"لا يمكن ردعهم".. كيف يشكل الحوثيون "تهديدا حقيقيا" على إسرائيل؟
المسافة الجغرافية وتحديات الاستخبارات، تجعل من الصعب على إسرائيل مواجهة الحوثيين بمفردها
في واحدة من أخطر الحوادث بالنسبة للجيش الأميركي في الشرق الأوسط منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، أسقطت سفينة حربية أميركية مقاتلة تابعة للبحرية من طراز F/A-18 عن طريق الخطأ.
وفي حين سارع الحوثيون إلى إعلان مسؤوليتهم عن الحادث، لم يوضح البنتاغون إذا ما كان الخطأ في التعرف على الطائرة ناتجا عن القتال ضد الحوثيين أم لا، حيث كانت واشنطن قد شنت غارات جوية على أهداف للجماعة في العاصمة اليمنية صنعاء، في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2024.
من هذا المنطلق، رأت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، في تقرير حديث لها، أن هذا الحادث "دليل على التحدي الكبير الذي تشكله الآن جماعة الحوثي، ليس فقط لإسرائيل ولكن أيضا للولايات المتحدة".
وعبر عرضها آراء خبراء حول تطور أسلحة الحوثيين وأساليبهم العسكرية بشكل غير مسبوق، تحذر الصحيفة من الخطر الشديد الذي باتت تواجهه إسرائيل، حيث استنتجت أنه "لا يمكن ردع الحوثيين".
معضلة كبيرة
يشير التقرير إلى سياق المواجهة الحالية بين اليمن وإسرائيل قائلا: منذ هجوم حماس في 2023، أطلق الحوثيون حملة دعم غزة، حيث شنوا هجمات مكثفة بصواريخ وطائرات مسيّرة، ما أسفر عن إصابات مباشرة وأحيانا قاتلة، كما أنهم عرقلوا فعليا مسار التجارة الإسرائيلية في البحر الأحمر.
ووضعت هذه الهجمات إدارة جو بايدن أمام معضلة كبيرة، إذ جاءت في ظل مساعيه لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن والصراع بين الحوثيين والسعودية.
وهو الصراع الذي أسفر خلال السنوات الماضية، عن مقتل أعداد كبيرة من المدنيين جراء الغارات السعودية التي لم تُسفر فعليا عن هزيمة الجماعة المدعومة من إيران.
وكان قد أزال الرئيس بايدن الحوثيين من قائمة الإرهاب عند توليه منصبه، وفي عام 2022 تم التوصل إلى اتفاق بوساطة الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار بين الحوثيين والسعودية.
وتمثلت سياسة واشنطن مع الجماعة خلال العام الأخير على "تجنب شن هجمات كبيرة ضد الحوثيين، ربما لتفادي الإضرار بالجهود الدبلوماسية بين الحوثيين والرياض، وخشية حدوث تصعيد واسع النطاق في الشرق الأوسط"، بحسب ما يرى التقرير.
وأضاف: "ومع ذلك، أنشأت واشنطن تحالفا دوليا نفذ سلسلة هجمات ضد الحوثيين؛ كان الهدف الرئيس منها إحباط هجماتهم في البحر الأحمر".
واستدرك: "لكن، وعلى عكس رغبة إسرائيل، امتنعت الولايات المتحدة عن شن ضربات مؤلمة ضد أهداف إستراتيجية".
من جانبها، "تجنبت إسرائيل الرد على الحوثيين لعدة أشهر، وكانت أولى هجماتها ضدهم في يوليو/ تموز 2023، تلتها هجمة ثانية في سبتمبر/ أيلول، والثالثة والرابعة في ديسمبر/ كانون الأول"، بحسب الموقع.
وتابع: "استهدفت إسرائيل في هذه العمليات مواقع وصفتها بأنها إستراتيجية، مثل منشآت الطاقة والموانئ، لكن الحوثيين أعلنوا أنهم لن يتراجعوا عن دعم غزة واستمروا في إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة بعد كل هجمة".
صبر قسري
على المستوى السياسي، يوضح التقرير أن "رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو دعا مواطني إسرائيل إلى (التحلي بالصبر)".
مشيرا إلى أن إسرائيل لا تخوض هذا الصراع بمفردها، في إشارة إلى "الأمل الإسرائيلي بأن توسع أميركا وحلفاؤها هجماتهم ضد الحوثيين، وهو احتمال قد يصبح أكثر واقعية بعد تولي دونالد ترامب الرئاسة".
وقال نتنياهو في 22 ديسمبر 2024: “سنعمل بقوة وبإصرار وبذكاء، وحتى لو استغرق الأمر وقتا، والضربات في اليمن لن تكون الأخيرة”.
"لكن السؤال الرئيس هو مدى قدرة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على ردع الحوثيين فعليا، خاصة أنهم لم يخضعوا حتى بعد سنوات من القصف السعودي المكثف، متجاهلين تماما المعاناة الكبيرة للشعب اليمني، الذي يعيش ثلثاه تحت سيطرتهم"، يقول التقرير.
ويضيف: "في تقرير نُشر أخيرا في صحيفة وول ستريت جورنال حول التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة، نُقل عن مسؤول أمني أميركي قوله إن التحالف بقيادة الولايات المتحدة دمّر بالفعل 450 طائرة مسيرة تابعة للحوثيين".
ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن "هناك مخاوف في واشنطن والمجتمع الدولي من امتلاك الحوثيين تقنيات صواريخ وطائرات مسيرة أكثر تطورا".
تطور كبير
ويستعرض التقرير حالة التطور الهائل والقوة الضخمة التي باتت لدى الحوثيين، فيقول: "تزايدت المخاوف بشأن التكنولوجيا التي يمتلكها الحوثيون بعد إطلاق الصاروخين قبل أيام، اللذين فشلت إسرائيل في اعتراضهما".
كما حذّر ويليام لا بلانت، نائب وزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستحواذ، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، من أن "الحوثيين أصبحوا مخيفين"، معربا عن "دهشته" من التكنولوجيا التي يمتلكونها".
ويفسر الموقع هذا التقدم العسكري قائلا: "لفهم هذه الصدمة يجب التذكير بالتطور الهائل الذي حققه الحوثيون في قدراتهم".
وأردف: "ففي غضون سنوات قليلة، تحولوا من جماعة مغمورة نسبيا إلى تهديد حقيقي للنظام الاقتصادي الإسرائيلي والغربي".
كما قال المحلل الأمني محمد الباشا، الذي يعمل من الولايات المتحدة: "في عام 2004، كان الحوثيون منظمة محاصرة تختبئ في الجبال، أما الآن، فإنهم يطاردون حاملات الطائرات الأميركية بطائرات مسيرة وصواريخ، ويضربون أهدافا في عمق إسرائيل على بعد 2,000 كيلومتر".
وأضاف: "وحتى لو زادت الولايات المتحدة من هجماتها ضدهم، فإن السؤال هو بالطبع ما إذا كان هذا سيكون قادرا على ردعهم".
وينقل الموقع عن أسامة الرواني، مدير معهد أبحاث مستقل، قوله إن "الحوثيين لا يهتمون بما يخسرونه".
كما أجرت صحيفة "وول ستريت جورنال" مقابلة مع الدكتور يوئيل جوزانسكي، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي، وقال: "إنهم يريدون النصر كمليشيا ومواجهة القوى العالمية، إنهم ليس لديهم الكثير ليخسرونه على أي حال، من المستحيل ردعهم".
عملية مشتركة
أما عن تعامل الرئيس الأميركي المنتخب مع تلك القضية، يرى التقرير أن ترامب نفسه "لم يذكر بالضبط كيف سيتعامل مع تهديد الحوثيين".
وتابع موضحا: "ففي حملة الانتخابات الرئاسية انتقد ضمنا الهجمات الأميركية ضدهم، وغرّد في أغسطس/ آب 2024 بأن إدارة بايدن تلقي قنابل في كل مكان في الشرق الأوسط".
مع ذلك، يرى الموقع أنه "في ظل تصريحاته القوية تجاه إيران، فمن المرجح أنه سيؤيد سياسة أكثر صرامة ضدها".
يؤيد هذا الاتجاه ما "وعد به مستشار الأمن القومي المعين، مايك والتز، بأن الإدارة القادمة ستعيد تعريف الحوثيين كمنظمة إرهابية".
إذ قال والتز: "لا يزال الحوثيون قضية لم يتم حلها، الشيء الوحيد الذي سنراه هو إعادة تعريفهم على حقيقتهم؛ منظمة إرهابية".
في هذا السياق، يشير التقرير إلى أن الرئيس بايدن أزال تصنيف الحوثيين كـ "منظمة إرهابية أجنبية" (FTO) بعد توليه الرئاسة، مبررا القرار بأنه يهدف إلى إزالة العقبات أمام إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في اليمن، في ظل الأزمة الإنسانية الحادة هناك".
وكان هذا التصنيف قد أُضيف في الأسابيع الأخيرة من ولاية ترامب الأولى، ولكن في يناير/ كانون الثاني 2024، وبعد الهجمات الحوثية المتصاعدة، أعاد بايدن إدراج الحوثيين ضمن قائمة أخرى للإرهاب، وهي قائمة الإرهابيين العالميين المصنفين بشكل خاص (SDGT).
ويتابع التقرير: "وعلى الرغم من أن هذا التصنيف يفرض عقوبات، إلا أنها أقل حدة مقارنة بالعقوبات التي تُفرض عند تصنيف منظمة في قائمة FTO، مثل العقوبات على أي جهة تقدم دعما ماديا لهم".
ويرى المحلل العسكري رون بن يشاي أن ترامب، بمجرد عودته إلى البيت الأبيض، قد يرفع القيود التي فرضها بايدن على الجيش الأميركي في تنفيذ ضربات في اليمن.
مشيرا إلى احتمالية حدوث اتفاق بين الولايات المتحدة وإسرائيل على عملية مشتركة تهدف إلى إعادة الحوثيين إلى حجمهم السابق، ومنعهم من تهديد النظام الاقتصادي العالمي.
وأكد بن يشاي أن الحوثيين لا يرتدعون من خلال استهداف البنية التحتية الاقتصادية والحكومية فقط، بل إن ما قد يغير موقفهم هو اتباع نموذج مشابه لما حدث مع حزب الله، أي استهداف قياداتهم العليا بشكل مباشر، مع تدمير الصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة وقاذفاتها ووسائل إنتاجها.
ومع ذلك، أشار بن يشاي إلى أن "المسافة الجغرافية وتحديات الاستخبارات، تجعل من الصعب على إسرائيل القيام بذلك بمفردها".
وأكد أن "الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى شراكة كاملة مع القيادة المركزية للجيش الأميركي (CENTCOM) والأسطول الخامس الأميركي لتنفيذ مثل هذه العملية، خاصة أنهم موجودون في المنطقة، في بحر العرب والبحر الأحمر، بمعدات تشمل حاملات الطائرات ومدمرات الصواريخ وغير ذلك".
وأضاف أن “ترامب سيعود إلى الرئاسة في ظروف لن تسمح للإيرانيين أو الحوثيين بخوض حرب إقليمية واسعة النطاق، وهذا على ما يبدو ما قصده رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما طلب من المواطنين التحلي بالصبر”.