باكستان وطالبان أفغانستان.. هل تنتقل من الخلافات إلى تحالف جيوسياسي أوسع؟

"استخدمت طالبان الأراضي الباكستانية كملجأ آمن خلال حربها التي استمرت 20 عاما ضد الولايات المتحدة"
دخلت العلاقة الوثيقة والتاريخية بين طالبان وباكستان مرحلة من التعقيد والتوتر بعد سيطرة الحركة على أفغانستان؛ حيث تشير تقارير إلى أن العلاقات بين الجانبين توترت خلال عام 2024، مع تزايد انعدام الأمن والهجمات الانتحارية في باكستان.
ومع ذلك، فإن الزيارات المتتالية التي قام بها مسؤولون باكستانيون كبار إلى كابل تشير إلى أن “احتمالات استعادة العلاقات الودية بين طالبان وباكستان قد زادت”، بحسب صحيفة "8 صبح" الفارسية.
ونقلت الصحيفة عن ساسة باكستانيين اعتقادهم أن "العلاقات بين طالبان وباكستان تظل ودية وإستراتيجية، وأن هذه الرحلات هي جزء من خطط أوسع نطاقا لتأمين مصالح القوى العالمية الكبرى".
وبحسبهم، فإن المفاوضات الرئيسة بين طالبان وباكستان "تجرى خلال زيارات غير رسمية يقوم بها جنرالات باكستانيون ومسؤولون من طالبان".
حل المشاكل
وفي هذا السياق، توجه إسحاق دار، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الباكستاني، إلى كابل في التاسع عشر من أبريل/ نيسان 2025، على رأس وفد باكستاني رفيع المستوى، والذي ضم أيضا الممثل الخاص للبلاد للشؤون الأفغانية.
والتقى مع رئيس وزراء طالبان محمد حسن أخوند، ونائبه عبد السلام حنفي، ووزير خارجية طالبان أمير خان متقي، وعدد من المسؤولين الآخرين في الحركة في كابل.
بعد هذه الاجتماعات، أصدرت حكومة طالبان بيانا أعلنت فيه أن رئيس وزرائها طلب من وزير الخارجية الباكستاني إنهاء عملية الطرد القسري للاجئين الأفغان.
وقالت طالبان: إن “الإجراءات الأحادية الجانب التي اتخذتها باكستان، بدلا من التعاون مع طالبان لإدارة العودة التدريجية للاجئين، أدت إلى تفاقم الوضع وخلق عقبات أمام حل المشاكل”.
ومع ذلك، أوضح التقرير أن "البيانات التي نشرتها وزارة الخارجية الباكستانية على صفحتها على موقع "إكس"، لا يوجد فيها أي ذكر لإيقاف ترحيل اللاجئين".
ووفق الصحيفة، "فقد ذكرت بيانات صحفية منفصلة صادرة عن وزارة الخارجية الباكستانية أن الجانبين ناقشا قضايا رئيسة، بما في ذلك التعاون في مجالات الأمن والتجارة والنقل، واستكشفا سبل توسيع الاتصالات بين الشعبين".
وكتب الممثل الخاص الباكستاني للشؤون الأفغانية محمد صادق خان أن وزير الخارجية الباكستاني، في اجتماع مع محمد حسن أخوند، وعبد السلام حنفي، وأمير خان متقي، كبار المسؤولين في طالبان، ناقش الأهمية الحيوية لمعالجة القضايا الأمنية، وإدارة الحدود، وتعزيز العلاقات المتبادلة.

في هذا السياق، ذكرت الصحيفة أنه "على مدى السنوات الثلاث والنصف الماضية، دعت باكستان حركة طالبان مرارا وتكرارا إلى وقف أنشطة حركة طالبان باكستان على الأراضي الأفغانية".
واستدركت: "لكن حركة طالبان قاومت قمع حركة طالبان الباكستانية، ولم توافق إلا على الوساطة بين الجانبين".
يذكر أن صحيفة "8 صبح" كانت قد ادعت في تحقيق استقصائي سابق أن حركة طالبان قامت ببناء أربع مناطق سكنية كبيرة لمقاتلي حركة طالبان الباكستانية وتنظيم القاعدة في ولاية غزنة وحدها.
وفي وقت سابق، قال وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف: "طلبت طالبان من إسلام آباد دفع 10 مليارات روبية باكستانية لنقل أعضاء جماعة طالبان باكستان من المناطق الحدودية إلى أجزاء أخرى من أفغانستان".
وأضاف: "باكستان وافقت على هذا الطلب، لكنها في المقابل طلبت من طالبان تقديم ضمانات بأن أعضاء حركة طالبان الباكستانية لن يعودوا إلى باكستان".
وأشارت الصحيفة إلى أن "باكستان أطلقت، في عام 2024، حملة لإعادة اللاجئين الأفغان قسرا، وهو ما قوبل برد فعل قوي من جانب حركة طالبان ومنظمات حقوق الإنسان".
وتابعت: "عدت حركة طالبان هذا الإجراء غير محترم للشعب الأفغاني، وأخيرا بدأت البلاد موجة جديدة من الترحيل الجماعي والقسري. فخلال الأسبوعين الماضيين، رحل ما يقرب من 100 ألف لاجئ إلى أفغانستان".
غطاء سياسي
في هذا السياق، قال السياسي الباكستاني أفراسياب ختاك، في مقابلة مع الصحيفة، إن "أساس العلاقات غير الصحية بين طالبان وباكستان كان على أساس التعاون الاستخباراتي".
ويضيف: "من الطبيعي أن ترغب طالبان في تصوير علاقاتها مع باكستان، من أجل إثبات استقلال إمارتها، في حين تجري المفاوضات الرئيسة بين طالبان والجنرالات الباكستانيين في زيارات غير معلنة من الجانبين".
ولفت إلى أن "المسؤولين الباكستانيين يتهمون طالبان أحيانا بنشر الفتنة على الأراضي الباكستانية، ولكنهم من ناحية أخرى، يتحدثون عن تعميق العلاقات بين باكستان وطالبان".

ولفتت الصحيفة إلى أن "زيارة وزير الخارجية الباكستاني إلى كابل تأتي في وقت زار فيه وفد أميركي إسلام آباد أخيرا، وناقش مع كبار المسؤولين الأمنيين في البلاد تبادل المعلومات والوصول إلى التقنيات الأميركية المتقدمة لمكافحة الإرهاب".
وفي لقاء مع الوفد الأميركي، وصف وزير الداخلية الباكستاني محسن نقفي باكستان بأنها "جدار بين الإرهاب والعالم"، وقال: "الإرهاب يشكل تحديا عالمياً والمجتمع الدولي يحتاج بشكل عاجل إلى التعاون الكامل مع باكستان في هذا الصدد".
وبحسب الصحيفة، "من المقرر أن تعقد إسلام آباد وواشنطن محادثات خاصة بشأن مكافحة الإرهاب في يونيو/ حزيران 2025".
وذكرت أن "هذه الزيارة التي يقوم بها مسؤول باكستاني رفيع المستوى إلى كابل، أتت بعد يوم واحد فقط من إصدار المحكمة العليا الروسية حكما يقضي بتعليق إدراج حركة طالبان في قائمة الجماعات الإرهابية في البلاد".
“قلق أمني”
من جانبها، تعتقد الخبيرة العسكرية والأمنية عائشة صديقي، أن "باكستان وقعت في خطأين إستراتيجيين مع طالبان".
ووفق قولها، فإن "الخطأ الأول كان الاعتماد المفرط على طالبان كأداة للنفوذ في أفغانستان، والخطأ الثاني كان تجاهل التهديد الذي تشكله جماعة طالبان باكستان، التي تشن الآن هجمات من الأراضي الأفغانية".
وحذرت الخبيرة من أن "حركة طالبان لم تعد تستمع إلى إسلام آباد، وأن الحكومة الباكستانية يجب أن تراجع سياستها تجاه أفغانستان بشكل جدي".
بدوره، قال طارق فاطمي، الدبلوماسي السابق ومستشار السياسة الخارجية لرئيس الوزراء الباكستاني السابق، في اجتماع أخيرا: "على الرغم من أن طالبان تلقت المساعدة منا، فإن أفغانستان تحت حكم طالبان أصبحت اليوم مصدر قلق أمني بالنسبة لباكستان".
واقترح الدبلوماسي السابق أن "تشارك إسلام آباد في حوار مع وسطاء لاحتواء التهديد الذي تشكله حركة طالبان باكستان، وفي الوقت نفسه زيادة الضغوط الدولية على طالبان أفغانستان للحد من أنشطة المجموعة".

ونقلت الصحيفة عن الكاتب والمحلل الباكستاني البارز أحمد رشيد قوله: "إن باكستان، بعد سنوات من الاستثمار في طالبان ودعمها، تواجه الآن نتائج لم تكن في حساباتها الأولية".
وأردف: "طالبان، بآرائها العرقية والقبلية، حافظت على حساسيتها تجاه الحدود المشتركة، وهو أمر خطير بالنسبة لباكستان".
ويعود تاريخ العلاقات بين الطرفين إلى التسعينيات من القرن الماضي، حين قررت باكستان الاعتراف بنظام طالبان، حيث كانت وكالة الاستخبارات الباكستانية واحدة من أهم الداعمين العسكريين والاستخباراتيين لطالبان لأكثر من عقدين من الزمن.
وبحسب الصحيفة، فقد "استخدمت حركة طالبان الأراضي الباكستانية كملجأ آمن خلال حربها التي استمرت 20 عاما ضد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وقوات الأمن الأفغانية السابقة".