فورورد أوبزرفيشن.. مرتزقة أميركا الجدد في ميادين العرب من غزة إلى السودان

داود علي | منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في عالم تدار فيه الحروب من خلف الستار، وتحسم فيه المعارك قبل أن تطلق أول رصاصة، برزت كيانات عسكرية غامضة تمارس أدوارا تتجاوز حدود القانون والدبلوماسية، وتنفذ أجندات معقدة تتشابك فيها المصالح الجيوسياسية بالاستخباراتية. 

وفي قلب هذا المشهد القاتم، تقف مجموعة "فورورد أوبزرفيشن" الأميركية (Forward Observations Group)، والتي يرمز إليها اختصارا بـ (FOG) بوصفها إحدى أكثر الشبكات غموضا وإثارة للجدل في العقد الأخير.

فعلى الرغم من ظهورها للعلن كشركة أميركية لبيع معدات عسكرية وتكتيكية، سرعان ما كشفت تقارير استخباراتية وتحقيقات صحفية دولية عن طبيعتها الحقيقية. 

كيان شبه عسكري يعمل على خطوط التماس في أخطر جبهات العالم، بدءا من أوكرانيا، مرورا بغزة، ووصولا إلى السودان.

إنها ليست شركة أمنية خاصة بالمعنى التقليدي، وليست فرعا رسميا لأي مؤسسة حكومية، لكنها تمثل ما يشبه الذراع غير النظامي للعمليات القذرة في حروب الجيل الخامس.

علامة بارزة 

أصبحت "FOG" علامة بارزة في إستراتيجية الحرب بالوكالة التي تتبناها دول كبرى لتفادي التورط المباشر، حيث تستخدم في تدريب وحدات النخبة، وتنفيذ عمليات استطلاعية على الجبهات الساخنة، ونقل التكنولوجيا والخبرة القتالية عبر الحدود والجبهات، بعيدا عن أعين القانون والمجتمع الدولي.

وخلال السنوات القليلة الماضية، بدأت ملامح هذا الدور تتضح في مناطق بعيدة عن الإعلام، أبرزها السودان، حيث تتهم تقارير استخباراتية وأمنية المجموعة بلعب دور رئيس في دعم قوات الدعم السريع المتمردة.

ويأتي هذا الدعم بشكل مباشر أو عبر كوادر تم تأهيلها وتوجيهها ضمن خطة أوسع لإعادة تشكيل التوازنات في القرن الإفريقي. 

وفي ميدان غزة، تم توثيق وجود عناصر من المجموعة في قلب المعركة، إلى جانب وحدات إسرائيلية خاصة، في مشهد يكشف تشابك المصالح العسكرية الأميركية في الحرب على المقاومة الفلسطينية.

أما في أوكرانيا، فقد كانت المجموعة حاضرة منذ بدايات الصراع، تعمل جنبا إلى جنب مع جهاز الأمن الأوكراني ولواء آزوف، وتضطلع بمهام تدريب وتأهيل ونقل مقاتلين إلى جبهات خارجية مثل إفريقيا، تحت غطاء "مساعدات إنسانية" أو "برامج تدريبية مشتركة".

وفي ضوء كل ذلك، بدأت تتكشف المعلومات عن خفايا عمل هذه المجموعة، ورسم خريطة أدوارها غير المعلنة في النزاعات المسلحة المعاصرة.

ذراع غير رسمية

وظهرت "FOG" في البداية كعلامة تجارية متخصصة في بيع معدات عسكرية وتكتيكية، يديرها جنود أميركيون سابقون، وقد أسسها جندي المشاة السابق في الجيش الأميركي ديريك بيلز. 

غير أن نشاطها تطور لاحقا ليتحول إلى ما يشبه الذراع غير الرسمية لجهاز الاستخبارات الأميركية (CIA). 

وذلك وفقا لتحقيق نشرته مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية، في 22 يوليو/ تموز 2025، حيث أوردت أن المجموعة تعمل خارج الإطار القانوني الرسمي. 

ولكنها أوردت أنها مع ذلك تنفذ تدريبات منتظمة في قواعد عسكرية أميركية مثل "فورت براج" و"كامب ليجون" في ولاية كارولاينا الشمالية. 

حيث تتلقى وحدات من القوات الخاصة الأميركية تدريبات قتالية نوعية على يد كوادرها، مستفيدة من خبرة المجموعة الطويلة في ساحات المعارك، خصوصا في أوكرانيا والشرق الأوسط.

وتلعب "FOG" دورا محوريا في المشهد العسكري الأوكراني منذ عام 2014، حيث تولت تدريب قوات النخبة في كييف، مثل لواء آزوف، ووحدات الاستخبارات التابعة لجهاز الأمن الأوكراني (SBU). 

وبالاستناد إلى تقرير نشرته مجلة "فايس" الأميركية بتاريخ 14 مايو/أيار 2021، تعرض الجندي الأميركي السابق "ديريك بيلز" مؤسس (FOG) لانتقادات حادة على "انستغرام" عقب نشره محتوى يوثق زيارته إلى أوكرانيا وظهوره مع شخصيات مرتبطة بجماعات نازية جديدة، من بينها مقاتل في كتيبة "آزوف" القومية المتطرفة.

ونشر بيلز، الذي خدم سابقا ضمن فرقة المشاة المحمولة جوا رقم 173 في أفغانستان، سلسلة من الصور والفيديوهات من أوكرانيا، بدا فيها مرتديا ملابس ومعدات قتالية، ويقف إلى جانب جنود على ما يبدو في منطقة دونباس التي كانت تشهد نزاعا مسلحا منذ عام 2014. 

أحد المنشورات أظهره حاملا بندقية هجومية بالقرب من مبنى تكسوه رسوم غرافيتي، بينما يظهر في أخرى داخل مركبة تقترب من مطار دونيتسك، أحد أبرز بؤر المواجهات العسكرية في الحرب.

الصور والفيديوهات وسمت باسم "فاديم لاباييف" المعروف بلقب "بالاك"، وهو شخصية صنفها موقع "Bellingcat" الاستقصائي عام 2018 كنازي جديد خدم في صفوف كتيبة آزوف، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا بين متابعي بيلز.

هجوم كيميائي

وفي 11 مارس/ آذار 2022، أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانا اتهمت فيه بشكل مباشر كلا من الأجهزة الاستخباراتية الأميركية والجماعات الأوكرانية المتطرفة بالتخطيط لهجوم باستخدام أسلحة كيميائية داخل الأراضي الأوكرانية، بهدف خلق ذريعة لإلصاق التهمة بروسيا. 

وجاء في البيان أن الحادثة تعود إلى ديسمبر/ كانون الأول 2021، حيث زعم أن "متطرفين أوكرانيين" نقلوا براميل معدنية سعة 200 لتر تحمل علامات أجنبية إلى منطقة دونيتسك، ما أدى عند تفريغها إلى إصابة أربعة جنود أوكرانيين بحروق وتسمم كيميائي شديد.

وفي تطور لافت، أشار البيان إلى أن مجموعة "فورورد أوبزرفيشن جروب" (FOG)، التي عرفت بأنها شركة عسكرية أميركية خاصة مقرها ولاية نيفادا، تولت الإشراف العام على عمليات تسليم وتخزين تلك الشحنات الخطرة.

ورغم خطورة هذه الاتهامات، فإن البيان لم يرفق بأي أدلة مادية تدعم الرواية الروسية. 

وقد سارعت كل من وزارة الخارجية الأميركية ومؤسس FOG، ديريك بيلز، إلى نفي تلك المزاعم بشكل قاطع، ووصفتها واشنطن بأنها "ادعاءات سخيفة" و"محاولة مفضوحة لاختلاق ذريعة مفتعلة"، في إشارة إلى ما عدته محاولة روسية مكررة لتبرير تحركاتها العسكرية وتضليل الرأي العام الدولي.

وفي مراسلة عبر البريد الإلكتروني مع "فايس"، قال بيلز إنه لم يشارك في القتال داخل أوكرانيا، وإن زيارته كانت لأغراض صحفية تتعلق بكتابة كتاب عن الحرب في دونباس. 

وأكد أنه لم يكن على دراية تامة بخلفيات الأفراد الذين رافقوه، مشيرا إلى أن فاديم بالاك "كان مجرد مرشد إلى الخطوط الأمامية"، وأنه "ربما" خدم سابقا مع كتيبة آزوف.

بيلز، وهو أميركي من أصول إفريقية، نفى وجود أي نوايا عنصرية في تحركاته، مشيرا إلى أن فريقه ضم يهوديا علنا، ما يتناقض مع مزاعم الانتماء لدوائر نازية جديدة. 

كما أعرب عن أسفه لأي إساءة غير مقصودة لمتابعيه، وكتب على إنستغرام: "اللعبة التي يلعبها الرجال لها ثمن.. ومهما كان هذا الثمن، فأنا وحدي المسؤول عن تداعيات ما قمت به".

من اللافت أن بيلز ذكر أنه قضى "ثلاث ساعات فقط" في الخطوط الأمامية، داخل قاعدة ميدانية تابعة لـ"القطاع الأيمن"، وهي مليشيا قومية متطرفة أخرى تقاتل بجانب القوات الأوكرانية، ويعرف عنها تبنيها أيديولوجيا متطرفة. 

ورغم أنه أكد أنه لم يكن على علم بخلفيات هذه الجماعة قبل وصوله، فإن وجوده في هذه الأوساط، وتوثيقه لبعض أعضائها، وظهوره في صور برفقة مقاتلين يحملون رموزا نازية حديثة، جعل من رحلته مادة خصبة للجدل، خاصة لدى المهتمين بملف المقاتلين الأجانب الأميركيين وعلاقاتهم بجماعات اليمين المتطرف في أوكرانيا.

خاصة أن أحد أكثر العناصر المثيرة للقلق بحسب المجلة الأميركية، في الصور المنشورة كان ظهور رموز وشعارات مرتبطة بجماعات نازية جديدة مثل "إينزاتسغروبن" و"فرقة كراهية البشر". 

والتي انتشرت عبر شبكات يمينية متطرفة دولية، وتحظى بشعبية بين جماعات أميركية مصنفة على أنها إرهابية مثل "أتوموافن".

من كاربات إلى الخرطوم

وتكشف الوثائق التي حصلت عليها "إنتيليجنس أونلاين" أن بعض هؤلاء المقاتلين الذين تلقوا تدريبات متقدمة في جبال الكاربات، تم نقلهم لاحقا إلى دول إفريقية، من بينها السودان، تحت غطاء "التعاون الإنساني"، وذلك في سياق عمليات دعم ميداني غير معلنة لقوات محلية.

ففي ذروة الحرب الأهلية السودانية، برز اسم "FOG" في تقارير استخباراتية كشريك غير معلن في تدريب قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). 

ووفقا لما أورده تقرير "إنتليجنس أونلاين"، فإن بعض الخبراء الذين تلقوا تدريبا على يد المجموعة في أوكرانيا، شاركوا في عمليات ميدانية داخل السودان، في مناطق شهدت اشتباكات عنيفة بين الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية.

ورغم محاولات نفي العلاقة بين المجموعة والولايات المتحدة، تشير تقييمات استخباراتية إلى أن "FOG" تعمل كذراع ميدانية لوكالة الاستخبارات الأوكرانية، مع تنسيق غير مباشر مع أطراف فرنسية، وهو ما يفسر  بحسب مراقبين  محاولات الإعلام الفرنسي تحميل المسؤولية على شركة أميركية لتبرئة كييف من أي تدخل مباشر في الحرب السودانية.

ومن جهة أخرى ووسط تصاعد الاتهامات باستخدام قوات أجنبية في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كشفت عدة مقاطع فيديو وصور نشرتها وسائل إعلام دولية عن وجود عناصر أميركية مسلحة يعتقد أنها تابعة لمجموعة "فورورد أوبزرفيشن جروب" (FOG).

خاصة أنها غدت شبكة شبه عسكرية تنشط في مناطق النزاع تحت غطاء التدريب والمرافقة الميدانية. 

وقد أظهرت تلك المواد المصورة أفرادا مسلحين يرتدون الزي العسكري الأميركي، يحملون أعلاما أميركية، ويتمركزون على تخوم حدود غزة.

الصور المنشورة عبر حسابات المجموعة على وسائل التواصل الاجتماعي تعزز هذا الادعاء، حيث ظهرت عناصر ترتدي معدات عسكرية كاملة، وتتموضع في مناطق مثل "بئيري" ومواقع حدودية أخرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

ويبدو من خلفيات الصور والأسلحة المستخدمة أنها التقطت من داخل فلسطين، تحديدا في مواقع عسكرية يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ووفق تحقيق أجرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، فإن وجود هؤلاء المرتزقة الأميركيين في غزة ليس مجرد دعاية إعلامية، بل هو واقع ميداني موثق. 

طبيعة النشاط 

وقد رصد التحقيق صورا ومقاطع نشرتها FOG بنفسها تظهر أفرادا تابعين لها يتنقلون في مناطق العمليات القتالية، مدججين بالسلاح، ويرتدون تجهيزات تكتيكية إسرائيلية الصنع.

كما نشر حساب موثوق يدعى "War Noir" – وهو باحث متخصص في تتبع الأسلحة والنزاعات – صورا لقاعدة عمليات متقدمة في غزة، تحتوي على بنادق M4 Commando وقنابل يدوية إسرائيلية من طراز M26A2. 

مشيرا إلى أنها جزء من العتاد المستخدم من قبل مرتزقة FOG المرافقين للقوات الإسرائيلية.

ورغم أن المجموعة تقدم نفسها علنا كـ"علامة تجارية لأسلوب حياة عسكري"، فإن طبيعة نشاطها على الأرض في غزة، تعكس واقعا مغايرا، كنمط حرب غير نظامية، مدعوم بتقنيات دعائية وميدانية، يخدم أهدافا عسكرية في الظل.

وحتى اللحظة، لا تزال تفاصيل انخراط FOG في العمليات داخل قطاع غزة غير معروفة بالكامل. 

لكن المؤشرات المتراكمة، والتوثيقات البصرية، والأنشطة السابقة للمجموعة في جبهات مماثلة، ترجح أن وجودها في غزة لم يكن مجرد "توثيق"، بل جزء من منظومة دعم عملياتي وتدريبي للقوات الإسرائيلية، في واحدة من أكثر الحروب دموية ووحشية في التاريخ الحديث للمنطقة.