"حتى خوفو لم يسلم من جهلكم".. ما قصة تكسير الهرم الأكبر في مصر؟
مبررات وزارة السياحة والآثار في مصر "عذر أقبح من ذنب"
"بالمرزبة والشاكوش" يدمر النظام الحاكم بمصر السياحة في بلاده، نتيجة خلص لها ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي خلال تفاعلهم مع مقطع فيديو يوثق تكسير عمال في أحجار الهرم الأكبر (خوفو)، بمنطقة أهرامات الجيزة.
وزارة السياحة والآثار المصرية أصدرت بيانا توضيحيا بشأن المقطع ضاعف من الاستياء والغضب، حيث أكدت أن ما يظهر في الفيديو ليس له علاقة بأي أعمال هدم أو تغيير في أحجار الهرم الأصلية، وأن الأعمال تتعلق بـ"إزالة مواد بناء حديثة (مونة) غير أثرية".
وقالت الوزارة إن تلك المواد وضعت منذ عقود لتغطية شبكة الكهرباء المستخدمة في إنارة الهرم، موضحة أن المجلس الأعلى للآثار يزيلها ضمن مشروع يهدف لتحديث شبكة الإنارة الخاصة بالهرم الأكبر، دون المس بجسمه أو أي من أحجاره الأصلية.
وأكدت التزامها التام بحماية التراث الأثري والحضاري لمصر وصيانته"، مناشدة الجمهور تحري الدقة في تداول المعلومات أو نشرها، لتجنب إثارة البلبلة أو نشر أخبار غير صحيحة قد تسيء إلى الجهود المبذولة في الحفاظ على المواقع الأثرية، وفق قولها.
وطبقا لميثاق البندقية لترميم وحفظ وصيانة المعالم والمواقع الأثرية، يُمنَع إجراء أي نوع من أنواع الاستكمال أو الإضافة أو التعديل في الأثر حتى وإن استخدمت القطع الأصلية المتساقطة منه، ما لم يكن هذا الإجراء لإنقاذه من الانهيار.
وعد ناشطون المبررات التي ساقتها وزارة السياحة في بيانها بشأن تحديث شبكة الإنارة بمثابة "عذر أقبح من ذنب"، وتنم عن جهل وسوء إدارة وفشل غير مسبوق في استخدام البدائل الحديثة، مطالبين بقوانين رادعة تجرم مثل هذه الأعمال وتنظمها.
وعبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية على منصتي "إكس"، و"فيسبوك"، ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #الهرم_الأكبر، #هرم_خوفو، #اهرامات_الجيزه، #وزارة_السياحة، وغيرها، أعربوا عن استيائهم وغضبهم من تدمير الآثار المصرية والمعالم التاريخية.
واستنكر ناشطون العبث بما يمثل الهوية الثقافية المصرية، والجهل بالقيم التاريخية والمعمارية، وطالبوا بمحاسبة المسؤولين كافة عن هذه الأعمال التخريبية، مؤكدين أن ما يحدث تدمير ممنهج لتاريخ مصر.
ساويرس يتبرأ
وصب ناشطون جام غضبهم على رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، كونه أعلن سابقا أن شركته "أوراسكوم بيراميدز" تستعد لافتتاح مشروع تطوير منطقة أهرامات الجيزة، لكنه تبرأ في تغريدات عدة دوّنها على حسابه بمنصة إكس من هذه الأعمال.
وكان ساويرس قد أعلن في يوليو/تموز 2024، أن شركته ضخت استثمارات بقيمة 100 مليون دولار لتطوير الأهرامات وخصصت 40 بالمئة منها لاستبدال منظومة الصوت والضوء القديمة بأخرى على أحدث مستوى، ما دفع ناشطين لتوجيه أصابع الاتهام له بالتورط في الواقعة الأخيرة.
لكنه أعاد نشر بيان وزارة السياحة والآثار الذي كشفت أن الأعمال الجارية ينفذها المجلس الأعلى للآثار، معلقا بالقول: "ليس لنا دخل بذلك".
ورد ساويرس على مغردة قالت له "ما تشوف العمال بتوعك يا باشمهندس" قائلا: "قلنا مش عمالنا وملناش دخل.. عيب الاتهامات بدون تدقيق والسؤال.. اقري بيان الآثار".
وأعاد ساويرس نشر تقرير لصحيفة المصري اليوم القريبة من النظام نقلت فيه عن رئيس قطاع الآثار أيمن عشماوي، قوله إن "ما حدث مرفوض من الجميع، والعاملون بالهرم المتداول صورهم ليس لها علاقة بتخصص الآثار وإنما عمال تابعون لشركات".
وأكد خلال مداخلة هاتفية على قناة صدى البلد مع الإعلامي المحسوب على النظام الحاكم أحمد موسى، أن مشهد التكسير في أحجار الهرم عبارة عن تغيير في كابلات الإضاءة، قائلا إنه تمت محاسبة المسؤول عن الأعمال بالشركة على هذه الصورة غير اللائقة.
وجاءت تصريحات المسؤولين لوسائل الإعلام وإدانتهم للواقعة وإعلانهم عن إقرار المحاسبة في محاولة للتهدئة وامتصاص الغضب المتصاعد من المبررات التي ساقتها وزارة السياحة في بيانها وإصرارها أن ما حدث أعمال لتحديث شبكة الإنارة وليست تخريب في جسم الهرم.
الهرم الأكبر
ويعد خوفو الهرم الأكبر في الجيزة، وهو الأثر الوحيد الباقي من عجائب الدنيا السبع القديمة، ويبلغ ارتفاعه 455 قدما، ويحمل لقب أطول هيكل بناه الإنسان في العالم لمدة 4000 عام تقريبا،
بُني هذا الهيكل المهيب حوالي 2580-2565 قبل الميلاد في عهد الفرعون خوفو، وهو أكبر الأهرامات الثلاثة في الجيزة، واستغرق بناؤه ما بين 10 إلى 20 عاما، حسب موقع وزارة السياحة والآثار المصرية.
واليوم، يعد الهرم الأكبر موقعا للتراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، محميا ومحفوظا من خلال جهود الترميم المستمرة.
ولا يزال حتى اليوم سر بناء الأهرامات غير معلوم ويشكّل مسار بحث كبير لاكتشاف كيفية نجاح المصريين القدماء في تشييدها منذ ذلك العصر، في تلك الظروف.
وتجدر الإشارة إلى أن مقطع الفيديو المشين الذي يظهر عملية تخريب الهرم، يأتي بعد أقل من شهر من التقاط المظلي أليكس لانغ مشاهد لكلب ضال خلال تجوله فوق أعلى نقطة بقمة الهرم ونباحه على الطيور، في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وفي اليوم التالي، التقط المغامر مارشال موشر وكاميرات هواتف السائحين صورة نزول الكلب أثناء عبوره بخبرة وخفة إلى أسفل الهرم شديد الانحدار خطوة بخطوة، وهو يهز ذيله على طول طريق العودة إلى الأرض الصلبة، وسط دهشة السائحين.
وهي المشاهد التي عدها ناشطون ترويجا سياحيا مجانيا للأهرامات، حيث تناقلت وسائل الإعلام الأجنبية مقاطع الفيديو.
تنديد واستنكار
وتسليطا للضوء على نظرة السياح للعمال أثناء تكسيرهم في أحجار الهرم الأكبر وتنديدا بالمشهد واستنكارا له، قال نبيل مطلب، إن السياح يحتجون على تخريب الأهرامات، بحجه إنارتها.
وأضاف أن المهندس المسؤول عن ذلك التخريب ليس جاهلا فحسب بل مجرم في حق التاريخ ومصر؟!، مؤكدا أن هناك طرقا عديدة للإنارة منها الليزر وغيرها، وما يحدث هو تخريب متعمد لكل ما هو مصري.
ونشر محمد حجازي، مقطع الفيديو، داعيا لمشاهدة النظرة التي ينظرها الأجانب للعمال أثناء تكسيرهم في حجارة الهرم، قائلا: "يا وجع القلب على البلد".
وسخر حسين عادل، قائلا: "تخيل الهرم أو الأهرامات دي موجودة من كام ألف سنة وصامدة ومنهارتش بسبب التغيرات المناخية ولا تغيرات جيولوجية ولا جغرافية ولا حروب ولا أي حاجة فاحنا قولنا نكسرها بنفسنا عشان إحنا مفيش حاجة بتقف قدامنا بالصلاة ع النبي كدا".
فشل وعقم
وإعرابا عن الغضب من المشهد ومطالبة بمحاسبة المسؤولين كافة عن هذه الأعمال، عد محمد الباسطي، أن ما يحدث من تكسير في أحجار الهرم من أجل توصيل كابلات كهرباء، دليل على وجود فشل وعقم في التفكير لدى بعض المسؤولين في ظل تقدم التكنولوجيا الحديثة من استخدام الطاقات الجديدة والمتجددة.
وقدم طارق تيتو، بلاغا إلى من يهمه الأمر، قال فيه إن "تكسير حجر تاريخي من هرم خوفو بالشكل ده بحجة مد كابل كهربائي بدون مشرفين من الآثار وخبراء، وترك الأمر لتقييم العامل الغلبان ده هو كارثة ومصيبة وعار على دولة كبيرة لا تمتلك إلا آثارها وتاريخها لتتباهي به بين الأمم".
فيما وجهت سلمى محمد مقطع الفيديو إلى مدير آثار الهرم، قائله له: "منظر يستوجب التحقيق واستقالتك مقبولة".
ورأت زينب الفضالي، أن مشهد تكسير الهرم بغرض تعليق حبال كهرباء "دال جدا على مدى ما نحن فيه من انحطاط فكري وأخلاقي"، قائلة: "حتى الهرم لم يسلم من جهلكم".
وأضافت: "لم أصدق إلا بعد مشاهدة الفيديو المخجل وبعض السياح ينظرون باستنكار على خيبتنا اللي ماوردتش على حد"، مؤكدة ضرورة فرض عقاب مشهود وعاجل لكل من له صلة بهذا الأمر العار.
وكان فريق من علماء الفيزياء قد كشف في تقرير نُشر بمجلة "جورنال أوف أبلايد فيزيكس" في أغسطس/آب 2018، أن الهرم الأكبر خوفو بإمكانه تركيز الطاقة الكهرومغناطيسية بغرفه الداخلية وأسفل قاعدته.
وأوضحوا أن هذا يمكن أن يساعد في إنتاج جسيمات نانوية جديدة تُستخدم، على سبيل المثال، في خلايا شمسية ذات كفاءة عالية وفي المجسات الصغيرة.
تفريط وبيع
وإعرابا عن الخشية والتوجس من اعتزام النظام المصري التفريط في الآثار المصرية ومن بينها الأهرامات، اكتفى الصحفي أحمد القاعود بالقول إن "الأهرامات تواجه حثالات العصر!".
وتهكم صلاح الدين الباسل قائلا: "مين قالكم إن في حد ماسك مرزبة وبيهد أم الهرم؟ ده الزبائن بيتأكدوا قبل الشراء من نوع المسلح بتاع خوفو.. أصل وزير سعادته حم ايونو إللي بني كل مباني الأسرة الرابعة وبني الهرم قالوا ذمته كانت واسعة حبتين.. حرامي برخصة والكل عارف".
وكتب أيمن عزيز: "شوفت عمال دلوقتي ماسكين أجنة وشاكوش وبيهدوا في الهرم الأكبر بتاع خوفو.. يا خوفي منك يا بدران قصدي يامبلولي -في إشارة إلى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي- شكلك هتعملها.. ولا تأجير بس للإخوة السودانيين والسوريين".
وتابع: "تصدق أنا بدأت أصدق أن الهرم ده مش بتاعنا وآثارنا دي مش أثارنا من الانتقام والتشفي من المغيبين على أساس إن الحاجات دي بتاعة الفراعنة الكفرة فيجوز إننا نبيعها ونتاجر فيها ونكسرها كمان فهي رجس من عمل الشيطان".
مبررات تافهة
ورفضا للمبررات التي ساقتها الوزارة في بيانها ونفيها التكسير في أحجار الهرم الأكبر وادعائها أنها تزيل مواد بناء حديث غير أثرية وضعت منذ عقود لتغطية شبكة إنارة الهرم دون المساس بجسم الهرم، قال شريف عثمان: “وزارة سياحة وآثار الاحتلال تكذب عينينا”.
ورد المغرد أيمن على بيان الوزارة، قائلا: "أساسا.. وضع طبقة حديثة على حجر أثري جريمة.. وبالطبع تكسير الطبقة الحديثة بهذه الطريقة البدائية جريمة أخرى".
وذكر بأن مرممي الآثار المتخصصين يستخدمون فرشاة ناعمة وأدوات خاصة لإزالة أي تشوه في الأثر، وليس عامل بناء عند مقاول.
وعدت مونيكا حنا بيان وزارة السياحة والآثار "عذرا أقبح من ذنب"، متسائلة: “هو في عمليات صيانة بتتعمل بالطريقة ديه؟ ترى في مسؤول هيتحاسب ولا زي اللي قبليها؟”