طعنة بظهر غزة.. هكذا تتعاون حكومة أخنوش مع إسرائيل رغم غضب الشارع المغربي

"لا لدعم الكيان الصهيوني من خلال السماح برسو أي سفينة محملة بالأسلحة لقتل إخواننا الفلسطينيين"
تعالت أصوات مواطنين مغاربة ومنظمات نقابية وحقوقية وشخصيات مدنية للدعوة لمنع استغلال موانئ المملكة في أي عمل قد يخدم الكيان الإسرائيلي أو السفن المتوجهة إليه.
حيث شهد المغرب، في 20 أبريل/نيسان 2025، خروج مسيرات شعبية حاشدة في طنجة والدار البيضاء ومدن أخرى، رفضا لرسو سفن شركة الشحن العالمي "ميرسك" في موانئ البلاد.
وطالب متظاهرون في مسيرات دعت إليها الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، ومجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، بعدم السماح لعبور شحنة قادمة من الولايات المتحدة عبر ميناء طنجة المتوسط، للاشتباه في أنها تتكون من معدات تستعمل في الإبادة الإسرائيلية بقطاع غزة.
وكان المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، قد وقعوا بتاريخ 22 ديسمبر/كانون أول 2020، اتفاقا ثلاثيا أعيدت بموجبه العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وتل أبيب، في إطار موجة التطبيع التي شهدتها المنطقة، برعاية أميركية.
ومنذ بدء طوفان الأقصى بتاريخ 07 أكتوبر/تشرين أول 2023، شهد الشارع المغربي مظاهرات مركزية بالرباط وأخرى بمختلف المدن، تدعو لإسناد الشعب الفلسطيني ومقاومته في وجه آلة البطش الصهيونية، وقطع كل أشكال التطبيع مع الكيان.
وتناسلت اتفاقيات ثنائية بين المغرب وإسرائيل ما بعد توقيع الاتفاق الثلاثي إلى بدء معركة طوفان الأقصى، شملت قطاعات التعاون الدبلوماسي، والشباب والثقافة، والتعليم العالي والبحث العلمي، والفلاحة والصيد البحري، والقضاء والعدل، وتبادل المعطيات والأمن السيبراني، والصحة والحماية الاجتماعية، والخدمات الجوية وغيرها.
طعنة للمقاومة
وتعليقا على المشهد، قال عبد الحفيظ السريتي، منسق مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين: إن المسيرات والوقفات بالموانئ تمثل "رسالة واضحة إلى الحكومة، مفادها أن لا لدعم الكيان الصهيوني من خلال السماح برسو أي سفينة محملة بالأسلحة لقتل إخواننا الفلسطينيين".
ورأى السريتي لـ "الاستقلال"، أن "الموافقة على خطوة كهذه، أي تمكين سفن العدو من الرسو بموانئ البلاد ولأي سبب كان، تمثل طعنة للمقاومة الفلسطينية وتدنيسا للمغرب وتاريخه".
ودعا القيادي الداعم لفلسطين والمناهض للتطبيع إلى "التدارك للحفاظ على قدسية الوطن، وعدم تدنيسه بالمشاركة في دعم قوافل حمل السلاح للكيان الإسرائيلي الذي يقتل الشعب الفلسطيني المحاصر".
وندد السريتي بـ "الدعم العسكري والسياسي الذي يحظى به الكيان المجرم، بقيادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقيادات أخرى".
كما انتقد حياد حكومة بلاده برئاسة عزيز أخنوش وصمتها الغريب أمام بحر دماء الشهداء وأشلاء الأطفال والجثث المدفونة تحت الأنقاض، مشددا على أن هذا الموقف "لن يغفره التاريخ".

تنديد شعبي
أعلنت عشرات المنظمات والنقابات حول العالم، من بينها هيئات مغربية بارزة، وقوفها ضد عمليات نقل الإمدادات العسكرية إلى إسرائيل، داعية إلى تحركات جماهيرية في موانئ عبور سفينتي “Maersk Detroit” و”Maersk Nexoe”.
ووقّعت هذه الهيئات، التي بلغ عددها نحو 40 منظمة، على بيان مشترك يدعو شركة الشحن العالمية “ميرسك” إلى التوقف الفوري عن نقل مكونات طائرات إف-35 وأي مواد عسكرية أخرى إلى إسرائيل، تُستخدم في عدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وفي هذا الصدد، أفاد أبو الشتاء مساعف، عضو السكرتارية الوطنية للجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، أن هذه المسيرات الشعبية تأتي تنديدا برسو سفينتين تابعتين لعملاق الشحن العالمي “ميرسك”، في كل من الدار البيضاء وطنجة.
وندد مساعف في تصريح لموقع "صوت المغرب"، 21 أبريل 2025، بمنع السلطات المغربية لتقدم مسيرة الدار البيضاء، التي كان مشاركا فيها نحو الميناء، وتعنيفها للمتظاهرين.
وذكر أن المظاهرة في مدينة الدار البيضاء عرفت تدخلا أمنيا لمنعها من التحرك من ساحة المارشال، قبل أن يتمكن المتظاهرون من تجاوز الحاجز الأمني الأول، والسير في مسيرة حاشدة منعت من التقدم نحو ميناء الدار البيضاء، في تقاطع شارعي الحسن الأول والجيش الملكي.
واسترسل مساعف، فيما استمر تجمهر المتظاهرين لأكثر من ساعة في المكان ذاته، مرددين شعارات تطالب بطرد السفينة من قبيل "الشعب يريد ترحيل السفينة".
كما طالبوا بإنهاء التطبيع مع الاحتلال مرددين "الشعب يريد إسقاط التطبيع"، وذلك وسط أصوات صافرات قوات مكافحة الشغب التي استمرت إلى حين نهاية الفعالية.
تواطؤ أخنوش
من جانبه، دعا النقيب عبد الرحمان بنعمر والنقيب عبد الرحيم الجامعي والنقيب عبد الرحيم بن بركة والمحامون خالد السفياني وبشرى العاصمي ونعيمة الكلاف والعربي فنيدي، رئيس الحكومة عزيز أخنوش، لوقف عمليات الشحن لفائدة الكيان الصهيوني من الموانئ المغربية.
وبحسب موقع "العدالة والتنمية"، في 21 أبريل 2025، طالبت الرسالة وبكل استعجال، وقف عمليات شحن وحمل الأسلحة من الموانئ المغربية نحو موانئ الكيان الصهيوني، وإيقاف أي مبادرة في هذا الشأن.
كما طالبت رئيس الحكومة بمنع تزويد الكيان الصهيوني بها ومساعدته عبر أراضي المغرب ومجالاته البحرية أو البرية أو الجوية، لأن في ذلك مساهمة مباشرة ومشاركة معلنة ورسمية في جرائم قتل الشعب الفلسطيني وتصفية مقاومته وإبادته الجماعية.
ودعا النقباء والمحامون رئيس الحكومة إلى "الإسراع بإصدار قانون تجريم التطبيع الذي لازال مجمدا في الرفوف…"، وإعلان القطيعة مع الكيان الإرهابي وطرد ما يسمى بممثليته بمكتب الاتصال على تراب المغرب، ووقف أشكال التطبيع كافة معه بما في ذلك مقاطعة كل منتجات الشركات المتعددة الجنسيات الداعمة للكيان الصهيوني.
وشددت المراسلة على ضرورة "الانضمام لصف دول العالم التي وقفت في المواجهة المباشرة السياسية والقانونية والقضائية للكيان الصهيوني عبر منابر الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والمحاكم الدولية…".
واسترسل: "كما ننتظر منكم تقديم اعتذار للشعب المغربي على دعمكم ودعم حكومتكم للكيان الصهيوني بالإبقاء على مكتب الاتصال بالمغرب".
وأكدت المراسلة على أن الموقعين عليها وعموم داعمي القضية الفلسطينية سيستمرون في المناداة باعتقال ومتابعة ومحاكمة مجرمي الحرب ومن والاهم ومن يدعمهم ويشاركهم جرائمهم أينما وجدوا.
وخلصت الرسالة إلى أن "العدالة هي مأوى كل المظلومين والضحايا. وأن العقاب وعدم الإفلات منه، هو مصير كل المجرمين أمثال عصابات الكيان الصهيوني…".

مسؤولية قانونية
بدورها، دعت "الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومُناهضة التطبيع"، وزير النقل واللوجستيك، ومدير السلطة المينائية طنجة المتوسط، وكل السلطات المغربية المعنية، إلى وقف منع رسو السفن المتوجهة للكيان الإسرائيلي بموانئ المغرب.
ودعت الجبهة في مراسلة نشرتها بتاريخ 19 أبريل 2025، كل المعنيين إلى تحمّل مسؤوليتهم واتخاذ موقف واضح بشأن قانونية وأخلاقية السماح بمرور هذا النوع من العتاد العسكري عبر الموانئ المغربية.
وأكدت المراسلة أن سفينة الشحن Maersk Detroit تحمل شحنة كبيرة من أجهزة تحليل الأسطح (Surface Analysts)، وهي أجهزة أساسية لصيانة طائرات إف-35 القتالية، وتُعدّ ضرورية للحفاظ على قدرتها القتالية والتدميرية.
وأشارت إلى أن أسطول جيش الاحتلال يضم 42 طائرة إف-35، تُستخدم حاليًا في قصف قطاع غزة، ويُعدّ جهاز تحليل الأسطح (Surface Analyst) المذكور عنصرا أساسيا في صيانتها، إذ يُستخدم لترميم الطلاء الخفي وإصلاح الهياكل المركّبة، ولا يمكن إعادة الطائرة إلى الخدمة بدونه.
لذلك، تردف الجبهة، "تُعد شحنة أجهزة تحليل الأسطح هذه، حلقة حاسمة في تغذية آلة الإبادة الصهيونية، ما يجعل من السماح بدخولها تورطًا مباشرًا في تمكين جرائم الحرب بحق الفلسطينيين".
ورأت الجبهة أن هذه ليست مجرد شحنة "معدات تقنية"، إنها شريان رئيس يُبقي الطائرات القاتلة في الجو، ويطيل أمد المجازر في حقّ الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة.
وأشارت المراسلة إلى أن تصريحات إدارة الميناء بكونها "غير مطلعة على محتوى الحاويات"، وأن الميناء "مجرد نقطة عبور ضمن عملية إعادة الشحن"، تفتقر إلى الحد الأدنى من المسؤولية والمصداقية، ولا تُعفي من التورط الأخلاقي والقانوني، في ظل معطيات علنية ومعروفة.
وطالبت الجبهة بوقفٍ فوريّ لكل أشكال التعاون العسكري والأمني واللوجستي والتجاري مع دولة الاحتلال، انسجاما مع قرارات محكمة العدل الدولية، ومع موقف الشعب المغربي الرافض للتطبيع.
رفض نقابي
فيما دعا المكتب الجهوي لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب بالدار البيضاء السلطات، إلى اتخاذ موقف حازم تجاه مرور أي سفن إلى الكيان الإسرائيلي عبر موانئ المملكة.
ودعت النقابة في منشور عبر فيسبوك، 16 أبريل 2025، جميع العمال والمستخدمين والأطر إلى عدم التعامل مع هذه السفينة، بأي شكل من الأشكال، سواء في مهام التفريغ، التزود، التموين، الشحن، القطر، أو أي خدمات لوجستية أخرى مرتبطة بها.
وحمل النداء السلطات العمومية كامل المسؤولية إزاء السماح بدخول أي سفينة عسكرية إلى الموانئ الوطنية، وطالبها بمنع رسوها، حماية لسمعة بلدنا ومواقفه الثابتة من القضية الفلسطينية.
وأعلن الاتحاد انخراطه الكامل في الحملة العمالية الدولية الرامية إلى مقاطعة السفن المتورطة في دعم آلة الحرب الإسرائيلية، معتبرا ذلك واجبا إنسانيا ونضاليا لا يقبل التردد.
وخلص إلى أن مقاطعة العمال والأطر لهذه السفن، ليس فقط موقفا مهنيا شريفا، بل هي صرخة في وجه الظلم، وإعلان وفاء لدماء الأبرياء في فلسطين، داعيا إلى عدم التواطؤ مع آلة القتل، وعدم تلويث موانئنا بعتاد الإبادة.
فتوى العلماء
كما أصدر علماء في المغرب بيانا شرعيا يحرّم ويدين رسوّ سفن أميركية بميناء طنجة محملة بعتاد عسكري موجه للاحتلال الإسرائيلي، وقع عليه مفكرون ودعاة وخطباء وباحثون طالبوا فيه السلطات المغربية "بالوقف الفوري لأي تعاون عسكري أو لوجستي مع واشنطن يسهم في العدوان على الفلسطينيين أو على أي مظلوم".
ودعا البيان العلماء والمفكرين والأحرار إلى "التعبير عن موقفهم الشرعي الواضح من دون تردد حول هذه النازلة وأشباهها التي فيها تسهيل للعدوان على بلاد المسلمين".
ووفق أستاذ الأصول والمقاصد بجامعة فاس ورئيس المركز العلمي للنظر المقاصدي في القضايا المعاصرة محمد رفيع، فقد وصل عدد الموقعين من العلماء على هذا البيان إلى المئات، وذلك بعد صدور النسخة الأولى التي تضمنت فقط عشرات من التوقيعات.
وأوضح رفيع في تصريح صحفي، أن "هذا البيان يستند إلى المعلوم من الدين بالضرورة، وهو الحرمة القطعية بالإجماع لإعانة العدو على المسلم".
وشدد رفيع أن "إعانة العدو ولو بقطرة ماء على قتل مسلم واحد جرم كبير شرعا وعقلا وعرفا وإجماعا من علماء المسلمين قديما وحديثا.
واسترسل: "فما بالك إذا تعلق الأمر بقتل وإبادة شعب بأكمله؟ وبعدو خبيث يشكل خطرا كبيرا على الإنسانية جمعاء".
الشركة تعترف
من جهتها، أكدت شركة ميرسك العالمية المتخصصة في الشحن البحري، أنها تشحن في حاويات عبر سفنها قطع مقاتلات "إف-35" إلى إسرائيل.
وبحسب موقع الجزيرة نت، في 22 أبريل 2025، أوضحت الشركة أن قطع "إف-35" المنقولة عبر سفنها تتوجه إلى أطراف أخرى في إسرائيل وليس إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وذكر المصدر ذاته أن الشركة سبق لها أن أوضحت أن الاستنتاج بأن ميرسك تنقل تلك القطع والمكونات إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية هو استنتاج "مضلل"، قبل أن توضح أن تلك القطع تستقبلها أطراف أخرى في إسرائيل.
وأضافت الشركة أن برنامج صناعة طائرات "إف-35" بصفته سلسلة إنتاج معقدة تنخرط فيه مجموعة من الدول، بما في ذلك إسرائيل التي تصنع أجنحة هذه الطائرات.