محدودة وبشروط قاسية.. كيف يمكن دمج عناصر حزب الله في الجيش اللبناني؟

"دمج عناصر حزب الله في الجيش اللبناني سيكون محدودا وبشروط قاسية"
بينما يتخلى حزب الله عن مواقع عسكرية كان يتمركز فيها جنوب لبنان لعقود خلت، تبدو مسألة نزع سلاحه ودمج عناصره في الجيش اللبناني أحد أبرز التحديات التي تواجهه في هذا البلد بعدما تراجعت قوته بعد المواجهة الأخيرة مع إسرائيل.
إذ ما تزال قيادة حزب الله تتشدد في مسألة نزع سلاحه، وتقدم تصريحات "استفزازية" للمطالبين به من الحكومة اللبنانية التي أعلنت أن قرار حصر السلاح على التراب اللبناني من قبلها قد اتخذ.

دمج حزب الله
وشرح الرئيس اللبناني جوزيف عون في مرحلة استباقية، رؤيته لكيفية دمج عناصر حزب الله في الجيش اللبناني مستقبلا، وذلك في حواره مع صحيفة "العربي الجديد" القطرية.
واستبعد الرئيس اللبناني بشكل جازم في المقابلة التي نشرت في منتصف أبريل 2025، أن يحصل هناك أي استنساخ لتجربة الحشد الشعبي العراقية في لبنان، أو استحداث وحدة مستقلة من مقاتلي الحزب داخل الجيش اللبناني.
وراح يقول: إن الأمر يتلخص في “اندماج العناصر الذين تتوفر فيهم المواصفات، ويملكون الشهادات، وينجحون في الاختبارات التي تؤهلهم إلى دخول القوات المسلحة اللبنانية، تماما كما حصل عند استيعاب مسلحي أحزاب لبنانية شاركت في الحرب الأهلية مطلع تسعينيات القرن العشرين”.
وبعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990، شكل اتفاق الطائف خريطة طريق لإعادة بناء مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية.
ويومها كانت عملية دمج مقاتلي الأحزاب اللبنانية المشاركة في الحرب ضمن الجيش واحدة من أهم الخطوات في تلك المرحلة، كجزء من مشروع توحيد القوى الأمنية تحت مظلة الدولة.
وبموجب قانون صدر عام 1991، وضعت آلية لحل "المليشيات" وتسريح عناصرها، ومن ثم انتقاء عدد محدد منهم للالتحاق بالجيش أو قوى الأمن الداخلي.
ومن أجل ذلك، أُنشئت لجان مختصة لتقييم ملفات هؤلاء العناصر، وفق معايير تتعلق بالكفاءة، والعمر، والسجل الأمني، مع مراعاة التوازن الطائفي الدقيق.
وآنذاك جرى وفق وسائل إعلام لبنانية تسريح حوالي 200 ألف عنصر من المقاتلين في المرحلة الأولى من تنفيذ اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية.
فيما قُدر عدد الذين جرى إدماجهم في الجيش وقوى الأمن الداخلي بحوالي 15 إلى 17 ألف عنصر خلال السنوات الأولى بعد الحرب، مع أفضلية لبعض الأحزاب التي كانت أقرب إلى السلطة السياسية آنذاك.
وقد دخل بعضهم كمجندين، فيما مُنح البعض الآخر رتبا عسكرية بحسب دوره السابق في المليشيا، وذلك بعد إخضاع جزء كبير منهم لدورات تأهيلية في الكليات والمعاهد العسكرية.
ولم يعد نفوذ حزب الله في لبنان كما كان في السابق كإحدى الجماعات غير الحكومية الأكثر تسليحا في العالم، والذي يعد أقوى حلفاء إيران في "محور المقاومة".
فقد قلبت المعركة الأخيرة مع إسرائيل "لمساندة غزة" في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 هيكليته ونفوذه السياسي في لبنان.
ودفع اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل الحزب للانسحاب من معظم مواقعه جنوب لبنان إلى شمال نهر الليطاني على بُعد 30 كيلومترا من الحدود مع فلسطين المحتلة وتفكيك ما تبقى من بِنْيته التحتية في الجنوب وانتشار الجيش اللبناني فيها.
ونص اتفاق 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كذلك على تطبيق القرار الأممي 1701، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
غير أن التحدي الأكبر لحزب الله لا يكمن في تسليم سلاحه وبعض مواقعه للجيش اللبناني فحسب بل في طرح الحكومة اللبنانية فكرة دمج عناصره في المؤسسة العسكرية.
فحزب الله الذي تأسس على يد الحرس الثوري الإيراني عام 1982، يبلغ تعداد مقاتليه نحو مئة ألف، وهو رقم يماثل عدد قوات الجيش اللبناني.
كما يمتلك حزب الله اللبناني ترسانة متنوعة من الأسلحة والصواريخ والآليات والمعدات وقاذفات الهاون والمدافع، والطائرات المسيرة والصواريخ المضادة للطائرات، وغيرها.
وبحسب تقرير لمعهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، صدر في 22 أكتوبر 2023، تتحدث التقديرات الإسرائيلية عن أن القوة العسكرية لـ"حزب الله" هي ما بين 160 إلى 200 ألف قذيفة صاروخية.
ومن بين هذه الصواريخ وفق المعلومات الإسرائيلية، صواريخ طويلة المدى قادرة على حمل 500 كيلوغرام من المتفجرات.

"شروط قاسية"
لكن تضعضعت قوة حزب الله بما فيها القوى البشرية عقب اغتيال أغلب قادته من الصف الأول والثاني والثالث على يد إسرائيل في المعارك الأخيرة.
ولعل هذه العوامل شجعت الحكومة اللبنانية على إنهاء ملف الحزب ونزع قوته العسكرية مع الإبقاء عليه سياسيا.
لكن مع ذلك، فإن طروحات دمج عناصر حزب الله في الجيش اللبناني، بقدر ما هي عملية ممكنة، فإنها ستكون محدودة وبشروط قاسية للمنتسبين وفق الخبراء.
ويعود ذلك، بالدرجة الأولى إلى العقيدة القتالية التي تربى عليها عناصر الحزب؛ حيث يتهم بأن ولاءه لإيران لا للبنان.
وعلى الرغم من تصريح عون في أكثر من موقف أن عناصر حزب الله يمكنهم أن ينضموا للجيش كأفراد وليس ككتلة، فإن هناك من يضع علامات استفهام بشأن هذا الملف الشائك؛ إذ يرى الكاتب اللبناني ريشار حرفوش أن طرح “فكرة دمج الآلاف من عناصر تنظيم عقائدي مسلح في الجيش النظامي يشكل خطرا مباشرا على هوية هذه المؤسسة”.
وقال خلال مقال نشره في موقع "نداء الوطن" المحلي في 21 أبريل 2025: "اندماج هؤلاء الذين تربوا على عقيدة الولي الفقيه والانتماء لمحور سياسي خارجي إيراني، يشكل قنبلة موقوتة داخل الجسم العسكري".
وأضاف حرفوش أنه “من الناحية التنظيمية، فإن أي محاولة لدمج عناصر ذات خلفيات أيديولوجية صارخة ستفرض تعديلا في البنية الثقافية والعسكرية للجيش، وربما تخلق انقسامات داخل صفوفه، وتهدد وحدة القرار والانضباط”.
وواصل القول: "سيكون من الصعب، إن لم يكن مستحيلا، ضمان ولاء هؤلاء للدولة ومؤسساتها فقط، لا سيما في حال استمرّت المرجعيات الدينية والسياسية القديمة في التأثير عليهم بشكل مباشر وغير مباشر".
وذكر أن “هذه الخطوة قد تفتح الباب كذلك أمام ممارسات التسييس داخل المؤسسة العسكرية؛ حيث يُخشى أن تتحول إلى ساحة لتوازنات حزبية وطائفية، ما يفقدها وظيفتها الوطنية ويعيد إنتاج نموذج المليشيا المقنعة بلباس الدولة”.
وهو ما يتناقض كليا مع المساعي الرامية إلى بناء دولة فعلية ذات قرار سيادي موحد، وفق تقديره.

"خلاف عقائدي"
من جانبه رأى العميد اللبناني المتقاعد وهبي قاطيشه أن دمج حزب الله في الجيش اللبناني “مستحيل”.
وأرجع ذلك إلى أن الأخير "جيش وطني يعمل ضمن سلطة الدولة وإستراتيجية هدفها خدمة الوطن، أما عناصر حزب الله فهم عقائديون دينيون يدينون بولاية الفقيه، ما يجعل دمجهم يولد صراعات داخلية".
وقال قاطيشه في حديث صحفي: إن “الجيش اللبناني غير قادر ماديا على تلبية حاجات عناصر الحزب، وعدديا هم أكثر منه”.
إذ يقدر عددهم بين 50 إلى 100 ألف مقاتل، ما يعني أن الدمج الفعلي سيكون بإدماج الجيش في حزب الله، لا العكس، وفق قوله.
كما أن الخلاف العقائدي عميق؛ إذ لا يمكن وضع جندي يؤمن بسيادة لبنان إلى جانب آخر لا يعترف بها.
ولفت العميد المتقاعد إلى أن "هوية عناصر حزب الله دينية قبل أن تكون وطنية، وولاية الفقيه لا تعترف بالحدود الوطنية، بل تمتد لتشمل الأمة الشيعية من إندونيسيا حتى واشنطن".
وعن مقارنة الوضع الحالي بالسابق، قال قاطيشه: "صحيح أنه تم دمج بعض العناصر سابقا، لكنهم كانوا يملكون عقيدة وطنية، بعكس عناصر حزب الله الذين لا يؤمنون بلبنان ككيان مستقل".
وبشأن ما يُقال عن استنساخ لبناني لتجربة العراق، أوضح قاطيشه أن "الرئيس عون أراد الإشارة إلى أن هذه التجربة غير قابلة للتكرار هنا؛ لأن الحشد الشعبي أضعف الجيش لصالح قوة موازية تهيمن على القرار العسكري".
وعن فكرة إدخال عناصر من "الحزب" إلى الجيش طوعا، قال العميد المتقاعد: “شروط الانتساب تتطلب أن يكون عمر المتقدم دون الـ 21 عاما”.
وأردف قاطيشه: "معظم عناصر الحزب تتجاوز أعمارهم الأربعين، ما يجعل الأمر غير ممكن قانونيا".
وختم قائلا "يجب احتضان عناصر حزب الله ودمجهم في المجتمع اللبناني، لكن خارج الأجهزة الأمنية. فمصيرهم كمصير أي لبناني، بالبحث عن وظائف داخل الدولة".