فرانشيسكا ألبانيز.. مقررة أممية تنتصر لحق الفلسطينيين وتصبح كابوسا لإسرائيل

خالد كريزم | منذ ٢١ ساعة

12

طباعة

مشاركة

“على إسرائيل أن تنشغل بجرائمها”.. هكذا ردت فرانشيسكا ألبانيز المقررة الأممية المعنية بحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية على محاولة تل أبيب عرقلة تمديد ولايتها في هذا المنصب.

وخلافا للرغبة الإسرائيلية، صوت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، المؤلَّف من 47 عضوا، مساء 4 أبريل/نيسان 2025 لصالح إبقاء ألبانيز، في منصبها حتى عام 2028.

وهو ما أثار موجة غضب في الأوساط الرسمية والإعلامية الإسرائيلية التي دشنت حملة ضغوط مكثفة قادتها منظمات موالية لتل أبيب لمنع التجديد للمسؤولة الأممية في المنصب الذي تتولاه منذ عام 2022.

وينبع الغضب الإسرائيلي من مواقف ألبانيز المتقدمة والنادرة لمسؤول أممي تجاه جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها تل أبيب بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، خاصة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2025.

هجوم إسرائيلي أميركي

ووصف مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة داني دانون الخطوة بأنها "عار وبقعة أخلاقية سوداء على المنظمة"، وفق زعمه.

وفي تغريدة على إكس، طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بـ"بالتراجع عن قرار تمديد ولايتها"، بزعم أنها "تحمل آراء عنصرية".

بدورها، رأت صحيفة "معاريف" العبرية أن قرار تمديد ولاية ألبانيز "يوم أسود لإسرائيل"، واصفة المقررة الأممية بـ"الشيطانية".

ووصفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية ألبانيز بأنها "منحازة ضد إسرائيل رغم ادعاء الأمم المتحدة حياديتها".

وسلطت الضوء على تصريحات سابقة للمقررة الأممية من بينها تشبيه الإسرائيليين بالنازيين والتأكيد على حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال.

وقالت: إن هجمات ألبانيز شملت أيضا الولايات المتحدة التي اتهمتها بأنها "مستعبدة من قبل اللوبي الصهيوني".

أما صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" فقد قالت: إن “تاريخ ألبانيز حافل بمعاداة السامية والهجوم اللاذع على الدولة اليهودية”. مبينة أنها "بقيت في منصبها على الرغم من جهود المشرّعين الأميركيين والأوروبيين والجماعات اليهودية لإزاحتها".

وقالت: إن ألبانيز "أُدينت من قِبَل جماعات يهودية، وإسرائيل، والولايات المتحدة، وكندا، وفرنسا، وألمانيا، وجهات أخرى".

هذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها مسؤولون إسرائيليون الأمم المتحدة ومقرريها، وفي إحدى المرات دعا مندوب إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان إلى إغلاق مبنى المنظمة الأممية ومحوه من على وجه الأرض.

وأعلن مشرّعون في الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وهولندا وأيضا كل من الأرجنتين والمجر، وجماعات يهودية أميركية بارزة، معارضتهم لتعيينها في الأسابيع الأخيرة.

ويجادل معارضو ألبانيز بأن سلوكها يُقصيها من هذا المنصب، الذي يؤكد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أنه يتطلب الحياد والنزاهة والموضوعية. 

ووصفت ألبانيز الانتقادات بأنها حملة تشويه، بينما يعدها مؤيدوها نصيرةً صريحةً للفلسطينيين.

ولم يقف الهجوم عند تل أبيب حيث قال مسؤولون أميركيون، في كل من إدارتي جو بايدن ودونالد ترامب، إن ألبانيز غير مؤهلة لمنصبها. 

وطالبت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، مجلس حقوق الإنسان برفض تعيينها. 

كما انتقدت الولايات المتحدة علنا ألبانيز واتهمتها بالترويج لـ"الكراهية المعادية للسامية" و"التحيز ضد إسرائيل" بسبب عملها في مجال حقوق الفلسطينيين في ظل الاحتلال الإسرائيلي.

وبعد تمديد ولايتها، أدانت بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في بيان لها دور ألبانيز، قائلة إنها "تواصل إدانة" ولايتها بشدة. 

وأعربت واشنطن عن غضبها من دعم مجلس حقوق الإنسان لعملها، مستخدمةً ذلك لتبرير انسحابها من المجلس في عهد الرئيس دونالد ترامب.

ويقول المنتقدون: إن الولايات المتحدة تحاول إسكات التدقيق في السياسات الإسرائيلية من خلال تشويه سمعة مسؤولي الأمم المتحدة. 

وتأتي هذه الاتهامات في ظل الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة وتصاعد القمع في الضفة الغربية؛ حيث تحذر جماعات حقوق الإنسان من "تعميق الفصل العنصري".

من هي؟

فرانشيسكا ألبانيز (48 عاما) محامية إيطالية دولية متخصصة في مجال حقوق الإنسان بالشرق الأوسط، وهي موظفة سابقة في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

تشغل منذ مايو/أيار 2022 منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.

ألبانيز باحثة في معهد دراسات الهجرة الدولية بجامعة جورج تاون، ولها منشورات مرموقة، منها كتاب "اللاجئون الفلسطينيون في القانون الدولي" لعام 2020 الذي يُعدّ مرجعا بارزا في الأدبيات المتعلقة بهذا الموضوع، وكتابها الأخير "أنا أتهم" 2024.

تغطي أعمالها الأكاديمية جوانب مختلفة من قضية فلسطين، والوضع القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتهجير القسري للفلسطينيين.

منذ عام 2018، درّست ألبانيز وألقت محاضرات في جامعات مختلفة في أوروبا والشرق الأوسط. 

وهي مسؤولة أيضا عن برنامج البحث والمساعدة القانونية بشأن الهجرة وطالبي اللجوء في العالم العربي في مركز أبحاث النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (ARDD).

وهذا الأخير هو أحد مؤسسي الشبكة العالمية لقضية فلسطين (GNQP)، وهي تحالف من الخبراء والباحثين الإقليميين والدوليين البارزين المعنيين بقضية فلسطين.

قبل مشاركتها البحثية عملت مع منظمات دولية، بما في ذلك مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان (OHCHR) ووكالة أونروا.

فقد عملت ألبانيز لمدة عشر سنوات مع الأمم المتحدة (2003-2013)، بما في ذلك إدارة الشؤون القانونية في أونروا (ومقرها القدس).

وأثناء وجودها في واشنطن العاصمة (2013-2015)، عملت ألبانيز لدى منظمة أميركية غير حكومية (مشروع القلق الدولي) كمستشارة فنية في قضايا الحماية خلال تفشي فيروس إيبولا عام 2014 في غرب إفريقيا.

وخلال فترة عملها في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (ومقره جنيف)، ركزت ألبانيز على تعزيز استقلالية وفعالية المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، بما في ذلك في مجال منع التعذيب. 

وتشمل خبراتها المهنية الأخرى تقديم المشورة للحكومات والمجتمع المدني في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب شرق آسيا بشأن قضايا حقوق الإنسان.

وأيضا وحماية اللاجئين وطالبي اللجوء، ومراقبة نزاهة وشفافية العمليات الانتخابية (على سبيل المثال، بعثة الاتحاد الأوروبي في هايتي وغينيا بيساو وباكستان).

بصفتها مقررة خاصة، نشرت العديد من الآراء القانونية والتقارير الرئيسة حول، انتهاك قانون تقرير المصير في الأرض الفلسطينية المحتلة (2022)، والحرمان الجماعي والمنهجي من الحرية للفلسطينيين (2023).

وكذلك "نزع الطفولة"، وانتهاكها في الأرض الفلسطينية المحتلة (2023)، والإبادة الجماعية (2024 أ و2024 ب).

وتُلقي ألبانيز محاضرات حول "قضية اللاجئين الفلسطينيين" في عدد من الجامعات ومراكز الأبحاث، بما في ذلك برنامج MICAD بجامعة بيت لحم، حيث تُشرف أيضا على أطروحات طلاب الماجستير.

حصلت على ماجستير في القانون من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن وذلك في تخصص حقوق الإنسان، وبكالوريوس في القانون من جامعة بيزا بمرتبة الشرف. 

وتكمل في الوقت الحالي دكتوراه في القانون الدولي للاجئين، في كلية الحقوق بجامعة أمستردام (الهولندية).

وهي عضو منتسب في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (ISIM) منذ عام 2015، وعضو أيضا في الجامعة الأميركية في بيروت.

تهديدات مستمرة

وبدأ الهجوم الإسرائيلي على ألبانيز منذ توليها ولايتها ورفعها للصوت ضد انتهاكات الاحتلال في غزة والضفة، لكنه تصاعد بعد 7 أكتوبر.

فعلى سبيل المثال، حرضت منظمة "المنتدى القانوني الدولي"، ألبانيز في أبريل 2023، بعد تصريح لها في نفس الشهر، قالت فيها: إن الخسائر في الأرواح الفلسطينية مدمرة.

وهذه المنظمة الإسرائيلية تضم ناشطين ومحامين يهودا، وتسعى لتشكيل مجموعة ضغط على الدول الأوروبية والأمم المتحدة داعمة لدولة الاحتلال، ومحرضة على القضية الفلسطينية.

وقالت ألبانيز: إن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، لكنها لا تستطيع المطالبة بذلك عندما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين تضطهدهم وتستعمر أراضيهم".

وبدورها، وجهت المنظمة رسالة إلى غوتيريش، والمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، تطالب فيها بطرد ألبانيز من منصبها.

وقد رفضت إسرائيل التعيين الأولي لألبانيز، بعد أن زعمت سفيرة إسرائيل آنذاك في الأمم المتحدة ميراف إيلون شاهار، أنها "قارنت الهولوكوست بالنكبة".

وتصاعد الهجوم الإسرائيلي بعد أن قدمت ألبانيز نهاية مارس/آذار 2024، تقريرا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تحت عنوان "تفصيل الإبادة الجماعية" التي ترتكبها إسرائيل في غزة. 

وأكدت ألبانيز في تقريرها أن هناك أسسا معقولة للاعتقاد بأن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في قطاع غزة خلال حملتها العسكرية هناك، ولذلك فقد دعت إلى فرض عقوبات عليها.

وعددت المقررة الأممية في تقريرها 3 أنواع من أعمال الإبادة: "قتل أفراد ضمن مجموعة، إلحاق ضرر خطير بالسلامة الجسدية أو العقلية لأفراد المجموعة، وإخضاع المجموعة في شكل متعمد إلى ظروف معيشية من شأنها أن تؤدي إلى تدمير جسدي كامل أو جزئي".

والمقصود هنا 3 من 5 أفعال إبادة تضمنتها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والحماية منها.

وعلى إثر ذلك، كشفت أنها تلقت هي وعائلتها تهديدات خلال عملها على التقرير، مبينة أن "الأمر يشكل ضغطا عليّ ولكن لن يغير التزامي بعملي ولا نتائجه".

ورغم أن ألبانيز لم تفصح عن طبيعة التهديدات الأخيرة ولا مصدرها، قالت: "كان وقتا عصيبا... تعرضت للهجوم الدائم والتشهير بي وبعائلتي والتهديد منذ بداية تفويضي".

وقبلها، قررت إسرائيل في 12 فبراير/شباط 2024، منع ألبانيز من دخول الأراضي المحتلة بسبب مواقفها المؤيدة للحق الفلسطيني.

وفي الجلسة التي عرضت فيها ألبانيز تقريرها المذكور، كان مقعد الولايات المتحدة حليفة إسرائيل فارغا، في وقت يتهم الطرفان مجلس حقوق الإنسان بالتحيز ضد تل أبيب.

وفي أكتوبر 2024، أوصت ألبانيز في مؤتمر صحفي بمقر الأمم المتحدة، بتعليق عضوية إسرائيل في المنظمة إلى أن تتوقف عن انتهاك القوانين الدولية في فلسطين، وتوقف الإبادة الجماعية.

ولطالما أكدت أن ما تفعله إسرائيل ليس دفاعا عن النفس بل تدميرا كاملا لحق الفلسطينيين في العيش ومحاولة لمحوهم من الوجود. وبينت أنه ليس لتل أبيب الحق في الوجود بالأراضي الفلسطينية المحتلة.