زلزال إسطنبول المخيف.. لماذا صب الأتراك جام غضبهم على أكرم إمام أوغلو؟

داود علي | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

عندما زلزلت الأرض تحت أقدام سكان إسطنبول في 23 أبريل/ نيسان 2025، لم تكن الهزة الأرضية وحدها ما أخرج الناس إلى الشوارع مذعورين، بل هزهم أيضا شعور عميق بالخديعة. 

فمنذ سنوات ظل الأتراك يسمعون وعودا براقة أطلقها أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، الموقوف حاليا على خلفية قضايا فساد، عبر خطابات مطمئنة عن خطط الإعداد لمواجهة زلزال إسطنبول المنتظر.

وشدَّد على تعزيز البنية التحتية، وترميم آلاف المباني المُعَرّضة للانهيار، لكن الزلزال الأخير لم يكتفِ بتحريك الأرض، بل كشف أيضا هشاشة الاستعدادات، وضآلة ما أنجز مقارنة بما وعد به.

وفي لحظة الخوف بدأ الغضب وتساءل كثير من النشطاء والسياسيين الأتراك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لماذا خفض إمام أوغلو ميزانية مواجهة الزلازل ولماذا لم يصلح الكثير من المباني القديمة أو الآيلة للسقوط كما وعد.

كما تساءلوا عن المليارات التي رصدت سابقا لحماية المدينة، ومع كل إجابة غائبة، تزايدت الأسئلة وتعمق الشك.

بروفة مخيفة

وبلغت قوة الزلزال الأخير 6.2 درجات على مقياس ريختر، وكان مركزه في بحر مرمرة، قبالة إسطنبول أكبر المدن التركية مساحة وعددا للسكان. 

أعقبه أكثر من 185 هزة ارتدادية تراوحت قوتها ما بين 4 و 5 درجات.

وقال وزير الصحة التركي، كمال مميش أوغلو، عبر منصة “إكس”: إن "236 شخصا أصيبوا بينهم 173 في إسطنبول". 

بينما تلقى 15 شخصا العلاج في المستشفى، في حين أصيب البعض جراء القفز فزعا من المباني.

وشعر السكان في كل أحياء المدينة، التي يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة وتقع على مضيق البوسفور وبحر مرمرة والبحر الأسود بهزتين أرضيتين قويتين على الأقل، بفارق جزء من الثانية.

ولم تلحق أي أضرار بالبنية التحتية للطاقة أو المياه في المدينة الواقعة على الضفتين الأوروبية والآسيوية لمضيق البوسفور، بحسب إدارة الكوارث والطوارئ "آفاد".

لكن بعد الصدمة، دار جدل علمي حول ما إذا كان الزلزال الأخير، هو زلزال إسطنبول "الكبير" المتوقع منذ سنوات.

وأجاب عن هذا السؤال عضو أكاديمية العلوم التركية، البروفيسور الدكتور ناجي غورور، قائلا: "هذه ليست الزلازل الكبيرة التي نتوقعها في مرمرة". 

وأوضح غورور لموقع "بي بي سي" البريطاني: "بل إنها تزيد من الضغط المتراكم على هذا الصدع، بمعنى آخر، إنها تجبره على الانكسار، الزلزال الحقيقي هنا سيكون أقوى وأكبر من 7 درجات".

وفي رده على أسئلة خدمة "بي بي سي" النسخة التركية، قال عضو أكاديمية العلوم ومهندس الجيولوجيا البروفيسور الدكتور أوكان تويسوز، إن "الزلزال الذي بلغت قوته 6.2 درجات مهم، بسبب القلق من أنه قد يكون مقدمة لزلزال كبير".

غضب على أكرم

وفي ظل المعطيات السابقة، وفي الساعات الأولى عقب الزلزال، انتشر عبر منصة "إكس" في تركيا هاشتاغ "deprem" ومعناه باللغة العربية "الزلزال". 

وفيه وجهت انتقادات حادة لرئيس بلدية إسطنبول الموقوف إمام أوغلو، ومن الذين غردوا عالم الاجتماع مصطفى دوغان، الذي قال: "بينما كانت إسطنبول تنتظر الزلزال، كان أكرم منشغلا بنهب المدينة، وكأنه يوزع الأموال من أجل أن يصبح رئيسا".

وتابع: "إمام أوغلو، الذي وعد قبل توليه منصبه ببناء 100 ألف منزل في 5 سنوات، بمعدل 20 ألف منزل سنويا، لم يتمكن من الذهاب إلى أبعد من بناء نحو 500 منزل لـ(لصوص) حزب الشعب الجمهوري من خلال شركة كبتاش". 

وكتب الصحفي التركي يوشا أوفينتش: "قال أكرم إمام أوغلو عام 2019، سأحل مشكلة الزلازل في 5 سنوات.. لقد مرت ست سنوات، ولم يتم اتخاذ خطوة واحدة نحو التحول الحضري في إسطنبول، لقد كذب بشكل صارخ على جميع سكان المدينة".

بينما سردت الناشطة السياسية التركية نيلاي نور، جميع وعود رئيس بلدية إسطنبول بشأن الاستعداد للزلزال، وغردت: "ماذا فعل إمام أوغلو للحماية من الزلازل.. في 2019، قال (نحن ننفذ خطة التعبئة للزلزال) وهو ما فعله في 2020 و2023". 

أما صفحة "TR99" المختصة بالشأن التركي على مواقع التواصل، فجمعت تصريحين متناقضين لإمام أوغلو، بشأن الزلزال، قبل توليه منصب وبعد ولايته.

واقتطعت جزءا من لقاء إعلامي له قبل انتخابه رئيسا للبلدية، قال فيه: "أستطيع حل مشكلة آثار الزلزال خلال خمس سنوات".

ثم اقتطعوا لقاء آخر له بعد ولايته، قال فيه: “هذا أمر مستحيل، ما عجزوا عن إنجازه خلال 25 عاما، كيف ينتظر مني إنجازه في خمس سنوات؟!”

ماذا أنجز إمام أوغلو؟ 

والسؤال الذي يطرح نفسه هل يستحق رئيس بلدية إسطنبول (الموقوف) هذا الغضب؟ الأرقام والإنجازات وحدها تجيب عن سبب حنق أهالي إسطنبول على عمدتهم. 

وفي 23 أبريل 2025، نشر موقع "خبر 7" التركي، تقريره عن أعمال إمام أوغلو بشأن الاستعداد للزلزال عبر سنوات ولايته لبلدية إسطنبول. 

وقال: إن "معدل الميزانية المخصص للتحول الحضري (مشروع لتطوير المدينة وتهيئتها لمقاومة الزلزال الكبير) من قبل إدارة حزب الشعب الجمهوري خلال عام 2025 هو 0.89 بالمئة".

وتابع: "في حين تم إنفاق 5.5 بالمئة من ميزانية بلدية إسطنبول، على أعمال الزلازل خلال فترة حزب العدالة والتنمية". 

واستطرد: "بعد تولّيه منصبه، خفض إمام أوغلو ميزانية التحول الحضري من 65 بالمئة إلى 1 بالمئة". 

واستشهد الموقع بحديث سابق أدلى به إمام أوغلو لبرنامج "ربع قرن" في 17 أغسطس/ آب 2024، عبر فيه عن مدى خطورة الزلزال القادم قائلا: إن "زلزال مرمرة المنتظر ليس زلزال إسطنبول فحسب، بل زلزال تركيا أيضا.. إن الألم في أي جزء من البلاد هو ألمنا، لكن هذا الزلزال هو قضية تركيا بشكل خاص". 

ورغم هذه المخاطر الذي يعرفها وأدلى بها، فإنه وفقا للمعلومات التي نشرتها وسائل الإعلام، لم تتمكن إدارة إمام أوغلو من ترميم وتهيئة سوى 5925 منزلا في 5 سنوات، من أصل قرابة 100 ألف منزل.

بمعنى أنه أنجز فقط من الخطة الموضوعة لتهيئة المدينة للزلزال الكبير، أقل من 6 بالمئة من المستهدف. 

وكان رئيس بلدية إسطنبول قد وعد من قبل ببناء 100 ألف منزل خلال 5 سنوات، بواقع 20 ألف منزل كل عام.

أوقف الترميم 

لكن الصادم أن إمام أوغلو وقيادات حزب الشعب الجمهوري المعارض في إسطنبول الذين يتولون زمام بلدية المدينة لم يخفقوا في تنفيذ وعودهم فحسب، بل أسهموا في تعطيل مشروع التحول الحضري. 

وهو ما كشفه الموقع التركي حين أشار إلى أنه من ناحية أخرى، تبين أن إمام أوغلو وأعضاء مجلس إدارة حزب الشعب الجمهوري رفعوا 43 دعوى قضائية منفصلة في العديد من المناطق لمنع التحولات الحضرية. 

ورفعوا ما مجموعه 27 دعوى قضائية منفصلة لإبطاء تجديد المباني القديمة، 10 في بلدية أوسكودار، و9 في كل من بلديات غازي عثمان باشا، وإسنلر، وبيوغلو، و8 في توزلا.

وغرد إمام أوغلو من سجنه في منطقة سيلفري بإسطنبول، في يوم الزلزال، ينتقد الحكومة ويقول: "هذه الأمة العزيزة.. إلى متى ستتحمل هؤلاء الناس غير الأكفاء الذين يحرقون ويدمرون كل شيء في طريقهم من أجل جشعهم للسلطة، والذين يضعون أعينهم على خبز الشعب". 

وتابع: “أولئك الذين يضحون بالموارد التي يجب استخدامها لمخاطر الزلازل من أجل المؤامرات؟”

وهو ما جعل الصحفي التركي نديم شنير، يرد عليه قائلا: "كانت وظيفته الوحيدة في ولايته الثانية كرئيس للبلدية هي حملة الرئاسة وزيادة سلطته في حزب الشعب الجمهوري".

وأكمل شنير: "الشيء الوحيد الذي يمكن قوله عن هذه الرسالة من إمام أوغلو، الذي كان يرسل رسائل حول إعلان التعبئة فيما يتعلق بالزلزال لمدة 6 سنوات، ولم يفعل شيئا سوى عقد الاجتماعات والفعاليات، هو هذا: وقاحة تجعل الدم يتجمد في العروق...".