صراع مرتقب.. هل يستطيع ترامب تحجيم نفوذ الصين الاقتصادي بالعراق؟
التبادل التجاري بين الصين والعراق يبلغ نحو 50 مليار دولار سنويا
مع عودة الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، كشفت وسائل إعلام أميركية، أن الولايات المتحدة تسعى إلى الحد من النفوذ الصيني الآخذ بالتوسع في العراق خلال السنوات الأخيرة، لا سيما مع سيطرة شركات صينية على عقود نفطية كبيرة.
ووسّعت الصين مجالات استثماراتها في العراق أخيرا متجاوزة قطاع النفط إلى مجالات أخرى، مثل: الإعمار والخدمات الحكومية إلى جانب صناعة السيارات والطاقة، حتى وصل التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات الأخيرة إلى نحو 50 مليار دولار أميركي.
مساع أميركية
بحسب تقرير نشره موقع قناة "الحرة الأميركية" في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، فإن الولايات المتحدة تسعى إلى الحد من النفوذ الصيني في العراق، وذلك بمحاولات واشنطن منع بكين من الاستحواذ على الفرص الاستثمارية والسيطرة على الاقتصاد العراقي.
ونقل الموقع عن المخطط الإستراتيجي في الحزب الجمهوري، جون عكوري، قوله إن "التنمية والاستقرار في العراق تجعلانه مرشحا للعب دور أساسي، ليس فقط في المنطقة، وإنما في أجزاء أخرى من العالم".
وفي إشارة منه إلى مرحلة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، قال عكوري إن "الإدارة السابقة جعلت السياسة نحو العراق في قاع القائمة، وهذا سمح للصين وإيران باستغلال الفجوة والفراغ. آمل أن نرى دورا مختلفا مع الإدارة القادمة (برئاسة دونالد ترامب)".
ولفت الموقع الأميركي إلى أن "الولايات المتحدة بحاجة إلى دراسة العوامل التي تجعل الصين ناجحة في العراق، والعوامل الأخرى التي تجعلها غير منافسة أيضا، هذا هو مكان البداية الذي نحتاج إليه".
وأوضح أن إدارة ترامب ليست جديدة، بل حكمت أربع سنوات، لذلك تستطيع أن تعيد حسابات واشنطن وكيف تصبح دولة لها قدرة اقتصادية منافسة للصين ولدول أخرى.
وطبقا لأرقام منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ومنذ توقيع اتفاقية 2019 بين العراق والصين، ارتفعت صادرات النفط العراقي لبكين نحو 20 بالمئة.
ووصلت عام 2023 إلى أكثر من مليون برميل نفط يوميا، وتصدرت الصين قائمة مستوردي ذهب العراق الأسود.
في المقابل، قال النائب في البرلمان العراقي، مختار الموسوي، إن "العراق بلد صاحب سيادة وهو من يتحكم في علاقاته الخارجية سواء السياسية والاقتصادية وغيرها، ولا يمكن السماح للولايات المتحدة بالتدخل، وأن تحدد مع من نكوّن علاقات اقتصادية وغيرها".
ونقلت وكالة "بغداد اليوم" المحلية عن الموسوي في 18 نوفمبر، قوله إن "الصين بلد شريك ومهم للعراق، خاصة في الجانب الاقتصادي والاستثماري، إضافة إلى المجالات المختلفة".
وأردف عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان العراقي، قائلا: "لا يمكن للولايات المتحدة التأثير على تلك الشراكة أو العمل على الحد من النفوذ الصيني بالقطاعات التي تعمل بها في البلاد، فهذا الأمر يرفضه العراق رفضا قاطعا".
نفوذ متنامٍ
وازدادت نسبة التبادل التجاري بين العراق والصين حتى وصل في السنوات الأخيرة إلى نحو 50 مليار دولار. ويعود أكثر من ثلث المبلغ يعود إلى صادرات البلاد النفطية إلى بكين.
وعلى صعيد التبادل التجاري بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحتى الدول العربية في المنطقة، كان العراق في نهاية القائمة خلال عقود مضت من الزمن، لكنه اليوم بات الأول على قائمة المستوردين من الصين، والثالث في ترتيب المُصدّرين إليه.
وتمتلك كيانات صينية نسبة تتجاوز 46 بالمئة في حقل الرميلة النفطي في العراق، أكبر الحقول العراقية إنتاجا للنفط، والثاني عالميا.
كما تدير شركات صينية أخرى نحو 34 بالمئة من احتياطيات العراق المؤكدة، إضافة لثلثي الإنتاج الحالي، وهي أرقام تشير إلى نفوذ صيني متنام على إنتاج النفط العراقي.
والصين هي أكبر المستثمرين في العراق وتفوقت على دول الشرق الأوسط والدول العربية وتركيا وإيران.
بحسب بيانات المركز التجاري الدولي (ITC) الصادر عام 2023، فإن التبادل التجاري بين العراق والصين كان 49.7 مليار دولار.
منها 14.3 مليار صادرات بكين لبغداد، أما 35.4 مليار فهي صادرات العراق للصين، لا سيما النفطية.
من ناحية السلع ورأس المال وصلت صادرات الصين للعراق إلى أكثر من 100 نوع من السلع. وفي هذا الجانب استثمرت بأكثر من 34.2 مليار دولار.
لكن صادرات الثاني إلى الأول شهدت تصاعدا وتنازلا كبيرا، لأن الصادرات لم تكن متنوعة وكانت فوق 95 بالمئة من منتجات النفط ومشتقاته.
ومن ناحية الاستثمارات، توسع الشركات الصينية- أغلبها تابعة للحكومة- موطأ قدمهما في العراق بقطاعي الطاقة والعقارات.
فقد كان 41 مشروعا من المشاريع الصينية على الأراضي العراقية يخص قطاع الطاقة، وكانت 31 منها في القطاع النفطي.
ولم تتأثر استثمارات الصين في العراق بالوضع الداخلي العراقي السياسي والأمني، بل كانت تزداد بشكل مستمر خلال العقدين الماضيين.
وذلك بنسبة لم تكن أقل من نصف مليار دولار سنويا، وفي بعض السنوات وصلت إلى أكثر من 8.5 مليارات دولار.
ويعود توسع الاستثمار الصيني في العراق بالغالب إلى زيارة رئيس الحكومة العراقية الأسبق، عادل عبد المهدي، إلى الصين عام 2019.
ووقتها وقع عبد المهدي على 8 اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع بكين، مقابل 10 مليارات دولار أو 100 ألف برميل من النفط يوميا إلى الصين.
وعند عودة عبد المهدي من زيارته إلى بكين نهاية سبتمبر/ أيلول 2019، قال إن "الاتفاقية مع الصين هي حول الأمور المالية، التجارية، إعادة البناء، العلاقات والتكنولوجيا، التربية والأمور الخارجية".
ومع اندلاع احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 في العراق، تعرقل تطبيق الاتفاقيات مع الصين، لكن مع تولي محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة الحالية عام 2022، أعلن البدء بتنفيذ شركات صينية مشروعا لبناء ألف مدرسة في البلاد.
وخلال عام 2024، أعلنت الحكومة العراقية افتتاح أول مدرسة بشكل رسمي في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوب البلاد، من تلك المدارس المتفق عليها مع الصين.
مخاطر وفرص
وبخصوص المخاطر من شكل العلاقة الاقتصادية الحالية بين الطرفين، يرى الباحث والكاتب العراقي، محمود بابان، أن “الخطر الأول يكمن في عدم تعدد السلع المصدرة من بغداد لبكين”.
إذ لا يصدر العراق غير النفط الخام، ولذلك في حال وجود بديل أرخص ستتوجه الصين إليه، وفق ما قال بابان خلال مقال نشرته شبكة "رووداو" العراقية في 20 فبراير/شباط 2024.
وتابع أن "الصين في الوقت نفسه تصدّر مئات الأنواع من البضائع إلى العراق، ولا تزال مستمرة في تعديد أنواع السلع".
وأشار إلى أن “الخطر الثاني، يتعلق بالاحتياج والتبادل التجاري مع دولة كبيرة مثل الصين وتأثير الكبير على العالم”.
لذلك أي تباطؤ في النمو الاقتصادي سيؤثر بشكل مباشر على العراق بسبب الاستيراد، لأنه من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الصيني في السنوات المقبلة، بحسب تقديره.
لكن الباحث العراقي، يرى أن التبادل التجاري مع الصين لا يخلو من فرص عديدة.
ومنها أن "تفتح بابا جديدا للعراق للتعامل بعملة أجنبية غير الدولار، ويصبح منقذا لدخل ثلث النفط العراقي باليوان الصيني، مما يخفف الضغط الأميركي لاستعادة الإيرادات العراقية".
ومن ناحية ثانية، يرى أن "العراق يستطيع الاستفادة من التجربة الصينية في ما يتعلق بالنمو الاقتصادي السريع ونمو الإنتاج الداخلي، إضافة إلى رفع دخل الفرد".
أما الفرصة الثالثة، بحسب بابان، فهي أن "لدى الصين أيدي عاملة منخفضة التكاليف وتكنولوجيا عالية يمكن للعراق الاستفادة منها لإنشاء البنية التحتية للقطاعات المختلفة وبالأخص النقل، والطرق والجسور، إنشاء العمارات والمستشفيات والمدارس وغيرها، فالبلد يعاني من عدم توفرها".
وفي 25 سبتمبر/أيلول 2024، كشف السفير الصيني في العراق تسوي وي، خلال مؤتمر صحفي بمقر سفارة بكين في بغداد، أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 49 مليار دولار أميركي في عام 2023.
وأضاف السفير أن "ذلك يجعل الصين أكبر شريك تجاري للعراق ومستورد للنفط العراقي، ليرتفع في النصف الأول من العام 2024 إلى 27 مليار دولار"، متوقعًا في الوقت نفسه أن يتجاوز هذا الرقم ما جرى تحقيقه عام 2023"، حسبما نقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية.
وفي الوقت الذي أكد فيه رغبة الشركات الصينية بالمشاركة في تطوير حقول النفط والغاز الجديدة التي تطرحها الحكومة العراقية، أوضح السفير أن "تصدير السيارات الصينية إلى العراق شهد زيادة ملحوظة في السنوات الأخيرة، وأنها بلغت منذ عام 2024 نحو 23 ألف سيارة".
وأعلن السفير وي أن اتفاقية بكين وبغداد الخاصة بإعفاء حاملي الجوازات الدبلوماسية من تأشيرات الدخول دخلت حيز التنفيذ أواخر 2023، إضافة الى تقديم مقترح لخفض رسوم الحصول على التأشيرات وتسهيل الإجراءات للطلاب العراقيين الراغبين بالدراسة في الصين.
ومنذ العام 2010 سعت السلطات الصينية إلى خفض ديون العراق البالغ حجمها 8.5 مليارات دولار حينها، مقابل "تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين"، وهو ما منح الصين تغولا أكبر في الاقتصاد العراقي، بحسب مراقبين.