أدلة دامغة.. هكذا فضحت "وثائق الأسد" جرائم ساسة عراقيين بحق السوريين

يوسف العلي | منذ ٨ أيام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، حدثا اعتياديا يتعلق بالجغرافيا السورية فحسب، بل إن ارتداداته قابلة للاتساع في المنطقة، لا سيما مع وضع السلطات الحالية يدها على منجم من الوثائق، جزء منها يتعلق بسياسيين عراقيين بارزين، مدّوا النظام بأموال العراق.

ومع تفجر الثورة السورية عام 2011، كان نوري المالكي يتولى رئاسة الحكومة في العراق (2006 إلى 2014)، الذي اتهم النظام السوري السابق عام 2009، بإرسال السيارات المفخخة والانتحاريين إلى العراق، وتوعد بتقديم شكوى ضده إلى مجلس الأمن.

لكن المالكي نفسه، عاد مع تصدع أركان النظام السوري السابق إثر الاحتجاجات الشعبية والمواجهات المسلحة عام 2012، ليصرّح خلال مقابلة تلفزيونية أنه لن يسمح بأن يسقط الأسد، حتى لو تطلب الأمر أن يأخذ بنفسه الجيش العراقي إلى سوريا للقتال إلى جانبه.

"وثائق خطيرة"

وفي هذا السياق، تحدث إعلاميون وسياسيون عراقيون عن "وثائق خطيرة" بحوزة الإدارة السورية الجديدة، تكشف عن "فضائح" للنظام السياسي العراقي الحالي، من شأنها أن تُطيح برؤوس كبيرة في العراق، وذلك بسبب تعاونها مع الأسد إبان اندلاع الثورة السورية.

وقال الكاتب والصحفي العراقي، عثمان المختار، عبر تدوينة على منصة "أكس" في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2024، إن "الإدارة السورية وضعت يدها على وثائق خطيرة بإمكانها أن تكون مصدر فضائح مزمنا للنظام السياسي في العراق".

وأضاف المختار أن الإدارة السورية الجديدة تعمل على تدقيق الملفات وأرشفتها، والتي تتعلق بوثائق وجدت في القصر الرئاسي، ومكتب رئيس النظام المخلوع بشار الأسد، ومكتب وزير دفاعه (علي محمود عباس).

وأوضح أن هذه الوثائق تتضمن "إشارات وبرقيات ووصولات لتمويل مالي ضخم حصل عليه الأسد من حكومة نوري المالكي، كانت تنقل بالسيارات من بغداد إلى دمشق، وقسم منها عبر لبنان، وعمليات نقل السلاح والمسلحين، بين 2011 ولغاية نهاية 2014".

وتتضمن الوثائق أيضا، تسليم مواقف ومعلومات لنظام الأسد، وإصدار جوازات سفر وهويات عراقية لرموز النظام حتى يُسمح لهم بالتنقل والسفر لتجاوز العقوبات والمخاطر الأمنية. 

وبحسب المختار، فإن الوثائق تشمل ظروف تشكيل ما عُرف حينها بـ"التحالف الرباعي"، بين إيران وروسيا والحكومة العراقية، ونظام الأسد، والجسر الجوي الروسي عبر العراق.

وأكد الكاتب العراقي أن "الحكومة السورية الجديدة، باتت تمتلك وثائق وأدلة كثيرة على دول دعمت النظام وساعدته في جرائمه بحق الشعب السوري".

بالنسبة للحالة العراقية، يرى المختار أن "العراق لا يوجد فيه قضاء مستقل قادر على محاسبة قادة المليشيات والأحزاب الشيعية الحاكمة التي نهبت مقدرات العراق وفتكت بأهله، فهي تمتلك حصانة وإن كانت غير مُعلنة من أي محاسبة أو تقاضٍ. إلا أنها بالتأكيد سيكون لها أثر ولو بعد حين".

من جهته، قال طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي السابق (2006 إلى 2012)، إن "الأخبار تتواتر عن تنسيق أمني عالي المستوى ومتشعب بين أطراف عراقية سياسية وأمنية، مع نظام المخلوع الهارب بشار"، حسب تدوينة له عبر "إكس" في 28 ديسمبر.

وأضاف الهاشمي، قائلا: "الأكثر أهمية هو العثور على أرشيف في قصر الطاغية وفي إدارة المخابرات الجوية وغيرها يكشف التنسيق الأمني مع أطراف عراقية.. لا نسبق الأحداث وننتظر الفضائح التي لا بد أن تسقط بموجبها رؤوس في العراق". 

وذكّر الهاشمي بأن "نظام بشار كان متهما بأنه كان وراء التفجيرات الدموية في العراق، الذي أوشك على التقدم عام 2009 بشكوى إلى محكمة الجنايات الدولية بعد أن توفرت أدلة قاطعة على تورط النظام الساقط لولا تدخل إيران التي ضغطت بحفظ الملف".

أوراق للضغط

وعن تداعيات كشف "وثائق الأسد" على السياسيين العراقيين، لا سيما نوري المالكي زعيم ائتلاف "دولة القانون" الذي كان على رأس السلطة لمدة ثماني سنوات، وهو الآن أبرز قادة الإطار التنسيقي، قال الباحث العراقي، لطيف المهداوي، إن هذه الأدلة تُعد "أوراق ضغط قوية".

وقال المهداوي لـ"الاستقلال" إن "هذه الوثائق تشكل إحراجا قويا إلى شخص نوري المالكي وللإطار التنسيقي الشيعي بشكل عام، وبالتالي فإنها ورقة قوية سواء للإدارة السورية الجديدة أو حتى الولايات المتحدة الأميركية للضغط أكثر على قوى الإطار والحشد الشعبي".

وأشار الباحث إلى أن "كشف الوثائق سيؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المالكي تسبب في الإرهاب بالعراق قبل دخول تنظيم الدولة عام 2014، وبالتالي ستعمل الأدلة الجديدة على لي ذراعه، رغم أنه لن يُحاكم في ظل الحكم الشيعي، لكن على الأقل تضعف من موقفه".

ولفت إلى أن "الأدلة السورية نسفت كل ادعاءات الإطار التنسيقي الشيعي أو الحشد الشعبي في محاربة الإرهاب، بل العكس تماما، فإن المالكي مسؤول عن كل روح أزهقت منذ توليه رئاسة الوزراء وحتى اليوم".

وأكد المهداوي أن "الحالة العراقية وفق الأدلة السورية بحاجة إلى شخصيات معارضة ترفع دعاوى قضائية ضد المالكي في المحاكم الدولية، وبالتالي كسب قضية تدينه من الخارج، لأن في الداخل العراقي لا يستطيع أحد إدانته، فضلا عن اعتقاله ومحاسبته".

وفي السياق ذاته، رأى الباحث العراقي، حامد العبيدي أن "الحكومة السورية الجديدة لن تفتح في الوقت الحالي أيا من الملفات التي لها صلة بأطراف خارجية، قبل أن تستقر الجبهة الداخلية وتنتهي من محاسبة رموز النظام المخلوع في سوريا".

وأعرب العبيدي عن اعتقاده في حديث مع "الاستقلال" أن "الإدارة السورية لن تفتح باب النقاش حاليا عن الوثائق التي عثرت عليها، خصوصا مع شخصيات خارج سوريا، لأنها اليوم تسعى إلى طمأنة جميع الدول والتعامل معهم لحين الاستقرار السياسي الداخلي التام".

واستبعد الباحث العراقي أن "تستخدم الولايات المتحدة أيضا من الوثائق السورية للضغط على المالكي أو إدانته، فهي لديها أدواتها التي تطيح بمثل هذه الشخصيات حينما تريد، وهي إلى اليوم لم تتحدث عنه بسوء وكأنها راضية بما فعله في العراق من عبث بأمواله وأمنه".

تسخير الدولة

وفي 14 فبراير/ شباط 2020، نشر موقع قناة "الحرة" الأميركية تقريرا يتحدث عن المليشيات العراقية في سوريا ودور رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي ومقربين منه في دعمها بالأموال والسلاح للقتال إلى جانب رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد.

وأظهرت معلومات الموقع الأميركي أن المالكي ومجموعة من المقربين منه عملوا خلال الفترة بين عامي 2012 و2014 على إدارة ملف غسيل أموال الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني.

ونقل الموقع عن مصدر عراقي (لم تُسمه) أن ياسين مجيد القيادي في ائتلاف "دولة القانون" وسكرتير المالكي الإعلامي السابق هو من يدير ملف غسيل الأموال بالتعاون مع كاطع الركابي وهو قيادي آخر في ائتلاف المالكي وعضو في لجنة الأمن والدفاع النيابية.

وبحسب معلومات الموقع، فإن مجيد يدير قسما خاصا تابعا للحرس الثوري يسمى "مبين" مهمته الإشراف على عمليات غسيل الأموال، وأن النائبين (السابقين) عن تحالف البناء (الشيعي) المدعوم من إيران، آراس حبيب الفيلي، وأحمد الأسدي (وزير العمل حاليا) يعملان أيضا ضمن فريق الغسيل.

وتابع الموقع أن المالكي اختار أن يقف إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد منذ عام 2012، وقام بتأسيس مكتب للخدمات الخارجية بالتعاون مع فرع "المخابرات العامة 279" المسؤول عن النشاطات الاستخباراتية للنظام خارج سوريا.

وأشار إلى أن "الأموال التي نقلت إلى سوريا بلغت 460 مليون دولار أميركي منذ عام 2012"، إضافة إلى تجنيد ما يزيد على 18 ألف شيعي عراقي وأفغاني وباكستاني تحمّل قسم "مبين" مصاريف نقلهم وتجنيدهم ورواتبهم.

وتابع الموقع قائلا: "منذ شتاء 2012 ولغاية فبراير/ شباط 2014 لم يتوقف تدفق شحنات الأسلحة والأعتدة من العراق إلى سوريا حتى بلغ عدد الأسلحة المتوسطة والخفيفة التي أرسلها قسم مبين بإدارة ياسين مجيد ما قيمته 600 مليون دولار".

وبحسب التقرير، فإن "ياسين مجيد استغل سطوته على دائرة نزع السلاح ودمج المليشيات التي كانت مرتبطة مباشرة بمكتب المالكي للاستيلاء على التخصيصات المالية لهذه الدائرة واستثمارها في دعم المليشيات التي كانت تحارب إلى جانب قوات نظام الأسد في سوريا".

نجح مجيد، وفقا للموقع، في تعيين شخص مقرب منه يدعى خليل مخيف الربيعي ليكون رئيسا لدائرة نزع السلاح في عام 2011، وأسندت له مهمة تنظيم ملف قوات الصحوة التي كانت تقاتل إلى جانب القوات الحكومية في مناطق (السنية) الأنبار وديالى وصلاح الدين وأطراف بغداد.

وتوصل تقرير الموقع الأميركي إلى أن "عمليات تلاعب كبيرة حصلت في أعداد عناصر الصحوة ورواتبهم ليتم الاستيلاء على الأموال المخصصة لهم من ميزانية الدولة ف تمويل وتسليح المليشيات التي تقاتل في سوريا".

وفي 14 أغسطس/ آب 2011، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن إيران تدفع رئيس الوزراء العراقي (الأسبق) نوري المالكي والقادة العراقيين إلى دعم نظام بشار الأسد في سوريا.

وأوضحت الصحيفة في حينها أن "المالكي يغرد خارج السرب العربي وأنه فاجأ الجميع بدعمه للأسد وباستقباله وفدا سوريا رسميا في العراق، بعكس الدول العربية الأخرى التي تدين النظام السوري بسبب ما يقترفه من قمع ضد شعبه".

صناعة تنظيم الدولة

المالكي متهم أيضا بالتعاون مع نظام بشار الأسد والحرس الثوري الإيراني، بالوقوف وراء صناعة تنظيم الدولة، الذي سيطر على محافظة نينوى (مركزها الموصل) العراقية في 10 يونيو/حزيران 2014، ثم إعلانه عما أطلق عليه "دولة الخلافة" في سوريا والعراق.

والبداية كانت من هروب نحو 600 سجين من بينهم قادة بارزون في تنظيم القاعدة، من سجني "التاجي" و"أبي غريب" في يونيو/حزيران 2013 بالعاصمة العراقية بغداد، والتي لم تكن مصادفة، بحسب تصريحات وزير العدل العراقي الأسبق حسن الشمري.

الشمري الذي كان وزيرا عام 2013، في حكومة نوري المالكي المقرب من إيران، قال في تصريحات تلفزيونية في يناير 2014، إن هجوم عناصر القاعدة على السجنين بعملية أطلق عليها التنظيم "هدم الأسوار"، كانت مدبرة ومتورط فيها رؤوس كبار في الدولة العراقية.

وأوضح، أن "رؤوسا كبيرة في الدولة سهلت هرب سجناء تنظيم القاعدة من سجني أبي غريب والتاجي في بغداد"، ويرى أن ذلك يهدف "لتقوية النظام السوري من خلال تقوية التنظيم، وتخويف الولايات المتحدة من أي ضربة عسكرية ضد نظام بشار الأسد، ستكون القاعدة هو البديل".

وأكد الشمري أن "جهاز المخابرات العراقي أرسل قبل أسبوع واحد فقط من حادثة الهروب كتابا سريا إلى مكتب القائد العام التابع للمالكي ووزارات الداخلية والدفاع والعدل يشير إلى وجود نية للإرهاب باستهداف سجني التاجي وأبي غريب بعجلات مفخخة وتحرير النزلاء التابعين للإرهاب".

وأشار الوزير الأسبق إلى أن "الغريب في الأمر لم يجرِ أحد أي فعل على سبيل الاحتياط، بل حدث العكس تماما، إذ انسحبت وحدات أمنية بالكامل كانت مكلفة بحماية السجون، وبعد أسبوع واحد حدث الهجوم بالطريقة ذاتها التي حذرت منها المخابرات".

وفي السياق ذاته، قالت البرلمانية العراقية السابقة، لقاء وردي، إن "ما ذكره وزير العدل، حسن الشمري، بشأن ضلوع رؤوس كبيرة في الدولة، في تهريب السجناء لمصلحة نظام بشار الأسد في سوريا، هي الأصح والأقرب إلى المنطق والواقع".

وحمّلت وردي خلال تصريح لها في 10 أبريل 2014، حكومة المالكي مسؤولية هروب السجناء من سجني أبو غريب والتاجي، وباقي المعتقلات في البلاد، مبينة أن "التهريب تم بإمكانيات كبيرة لا تستطيع أي جهة القيام بها من دون دعم حكومي".

وبحسب البرلمانية السابقة، فإن "السجناء الفارين وجدوا في انتظارهم سيارات وهويات شخصية جاهزة، وتم تهريبهم إلى سوريا، واحراق ملفاتهم بعد ذلك في وزارة العدل".

وخلصت وردي في حينها إلى أن "تهريب السجناء قد جرى بالاتفاق بين الحكومتين العراقية والإيرانية لدفعهم إلى سوريا، لدعم تنظيم الدولة، وتمكينه من قتل الأبرياء بحجة وجود هذه التنظيمات، بنحو ينذر بتكرار السيناريو ذاته في العراق".

تحذيرات البرلمانية العراقية تحقق بالفعل في 10 يونيو/حزيران 2014، عندما اجتاح التنظيم مدينة الموصل، ثم سيطر سريعا على ثلث مساحة العراق، ما استدعى دخول البلاد في معارك تسببت بمقتل آلاف العراقيين ونزوح الملايين حتى طرده عام 2017.