فلول الأسد تنسق مع خلايا حزب الله.. هكذا تعمل لضرب وحدة سوريا وتخريب الساحل

"توقيت تحرك هؤلاء لتنفيذ مخطط جديد بالساحل ربما جاء بتقدير خاطئ"
ما يزال الساحل السوري معقل ضباط وعناصر نظام بشار الأسد البائد، يشكل "بيئة خلفية لشبكات منظمة"، تواصل التخطيط لضرب جهود الدولة السورية الجديدة في بسط الاستقرار.
وفي تطور لافت، تمكنت قوى الأمن الداخلي السوري من القبض على قيادات مرتبطة بفلول نظام بشار الأسد كانوا يخططون لتنفيذ عملية تخريب جديدة في الساحل السوري.

فشل فلول الأسد
إذ أعلنت مديرية الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية في 27 يوليو/تموز 2025 توجيه "ضربات موجعة" لفلول النظام المخلوع، حيث تمكنت من إلقاء القبض على قائد ما يُعرف بـ"غرفة عمليات الساحل"، وضبط شبكة على صلة بماهر الأسد، شقيق رئيس النظام المخلوع.
وأوضح قائد الأمن الداخلي في اللاذقية، العميد عبد العزيز هلال الأحمد، أن المحافظة شهدت خلال الأيام الماضية "سلسلة من العمليات النوعية الدقيقة التي أسفرت عن توجيه ضربات موجعة للخلايا الإرهابية النشطة في المنطقة"، مشيرا إلى أن هذه العمليات جاءت في سياق الجهود الأمنية المستمرة والمكثفة لملاحقة "فلول الإرهاب وتجفيف منابع تمويله ودعمه".
وقال الأحمد إن الأجهزة الأمنية ضبطت خلية إرهابية يقودها المدعو ماهر حسين علي، المتورط في تنفيذ هجمات سابقة استهدفت مواقع تابعة للأمن الداخلي، وكان بصدد الإعداد لهجمات جديدة تستهدف مواقع عسكرية وأمنية في محافظة اللاذقية.
وبحسب الأحمد، فإن التحقيقات أظهرت وجود تنسيق مباشر بين هذه الخلية وكلٍّ من ماهر الأسد والوضاح سهيل إسماعيل، قائد ما يُعرف بـ"فوج المكزون"، إلى جانب تلقي دعم لوجستي مباشر من "حزب الله" ومليشيات أخرى، مؤكدا أن الخلية كانت تعمل في إطار مخطط تخريبي منظم يهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة وتهديد أمن الساحل السوري.
وأضاف: "أسفرت العمليات الأمنية أيضا عن اعتقال العقيد السابق في الحرس الجمهوري، مالك علي أبو صالح، رئيس ما يُعرف بـ غرفة عمليات الساحل، التي كانت تشرف على التخطيط والتنسيق لاستهداف مواقع الجيش والقوى الأمنية خلال أحداث السادس من مارس/آذار 2025".
وأكدت التحقيقات تورط علي أبو صالح بشكل مباشر في التنسيق مع جهات خارجية مشبوهة، وتلقيه دعما لوجستيا مشبوها بهدف تنفيذ مخططات تخريبية تهدد أمن واستقرار المنطقة، بحسب الأحمد.
وأشار الأحمد إلى أن القوى الأمنية تمكنت، في عملية أخرى، من إلقاء القبض على الوضاح سهيل إسماعيل، المسؤول عن تنفيذ "سلسلة من العمليات الإرهابية" في منطقة جبلة، تحت توجيه مباشر من اللواء سهيل الحسن الملقب بـ"النمر"، والذي كان رجل روسيا الأول في سوريا وكان يقود "الفرقة 25 مهام خاصة"، والعميد غياث دلة وهو قيادي كبير في الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد.
وبيّن الأحمد أن معظم عناصر هذه الخلايا كانوا سابقا منتمين إلى المؤسسة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام المخلوع، وأنه خلال أحداث السادس من مارس/آذار 2025 ثبت تورطهم في تنفيذ عمليات استهدفت مواقع تابعة للأمن الداخلي والجيش السوري.
وأشار الأحمد إلى أن هذه الخلايا استمرت في التنسيق والتخطيط حتى تم القبض عليها؛ حيث تبين وجود نية لاستهداف نقاط أمنية وعسكرية ومواقع حيوية، بهدف زعزعة الاستقرار في اللاذقية معقل آل الأسد في البلاد.
إن ورود اسم سهيل الحسن وغياث دلة في التحركات الجديدة، يشير وفق الخبراء إلى أن التحديات الأمنية لا تزال قائمة في الساحل وتشكل "جرس إنذار" للدولة السورية من ناحية وجود "غرفة عمليات مرتبطة بالنظام البائد تسعى لتنفيذ أجندة تخريبية هناك".
كما تشير محاولة التحرك هذه من جديد، إلى وجود إلى جانب التمويل الخارجي لفلول الأسد، طرق إمداد خاصة من حزب الله عبر لبنان المجاور، وهو ما أكّده تقرير لجنة تحقيق سورية في 22 يوليو/تموز 2025، بشأن أحداث الساحل.
حاول فلول الأسد في 6 مارس/آذار 2025 عزل الساحل السوري، وتهديد الانتقال السياسي في البلاد، حينما هاجم ضباط وعناصر ومليشيات تتبع نظام الأسد المخلوع، دوريات الأمن التابعة للدولة السورية الجديدة بمحافظتي طرطوس واللاذقية على البحر الأبيض المتوسط.
إلا أن وزارتي الداخلية السورية والدفاع تمكنتا من إفشال حالة التمرد وقتل واعتقال العشرات من عناصر النظام البائد وفرض الأمن في جميع أنحاء محافظتي طرطوس واللاذقية بأقل من 24 ساعة.
ووثقت لجنة تحقيق سورية مقتل 1426 مدنيا وعسكريا، وفقدان 20 آخرين، خلال أحداث الساحل.

"تقدير خاطئ"
وضمن هذا السياق، يؤكد رئيس مركز "رصد" السوري للدراسات الإستراتيجية العميد المتقاعد عبدالله الأسعد لـ“الاستقلال” أن وجود "عدد كبير من ضباط وعناصر جيش الأسد والمتطوعين في المليشيات وبنسبة 90 بالمئة من إجمالي المؤسسة العسكرية والأمنية، في مناطق الساحل السوري أسهم في تشكيل بنية قيادية مجزأة وقد اتضح أن من يديرها هم ضباط كبار ومقربون من بشار الأسد وشقيقه ماهر".
وأضاف الأسعد قائلا: "هؤلاء استطاعوا على مدار الأشهر الأخيرة من خلق خلايا متفرقة تعمل بتكتيك الكمائن ضد قوى الأمن الجديدة والجيش".
ورأى الخبير العسكري أنه "يجب ألا ننظر إلى عملية إلقاء القبض على قيادات من فلول الأسد في اللاذقية على أنها مجرد عملية اعتقال لمجرمين بل هي ضرب لعصب تخريبي كان يريد إعادة ذات الكرة التي حدثت في الساحل وبداية لمخطط فتنة جديدة بأجندات مدروسة".
واستدرك الأسعد قائلا: إن "توقيت تحرك هؤلاء لتنفيذ مخطط جديد بالساحل ربما جاء بتقدير خاطئ من هؤلاء الفلول مفاده بأن ما جرى في السويداء ربما يكون قد أضعف قوى الأمن السورية والجيش وأن هذه هي اللحظة المناسبة لتحركهم في الساحل بدعم من حزب الله في ظل رغبة إسرائيل بتقسيم سوريا".
وأردف "الخطر الأمني لم ينته بشكل نهائي؛ لأن هؤلاء لديهم صلات مع ماهر الأسد الذي يشكّل القناة الخلفية المالية فضلا عن الدعم الكبير من مليشيا حزب الله المرتبط بالنظام الإيراني الذي خسر نفوذه في سوريا".
وراح الأسد يقول: "هناك أطراف خارجية واضحة تدعم هذه الفلول لاستعادة سطوتها وتحديدا من قبل إيران".
وحاول رئيس الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في محافظة السويداء السورية، حكمت الهجري، خلق واقع جديد في سوريا يقود لعزل المحافظة ذات الغالبية الدرزية وجعلها بعيدة عن سلطة دمشق المركزية.
وتمثل ذلك، بطلب الهجري في بيان 16 يوليو/تموز 2025 من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "إنقاذ السويداء"، في استقواء علني بعدو السوريين ومن يحتل أرضهم.
كما رفض الهجري بسط الدولة الجديدة سيطرتها على المؤسسات الأمنية والحكومية في محافظة السويداء، لا سيما بعد تقدم قوات الأمن نحو المحافظة في 13 يوليو/تموز 2025 لإعادة الاستقرار إليها، بعد اشتباكات بين عشائر بدوية وفصائل محلية درزية بريفها.
وقد كان لافتا أن إسرائيل استجابت لدعوات الهجري؛ حيث شنّ الجيش الإسرائيلي عدوانا كبيرا على سوريا، في 16 يوليو/تموز 2025، شمل غارات على أكثر من 160 هدفا في 4 محافظات هي السويداء ودرعا المتجاورتين، وريف دمشق ودمشق، التي قصف فيها مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي بالعاصمة.
كما أكد قائد الأمن الداخلي السوري في محافظة السويداء، العميد أحمد الدالاتي، أن أكثر من 200 عنصر من وزارتي الدفاع والداخلية قتلوا نتيجة للقصف الإسرائيلي في اليوم الأول فقط من المواجهات بمدينة السويداء وريفها مع مليشيا الهجري، في حين أُصيب أكثر من 400 آخرين.

"الدور الخفي"
ويؤكد المراقبون أن تحرك فلول الأسد في الساحل السوري المجاور للبنان، يعود لوجود دعم مباشر من حزب الله لتنفيذ أي مخطط يستهدف الساحل.
ويرى هؤلاء أن الدور الخفي لحزب الله هو الأساس في تسهيل مرور السلاح والعناصر وحتى تأمين انسحاب هؤلاء الفلول.
وهنا يشير المحلل السياسي اللبناني نبيل الحلبي، إلى أن "فلول الأسد عقب سقوطه فروا إلى عكار وجبل محسن وبعلبك الهرمل في لبنان؛ حيث هناك بيئة حاضنة من قبل حزب الله وهذه المعاقل داخل لبنان خارج سلطة الدولة اللبنانية".
وأضاف الحلبي في تصريحات تلفزيونية، "في لبنان حزب الله ما يزال له اليد العليا الأمنية، ولهذا فإنّ وجود الفلول في جيوب عند الحدود السورية يسيطر عليها حزب الله وبالتالي تستطيع المجموعات المسلحة الدخول إلى طرفي الحدود دون رقيب".
وأردف "من لم يذهب من فلول الأسد إلى روسيا فر إلى لبنان ومن يمولهم في السلاح هو حزب الله ومن الطبيعي أن يتسلل هؤلاء إلى الأراضي السورية لافتعال أعمال تخريبية".
وألمح الحلبي إلى "وجود اعتراض من قبل بعض الضباط اللبنانيين الوطنيين على وجود مخيم إسمنتي يقوم حزب الله ببنائه على الحدود مع حمص السورية، وهذا المخيم يحوي عناصر سورية من الطائفة الشيعية ويقوم الحزب بتدريبهم وتسليحهم".
وأشار الحلبي إلى أنه "يجب أن تكون هناك علاقات طيبة بين الدولة السورية واللبنانية كي يتم مواجهة المطلوبين بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا وهذا الملف يجب معالجته سريعا لمنع تكرار مثل تلك الهجمات في الساحل".
واستدرك قائلا: "هناك انقسام في الداخل اللبناني بأن يشكل لبنان منصة للتخريب في سوريا".
إن ملف التهدئة في الساحل السوري ما يزال هشا، على الرغم من محاولة الدولة السورية تكثيف عملياتها الأمنية هناك؛ سعيا لتفكيك الشبكات المرتبطة بنظام الأسد.
لا سيما أن الاتحاد الأوروبي في تقرير له في 28 يونيو/حزيران 2025 أكد أن شبكات عائلات الرئيس السابق بشار الأسد، لافتا إلى وجود مخاوف تهدد استقرار البلاد ومسارها الانتقالي.
وأشار الاتحاد الأوروبي إلى أن شبكات الأسد منتشرة في سوريا وخارجها وتعد غير منحلة.
وأعرب عن مخاوفه من محاولة فلول النظام السابق قلب المرحلة الانتقالية، ولفت إلى أنّ أحداث الساحل في مارس 2025 كانت بتدبير من فلول نظام الأسد، وفق ما جاء في تقرير الاتحاد الأوروبي الذي نشر في الجريدة الرسمية.
وكان المجلس الإسلامي “العلوي” الأعلى في سوريا والمهجر، رفض الاعتراف بلجنة تقصّي حقائق الساحل ونتائجها، وطالب بتدخل المجتمع الدولي للضغط على السلطة السورية.
وفي بيان مصور ألقاه رئيس المجلس، الشيخ غزال غزال (مقيم في الخارج)، في 25 يوليو/تموز 2025، قال فيه: إن سوريا “تحكمها منظومة إرهابية كاملة، سلطت أبناء البلد بعضهم على بعض، وتسعى لتجريد الناس من وجودهم، متبعة دينًا مشوّهًا لا يمتّ إلى الإسلام بصلة، يقدّس سفك الدم، يزور الحقائق، ويتذرع بالحق ليبطش ويستبيح الأرض والعرض”.
وفي فبراير / شباط 2025 أعلن مجموعة من أبناء الطائفة العلوية في سوريا والمهجر عن تشكيل “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى”، ووفقًا للبيان التأسيسي، يتألف المجلس من هيئتين رئيستين: المجلس الديني: بقيادة الشيخ غزال غزال، ويضم 130 شيخًا من مختلف المحافظات السورية. يركز المجلس على القضايا الدينية ووضع إطار يحمي الهوية الدينية للطائفة.