"بيبي ليكس".. من ينتصر في معركة نتنياهو وحكومته الفاشية مع قضاة الاحتلال؟

إسماعيل يوسف | 32 minutes ago

12

طباعة

مشاركة

أصبح مجرم الحرب، رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي صدر بحقه مذكرة اعتقال دولية أخيرا، في موقف لا يحسد عليه بعد تراكم القضايا بحقه والفضائح التي تطارده.

فبعد فضيحة تسريبات "بيبي ليكس" من مكتبه لوثائق مزورة تم الحصول عليها بالابتزاز من الجيش، واعتقال 5 من مكتبه واتهامه أنه من حركهم.

رفضت المحكمة المركزية في القدس يوم 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 طلبه تأجيل موعد شهادته في قضايا فساد وتلقيه رشوة، (مؤجلة منذ يوليو/ تموز 2024) بحجة أنه مشغول بالحرب، ما يعني أنه سيدلي بشهادته مجبرا يوم 2 ديسمبر/ كانون الأول 2024.

وجاء التطور الثالث الذي قد يهدم حكومته حين طالبته المستشارة القضائية بإقالة وزير الأمن الداخلي، اليمين المتطرف إيتمار بن غفير، ومطالبة بن غفير له بالمقابل بإقالتها أو يترك هو الائتلاف الحكومي ينهار.

ثم اندلعت أزمة أخرى حين بدأ وزراء من حكومة نتنياهو يحرضون على قتل المستشارة القضائية ضمنا، ما عدته المعارضة محاولة من رئيس الحكومة لتجديد انقلابه القضائي الذي حاول تنفيذه من قبل لتقليص نفوذ السلطة القضائية.

تفاصيل “بيبي ليكس”

اسم "بيبي ليكس"، Bibi leaks، نسبة إلى لقب رئيس الوزراء الإسرائيلي "بيبي"، و"ليكس" أي فضيحة، ويقصد بها الفضيحة الأخيرة في سلسلة فضائح نتنياهو، لخداع الرأي العام الإسرائيلي والدولي كي يستمر في حرب الإبادة بغزة. 

هي فضيحة تسريب مكتب نتنياهو، عمدا وثائق سرية، حصل عليها "جواسيس مكتب بيبي"، كما يُطلق عليهم، وتلاعبوا بها وأرسلوها لوسائل إعلام أجنبية، بهدف دعم رواية نتنياهو الرافضة لعقد صفقة تبادُل أسرى مع حماس.

وحدثت الواقعة في أوائل سبتمبر/أيلول 2024. وجديدها أن مدير مكتب نتنياهو "تساحي برافرمان" عمد إلى ابتزاز ضابط بالجيش الإسرائيلي بـ"صور مُحرجة" للحصول على وثائق عسكرية سرية وتسريبها ضمن الفضيحة الأمنية التي هزّت إسرائيل، بحسب هيئة البث الإسرائيلية في 10 نوفمبر 2024.

وفي هذه الفضيحة ألقي القبض على 5 من مكتب نتنياهو على رأسهم إيلي فيلدشتاين، المتحدث باسم نتنياهو، والذي حضر اجتماعات سرية، لا يفترض له حضورها.

تبين أن مكتب نتنياهو جمع مجموعة من مقاطع الفيديو الحساسة من كاميرات الأمن لوزير الدفاع السابق يوآف غالانت، وضابط في الجيش الإسرائيلي عمل في مكتب نتنياهو، لأغراض غير واضحة.

وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 8 نوفمبر 2024، أُبلغ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، قبل عدة أشهر أن مكتب رئيس الوزراء يحتفظ بـ "مقاطع فيديو حساسة" لضابط رفيع في الجيش سبق أن عمل مع المكتب.

وأن "جواسيس مكتب بيبي"، ابتزوه بهذه الصور لإعطائهم وثائق للجيش عن صفقة التبادل مع حماس، قاموا بتحريفها وإرسالها للإعلام لخدمة موقف نتنياهو باستمرار الحرب، وهو ما عده مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي "افتراءات"، نافيا حدوث ذلك.

صحيفة "يديعوت أحرونوت" أكدت أيضا في 8 نوفمبر أن مجموعة من رجال مكتب نتنياهو، استخدموا "معلومات محرجة" ترتبط بأحد مسؤولي وزارة الدفاع الإسرائيلية، للحصول على وثائق حساسة تتصل بهجوم 7 من أكتوبر.

قالت: "استخدم جواسيس نتنياهو في الجيش الإسرائيلي هذا الأسلوب للحصول على هذه الوثائق، ثم نشرها في وسائل الإعلام الأجنبية لخدمة رواية الحكومة ضد صفقة الأسرى".

وقالت مصادر للصحيفة إن هذا يفسر الطريقة التي تمكن بها مسؤولو المكتب من الوصول إلى بعض الوثائق والسجلات الأكثر حساسية، أي استخدموا معلومات شخصية محرجة عن أحد كبار الضباط، لابتزازه للحصول على هذه الوثائق.

أما الفيديو المتعلق بوزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، فيظهر فيه وهو يتشاجر مع حارس أمن في مقر وزارة الدفاع بتل أبيب في 12 أكتوبر 2023، بعد أيام قليلة من هجوم 7 أكتوبر الذي أعقبه الحرب على غزة.

وقالت "تايمز أوف إسرائيل" إن المتحدث باسم نتنياهو، يوناتان يوريش، حصل بسرعة على هذا الفيديو الخاص بالحادثة، وشاركه مع عدد من الأشخاص، ثم احتفظ به، ليكون أداة ضد غالانت.

وقد سمحت المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية، غالي بيهاريف ميارا، بالتحقيق فيها مع نتنياهو، فيما بات يُعرف بـ "بيبي ليكس"، وصادقت على طلب الشرطة والشاباك إجراء تحقيق مع نتنياهو.

وذلك "حول القضايا الأمنية في مكتبه المتعلقة بتسريب وثائق سرية للغاية من خلال صحيفتين أجنبيتين وتزوير بروتوكولات لاجتماعات المجلس السياسي الأمني خلال الحرب (الكابينت)"، وفق ما ذكرت صحيفة "معاريف" في 8 نوفمبر 2024.

وينص قانون الحكومة الأساسي على عدم جواز فتح تحقيق جنائي ضد رئيس الوزراء إلا بموافقة النائب العام، وإذا تطور التحقيق بشكل يربط رئيس الوزراء بالشؤون الأمنية، يجب إيقاف التحقيق حتى الحصول على إذن من المستشار القانوني للحكومة، وهو ما فعلته.

وقدمت النيابة الإسرائيلية يوم 17 نوفمبر 2024 دعوى أمام محكمة الصلح في ريشون لتسيون، ضد مستشار نتنياهو وضابط استخبارات متهمين بتسريب معلومات سرية.

وجاء في الدعوى القضائية إنهما متهمان بتسريب وثائق أمنية حساسة بصورة ملفقة لدعم موقف الحكومة التي تماطل في إبرام صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس، على خلفية القضية التي باتت تعرف باسم "وثائق السنوار الملفقة".

وكان الهدف من هذه الفضيحة في نهاية المطاف هو إيصال "الوثائق السرية المفبركة" إلى صحيفتي "جويش كرونيكل" البريطانية و"بيلد" الألمانية للترويج أنها خطط للشهيد يحيي السنوار زعيم حماس.

والزعم أنها وثائق حقيقية تشير لرفض تبادل الأسرى وأنه سيهرب بهم لإيران عبر مصر، وهو ما ثبت كذبه واعتذرت "جويش كرونيكل" وطردت محررها الذي تبين أنه جندي إسرائيلي سابق شارك في "بيبي ليكس".

ويواجه جواسيس مكتب نتنياهو الأربعة أحكاما بالسجن تصل إلى 15 عاما، لكن تركيز وسائل الإعلام ينصب على رئيس الوزراء والأسئلة حول مدى معرفته بهذه القضية، التي أغرقت مفاوضات الرهائن وأدت إلى تكثيف العمليات العسكرية.

وهو ما أكد عليه المحلل السياسي بصحيفة "هآرتس" عاموس هاريل يوم 18 نوفمبر 2024، حيث تساءل: هل تحرك مساعد نتنياهو بمفرده؟ وشكك في أن تكون أوامر حظر النشر في القضية من جانب مكتب نتنياهو استهدفت التقليل من شأن "بيبي ليكس".

وأكد أن محاولات وسائل الإعلام اليمينية (الموالية لنتنياهو) التقليل من أهمية الفضيحة الحالية في مكتب رئيس الوزراء "سوف تبوء بالفشل".

وعاد "هارئيل" ليقول في صحيفة "هآرتس" في 19 نوفمبر 2024 أن "قضية بيبي ليكس سوف تُحول مكتب نتنياهو إلى نيران، وتهدم الديمقراطية الإسرائيلية".

الفضيحة الثانية

وترتبط هذه الفضيحة الأولي، بقضية أخرى يجرى التحقيق فيها منذ أشهر، تتمحور حول شبهات بأن مسؤولين في مكتب نتنياهو حاولوا تغيير بروتوكولات مداولات مجلس الحرب (الكابينت) السياسي الأمني التي عُقدت خلال الحرب.

وكذلك تزوير نصوص محادثات هاتفية أجراها صناع القرار، وبينهم نتنياهو، في الأيام الأولى للحرب، لتبرئته من المسؤولية عن الفشل في صد هجوم "طوفان الأقصى".

وتعالت الشبهات بهذا الخصوص في أعقاب توجه السكرتير العسكري السابق لنتنياهو، أفي غيل، إلى المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، قبل أكثر من نصف سنة للشكوى.

وذلك بعدما حذره موظفون في مكتب رئيس الحكومة بأن جهات في مكتب نتنياهو حاولوا "التعامل"، على حد قولهم، مع جزء من البروتوكولات في نهاية عدة اجتماعات سرية، ونفى مكتب نتنياهو هذه الشبهات وزعم أنها "كذب مطلق".

وقد ذكرت صحيفة "معاريف"، 15 نوفمبر 2024 أن المستشارة القضائية للحكومة صادقت على طلب الشرطة والشاباك إجراء تحقيق يتعلق بنتنياهو، حول القضايا الأمنية في مكتبه.

الفضيحة الثالثة

هذه الفضيحة قانونية وسياسية، ويواجه فيها نتنياهو اتهامات بالرشوة والاحتيال وإساءة الثقة، ويعود تاريخها لعام 2022، وكان مقررا نظرها في يوليو 2024، لكنه طلب تأجيل شهادته في المحكمة عدة مرات بحجة انشغاله في الحرب.

وخضع نتنياهو للمحاكمة بالفعل بتهمة الفساد والاحتيال وإساءة استخدام السلطة، لكن الإجراءات توقفت بسبب المنصب الذي يشغله، والذي يحميه من الملاحقة الجنائية، والحروب في غزة ولبنان.

وجديد هذه الفضيحة أن النيابة العامة الإسرائيلية رفضت يوم 12 نوفمبر 2024 طلب نتنياهو، تأجيل شهادته أمام المحكمة في ملفات الفساد المتهم فيها، وقالت في رد قدمته إلى المحكمة المركزية في القدس: "نعارض أي تأجيل وبرأينا أن أي تأخير آخر في المحاكمة يتناقض بشكل شديد مع المصلحة العامة".

وهنا أيضا ظهر اسم المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، التي نصحت النيابة بعدم قبول طلب نتنياهو تأجيل شهادته في المحكمة وإصدار قرارها، ما يعني أنه يتعين على نتنياهو البدء بالإدلاء بشهادته، في 2 ديسمبر المقبل، رغم طلب محاميه من المحكمة تأجيل ذلك إلى فبراير 2025 بحجة انشغاله في الحرب.

واستؤنفت محاكمة نتنياهو في ديسمبر 2023 بتهمة الفساد، بعد توقف دام شهرين بعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد، على أثر الحرب في غزة.

وتعد القضية 1000 أو ما تعرف أيضا باسم قضية "الهدايا" أبرز تهم الفساد وتلقي الرشا التي يواجهها نتنياهو، وتشمله وعائلته بتهم تلقيهم هدايا ثمينة، من بينها مجوهرات لزوجته سارة من أثرياء بارزين.

ولا تتطلب المحاكمة استقالة نتنياهو من منصبه إلا إذا أدانته المحكمة العليا، وهو قرار يتوقف على حكم "العليا" ضده.

اقتلوا المستشارة القضائية!

لأن المستشارة القضائية للحكومة أيدت التحقيق مع نتنياهو في كل فضائحه، من تسريب مستندات مكتبه وتزويرها، إلى قضايا رشوة، وكذلك إخفاء محاضر ووثائق لاجتماعات حرب طوفان الأقصى، حاول إقالتها وتشويه صورتها.

ومعروفة أن المدعي العام الإسرائيلي (بهاراف ميارا) هي المسؤولة أيضا عن تقديم المشورة القانونية للحكومة وتمثل الدولة في المحاكم، وتتبع وزارة القضاء، وتعد جزءًا من السلطة التنفيذية، وتشارك في إعداد المذكرات القانونية للأمور الحكومية.

في البداية، ألمح نتنياهو يوم 4 نوفمبر 2024 لإقالة المستشارة القضائية، ووصفها بـ "إنها صدامية تجاهنا وأطلب حلا لهذا الوضع"، وطلب من وزير القضاء ياريف ليفين تقديم اقتراح حول صدامها معه، ووصل الأمر بأنصاره للتحريض على قتلها.

ثم نقلت صحيفة "يديعوت احرونوت" 18 نوفمبر 2024 عن "وزير إسرائيلي" تأكيده أن نتنياهو، "لم يعد يستبعد إقالة المستشارة القضائية للحكومة"، بعد هجوم أعضاء كنيست من ائتلافه الحكومي عليها ومطالبتها بالاستقالة أو أن يقيلها نتنياهو.

قال الوزير إن "شيئا ما تغير لدى نتنياهو، وهو يدرس إقالتها بجدية"، وقالت مصادر في الحكومة إن "نتنياهو يشعر الآن أنه أقوى بسبب إنجازات سُجلت في الحرب، وبسبب استبدال الإدارة الأميركية وإقالة وزير الحرب يوآف غالانت، دون اعتراض".

ونقلت الصحيفة أن مستشاري نتنياهو يرون أن إقالة المستشارة القضائية أصبح "حتميا" وأنها تعد "عقبة مركزية" لا تسمح لحكومة نتنياهو بسن قوانين إعفاء الحريديين (المتدينين) من الخدمة العسكرية أو تمويل حضانات أطفالهم.

لكن رئيس المعارضة، يائير لبيد، هدد بأنه "إذا تمت إقالتها، فسنطرح مجددا موضوع عدم قدرة رئيس الحكومة على القيام بعمله إلى الطاولة"، أي إقالة نتنياهو نفسه.

وقال إن "تهديدات نتنياهو للمستشارة دليل على أن الحكومة تعود إلى الانقلاب على النظام القضائي (إضعاف جهاز القضاء) بكامل القوة، لأن محاولات استبدالها هي جزء من محاولة نتنياهو وحكومته أن يهدموا من الأساس الديمقراطية الإسرائيلية".

وجاء التهديد بإقالة بهاراف ميارا في ظل تردد أنباء حول عزم الحكومة استئناف خطواتها التشريعية لإضعاف جهاز القضاء، والتي سبق أن عارضتها المستشارة القضائية بشدة.

وقد بدأ الأمر يأخذ طابع "التحريض على قتل المستشارة القضائية (المدعي العام)"، من وزراء نتنياهو لحد استشهاد أحدهم بالتلمود لقتلها.

حيث شن وزير الاتصالات الإسرائيلي، شلومو كرعي، هجوما حادا على المستشارة القضائية للحكومة يوم 17 نوفمبر 2024، مستخدما عبارة مستوحاة من التلمود تحرض على القتل.

وهي: "إن جاء ليقتلك -حتى بالتراخي والموافقة بالصمت -يجب عليك فصله فورا"، علما بأن العبارة الأصلية تقول: "إن جاء ليقتلك فبكر واقتله"، الأمر الذي عده زعيم المعارضة، يائير لبيد، تحريضا على قتل المستشارة القضائية.

وزاد من غضب فريق نتنياهو الوزاري المتطرف، مطالبة المستشارة القضائية له، في رسالة يوم 15 نوفمبر 2024 بأن "يعيد النظر" في تعيين وزير الشرطة إيتمار بن غفير، في منصبه، أي إقالته.

وذلك لأنه يتدخل في عمل الشرطة والترقيات ليكون الولاء له لا للشعب، كما أن هناك قضايا ضده أمام المحكمة العليا تطالب بإقالته أيضا.

وقالت المستشارة أن الوزير بن غفير "يؤثر ويتدخل بشكل فظ، ومرفوض، ومتكرر في استخدام قوة الشرطة خلافا لقرارات المحاكم، كما أطلق تصريحات بهدف ردع قضاة من القيام بعملهم، والاستهزاء بقراراتهم".

وقال نتنياهو إنه يرفض إقالة بن غفير، ورأى أن الإطاحة ببن غفير من خلال المحكمة العليا هي "الطريقة الأسرع لأزمة دستورية"، ورد بن غفير مطالبا إياه أن يقيلها أو أن يستقيل هو وينهار الائتلاف الحكومي.

ويقول مراسل القناة 12 الإسرائيلية إن هذا الطلب لو قبله نتنياهو فستنهار حكومته بعدما كانت مهددة فقط لو انسحب من غزة.

أما لو رفض (نتنياهو) طلب المستشارة القضائية بإقالته، فسوف تحيل هي القضية إلى المحكمة العليا وتطالب بعزل بن غفير من منصبه، والمحكمة هي التي تقرر، ولو أقالته فستنهار حكومة نتنياهو أيضا.