أضرار كبيرة.. هكذا تستهدف إسرائيل قطاع الزراعة في الجنوب اللبناني

منذ ١٨ ساعة

12

طباعة

مشاركة

ترك العدوان الإسرائيلي على لبنان أضرارا غير مسبوقة على القطاع الزراعي، بعدما اتبع الاحتلال على مدى نحو عامين إستراتيجية قصف ممنهج لتدمير هذا القطاع.

وركزت قوات الاحتلال على قصف الأراضي الزراعية في قرى وبلدات الجنوب فهو المساهم الأبرز في الإنتاج الزراعي للبنان.

ضرب الزراعة

وتعمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي قصف الأراضي جنوب لبنان بالفوسفور والقنابل الحارقة، فضلا عن استهداف المواشي ما أدى إلى نفوق آلاف الرؤوس منها.

وأمام ذلك، فقد تكبد قطاع الزراعة خسائر وأضرارا تقدر بأكثر من 700 مليون دولار منذ اندلاع المعارك بين حزب الله وإسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى سريان وقف إطلاق النار في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بحسب تقرير للأمم المتحدة والسلطات اللبنانية نشر في 11 أبريل/ نيسان 2025.

ويقيم التقرير الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، بالتعاون مع وزارة الزراعة والمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان الأضرار خلال الفترة المذكورة بحوالي "118 مليون دولار، في حين تقدر الخسائر بحوالي 586 مليون دولار" .

وطوال فترة العدوان، كانت المساحات الزراعية تحت أعين مراكز المراقبة الإسرائيلية وطائرات الاستطلاع والطائرات الحربية، مما يربك المزارعين ويضعهم في دائرة الخطر أو الاستهداف الإسرائيلي بمسوغات كثيرة.

وتشمل المناطق الأكثر تضررا جنوب لبنان وسهل البقاع في الشرق؛ حيث تأثرت "المحاصيل، والثروة الحيوانية، والغابات، ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية".

وقد أجبر قصف الاحتلال الإسرائيلي على الأبنية السكنية والمساحات الأرضية أكثر من مليون لبناني على النزوح من الجنوب.

وقد انعكس هذا النزوح مباشرة على الأراضي الزراعية بعدما لم يعد بإمكان الكثير من المزارعين الاعتناء بمزارعهم أو حصد المحاصيل في المناطق المتضررة، نتيجة تكرار القصف وحدوث توغل بري إسرائيلي.

بالمقابل، فقد وقع المزارعون جراء العدوان على أراضيهم في موقف لا يمكنهم فيه الحصول على مواردهم من أجل استمرارهم في الزراعة طبقا لكل موسم زراعي، ولا سيما في ظل غياب الدعم الحكومي.

وذكر التقرير أن احتياجات القطاع الزراعي في لبنان تبلغ حاليا حوالي 263 مليون دولار "لإعادة الإعمار والتعافي، منها 95 مليون دولار حددت كأولوية للفترة 2025/2026".

وشدَّد على أن "هناك حاجة ماسة إلى دعم فوري لاستئناف الأنشطة الزراعية وتربية المواشي وصيد الأسماك" وتركيز الجهود على استعادة الأصول الزراعية وتكوين الثروة الحيوانية وتأهيل المزارع والبنى التحتية الزراعية.

وأفاد التقرير بأن الزيتون كان من بين المحاصيل الأكثر تضررا؛ إذ احترقت حقول للزيتون ممتدة على مساحة 814 هكتارا، ما ألحق أضرارا بقيمة 12 مليون دولار وخسائر قدرها 237 مليون دولار.

استهداف الأمن

وقدرت الحكومة اللبنانية السابقة في مارس/ آذار 2024، الحصيلة الأولية لخسائر القطاع الزراعي المحلي بنحو مليارين ونصف مليار دولار.

وشملت المحاصيل المتضررة زراعة الموز والأفوكادو والحمضيات والبطاطس وغيرها من الخضراوات إلى جانب القمح والشعير، مع أضرار بقيمة 19 مليون دولار وخسائر بقيمة 28 مليون دولار في الماشية. 

كذلك، تأثرت الدواجن وخلايا النحل نتيجة العدوان الإسرائيلي، فيما تعرض 5000 هكتار من غابات الصنوبر إلى أضرار.

وتعد منطقتا البقاع والجنوب من أهم المناطق الزراعية التي يعتمد عليها لبنان؛ إذ تمثل أراضي البقاع نسبة 42 بالمئة من إجمالي الأراضي المزروعة في البلاد، وهي مخزن الحبوب الزراعي الأساسي. 

وتضم 62 بالمئة من إجمالي المساحة المستخدمة في المحاصيل الصناعية، و57 بالمئة من إجمالي المساحة المستخدمة في إنتاج الحبوب، ما يجعلها محورا أساسيا للأمن الغذائي الوطني، وفق تقرير نشره موقع "لبنان الكبير" المحلي في نوفمبر 2024.

وسبق أن أعلنت وزارة الزراعة اللبنانية ومنظمة "الفاو"، وبرنامج الأغذية العالمي عبر بيان مشترك في يناير/ كانون الثاني 2025 أن نحو ثلث سكان لبنان يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، نتيجة العدوان الإسرائيلي.

وأثرت الأعمال العدائية الإسرائيلية على الاقتصاد اللبناني والقطاع الزراعي، مما يجعل التعافي بطيئا.

وفي بلد مثل لبنان مثقل بالديون ويعيش أزمة اقتصادية خانقة منذ عام 2019 ضاعفها العدوان الإسرائيلي، فإن القطاع الزراعي في الجنوب يمثل نحو 30 بالمئة من الناتج المحلي. 

وبحسب وزير الزراعة اللبناني السابق عباس حسن، فإن الزراعة تشكل حوالي 9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان، وما بين 3-5  بالمئة من الناتج القومي، و4.1 بالمئة من إجمالي العمالة في لبنان.

وفي كلمة له خلال مؤتمر ببيروت في يونيو/ حزيران 2024 حضره ممثلون عن منظمات ودول مانحة، استعرض الوزير اللبناني طبيعة الأضرار الجسيمة في قطاع الزراعة. 

وقال حسين: إن "الزراعة هي مصدر رئيس للتوظيف والدخل لجزء كبير من السكان في المناطق الريفية؛ حيث تشير التقديرات إلى أن الزراعة وقطاع الصناعات الغذائية الزراعية يساهمان بما يصل إلى 80 بالمئة من الاقتصاد المحلي".

"مواسم خاوية"

وأمام ذلك، فقد تعرض تصدير المحاصيل المخصصة للأسواق الخارجية للضرر خاصة باتجاه دول الخليج التي تعد المنفذ الرئيس للمحاصيل الزراعية، والذي انخفض بنسبة أكثر من 50 بالمئة، بحسب ما قال شادي قعدان وهو مدير عام في شركة تصدير الفواكه بلبنان في نوفمبر 2024.

وأدى الانخفاض بدوره إلى فائض إنتاج في السوق المحلية، خصوصا في مناطق تعد آمنة، وبالتالي إلى انخفاض أسعار بعض الفواكه. 

ويؤكد هاني سعد وهو مزارع كبير في منطقة النبطية جنوب لبنان التي يناسب مناخها المعتدل مزارع الأفوكادو والحمضيات والقشطة والموز، إنه في بداية العدوان الإسرائيلي كان لديه 32 عاملا يساعدونه في الاهتمام بأراضيه وقطاف المواسم، غير أن 28 منهم غادروا بسبب الحرب.

وقدم سعد لوكالة الصحافة الفرنسية لمحة عن حجم الضرر الذي طال المزارعين بقوله: "قبل الحرب، كانت حصيلتي المالية اليومية من بيع الفواكه توازي خمسة آلاف دولار في اليوم الواحد، أما الآن، فما يتمكن من قطفه بالكاد يدرّ عليه 300 دولار يوميا".

ووفقا لتقارير صحفية لبنانية، فإن حصيلة قتلى العدوان الإسرائيلي الأخيرة مع استمرار عمليات رفع الأنقاض، اقتربت من 6 آلاف شخص.

وقدر البنك الدولي في مارس/ آذار 2025 كلفة إعادة الإعمار والتعافي في لبنان بحوالي 11 مليار دولار، منها مليار دولار مخصصة لقطاعات البنية التحتية المتضررة بشدة خلال الحرب.

ويطالب المزارعون في لبنان بأن يكون القطاع الزراعي في سلم الأولويات في ملف التعويضات؛ لأنه بمقارنة هذا القطاع بالقطاعات الأخرى يتضح أنه الأقل كلفة.

وقال وزير الزراعة اللبناني نزار هاني٬ خلال تصريحات تلفزيونية في فبراير/ شباط 2025: إن "الأضرار التي لحقت بالزراعة والبنى التحتية جراء العدوان الإسرائيلي كبيرة ومعالجتها أولوية".

وأشار هاني إلى أن “لبنان مستعد للتعاون مع جميع الجهات مثل مصر والعراق ودول الخليج؛ حيث يعمل المزارعون اللبنانيون للتوجه أيضا نحو أسواق بعيدة مثل كندا والإكوادور”.

وأفاد بأنه "تم التواصل مع الهند حول إمكانية تأمين تدريب المزارعين اللبنانيين على المستويات كافة".

ولفت هاني إلى أن وزارة الزراعة اللبنانية تركز على "ضرورة تحديث القوانين والتشريعات الزراعية في مجلس النواب بشكل سريع، من أجل النهوض بهذا القطاع الحيوي".