المنسيون في الزنازين.. ما الذي يدفع المعتقلين بسجون السيسي للانتحار؟

داود علي | منذ ساعتين

12

طباعة

مشاركة

أصبح المعتقل السياسي المصري علاء جمال، صاحب الـ 29 عاما حديث المنظمات الحقوقية خلال الأيام الماضية في ظل تعتيم أمني على حالته. 

البداية كانت في 16 أبريل/ نيسان 2025، عندما انتشرت أنباء عن إقدام جمال على الانتحار شنقا داخل زنزانته الانفرادية في سجن "بدر 3" سيئ السمعة. 

وذكرت مصادر محلية أن سبب انتحاره يعود إلى تنكيل الضابط مروان حماد به ومعاقبته ومنع الزيارات العائلية له، ما جعل جمال ينهي حياته. 

بعدها بيومين عدلت المنظمات الحقوقية مثل "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، و"مركز الشهاب الحقوقي" الخبر، وقالت: إن جمال حاول الانتحار بالفعل، لكن جرى إنقاذه في اللحظات الأخيرة.

وبيَّنت المنظمات أنه قابع في غيبوبة كاملة داخل أحد المستشفيات التابعة للسجن، وأنها بصدد متابعة الحالة. 

لم تكن حالة جمال منفردة بين عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين الذين تعج بهم السجون المصرية لقرابة عقد من الزمن. 

وأخيرا توفي العديد من المعتقلين سواء بالتعذيب أو الإهمال الطبي، إضافة إلى أن قائمة عريضة منهم تعاني من وضع صحي متدهور، ما يجعل حياتهم في خطر.

قتل بالتعذيب

ومن المفارقات أن محاولة انتحار علاء جمال ابن محافظة المنيا، بدأت قصتها بإضراب عن الطعام للمعتقلين داخل مجمع سجون بدر، بسبب وفاة المعتقل محمد حسن هلال "38 عاما" جراء التعذيب. 

وفي 8 أبريل 2025، أعلنت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" وفاة المعتقل هلال، داخل وحدة الرعاية الفائقة بمستشفى قصر العيني بالقاهرة.

وذكرت أنه جرى نقله إلى المستشفى من سجن بدر 3 في حالة صعبة، بعد تعرضه لإصابات بالغة يشتبه أنها ناجمة عن تعذيب شديد، واعتداء بدني ممنهج.

وأضافت أنها "تلقت خبر وفاته ببالغ الحزن والغضب، بعد توالي مناشدات عاجلة ومعلومات موثقة عن تدهور حاد في حالته الصحية".

وأشارت إلى أنه نقل بالأساس إلى المستشفى في غيبوبة تامة، وخضع لعملية جراحية طارئة لوقف نزيف داخلي حاد في الجمجمة، يعتقد أنه نتج عن إصابات مروعة شملت كسرا فيها وفي اليدين.

ودعت الشبكة في نهاية تقريرها، المنظمات الحقوقية المحلية والدولية إلى التحرك الفوري لوضع حد للانتهاكات الممنهجة والإفلات المستمر من العقاب في السجون المصرية.

ولفتت إلى أن سجن بدر تحديدا، بات رمزا للقمع والعنف والتنكيل، وأن حياة السجناء فيه معرضة للخطر بشكل مستمر. 

المركز القاتل 

في سجن آخر لا يقل خطورة عن "بدر"، وهو "وادي النطرون الجديد"، توفي المعتقل السياسي، ورجل الأعمال ياسر خشاب، من محافظة دمياط. 

ووثق مركز الشهاب لحقوق الإنسان بمصر  في 14 أبريل 2025، وفاة ياسر خشاب، بعد معاناة طويلة مع مرض القلب.

وذكر أن السبب الرئيس لوفاة المعتقل، هو "الإهمال الطبي المتعمد" من إدارة السجن، التي رفضت نقله لتلقي العلاج اللازم رغم المناشدات وخطورة حالته الصحية.

وأوضح أن خشاب كان بحاجة ماسة لإجراء عملية قلب مفتوح منذ أكثر من عامين، غير أن جهاز الأمن الوطني رفض نقله إلى مستشفى القصر العيني؛ بذريعة وجود مركز طبي داخل السجون.

وأشار إلى أن ذلك المركز يعرف بين المعتقلين بأنه قاتل"، حيث يفتقر لأدنى مقومات الرعاية الصحية، لافتا إلى أن مرضى القلب يخرجون منه جثثا هامدة، بسبب الإهمال وسوء المعاملة من قبل الأطباء، الذين يلقبون داخل السجن بـ"الجزارين".

وفي جانب آخر، تحوّلت بعض الزنازين إلى وكر للفئران، لتشكل تهديدا على صحة المعتقلين. 

ووجهت زوجة المعتقل السياسي، والخبير الاقتصادي المصري عبد الخالق فاروق بلاغا إلى النائب العام في 15 أبريل 2025، وطالبت بالتدخل لإنقاذه والمعتقلين داخل مركز "تأهيل 6" بسجن العاشر من رمضان.

وتحدّثت في البلاغ عن انتشار واسع للفئران الجبلية كبيرة الحجم داخل زنزانته والزنازين المجاورة.

وأورد البلاغ، المرفق بصور، أن الفئران تتحرك بحرية داخل الزنازين، خصوصا ليلا، ما يشكل تهديدا خطيرا على صحة المعتقلين وسلامتهم، خاصة كبار السن والمرضى، مثل عبد الخالق فاروق.

وحذرت الزوجة في بلاغها الذي تقدمت به عن طريق محام، من احتمالية تفشي أوبئة قاتلة مثل الطاعون والسعار.

دعوات إنقاذ

كما أطلقت مؤسسة "عدالة" المصرية لحقوق الإنسان في 15 أبريل، حملة تحت عنوان "السكوت" جريمة، وطالبت بإنقاذ المعتقلين الذين هم على وشك الموت نتيجة الإهمال الطبي في السجون. 

واستعرضت المؤسسة بعض الحالات كنموذج، منهم محمد علي بشر (74 عاما)، وزير التنمية المحلية خلال عهد الرئيس الراحل محمد مرسي. 

وذكرت أنه يعاني من تليف بالكبد، وأصيب بجلطة في المخ، ويحتاج إلى رعاية صحية شاملة. 

كذلك رشاد البيومي (89 عاما) نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وأكبر المعتقلين السياسيين سنا.

وطالبت "عدالة" بنقله إلى المستشفى لتدهور حالته الصحية على نحو بالغ؛ حيث أجرى عمليات بالقلب، إضافة إلى عدد من العمليات الجراحية الأخرى، التي تحتاج إلى متابعة وراحة كاملة. 

وأيضا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع (82 عاما)، الذي يعاني من أمراض الشيخوخة، وتتعمد إدارة السجن حرمانه من العلاج وإعطائه الأدوية الخاصة به، ما يهدد حياته. 

وكان المحامي الحقوقي والمعتقل محمد أبو هريرة محمد عبد الرحمن (37 عاما) قد نقل إلى المستشفى، في 31 مارس/ آذار 2025، بعد إضراب عن الطعام استمر طيلة شهر رمضان المنصرم.  

وجاء ذلك احتجاجا منه على ظروف احتجازه القاسية وغير الإنسانية التي تسببت في تدهور حالته الصحية والنفسية. 

وأبو هريرة محتجز في زنزانة انفرادية في سجن "بدر 3"، حيث يحرم من أبسط حقوقه الإنسانية، مثل التريض والحق في الزيارة، مع منعه من رؤية أطفاله وأسرته، والحق في التواصل المباشر معهم.

الأسوأ في مصر

وبإلقاء الضوء على مجمع "سجون بدر" الذي جاءت منه معظم الشكاوى، ويضم أغلب حالات المعتقلين المعرضة حياتهم للخطر، فهو أحد المعتقلات التي تشهد انتهاكات شديدة بحق المعارضين السياسيين، بحسب ما كشفت رسائل مسربة لهم على مدار الأعوام الماضية.

وأماطت تلك الرسائل اللثام عن وجه مختلف من الانتهاكات والألم الذي يتعرضون له في ظل نظام عبد الفتاح السيسي الذي وصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري. 

وفي 20 يناير/ كانون الثاني 2023، نشرت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، ومقرها لندن، مجموعة رسائل مكتوبة بخط اليد، قالت إنها مسربة من معتقلين داخل سجون بدر. 

المعتقلون وصفوا السجن بأنه "الأقسى على الإطلاق بين السجون المصرية" المعروفة بسمعتها السيئة وشدتها على نزلائها. 

وكان السيسي قد قدر في ديسمبر/ كانون الأول ،2022 عدد المعتقلين في مصر بنحو 55 ألف سجين.

لكن منظمات حقوقية منها العفو الدولية والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، قدرت عدد المسجونين السياسيين فقط بقرابة 65 ألفا. 

وافتتح سجن "بدر" رسميا في 30 ديسمبر 2021، تحت مسمى "مجمع السجون المركزية الجديد".

ويقع في منطقة "بدر" بالصحراء الشرقية قرب العاصمة الإدارية الجديدة، على بعد 65 كلم شرق القاهرة، وأسس على مساحة 85 فدانا، ويضم 3 مراكز إصلاح وتأهيل.

وكان الدافع الرئيس للنظام من بناء السجن الجديد، استغلال موقع منطقة سجون "طرة" المطل على النيل بالقاهرة في مشاريع استثمارية.

 لذلك نقل السجناء السياسيون إلى المجمعات الجديدة ومنها “بدر”، بعد أن جرى الإعلان عن إخلاء عدد من السجون الرئيسة كـ “العقرب وطرة” سيئة الصيت.

وجاء ذلك بالتزامن مع بدء تشغيل منشاَت بدر المماثلة، التي كان يرجى لها أن تكون أفضل حقوقيا وإنسانيا تجاه المعتقلين، لكن الواقع جاء مخالفا لادعاءات النظام وأجهزته الأمنية.

فمعظم سجناء "بدر" من قادة جماعة الإخوان المسلمين والمعارضة المصرية، ومنهم كبار السن، وكثير منهم كانوا من نزلاء سجن العقرب. وبحسب الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، فإنهم “يعدون الآن في عداد الموتى”.