قصف إسرائيل لسوريا.. من اغتيال شخصيات بالمحور إلى استهداف المدنيين
"المسؤولية تقع على عاتق نظام الأسد الذي سمح بسكن شخصيات غير السورية بين المدنيين"
تعكس الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على سوريا خشية لدى السكان من وجود أهداف أبعد من عمليات الاغتيال التي تستهدف شخصيات من “محور المقاومة” بقيادة إيران.
وبدأت عمليات القصف الإسرائيلي منذ سبتمبر/أيلول 2024 على العاصمة دمشق تنال أبنية سكنية ومواقع بريفها، مما زاد من أعداد الضحايا المدنيين السوريين نتيجة تلك الغارات.
وقد كشفت الاستهدافات أخيرا أن إسرائيل تتعمد توجيه ضربات جوية على الشقق السكنية بعد دخول الشخص المستهدف إليها، الأمر الذي يخلق حالة من "عدم الأمان لدى سكان" دمشق.
ازدياد الاستهدافات
ففي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 استهدفت الغارات الإسرائيلية مناطق بالعاصمة دمشق شملت المزة – فيلات غربية، ومنطقة قدسيا، وحي السيدة زينب، مما أودى بحياة 15 شخصا، وتسبب بتدمير ثلاثة أبنية.
ونعى سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي سيدة واثنين من أطفالها في الغارة على المزة، وهم "وعد شخاشيرو وأولادها يزن وجود الأزعط"، في وقت بلغت فيه حصيلة ضحايا القصف من السوريين جراء تلك الغارات 7 مدنيين.
وقالت إسرائيل إنّ الغارات استهدفت مواقع تابعة لحركة الجهاد الإسلامي، في وقت كشفت تقارير محلية أنها أصابت مناطق مدنية تضم سكانا من العائلات السورية.
وقد باتت العاصمة دمشق تحت نيران الطيران الإسرائيلي بشكل شبه يومي منذ سبتمبر 2024.
وعلى سبيل المثال، استهدفت غارة "بنايات الـ14" في حي المزة وسط دمشق في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أسفرت عن مقتل 9 أشخاص، بينهم طبيبة سورية وامرأة مع طفلها، بينما كان الهدف الرئيس قياديا في "حزب الله" اللبناني يُدعى "الحاج زياد".
وقُتل زياد وهو ضابط ارتباط تابع لـ "حزب الله" اللبناني بعد ساعات قليلة من وصوله إلى إحدى الشقق المستأجرة في المبنى المذكور.
ويتولى الشخص المذكور مهام عسكرية خارج لبنان، وكان يقيم في الطابق الثاني من المبنى الذي دمرته الغارات الإسرائيلية.
وتشير الأرقام التقريبية إلى أنه منذ السابع من أكتوبر 2023، تاريخ انطلاق عملية طوفان الأقصى، وثقت صفحات سورية محلية مقتل نحو 50 مدنيا سوريا بينهم أطفال ونساء بالقصف الإسرائيلي نتيجة وجودهم في الأبنية أو قرب النقاط المستهدفة.
كما تشير الأرقام إلى مقتل أكثر من 130 عنصرا من قوات النظام والمليشيات المحلية السورية الموالية لإيران جراء قصف نقاط تتبع للأخيرة وأذرعها على الأراضي السورية منذ سبتمبر 2024.
أما عدد قتلى الغارات الإسرائيلية من غير السوريين (من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله ومليشيات أجنبية)، فقد تجاوز 200 عنصر منذ أكتوبر 2023.
ويتركز القصف في العاصمة على حي السيدة زينب، ومنطقة المزة الراقية أو كفر سوسة الملاصقة لها والتي توجد فيها مربعات أمنية كانت تحظى بحماية فائقة نتيجة طبيعة ما تضمه من مقار ومساكن لشخصيات رفيعة.
ونالت الهجمات الإسرائيلية منطقة الفيلات الشرقية والغربية بالعاصمة دمشق والتي تضم أفرع أمنية ومقار لجهات خارجية كفصائل فلسطينية أو إيرانية أو حزب الله.
كما تضم منازل لضباط رفيعي المستوى في قوات النظام السوري والأمن أو لعائلاتهم، ومنازل لوزراء وأجانب من عائلات بعثات دبلوماسية وشخصيات متنفذة وحساسة.
وإلى جانب ذلك، تتعرض أيضا بلدات بريف دمشق ومواقع على الحدود السورية اللبنانية لقصف إسرائيلي.
وتحدث تلك الضربات والتي غالبا ما تخلف قتلى من شخصيات غير سورية، أضرارا مادية كبيرة في الممتلكات الخاصة والمباني المستهدفة والمجاورة.
بنك أهداف
وضمن هذا السياق، قال رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد لـ "الاستقلال" إن “لإسرائيل في سوريا مهام عدة منها استهداف القوة البشرية والعتاد والسلاح التابع لإيران وأذرعها وكذلك نقاط القيادة والسيطرة في هذا البلد”.
وأضاف الأسعد: “إسرائيل تركز على اغتيال القادة المرتبطين مع نظرائهم في جنوب لبنان وحتى في فلسطين بغزة”.
إذ تهدف إسرائيل لقطع التواصل بين قيادة الداخل اللبناني والخارج الذي يقدم الدعم العسكري واللوجستي لها من إيران عبر سوريا، وفق تقديره.
وأشار الخبير العسكري إلى أن "دمشق فيها مقرات قيادة وسيطرة تعد عقدة الوصل بين حزب الله وإيران وتنسق بشكل مباشر عمليات الدعم البشري والمادي والعسكري".
وأردف: “لهذا فإن وجود هؤلاء في أبنية سكنية في العاصمة دمشق ومحيطها وفي مدن أخرى هو بعلم وبحماية من مخابرات النظام السوري”.
وبين أن معرفة إسرائيل بالإحداثيات الدقيقة عن مكان وجودهم بين المدنيين السوريين لا يمكن أن يتم إلا عبر العملاء حتى من داخل أجهزة مخابرات نظام بشار الأسد.
ورأى الأسعد، أن "استهداف إسرائيل المدنيين السوريين في الأبنية التي تريد اغتيال شخصيات غير سورية فيها، يرجع لكون العملية أمنية معقدة ولن تعطي بهذه الحالة أوامر إخلاء لهؤلاء".
واستدرك: "المسؤولية تقع على عاتق نظام الأسد الذي نشر شخصيات عسكرية غير سورية بين الأبنية السكنية وسمح لهم بممارسة أنشطتهم دون الاكتراث بالتبعات الأمنية التي انعكست على حياة المدنيين الآن، وربما تتطور لاحقا رقعة الاستهدافات تحت ذرائع إسرائيلية كثيرة".
نظام صامت
وأمام ذلك يثير صمت نظام الأسد المريب على هذه الاستهدافات الإسرائيلية للمدنيين السوريين المخاوف من توسع بنك الأهداف أو ازدياد حجمه بشكل تدريجي بما يؤدي إلى إنهاك العاصمة دمشق بالضربات.
إذ باتت الضربات الإسرائيلية تستهدف عمدا المدنيين السوريين، وممتلكاتهم، ما يجعل تلك الهجمات استكمالا لمسيرة تدمير سوريا التي نفذها نظام الأسد منذ عام 2011 أثناء قمع الثورة.
واليوم توسع إسرائيل هجماتها تحت ذريعة استهداف إيران وأذرعها في سوريا، الأمر الذي بات يولد خوفا حقيقيا بين السكان والقاطنين في المناطق المستهدفة حول أسباب سماح نظام الأسد بتكرار هذه الاختراقات.
لا سيما أن تغلغل الشخصيات العسكرية غير السورية في منازل المدنيين السوريين في العاصمة وغيرها تراكم عبر سنوات منذ التدخل الإيراني عام 2012 لا سيما من الحرس الثوري وحزب الله اللبناني.
وأصبح من الصعب على الأهالي بالعاصمة دمشق تحديد طبيعة الشخصيات القاطنة في العمارات السكنية الكبيرة.
حتى إن بعض سكان دمشق باتوا يتفاعلون بطريقة كوميدية ساخرة عند سماع أي لهجة غير سورية في الشقة المجاورة لهم، ويرون أنهم أصبحوا تحت الاستهداف الإسرائيلي بأي لحظة.