اعتراف فرنسا المرتقب بفلسطين.. هل يجعلها دولة بموجب القانون الدولي؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

يقول خبراء قانونيون: إن “اعتراف دولة ما بدولة أخرى لا يجعلها دولة بموجب القانون الدولي”.

جاء ذلك، في تقرير لموقع أميركي، استعرض إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أخيرا أن فرنسا ستعترف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2025.

وقال أرسين أوستروفسكي، المحامي الصهيوني البارز لـ"موقع ذا ميديا لاين": "يمكن لمائة دولة أن تقول إن الأرض مسطحة، لكن ذلك لن يجعلها مسطحة".

وزعم  أن السلطة الفلسطينية لا تستوفي المعايير القانونية الأساسية لتشكيل دولة، إذ تفتقر إلى حدود واضحة، والقدرة على إقامة علاقات دبلوماسية فاعلة، والرغبة الحقيقية في السلام، إلى جانب متطلبات أخرى.

وأضاف: "يمكنك أن تعترف بفلسطين كدولة، لكن ذلك لا يجعلها دولة بالفعل".

اعتراف من 140 دولة

وفي 24 يوليو/تموز 2025، أعلن ماكرون عبر منصة "إكس" أن فرنسا ستعترف رسميا بدولة فلسطين، لتصبح بذلك أقوى دولة أوروبية تتخذ هذه الخطوة، علما أنها تضم أكبر جاليتين يهودية ومسلمة في أوروبا. 

كما أنها الدولة الوحيدة من بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التي أقدمت على هذا الاعتراف.

وجاء هذا الإعلان بعد إشارات سابقة من الحكومة الفرنسية، التي كانت تخطط لبحث الخطوة في مؤتمر كانت تعتزم استضافته في السعودية خلال يونيو/حزيران 2025. لكن المؤتمر أُرجئ بسبب اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران.

وبحسب تقرير صادر عن "مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية" (JCSA)، فإن أكثر من 140 دولة إما تعترف بدولة فلسطين أو تخطط للاعتراف بها.

وقد أعلنت أربع دول أوروبية -هي النرويج وإسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا- عن اعترافها، عقب اندلاع حرب الإبادة في غزة، إلى جانب عدد من الدول غير الأوروبية الأصغر. 

ورحبت وزارة الخارجية السعودية بإعلان ماكرون، ودعت دولا أخرى إلى اتخاذ الخطوة ذاتها.

لكن الصهيوني أوستروفسكي وصف الخطوة بأنها "مجرد لفتة استعراضية وخطوة شكلية" لن تقرّب الفلسطينيين من الدولة، ولن تخفف المعاناة في غزة، ولن تدفع بعملية السلام الإقليمي إلى الأمام.

ومع ذلك، أقر بإمكانية أن تحذو دول أخرى حذو فرنسا، بما في ذلك المملكة المتحدة وكندا وأستراليا. 

وعلى وجه الخصوص، يواجه زعيم حزب العمال البريطاني، كير ستارمر، ضغوطا متزايدة لتأييد الاعتراف بدولة فلسطين.

وحذر أوستروفسكي من أن إعلان فرنسا من المرجح أن يُفسد أي فرص متبقية للتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى الإسرائيليين مقابل وقف إطلاق النار.

وقال: "إن خطواتٍ مثل اعتراف فرنسا، والبيان المشترك الأخير الصادر عن أكثر من عشرين دولة، والذي أدان إسرائيل ودعا إلى إنهاء الحرب فورا، لا يُعزز إلا تعنت حماس".

وردّت الولايات المتحدة بغضب على إعلان ماكرون، حيث كتب وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، على "إكس" أن القرار "صفعة على وجه ضحايا السابع من أكتوبر"، مضيفا أنه "لا يخدم سوى دعاية حماس".

أما السفير الأميركي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، فذهب إلى أبعد من ذلك، وسخر من الخطوة عبر الإنترنت.

وكتب أن "إعلان ماكرون الأحادي الجانب عن دولة فلسطينية لم يُحدد أين ستكون". وتابع ساخرا: "بإمكاني الآن أن أكشف حصريا أن فرنسا ستمنح الريفييرا الفرنسية لهذه الدولة الجديدة، والتي سيُطلق عليها اسم "فرنســطين" (Franc-en-Stine).

وفي منشور سابق، قال: "ما أذكاهم! إذا كان بإمكان ماكرون ’إعلان‘ وجود دولة بهذه البساطة، فربما يمكن لبريطانيا أن ’تعلن‘ أن فرنسا مستعمرة بريطانية!"

وكانت إدارة ترامب قد أوضحت موقفها مسبقا في يونيو/ حزيران 2025، حين أعلنت معارضتها لأي اعتراف أحادي بالدولة الفلسطينية خارج إطار المفاوضات.

انزعاج الصهاينة

في الأثناء، أدانت القيادات اليهودية في فرنسا إعلان ماكرون. ووصف "المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا" (CRIF)، وهو المنظمة الجامعة ليهود فرنسا، الخطوة بأنها "فشل أخلاقي، وخطأ دبلوماسي، وخطر سياسي".

وكتب المجلس: "قبل ثلاثة أشهر، صرّح الرئيس ماكرون بأنه يدرس الاعتراف بدولة فلسطينية، بشرط تحقيق عدة شروط، أبرزها إطلاق سراح الأسرى في غزة، واستسلام حماس. واليوم، لم يُلبَّ أي من هذه الشروط".

كما أشارت المنظمة إلى استطلاع رأي أجراه المعهد الفرنسي للرأي العام (IFOP) في يونيو/حزيران 2024، أظهر أن 78 بالمئة من الفرنسيين يعارضون الاعتراف بدولة فلسطين دون شروط مسبقة.

وأضاف المركز: "بغض النظر عن نوايا الرئيس ماكرون، ستعد حماس هذا الاعتراف انتصارا رمزيا ومكافأة على 7 أكتوبر، الذي أودى بحياة أكثر من 1200 شخص، من بينهم 50 مواطنا فرنسيا".

وحذر أوستروفسكي من أن قرار فرنسا قد يُلحق الضرر بالعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، مما قد يؤثر على الزيارات رفيعة المستوى والعلاقات التجارية والتعاون الأمني. ومع ذلك، أشار إلى أن المدى الكامل للتداعيات لم يتضح بعد.

وقال المقدم (احتياط) في الجيش الإسرائيلي، موريس هيرش، لـ "ذا ميديا لاين"، إن على إسرائيل الرد فورا بإغلاق القنصلية الفرنسية في القدس، التي تخدم الفلسطينيين بشكل أساسي.

بدوره، اقترح أوستروفسكي إجراءات انتقامية إضافية يمكن لإسرائيل النظر فيها، مثل وقف تحويل عائدات الضرائب المُحصّلة نيابة عن السلطة الفلسطينية أو تعليق التنسيق الأمني.

كما حاجج بأن على الحكومة أن تُطالب بوقف التمويل الدولي لوكالة الأونروا، مُشيرا إلى أنه إذا جرى الاعتراف بفلسطين كدولة، فلن يعودوا مؤهلين كلاجئين.

السنوار يبتسم في قبره

وجاء إعلان ماكرون بعد يوم من إقرار الكنيست الإسرائيلي بأغلبية ساحقة قرارا غير ملزم يدعم فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وغور الأردن.

إذ صوّت 71 عضوا في الكنيست، بمن فيهم ممثلون عن أحزاب الائتلاف وعدد من نواب المعارضة، لصالح القرار، بينما عارضه 13 عضوا فقط.

وبحسب الموقع الأميركي، يحث بعض أعضاء الكنيست الحكومة بالفعل على تحويل هذا الإعلان إلى إجراءات ملموسة فورا. 

ومع ذلك، قال المقدم (احتياط) في الجيش الإسرائيلي هيرش إن من غير المرجح أن تتخذ الحكومة خطوات جادة في هذا الاتجاه.

وأوضح أن "سبب ذلك هو رفض الحكومة الإسرائيلية الإدلاء بتصريح مفاده أن "يهودا والسامرة" (الاسم العبري للضفة الغربية) ملك لنا، وأنه لن تكون هناك دولة إرهاب غرب نهر الأردن".

وأضاف أنه بينما أعلن الكنيست سابقا أنه لن تكون هناك دولة فلسطين، فإن هذه التصريحات لم تُترجم إلى تغييرات على أرض الواقع، مؤكدا: "يمكننا أن ننتقد ماكرون، لكن علينا أن ننظر إلى أنفسنا".

وفي بيان لها، أشادت حركة حماس بالقرار، واصفة إياه بأنه يعكس "تنامي القناعة الدولية بعدالة القضية الفلسطينية، وفشل الاحتلال في تزييف الحقائق أو منع إرادة الشعوب الحرة".

وتابعت: "ندعو جميع دول العالم، خاصة الدول الأوروبية والدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين، إلى أن تحذو حذو فرنسا".

وأكد أوستروفسكي أن ثناء حماس على القرار الفرنسي يكفي وحده دليلا قاطعا، قائلا: "عندما تشكركم حماس، فهذا دليل واضح على أن فرنسا في الجانب الخطأ من التاريخ".

وشدد على أنه "ما من شك في أن هذا أكبر انتصار دبلوماسي تحققه حماس منذ 7 أكتوبر"، مضيفا أن الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار، على الأرجح يبتسم الآن في قبره، وهو يقول: "ميرسي، ماكرون".