عبر وفد غير رسمي.. هل يمهد الكونغرس الأميركي الطريق للقاء بين الشرع وترامب؟

"تعكس الزيارة تحولا في نظرة واشنطن إلى سوريا"
في زيارة هي الأولى من نوعها منذ سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، زار وفد غير رسمي من الكونغرس الأميركي دمشق في 20 أبريل/نيسان 2025.
وتُشير هذه الخطوة، وفق موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي، إلى مرحلة جديدة محتملة في العلاقات الأميركية-السورية، وإعادة تقييم لدور سوريا الإقليمي.
نهج براغماتي
وأوضح أن هذا الاجتماع، وإن كان غير رسمي، قد يُمهد الطريق لاستعادة العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا ورفع العقوبات.
وأتت هذه الزيارة في ظل تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، إلى جانب تطورات إقليمية ودولية متسارعة، وذلك استكمالا لمهمة دبلوماسية رفيعة أجراها كبار مسؤولي الخارجية الأميركية أواخر العام الماضي.
ويعتقد مراقبون أن واشنطن بدأت تتبنى نهجا أكثر براغماتية تجاه التغييرات في سوريا، لا سيما بعد ظهور قيادة سياسية جديدة برئاسة الرئيس أحمد الشرع، الذي اعتمد سياسة خارجية قائمة على الانفتاح والاحترام المتبادل.
ومع ذلك، لا يزال الجدل قائما في الأوساط السياسية الأميركية حول الارتباط السابق للشرع بالجماعات الإسلامية، بما في ذلك تنظيم القاعدة.

ورافق وفد الكونغرس، الذي ضم النائبين كوري ميلز ومارلين ستاتزمان، أعضاء من "التحالف السوري الأميركي من أجل السلام والازدهار" (SAAPP).
وشملت الزيارة جولات ميدانية في مناطق دمرتها الحرب، أبرزها حي جوبر شمال شرق دمشق، إلى جانب زيارات مقررة إلى سجن صيدنايا ولقاءات مع قيادات دينية ومجتمعية.
وأفادت الرئاسة السورية بأن الشرع أجرى محادثات في دمشق مع "ميلز"، بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني، استمرت حوالي ساعة ونصف الساعة.
وبحسب مصدر في الرئاسة السورية تحدث لموقع "ذا ميديا لاين"، فإن الاجتماع تناول بشكل رئيس قضيتين: العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، والنفوذ الإيراني في البلاد.
ويأمل الشرع أن يتمكن من إقناع الولايات المتحدة برفع العقوبات المفروضة على سوريا، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى ضمان التزام سوريا بالشروط الأميركية قبل اتخاذ أي خطوات في هذا الاتجاه.
“صراحة وحذر”
وقال المصدر رفيع المستوى: إن الاجتماع اتسم "بالصراحة والحذر"، وهذا -بحسب التقرير- قد يعكس رغبة الولايات المتحدة في فتح قنوات اتصال أكثر فعالية مع النظام الجديد، دون أن يعني ذلك بالضرورة تطبيعا سريعا أو شاملا.
ووفق تقييم الموقع الأميركي لزيارة وفد الكونغرس، فإنها قد لا تُمثل استعادة رسمية للعلاقات، إلا أنها تُشير بقوة إلى أن واشنطن تُعيد تقييم نهجها تجاه سوريا، مُبتعدةً عن سياساتها الانعزالية التي ميّزت سنوات الحرب.
وتأتي زيارة الوفد بعد زيارة تاريخية في ديسمبر/كانون الأول 2024، أجراها مسؤولون كبار في وزارة الخارجية الأميركية، بمن فيهم مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف.
ومثّلت تلك الرحلة أول حضور دبلوماسي أميركي في سوريا منذ أكثر من عقد، وتضمنت لقاء مع الشرع، بعد أسابيع فقط من انهيار النظام السابق.
وفي حديثه إلى "ذا ميديا لاين"، أكد أحد أعضاء "التحالف السوري الأميركي من أجل السلام والازدهار" على أهمية توقيت زيارة الكونغرس.

وتتماشى الزيارة مع الجهود الأوسع لإعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية، كما تتزامن مع تزايد النقاشات داخل الولايات المتحدة حول فعالية العقوبات وتأثيرها على الحالة الإنسانية على سوريا.
وصرح مجد عبار، أحد أعضاء التحالف، بأنهم يعملون بجد لتخفيف العقوبات على سوريا والحد من آثارها على الشعب السوري، مشيرا إلى أن هدف الوفد هو الاطلاع بشكل مباشر على الآثار الإنسانية التي تخلّفها التدابير الأميركية على الحياة اليومية.
وكشفت الزيارة إلى حي جوبر، أحد أكثر أحياء دمشق دمارا، عن "صورة مأساوية"، بحسب وصف النائب ستاتزمان، الذي استحضر لحظة شاهد فيها رسما لطفل على جدار متداعٍ، حيث قال: "تملّكتنا مشاعر الحزن ونحن نفكر بالأطفال الذين فقدوا منازلهم، ورغم الألم، يبقى الأمل حاضرا".
وعلى الرغم من عدم صدور أي إعلانات رسمية بشأن المساعدات الأميركية، أفادت مصادر لموقع "ذا ميديا لاين" بأن طبيعة الزيارة وتوقيتها قد يُمهدان الطريق لرفع تدريجي أو جزئي للعقوبات، خاصة تلك التي تعيق وصول الإغاثة الإنسانية والإمدادات الطبية.
وخلال جولة في جوبر، صرّح النائب ميلز للصحافة بأن رفع العقوبات عن سوريا "يتطلب خطوات مهمة"، لكنه أكّد أن "واشنطن تريد رؤية سوريا مستقرة بحكومة منتخبة ديمقراطيا تمثل جميع السوريين".
لقاء ترامب والشرع
كما تناول ميلز إمكانية عقد لقاء مستقبلي بين الرئيس دونالد ترامب والشرع خلال الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن ترامب معروف باتخاذه خطوات دبلوماسية جريئة عندما يرى لها قيمة إستراتيجية.
ويتفق محللون على أن مثل هذا اللقاء -إذا تم- قد يشكل نقطة تحول كبرى في العلاقات الأميركية-السورية، لا سيما إذا ترافق مع خطوات ملموسة نحو حل سياسي وتعاون إقليمي تُعاد فيه إلى سوريا مكانتها كلاعب رئيس.
بدوره، أعرب النائب ستاتزمان عن تفاؤله بمستقبل سوريا، قائلا إنه يرى فيها "فرصة لعلاقة جديدة مع حكومة يمكن أن تكون صديقة للغرب والمنطقة".
وقال لوكالة الأنباء الألمانية: "ما شاهدته كان مفجعا، لكن المستقبل يبشر بالخير، خاصة مع توفر الإرادة السياسية والشعبية لإعادة الإعمار".
وزار الوفد أيضا "دير القديسة تقلا" خلال احتفالات عيد الفصح، في إشارة رمزية إلى التنوع الديني والثقافي في سوريا، وتأكيدا على صلابة النسيج الاجتماعي السوري رغم ويلات الحرب.

ومنذ تولي الشرع منصبه، انتهجت سوريا سياسة خارجية مختلفة عن الحقبة السابقة، تُركز على التفاعل مع جميع الأطراف الدولية الفاعلة، وتستعيد مكانتها الجيوسياسية كلاعب إقليمي معتدل، وفق تقييم الموقع الأميركي.
وقد جددت دمشق التزامها بالشرعية الدولية، واحترام سيادة الدولة، وعدم التدخل في شؤون الدول المجاورة، الخطوة التي يراها محللون أنها تُمثل تحولات حقيقية في العقيدة السياسية السورية، وتشكل رسائل أساسية إلى المجتمع الدولي الأوسع.
وقال الموقع: "قد لا تكون زيارة الولايات المتحدة إلى دمشق سوى الخطوة الأولى في عملية طويلة ومعقدة، لكنها تحمل بلا شك أهمية إستراتيجية، إذ تعكس تحولا محتملا في نظرة واشنطن إلى سوريا، لا سيما مع تولي حكومة أكثر انفتاحا واعتدالا السلطة".
وختم قائلا: "بينما تعيد دمشق تموضعها إقليميا ودوليا، ربما يتكشف أمامنا فصل جديد، فصل يتجاوز سنوات الحرب والتدخل، نحو إطار من التعاون والاستقرار وإعادة الإعمار".