفت ذلك الاتفاق ونشرت الخبر.

وفعلت ذلك بعد منتصف الليل، وأوردت فيه أن البرهان هو الذي اتصل بمحمد بن زايد، خلافاً لما حدث فعلياً.

وجاء الرد بخبر من إعلام مجلس السيادة السوداني ووكالة السودان للأنباء، حوى سرداً صحيحاً لما دار، وتلخيصاً دقيقاً لما قاله البرهان لابن زايد، حول دعم الإمارات للمتمردين وضرورة الكف عنه.

قال إن "طاقم مكتب البرهان حرص على توثيق المكالمة وتسجيلها كاملةً، لإثبات الكيفية التي جرى بها الاتصال، والتأكيد على صحة الخبر الذي نشره الجانب السوداني عن تفاصيل المكالمة".

وحول أسباب تخلي الإمارات عن شرط سرية الاتصال الهاتفي مع البرهان، يقول الصحفي ضياء الدين بلال إن “هذه المكالمة لم تكن مجزية للطرف الإماراتي لذلك حاولت إظهار الأمر كأن قائد الجيش هو الذي اتصل لحاجة السودان لها”.

قال إن أبوظبي صاغت خبر الاتصال الهاتفي بطريقة تحاول من خلالها الزعم أن هناك تناقضا داخل الجيش السوداني، حيث يهاجمها ياسر العطا، ثم يتصل بها البرهان لطلب عونها، وهو غير صحيح.

والهدف هو تحسين صورة الإمارات إعلاميا وعكس صورة سيئة عن الجيش السوداني وأنه منقسم والزعم أن البرهان اتصل ليعتذر عما قاله "الفريق ياسر العطا".

ونقلت "رويترز" عن محللين ودبلوماسيين أن الإمارات، التي تحافظ على علاقات جيدة مع معظم جيران السودان بما في ذلك مصر الداعم الرئيس للجيش السوداني، من المرجح أن تضطر إلى لعب دور في إيجاد نهاية للحرب.

أيضا أكد موقع "ميدل إيست آي" البريطاني 19 يوليو 2024 أن اتصال البرهان وابن زايد جرى "بوساطة إثيوبيا"، حيث "رتب للاتصال بينهما رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ".

ونقل عن مصادر سودانية ودبلوماسية متعددة، أن وساطة آبي أحمد جاءت عقب زيارته لبورتسودان للقاء البرهان.

كما جاءت في أعقاب اتفاقية مقايضة العملة الثنائية بقيمة 817 مليون دولار بين البنك المركزي لدولة الإمارات والبنك الوطني الإثيوبي.

وقال مصدر مقرب من الجيش للموقع البريطاني إن "آبي أحمد أقنع البرهان خلال زيارة الأخير بتخفيف التوتر مع الإمارات، وأخبره أن هذه رغبة القيادة الإماراتية أيضا، بما في ذلك رئيس الدولة محمد بن زايد".

ونقل موقع "السوداني" 19 يوليو 2024 عن مصادر دبلوماسية إفريقية أن قمة ثلاثية مرتقبة تجمع البرهان وبن زايد وآبي أحمد ستعقد في أديس أبابا، بعد اتصالهما الهاتفي.

قالت إن أجندة القمة ستركز على وقف التصعيد الدبلوماسي والإعلامي بين البلدين، ومناقشة جميع الاتهامات المرفوعة لمجلس الأمن في القمة، وبحث الأزمة السودانية وطرح حلول ناجعة لها.

لماذا الآن؟

مصدر دبلوماسي سوداني سابق قال لـ "الاستقلال" إن السبب الرئيس للمكالمة هو سعي ابن زايد لمحاولة استقطاب البرهان وقادة في الجيش بعيدا عن النفوذ المتزايد للإسلاميين في الحرب مع الدعم السريع.

أوضح أن الحديث عن تدخل رئيس وزراء إثيوبيا للواسطة بينهما، ليس سوى حجة إماراتية لإزالة الحرج بحيث يقال إن "وسيطا" هو الذي تدخل، بما يحفظ ماء وجه حاكم أبوظبي المتهم بتأجيج الحرب عبر دعم عسكري لقوات حميدتي.

أشار إلى أن الإمارات تخشى أن يسفر انتصار الجيش في نهاية المطاف عن عودة الإسلاميين للواجهة مجددا ومشاركتهم في الحكم، وتزايد نفوذ أنصار الرئيس السابق عمر البشير أيضا، لذا تحاول دق إسفين بين البرهان وبين قادته الموالين للإسلاميين.

وزعمت وكالة "رويترز" 19 يوليو أن "الإسلاميين المتشددين الذين يشكلون قاعدة دعم مهمة للجيش رفضوا جهود الوساطة (الإثيوبية بين البرهان وابن زايد) ويشعرون بالقلق من دور الإمارات".

صحيفة "العرب" اللندنية التي تمولها أبوظبي، ألمحت في 20 يوليو 2024 إلى أن سبب تواصل الإمارات مع البرهان هو القلق من تصاعد نفوذ الإسلاميين.

وذلك بجانب، ترشيح أبو ظبي للانضمام مع مصر والسعودية والولايات المتحدة لتسهيل استئناف عمل منبر جدة للسلام في السودان.

أكدت الصحيفة قلق الإمارات من القوى الإسلامية، بزعم أنها تسعى للقبض على زمام السلطة في السودان "من دون مراعاة للخسائر التي تنجم عن ذلك".

"العرب" زعمت أن "قيادات الحركة الإسلامية أسهمت بدور كبير في تغذية اتهامات ضد دولة الإمارات، التي من المعروف أن لها مواقف واضحة من القوى المتطرفة في السودان والمنطقة".

أضافت أن "الفريق الإسلامي في الجيش وجد في الحديث عن علاقة عسكرية تربط الإمارات بقوات الدعم السريع فرصة لتبرير هزائم العسكر في معارك متعددة، وفرصة لإبعاد الدول التي لها مواقف صارمة حيال التنظيمات المتشددة لإبعادها عن مسارات التفاوض".

وقال الصحفي السوداني "مزمل أبو القاسم" في تحليله للاتصال الهاتفي، إن مبادرة القيادة الإماراتية بالتواصل مع نظيرتها السودانية لحل الأزمة ومعالجة الخلاف المتفاقم "سببه تعاظم الكلفة السياسية والدبلوماسية والإعلامية والقانونية والأخلاقية للتدخل الإماراتي في الشأن السوداني".

إذ إن هذا تم بشواهد وأدلة عديدة أثبتها تقرير لجنة الخبراء في الأمم المتحدة (الذي وصف الاتهامات السودانية للإمارات بأنها صحيحة ومبررة)، والخطاب الذي بعثه عشرة من أعضاء الكونغرس الأميركي للحكومة الإماراتية للمطالبة بوقف تدخلها السالب في الحرب السودانية.

وتقارير وتحقيقات استقصائية عديدة بثتها وسائل إعلام عالمية، مثل محطة سي إن إن الأميركية وصحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست الأميركيتين والغارديان البريطانية ولوموند الفرنسية وغيرها.

وأثبتت كلها دعم الإمارات للمتمردين في السودان بالسلاح والعتاد الحربي، علاوة على الضغط القوي الذي شكله الرأي العام السوداني على الإمارات، والتظاهرات العديدة التي نظمت ضدها.

وسبق أن وصف مراقبو العقوبات التابعون للأمم المتحدة الاتهامات الموجهة للإمارات بتقديم دعم عسكري لقوات الدعم السريع بأنها "موثقة"، وفق وكالة "رويترز" 18 يونيو/حزيران 2024.

كما اعتمد مجلس الأمن، في يونيو 2024 قراراً حث الدول على "الامتناع عن التدخل الخارجي الذي يسعى إلى تأجيج الصراع وعدم الاستقرار"، دون تسمية دولة الإمارات بعينها.

وذكّر المجلس "الدول الأعضاء التي تسهل نقل الأسلحة والمواد العسكرية إلى دارفور بالتزاماتها بالامتثال لتدابير حظر الأسلحة"، في إشارة لأبو ظبي.

وقال أمجد فريد، المستشار الخاص السابق للإدارة المدنية السودانية المقالة بقيادة عبد الله حمدوك، لموقع "ميدل إيست آي" 17 يوليو 2024 إن المكالمة الهاتفية كانت "جزءًا من محاولات الإمارات لتبييض صورتها وتقليل الضغوط الدولية عليها بسبب دعمها وتسليح قوات الدعم السريع".

ويقول محللون سودانيون إن أديس أبابا تحاول تجنب أي امتداد للحرب من السودان بعد قصف الجيش مناطق حدودية يسيطر عليها الدعم السريع، خاصة أن الوضع في منطقتي أمهرا وتيجراي الإثيوبيتين لا يزال هشاً.

كما لعب "أبي أحمد" دور وساطة لصالح الامارات بحكم العلاقات الوثيقة بين نظامه ونظام أبو ظبي.

أشاروا إلى تكهنات عن محاولة الإمارات لملمة الخلاف مع السودان واستمالة البرهان ضد بقية جنرالات الجيش، بسبب رغبتها في تأمين استثماراتها في إفريقيا ومنها ميناء بورتسودان.

وفي ديسمبر/كانون أول 2023 وصل الخلاف بين السودان والإمارات إلى مرحلة التصعيد الدبلوماسي، إذ أعلنت الخرطوم أن 15 من الدبلوماسيين العاملين في سفارة الإمارات أشخاص غير مرغوب فيهم.

وصعد مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس، لهجته ضد الدولة الخليجية بمجلس الأمن.

ووقع صدام بينه، وبين سفير الإمارات لدى الأمم المتحدة، محمد أبو شهاب، في جلسة عقدها مجلس الأمن في 18 يونيو/حزيران 2024.

ووقتها، اتهم المندوب السوداني أبو ظبي بأنها "الراعي الإقليمي لتمرد الدعم السريع".