حزب “باستيف” الحاكم يكتسح والمعارضة تقر بالهزيمة.. ماذا بعد انتخابات السنغال؟
باستيف جاء في المرتبة الأولى في 40 مقاطعة من أصل 46 في البلاد
وسط اعتراف المعارضة بالهزيمة، تمضي السلطات الجديدة الحاكمة في السنغال نحو بسط قوتها السياسية، بفضل شعبية كبيرة مكنتها من السيطرة المطلقة على برلمان البلاد.
وأعلن المتحدث باسم الحكومة السنغالية، أمادو مصطفى نديك ساري، تحقيق حزب "باستيف" الحاكم، "انتصارا كبيرا" في الانتخابات التشريعية التي جرت في 17 نوفمبر/تشرين ثان 2024.
وقال نديك ساري عبر قناة "تي إف إم" المحلية "أشيد بالشعب السنغالي على النصر الكبير الذي حققه باستيف"، حزب الرئيس باسيرو ديوماي فاي ورئيس الوزراء عثمان سونكو الذي حصد وفقا له "ما بين 90 إلى 95 بالمئة من الأصوات.
وأكدت نتائج شبه نهائية أن باستيف جاء في المرتبة الأولى في 40 مقاطعة من أصل 46 في البلاد، وفي 7 من دوائر الشتات الثمانية.
كما فاز عثمان سونكو بأغلبية كبيرة في زيغينشور (جنوب)، في دائرة توصف محليا بأنها إستراتيجية ورمزية للغاية في المشهد السياسي السنغالي.
غير أن موقع L'As المحلي نقل عن أحد خبراء الإحصاء، أن باستيف، الذي خرج منتصرا، نال 131 مقعدا من أصل 165 سيتم شغلها في الجمعية الوطنية.
وأضاف: يتبع الحزب الحاكم ائتلاف "تاكو-والو" بـ 16 نائبا، و7 نواب لفائدة "جام آك نجرين"، وثلاثة نواب لفائدة "سام سا كادو".
وتفوق الحزب على زعيمي قائمتين للمعارضة، هما رئيس بلدية العاصمة دكار بارتيليمي دياس، وأمادو با الذي جاء ثانيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، بحسب النتائج الأولية.
بدورها، أشادت اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة (CENA)، بما وصفته بـ "السلوك المثالي للمواطنين" خلال الانتخابات التشريعية المبكرة.
وقال موقع "Lasnews"، في 18 نوفمبر 2024، إن الانتخابات التشريعية المبكرة “سارت بشكل جيد وأجواء هادئة في كامل التراب الوطني وخارجه”.
وشددت اللجنة أنه "منذ فتح المكاتب في الساعة الثامنة صباحا وحتى إغلاقها حوالي السادسة مساء، مارس المواطنون حقهم في التصويت، مما يؤكد مرة أخرى تمسك السنغال والسنغاليين بمبادئ الديمقراطية".
كما أشادت اللجنة بمختلف المرشحين في الاقتراع ومؤيديهم وممثليهم على "العقلية المدنية والروح الديمقراطية التي أظهروها في مراكز الاقتراع، مما سمح بإجراء فرز الأصوات بشكل شفاف في هدوء".
هزيمة المعارضة
وفي مشهد يعكس الوضع الإيجابي الذي تعيشه الديمقراطية السنغالية الفتية، اعترفت قوى المعارضة بهزيمتها الانتخابية، متوجهة بالتهنئة للتحالف الحاكم.
وفي هذا الإطار، وصف رئيس الوزراء السابق "أمادو با"، الاستحقاق الانتخابي وأجواءه العامة بـ "اليوم التاريخي لديمقراطية السنغال".
وعبر أمادو با في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك، 17 نوفمبر، عن ارتياحه العميق للنضج والمسؤولية اللتين أظهرهما الشعب السنغالي طوال هذه العملية الانتخابية.
وأضاف: "لقد أثبتم، من خلال التزامكم وتصميمكم، أن أمتنا لا تزال نموذجا للسلام ولمشاركة المواطنين".
وهنأ القيادي المعارض تحالف باستيف "بحرارة على هذا النصر الذي يعكس إرادة الشعب. هذه اللحظة، بعيدا عن الانقسامات، هي انتصار لديمقراطيتنا وللسنغال".
بدورها، هنأت أنتا بابكر نجوم، وهي إحدى الشخصيات البارزة في "ائتلاف سام سا كادو" المعارض، باسيف على فوزه في الجمعية التشريعية 2024.
ورأت عبر صفحتها على فيسبوك، 17 نوفمبر، أن "هذه الانتخابات هي شهادة على الحيوية الديمقراطية لشعبنا السنغالي العزيز".
أما المعارض بوجان جاي داني، وهو زعيم حزب "Gueum Sa BoppLes Jambars"، فهنأ أيضا التحالف الحاكم، مشددا أن "السنغاليين صوتوا وأكدوا اختيارهم".
وحث داني "المعسكر الرئاسي على التركيز الآن على تلبية احتياجات السنغاليين"، معبرا عن افتخاره "بالديمقراطية السنغالية"، ومؤكدا أن هناك تحديات مهمة ينتظرها الشعب.
كما اعترف بارتيليمي دياس، الشخصية الرمزية للمعارضة ورئيس القائمة الوطنية لسام سا كادو، بانتصار باستيف. وأشاد في بيان صحفي، 17 نوفمبر، بالنضج الديمقراطي للسنغاليين.
وقال: "لقد شهدت السنغال للتو لحظة ديمقراطية قوية، بصفتي رئيس قائمة ائتلاف سام سا كادو، أود أن أهنئ بحرارة الفائز في الانتخابات، (حزب باستيف)، على فوزه".
وشدد دياس أن هذه الانتخابات كانت دليلا صارخا على النضج السياسي للشعب السنغالي الذي عرف كيف يعبر عن خياراته مع احترام القيم الجمهورية.
وأعرب عن امتنانه لناخبيه، مؤكدا التزامه بالدفاع عن مصالح الوطن والشباب.
وأضاف: "إن التزامنا تجاه سنغال عادلة وموحدة ومتطلعة للمستقبل لا يزال قائما، وسنواصل العمل معا حتى تتألق الديمقراطية السنغالية بشكل أكثر إشراقا".
تفاعل واسع
وشكلت العملة الانتخابية محل متابعة واسعة من قبل الإعلام السنغالي وذلك بالنظر إلى النتائج التي حملتها، في ظل التغيير الذي تشهده الحياة السياسية في البلاد.
وفي هذا الصدد، قال موقع "enqueteplus"، في 18 نوفمبر، إن "هذه الانتخابات التشريعية ستترك علامات عميقة على المشهد السياسي السنغالي".
ورأى الموقع أن "فوز باستيف لا يمثل نقطة تحول بالنسبة لحزب عثمان سونكو فحسب، بل يُظهِر أيضا مرونة الناخبين المتعطشين للتغيير".
وذكر أن "استسلام شخصيات معارضة مثل أنتا باباكار نجوم، وبوغان جاي داني، وبارتيليمي دياس يُظهر قدرا معينا من النضج السياسي واحترام القواعد الديمقراطية".
وشدد الموقع على أن هذه الهزيمة المريرة للمعارضة، هي أيضا فرصة لها لتجديد نفسها واستخلاص الدروس اللازمة.
وبالنسبة لباستيف، يقول المصدر ذاته، "إن التحديات قد بدأت للتو، للاستجابة لتوقعات ملايين السنغاليين، وتنفيذ وعود الحملات الانتخابية".
وقال إنه، بين بهجة الأغلبية واعتراف المعارضة بفشلها، يبقى المؤكد أن "الديمقراطية السنغالية تخرج من هذه المحنة وهي أقوى".
أما موقع " enqueteplus"، فقد وصف اكتساح حزب باستيف للانتخابات التشريعية بـ "النصر المذهل الذي يعيد رسم الخريطة السياسية للسنغال".
وقال الموقع في 18 نوفمبر 2024، إن الحزب أكد هيمنته في كل الدوائر الانتخابية، تاركا خصومه في حيرة من أمرهم.
وأردف: "ومع نسبة مشاركة بلغت نحو 50 بالمئة، تمثل هذه الانتخابات انتصارا مدويا للنظام الحالي، في مواجهة شخصيات المعارضة التي أشادت بالنضج الديمقراطي الذي يتمتع به السنغاليون".
وذكر المصدر ذاته أن الناخبين السنغاليين أكدوا اختيارهم الذي عبروا عنها في الانتخابات الرئاسية ليوم 24 مارس/آذار 2024، عبر تجديد الثقة الواسعة في عثمان سونكو وحلفائه.
وأوضح أنه رغم تراجع المشاركة بشكل طفيف مقارنة بالانتخابات الرئاسية، والتي سجلت ما نسبته 61.3 بالمئة من الناخبين، ومع مشاركة حوالي 50 بالمئة في هذه الانتخابات، فإنها ما تزال أعلى من نسبة 46.6 بالمئة المسجلة في عام 2022.
وذكر أنه في سياق لا تزال فيه تعبئة الناخبين صعبة، يعكس هذا الرقم مشاركة مدنية قوية نسبيا.
وأكد أن "هذا الانتصار يعزز موقف سونكو، الذي تمكن من حشد أنصاره من خلال حملة اتسمت بالخطابات القوية، وبرنامج اجتماعي واقتصادي طموح، وانتقاد منهجي لإخفاقات النظام المنتهية ولايته".
أما موقع "aps"، فقد قال في 19 نوفمبر، إن الشعب السنغالي يتوقع من عثمان سونكو فعل أشياء إيجابية لصالحه، بعد منحه المفاتيح المساعدة على ذلك.
ولفت إلى أن الناخبين أرادوا التعبير عن ثقتهم في أولئك الذين يعتقدون أنهم سيتمكنون من إخراجهم من الوضع الصعب الذي تجد البلاد نفسها فيه.
وذكر المصدر ذاته، أن رئيس الوزراء ورغم فوزه بمقعد برلماني، فإنه سيبقى على رأس الحكومة، لما لذلك من ضرورة إستراتيجية، لأجل تنفيذ الوعود الانتخابية، وخاصة ما تعلق بالعدالة الاجتماعية والتحول الاقتصادي والحوكمة الأخلاقية.
أما "ليبراسيون" الفرنسية، فقالت في 18 نوفمبر، إن هذه النتائج تعزز سابقتها الرئاسية، والتي حملت باسيرو ديوماي فاي إلى قيادة البلاد، رغم أنه لم يكن يتوفر على أي خبرة سابقة في إدارة الشأن العام.
وذكر الموقع أن وصوله إلى القمة جرى بفضل الحماس والتطلع إلى التغيير لدى الشباب.
وقال إن الحكومة الحالية تعايشت لعدة أشهر مع البرلمان، الذي كانت تهيمن عليه الأغلبية السياسية السابقة، قبل أن يقدم ديوماي فاي على إصدار قرار بحله في سبتمبر/أيلول 2024 بمجرد أن سمحت له المواعيد الدستورية بذلك.
وذكر المصدر ذاته أن الناخبين كانوا أمام اختبار محوري، وهو أن يقرروا ما إذا كانوا سيعطون ثنائي فاي-سونكو الوسائل اللازمة للوفاء بوعودهم الانتخابية، عبر تحسين حياة السكان، الذين يكافح جزء كبير منهم بشكل يومي لتغطية نفقاتهم.
وأضاف، أن السكان يطمحون إلى الحصول على نصيب من الموارد الطبيعية مثل المحروقات وصيد الأسماك، وكذا محاربة الفساد وتعزيز العدالة في البلاد.
تحديات متعددة
وبدوره، أكد ينديام لانكواندي، المستشار في مؤسسة أفريكا براكتس أن "فوز باستيف بالانتخابات التشريعية، سيطلق العنان لتمرير الميزانيات وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية".
وذكر لانكواندي في تصريح محلي، أن الناخبين "يبحثون عن حلول سريعة للبطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، ومحدودية الوصول إلى الخدمات العامة في المناطق الريفية النائية".
بدوره، أكد كلاوس ديتر كونيج، رئيس المكتب الإقليمي لغرب إفريقيا التابع للمؤسسة ومقره العاصمة السنغالية دكار، أن هذه الانتخابات تؤكد أن الحكومة تتمتع بالدعم البرلماني اللازم لتنفيذ برنامجها.
وأضاف كونيج في مقال رأي نشره موقع "قراءات إفريقية"، 17 نوفمبر، "تتمثل النقاط الأساسية لهذا البرنامج في إضفاء الطابع الديمقراطي على المجتمع، والحدّ من التبعية الاستعمارية الجديدة، أي: تحقيق قدر أكبر من السيادة الاقتصادية والسياسية".
ورأى الكاتب أن التطورات التي جرت خلال السنوات الأخيرة أكدت أن العديد من المواطنين في غرب إفريقيا الناطقة بالفرنسية سئموا هيمنة النفوذ الاستعماري الجديد، مما جعلهم يثورون على الوضع الراهن.
ففي النهاية، تُوفر بلدانهم للاقتصاد العالمي مواد خام زهيدة الثمن دون الاستفادة بأي عائد، وفي الوقت نفسه تُوفر سوق مبيعات رائجة للمنتجات الأجنبية، وفق قوله.
وتابع أن خزائن الدولة الفارغة تسببت في انهيار البنية الأساسية الاجتماعية، وتقلص الاستثمار وتدمير آفاق الحياة.
وشدد الكاتب على أن الحكومة السنغالية الجديدة لطالما عارضت هذه الحلقة المفرغة من الاستغلال المتواصل والتدهور التنموي.
كما وضعت على قائمة أولوياتها هدف الإصلاح المؤسسي الذي من شأنه أن يعضد الديمقراطية ويعزز استقلال القضاء، وفق قوله.
بالإضافة إلى ذلك، تريد الحكومة الحدّ من سلطات الرئيس من خلال استحداث منصب نائب له.
وأوضح كونيج أن "باستيف" يسعى إلى تحقيق "السيادة" ليس فقط بطريقة شعبوية -مثل الأنظمة العسكرية في البلدان المجاورة–، ولكن بواسطة برنامج مفصل ومقدّم علنا، وقد انتُخب ديمقراطيا لتنفيذ هذا المسار تحديدا.
ورأى أن الحكومة السنغالية الجديدة بمنزلة بداية أخرى في الوقت الراهن لديمقراطية في متناول الشعب، تقطع مع النخب المسيطرة على الحكم ومقاليد السلطة، واستبعاد الشباب من المشاركة والانخراط في الحياة السياسية.
ونبه إلى أن من بين التحديات القائمة أمام الحكومة بعد هذه الانتخابات، خفض الواردات الغذائية وتحقيق الأمن الغذائي.
وكذلك خفض الأسعار، وإصلاح القطاع الزراعي، وتحسين أوضاع الصيادين، والحد من الهجرة إلى الخارج، وتعزيز الصناعات المحلية، ومعالجة الديون المتراكمة على الدولة.
ورأى الكاتب أن التطور الذي حدث في تونس أو تنزانيا؛ حيث كان الرؤساء الذين يتمتعون في البداية بشعبية كبيرة وناجحين بفضل أجندة مكافحة الفساد، ثم صاروا يحكمون الآن، باستبداد وقمع مفرطين، بات مرفوضا بقوة من جانب الشعب السنغالي.
وذلك "لأن الشعب الذي يريد الدفاع بقوة عن الديمقراطية وحرية التعبير في بلاده، التي تبدو الآن مستقرة مقارنةً بالأوضاع في القارة".
وختم بالقول إن "الشعب يريد أن تكون بلاده نموذجا يحتذى به في بلدان أخرى في المنطقة".
المصادر
- المستقبل السياسي المُرتقَب للحكومة السنغالية الجديدة في ظل الانتخابات البرلمانية
- Au Sénégal, victoire aux législatives du parti au pouvoir de Bassirou Diomaye Faye et Ousmane Sonko
- SCRUTIN LEGISLATIVES: La Cena salue « le comportement exemplaire des citoyens »
- Sonko triomphe, l’opposition capitule
- SENEGAL-PRESSE-REVUE / A la Une, le triomphe de Pastef aux législatives