ثمن الإبادة.. ماذا وراء مقاطعة أوروبا للكيان الإسرائيلي أكاديميا؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع تصاعد الغضب الأوروبي على مستوى الخطاب ضد الإبادة الإسرائيلية المتواصلة في غزة، وتهديد 15 دولة غربية بالاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر/أيلول 2025، أعلن الاتحاد الأوروبي إقصاءه شركات الكيان الإسرائيلي من برنامج تعاون علمي أكاديمي.

طردها الاتحاد من برنامج "هورايزون" أو "أفق أوروبا"، Horizon Europe، للتعاون الأكاديمي، على خلفية ضلوع شركات وجامعات إسرائيلية في إبادة غزة.

وتأتي هذه المقاطعة العلمية لإسرائيل، عقب كشف تقارير إسرائيلية تصاعُد مقاطعة البضائع المنتجات الزراعية الإسرائيلية في أوروبا ودول عديدة بالعالم.

وترى تحليلات غربية أن تحرك الاتحاد الأوروبي جاء تحت ضغط الحراك الشعبي شبه اليومي، الذي يطالب الحكومات بفعل شيء لوقف الإبادة الإسرائيلية ضد غزة.

مقاطعة أكاديمية

بعد سلسلة تضييقات أوروبية على المؤسسات العلمية والأكاديمية ذات الصلة بجيش الاحتلال الإسرائيلي، وتقليص قبول باحثين إسرائيليين في برنامج "هورايزون أوروبا"، من 109 في سنوات سابقة إلى 9 فقط هذا العام، قرر الأوروبيون طرد الكيان من هذا البرنامج بالكامل.

دول الاتحاد الأوروبي اجتمعت يوم 28 يوليو/تموز 2025، وقررت طرد إسرائيل من برنامج "هورايزون"؛ إذ أصدرت توصية بمنع التعاون مع شركات الكيان التي تنشط في مجالات الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة.

وأوصى أعضاء المفوضية الأوروبية، بتعليق تمويل الشركات الناشئة الإسرائيلية (startups) العاملة في مجالات تكنولوجية ذات استخدامات عسكرية محتملة، ومنعها من المشاركة في برنامج المنح البحثية "هورايزون أوروبا".

وهو ما يعني منع أوروبا حصول إسرائيل على تمويلات بمليارات الدولارات من برنامج "أفق أوروبا"، ضمن عقوباتها على الشركات الإسرائيلية للعبها دورا في إبادة غزة.

وأرجع بيان الاتحاد الأوروبي، هذا الطرد، لخرق تل أبيب المادة الثانية من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.

وأوضح أن إسرائيل تنتهك اتفاقية الشراكة الموقعة مع الاتحاد، التي تنص على الالتزام بحقوق الإنسان.

ويتطلب طرد إسرائيل من برنامج هورايزون أوروبا موافقة أغلبية بلدان الاتحاد الأوروبي بأغلبية بنسبة 55 بالمئة، لكي يدخل حيز التنفيذ.

أي 15 دولة على الأقل من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، وفق وكالة “رويترز”.

وقد أعربت أكثر من 20 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي عن "مخاوفها الخطيرة" بشأن الوضع الحالي في غزة خلال اجتماع سفراء الاتحاد الأوروبي لمناقشة الاقتراح. وفق صحيفة "الغارديان".

وأوضحت دعمها الفوري لطرد إسرائيل خلال الاجتماع، بينما أعربت دول أخرى عن قلقها من أن تعليق برنامج هورايزون "سيعيق الحوار" مع إسرائيل.

وكان تقرير لـ"حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" “BDS” أكد أن الجامعات الإسرائيلية تشارك في تطوير أنظمة الأسلحة العسكرية التي يتم استخدامها في جرائم الحرب في لبنان وغزة والضفة الغربية.

كما تقوم هذه الشركات، عبر أبحاث ودراسات مزيفة، بتبرير استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية، والترويج للتطهير العرقي التدريجي للفلسطينيين ومحاولة توفير غطاء أخلاقي لعمليات القتل غير الأخلاقية خارج نطاق القضاء.

وذلك مقابل أموال يحصلون عليها من جهات أكاديمية أجنبية مثل البرنامج الأوروبي (هورايزون)؛ حيث طور معهد "تخنيون" الإسرائيلي تقنيات الطائرات بدون طيار والجرافات التي يتم التحكم بها لاستخدامها في هدم منازل الفلسطينيين.

كما لعب تخنيون، بالشراكة مع شركة "البيت سيستمز" الإسرائيلية للصناعات الدفاعية دورا كبيرا في تطوير التكنولوجيا المستخدمة في مراقبة الفلسطينيين عبر جدران الفصل العنصري، والذي أعلنت محكمة العدل الدولية عدم شرعيته سنة 2004.

أيضا أدارت جامعة تل أبيب "غرفة حرب هندسية" تعمل على تطوير تكنولوجيا لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي. ويشمل ذلك كاميرا بث مباشر محمولة على كلاب تستخدمها وحدة مرتبطة بهجمات مميتة ضد الشعب الفلسطيني في غزة.

وكشفت صحيفة "هآرتس"، في تقرير نشرته بتاريخ 25 فبراير/ شباط 2025، أن باحثين إسرائيليين أبلغوا عن مئات من حالات المقاطعة الأكاديمية والصعوبات في التعاون مع المؤسسات الأجنبية خلال الأشهر القليلة الماضية، ما أدى لخسارة جامعاتهم ماديا وأدبيا وجعلهم منبوذين.

ثمن الإبادة

لبيان حجم الخسائر الإسرائيلية بسبب المقاطعة الأكاديمية الأوروبية لإسرائيل، أوضح تقرير أصدرته "لجنة رؤساء الجامعات الإسرائيلية" في يوليو 2025، أن اللجنة سجلت 750 حالة "مقاطعة" علمية وأكاديمية لأفراد وشركات إسرائيلية منذ بداية حرب الإبادة على غزة.

وأوضحت أن هذا يشير إلى توسع المقاطعة الأكاديمية العالمية لإسرائيل، فقد كانت نسبة حالات المقاطعة العلمية السابقة 500 حادثة، منذ منتصف عام 2024 وحتى فبراير/شباط 2025، وفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، 25 فبراير/شباط 2025.

والآن ارتفعت من 500 إلى 750 حالة، ما يشكل خسارة معنوية هائلة (انهيار صورة الإسرائيليين عالميا) واقتصادية (فقدان دعم مالي أوروبي) بسبب هذه المقاطعة، وفق صحيفة "هآرتس" 25 يوليو/تموز 2025.

وقد أكّد هذا "برنامج أبحاث هورايزون"، مشيرا إلى أن معدلات الموافقة على مشاريع هورايزون مع شريك بحثي إسرائيلي واحد أو أكثر، انخفضت بنسبة 68.5 بالمئة.

وفي منتصف يوليو 2025، تم الإعلان عن قبول 9 باحثين إسرائيليين فقط وفوزهم بمنح ضمن البرنامج الأوروبي (هورايزون)، من أصل 100 طلب قُدم، بعدما كان يتم قبول قرابة 30 بالمئة من المتقدمين في سنوات سابقة، وذلك بسبب النفور الأوروبي من جرائم إبادة غزة.

وقد كشفت حركة المقاطعة (BDS)، في بيان، يوم 23 يونيو/حزيران 2025، أنّ إسرائيل تشهد انخفاضًا حادًا في معدلات الموافقة على مشاريع بحثية تُشارك فيها مؤسسات إسرائيلية ضمن برنامج هورايزون الأوروبي، وهو مصدر تمويل رئيس.

وأكدت أن هذا الانخفاض سببه تضامن الطلاب وحملات الأكاديميين والنقابات العمالية استجاب لدعوة حركة المقاطعة (BDS) إلى مقاطعة أكاديمية لإسرائيل.

وأوضح تقرير حركة المقاطعة أنه على الرغم من نفوذها الهائل في الاتحاد الأوروبي، فإن إسرائيل وجامعاتها، باتت تتعرض للتجاهل من جانب عدد غير مسبوق من الجامعات والعلماء في مختلف أنحاء أوروبا.

وسبق أن قدرت دراسة أجرتها مؤسسة راند عام 2015 أن حملة مقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) ناجحة وتُكلف الاقتصاد الإسرائيلي عشرات المليارات من الدولارات على مدى عشر سنوات، وسببت أضرارا اقتصادية جسيمة.

وقد ترتب على ذلك انخفاض نصيب تل أبيب من تمويل برنامج أبحاث هورايزون التابع للاتحاد الأوروبي بشكل كبير منذ بداية الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، بسبب تأثير المقاطعات الأكاديمية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات بضغوط من طلاب الجامعات الغربية.

فبعدما حصلت إسرائيل على 1.1 مليار يورو كمنح بين عامي 2021 و2024 من البرنامج الأوروبي للمنح الأكاديمية، انخفض ما حصلت عليه بنسبة 68.5 بالمئة عام 2025 بسبب حركات التضامن مع فلسطين من جانب أكاديميين وطلاب.

وقد أكدت تقارير اقتصادية إسرائيلية أن إسرائيل تخسر ماديا بشدة من "المقاطعة الأكاديمية"، منها تقرير نشره موقع "كالكليست" الاقتصادي الإسرائيلي، يوم 25 مايو/أيار 2025، بعنوان "الأفق هو خط أنابيب الأكسجين، وإزالته قد يؤدي إلى انهيار الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية".

"كالكليست" أوضح أنه رغم صغر حجم إسرائيل وعدم دخول أي من جامعاتها بين أفضل 200 مؤسسة أكاديمية دولية، وفق التصنيف الغربي، إلا أن تل أبيب كانت تحصل على أموال من برنامج هورايزون لجامعاتها المتواطئة مع الإبادة، ​​أكثر من أي دولة أوروبية، حتى ألمانيا وفرنسا وهولندا.

وأكد التقرير أن إسرائيل كانت تستثمر 1.3 مليار شيكل سنويًا في شراكة مع هورايزون، توقفت الآن، ما يشكل خسارة اقتصادية كبيرة، بسبب تراجع ما تحصل عليه تل أبيب من منح أوروبية أكاديمية.

وقاطعت أكثر من 20 جامعة حول العالم، إسرائيل، بسبب الحرب الدائرة في غزة، وارتفع عدد المقاطعات الفردية للأكاديميين إلى 750 أكاديميا إسرائيليا، وفق موقع "كالكليست".

وأكد بيان الاتحاد الأوروبي أن إبعاد إسرائيل من برنامج "هورايزون" العلمي، وفرض عقوبات اقتصادية على شركات الاحتلال "سوف يؤثر على مشاركة الكيانات الإسرائيلية في برنامج EIC Accelerator.

وهو برنامج يفيد الشركات الناشئة والشركات الصغيرة ذات الابتكارات الثورية والتقنيات الناشئة التي لديها تطبيقات مزدوجة الاستخدام محتملة، مثل الأمن السيبراني والطائرات بدون طيار والذكاء الاصطناعي".

دلالات الطرد والحرمان 

يُعد برنامج "هورايزون أوروبا"، من أبرز الشراكات العلمية بالنسبة لإسرائيل؛ حيث يقدم لها مليارات الدولارات للقيام بأبحاث وتجارب علمية، استخدمت بعضها في جرائم إبادة غزة.

وقد بدأت مشاركة إسرائيل في برامج الأبحاث الأوروبية عام 1996، ومنذ ذلك الحين انخرطت في آلاف المشاريع العلمية المشتركة على مدى العقود الماضية، وتحصل بموجب ذلك على مليارات الدولارات.

وانضمت إسرائيل عام 2021 إلى برنامج هورايزون أوروبا كدولة منتسبة، مما أتاح لباحثيها ومنظماتها المشاركة على قدم المساواة مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. كما أسهمت إسرائيل ماليًا في مشاركتها في البرنامج.

واستفادت منه اقتصاديا وماليا؛ إذ يعد برنامج أفق أوروبا مبادرة البحث والابتكار الرائدة للاتحاد الأوروبي، والتي تمَّ تصميمها لدفع النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وتحسين حياة المواطنين، وهو ما سيتم حرمان إسرائيل منه.

لذا يتوقع أن يؤدي هذا الحظر لتعطيل تمويل مشاريع شركات التكنولوجيا الإسرائيلية المتعاونة مع جيش الاحتلال وعرقلة أنشطتها؛ حيث سيتم حرمانها من قرابة 95 مليار يورو، بحسب موقع "بوليتيكو"، في 28 يوليو/تموز 2025.

ويوضح الموقع الأميركي أن تعليق عضوية إسرائيل في برنامج هورايزون يرتكز على مجلس الابتكار الأوروبي، وهو برنامج بقيمة 10.1 مليار يورو ضمن برنامج "أفق أوروبا". 

كما سيؤثر ذلك على الكيانات الإسرائيلية المشاركة في برنامج مُسرع الابتكار الأوروبي، الذي يسمح للمفوضية بالاستحواذ على حصص في شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا تعتمد بشكل كبير على الأبحاث ورأس المال.

أيضا من شأن هذه الإجراءات الأوروبية أن تمنع الشركات التي تتخذ من إسرائيل مقرا لها من الحصول على منح تسريع من مجلس الابتكار الأوروبي، الذي يمنح الشركات ما يصل إلى 2.5 مليون يورو لتطوير تقنيات أو منتجات.