حزب السيسي الجديد.. ما قصة تأسيس "الجبهة الوطنية" في مصر؟
“الهدف هو إبعاد حزب السلطة الحالي والمجيء ببديل يبدو شعبيا لا استخباريا”
"هدفنا لم الشمل" و"سنخوض الانتخابات بأكبر تحالف وطني مع باقي الأحزاب"، كان هذا هو الهدف المعلن لحزب السلطة الجديد في مصر "الجبهة الوطنية"، حسبما أعلنه رئيسه عاصم الجزار، أمين عام اتحاد القبائل والعائلات المصرية، خلال مؤتمر تدشينه في 31 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وهو هدف يشير إلى تسلمه نفس مهمة الحزب الحالي "مستقبل وطن"، أي الهيمنة على مقاعد البرلمان وإلغاء فكرة التنافس الحزبي، عبر تشكيل ائتلاف انتخابي موحد يتم خلاله دمج الأحزاب وتوزيع المقاعد عليها بـ"الكوتة".
لذا أثيرت تساؤلات حول جدوى حزب "الجبهة الوطنية" طالما هناك حزب شبه رسمي (مستقبل وطن) يقوم بنفس المهمة، وما أهدافه ومدى الاختلاف بينه وبين الأحزاب الموجودة الموالية للسلطة خاصة "مستقبل وطن"؟
وهل هو "حزب وطني" جديد يحاول تسلم إرث “الوطني الديمقراطي” الحاكم سابقا (1978-2011)، وإطار لتجميع كل أصحاب المصالح من النظام الحالي؟ أم محاولة سلطوية لتشكيل كيان سياسي لإعادة توحيد المنتفعين من انقلاب 3 يوليو/ تموز 2023، أو إرث "30 يونيو" الذي مهد للانقلاب أي “حزب 30 يونيو”؟
سمك لبن
“سمك لبن تمر هندي”.. مثل شعبي مصري، يقال للدلالة على العشوائية وعدم التناسق ضم المتناقضات، لأنه في الثقافة الشعبية تناول هذه المكونات مع بعضها يكون غريبا وقد يضر بالصحة.
لذا، عقب إعلان الحزب الجديد، وظهور أسماء متضاربة ومتناقضة في تشكيله، أطلق مصريون عليه وصف المثل الشهير "سمك لبن تمر هندي"، لأنه بلا برنامج سياسي، ويضم تركيبة متناقضة من السياسيين وأصحاب النفوذ المختلفين فكريا.
وضمت هيئة الحزب، الخارج من عباءة اتحاد القبائل والعائلات المصرية بقيادة رجل الأعمال المقرب من السلطة، إبراهيم العرجاني، توليفة من 8 وزراء سابقين ورئيس البرلمان السابق علي عبد العال، والمفتي السابق شوقي علام، ولواءات وإعلاميين.
لذا وصف صحفيون الكيان الجديد بأنه حزب "المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة".
كما ضم الكيان الجديد، شخصيات على طرفي نقيض سياسي، فمنهم أعضاء قدامى في "الحزب الوطني" المنحل، مثل محمد أبو العينين، ومحمود مسلم، وأحمد رسلان، وعادل لبيب، وسحر نصر.
ومن بينهم "ناصريون" يؤمنون بالاشتراكية والناصرية، مثل ضياء رشوان وسامح عاشور وعماد الدين حسين وفريدة الشوباشي، و"وفديون" يؤمنون بالرأسمالية مثل سليمان وهدان ومحمد مصطفى شردي.
وشملت توليفة الحزب أصحاب مناصب رسمية مثل رئيس هيئة الاستعلامات، التابعة لرئاسة الجمهورية، ضياء رشوان، وهو أمين عام ما يسمى "الحوار الوطني".
ورئيس مجلس إدارة “مصنع 18 الحربي”، نقيب المحامين السابق، سامح عاشور، ورئيس نادي الصيد، شيخ الطريقة الصوفية، الشيخ سيد الإدريسي، ونقيب الممثلين أشرف زكي، ورئيس جمعية المؤلفين، مدحت العدل.
وكان لافتا أن الهيئة التأسيسية ضمت أيضا نجل إبراهيم العرجاني، عصام، رجل القبائل ومسؤول بيزنس الجيش ونظام عبد الفتاح السيسي، فيما غاب أبوه.
وما أثار التكهنات حينها، هو هل سيقود الابن الحزب، الذي ولد من رحم اتحاد القبائل، ووصف بأنه "أول حزب مسلح في تاريخ مصر"، بدل أبيه رغم نفي رشوان والجزار أن يكون إبراهيم العرجانى عضوا في الكيان الجديد.
ووصف الصحفي قطب العربي عبر فيسبوك في 30 ديسمبر، هذه التركيبة بأنها ليست حزبا سياسيا بل أشبه بصيغة "الاتحاد الاشتراكي"، وهو التنظيم السياسي الوحيد في مصر خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وكان يجمع اليمين والوسط واليسار والمستقلين.
ولخص السياسي هشام قاسم حزب السلطة الجديد بأنه أشبه بـ"نادي كرة قدم، أوشك على الهبوط إلى الدرجة الثانية"، فقرر تسريح فريقه، والاستعانة بلاعبين (سياسيين) متقاعدين، ليشكل "حزب 30 يونيو الأخير".
لم شمل من؟!
كان تركيز رئيس الحزب عاصم الجزار، في كلمته خلال تدشين الحزب، على عبارة "لم الشمل" كهدف رئيس للحزب، وتشكيل تحالف يضم كل الأحزاب للسيطرة على مقاعد مجلس النواب القادم، مثارا لتعليقات عدة.
حزبيون وسياسيون تساءلوا: “لم شمل من؟” ولماذا؟ وما الهدف؟ ومن وراء لم الشمل؟ ومن كلف ومول الحزب لتنفيذ هذا الهدف؟
وما معنى قول الجزار: “نسعى في إيجاد البديل لمن فقدوا الثقة في الخطابات السائدة في الحياة السياسية؟”
هل يعني ذلك "اعتراف سلطوي" متأخر، بأن الشعب لا يثق في الأحزاب الاستخبارية التي شكلها النظام منذ انقلاب 2013؟، ومن ثم محاولة إنشاء بديل واستضافة نواب سابقين وحاليين من أحزاب مختلفة؟
وكان حضور قيادات وأعضاء من حزب "مستقبل وطن" في حفل تدشين الحزب الذي سيرث تركته (الجبهة الوطنية)، مثار سخرية سياسيين وصحفيين تساءلوا عن مكان العزاء في "المرحوم (حزب) مستقبل وطن"، بعد تدشين الحزب البديل له.
ائتلاف 30 يونيو
وقد ظهر تفسير عبارة "لم الشمل" حين بدأ قادة ورموز الحزب الجديد يتحدثون عن "إعادة ائتلاف 30 يونيو"، فبدأت الصورة تتضح أكثر.
ويقصد بـ"ائتلاف 30 يونيو"، تجمع القوى السياسية النفعية والليبرالية واليسارية التي سعت للإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013 والحد من نفوذ جماعة الإخوان المسلمين.
وقد تفتت هذا الائتلاف، عقب انتقال النظام العسكري برئاسة السيسي للتنكيل بالمعارضة اليسارية والليبرالية، بعدما تخلص من الإسلاميين بالقتل والسجن، لتيار موالٍ للسلطة، وآخر يحاول ممارسة دور المعارضة رغم المضايقات.
وبعد مرور 12 سنة على ذكرى حشد 30 يونيو 2013، اختفى المؤيدون لها وراء أسوار السجون أو صمتا في منازلهم خشية الاعتقال، وأصبح السؤال: "ماذا حقق السيسي لمؤيدي "30 يونيو"؟ هو سؤال كل عام.
فخلال إلقائه البيان التأسيسي لـ"حزب الجبهة الوطنية"، قال الجزار: "سيظل ائتلاف 30 يونيو نبراسا مضيئا يلهمنا قيم الإرادة مما حاد الطريق".
وزعم الجزار (وهو شقيق رئيس هيئة القضاء العسكري، حاتم الجزار) أن "ثورة 30 يونيو ستظل نبراسا للأجيال القادمة"، وتجاهل ثورة يناير 2011.
وكانت جملة "ائتلاف 30 يونيو "كاشفه لحد بعيد لهدف الحزب، وهو "لم الشمل"، والذي يشير لإعادة تجميع كل خصوم ثورة يناير 2011، الذين انضووا تحت اسم ثورة جديدة مصطنعة (مضادة) هي "ثورة 30 يونيو"، بهدف مواجهة الإسلاميين.
وقد أشار إلى هدف "لم الشمل" و"إعادة ائتلاف 30 يونيو" أيضا بوضوح، الصحفي محمود مسلم، العضو المؤسس لحزب الجبهة الوطنية الجديد، وعضو مجلس الشيوخ، في تصريح لموقع "بي بي سي" في 2 يناير/كانون الثاني 2025.
وخلال لقاء لقيادات الحزب مع صحفيين في 20 ديسمبر 2024، حسم ضياء رشوان الأمر بقوله: "لسنا حزب فكرة ولسنا حزب أيديولوجية، يحركنا هدف واحد تحت مظلة 30 يونيو"، بحسب صحيفة "المصري اليوم".
واسترسل قائلا: "هو كيان جامع لجمهورية جديدة قوامها تحالف 30 يونيو، ولا تنازل عن تحالف 30 يونيو".
شعبي لا استخباري
كان أحد الأسئلة المهمة التي طرحها مصريون هو “لماذا حزب جديد للسلطة، طالما هناك حزب موجود بالفعل، ويقوم بالمطلوب منه، وكلاهما له نفس الوظيفة، وهي تأميم البرلمان، وتوحيد الأحزاب تحت عباءة السلطة وإلغاء التعددية الحزبية عمليا؟”
قيادي في حزب معارض، أوضح لـ"الاستقلال" أن المقصود هو إبعاد حزب السلطة الحالي "مستقبل وطن" الذي شكلته أجهزة الأمن والاستخبارات عن أذهان المصريين، والمجيء ببديل يبدو "شعبيا لا استخباريا".
وقال إن حزب الجبهة الوطنية يقوده "اتحاد القبائل"، الذي تحول لـ"اتحاد القبائل والعائلات المصرية" ليكون ظهيرا سياسيا جديدا بنكهة شعبية للسيسي، خاصة بعدما أعاد رئيس النظام، اتحاد القبائل للأضواء في "حفل النكسة".
وأشار إلى أن حزب "مستقبل وطن" لم يكن يخفي توجهه الأمني، لدرجة أن شارته حملت "رأس الصقر" المخابراتي الذي أسسه، وقد انتهى دوره بتغيير الدستور وتمديد رئاسة السيسي فعليا من 8 سنوات إلى 16 سنة، وحتى 2030، ليحل محله "الجبهة الوطنية".
وشدد القيادي الحزبي، الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، على أن الهدف من الحزب الجديد هو تدشين حزب "مدني" جديد، بدل مستقبل وطن "المخابراتي" الذي فشل في جمع المتناقضين في "ائتلاف 30 يونيو"، ومن ثم "إعادة إحياء خلطة 30 يونيو" في مواجهة التيار الإسلامي.
وأوضح أن الحاجة لهذا الحزب "تزايدت مع تصاعد الغضب الشعبي ضد النظام وبات وجوده أمرا أكثر إلحاحا من جانب السلطة عقب انهيار حكم بشار الأسد".
والهدف محاولة تلميع السلطة في مصر، بإجراءات تبدو كأنها لن تصبح مثل سوريا، بتجميع خصوم الإسلاميين واستعمال "فزاعة سوريا"، لإعادة إحياء ائتلاف 30 يونيو.
وضمن محاولة السلطات إظهار أن الحزب الجديد "مدني شعبي لا سلطوي استخباري" على غرار بقية الأحزاب التي أنشأها النظام عقب انقلاب 2013، روجت لقصص وهمية تزعم تدافع الجماهير لعمل توكيلات لتأسيس الحزب الجديد.
وهو ما أثار سخرية صحفيين وسياسيين وصفوا ما يحدث بأنه "مولد وليس عملا سياسيا"، أشبه باستدعاء لطقوس الطرق الصوفية في تنظيم الموالد.
تأميم البرلمان
بعدما اتضح الهدف من "لم الشمل"، وهو إعادة توحيد “ائتلاف 30 يونيو” وجذب الغاضبين والشاردين الذين ابتعدوا عنه، كان من الطبيعي أن يكون هناك "مكافآت" معلنة، وهي المناصب، أي عضوية البرلمان بغرفتيه (النواب والشيوخ).
فخلال تأسيس الحزب، أعلن الجزار، أن الحزب الجديد يستعد لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة بـ"أكبر تحالف سياسي وطني مع الأحزاب القائمة من أجل لم الشمل في لحظات فارقة لا تستحمل الفراق أو الإقصاء".
وهو ما يعني السعي لاستمرار خطة نظام السيسي "تأميم البرلمان"، حيث ظلت الأجهزة الأمنية (المخابرات ثم الأمن الوطني)، تضع أسماء من يشغلون برلمانات 2014 و2019.
ولكن هذه المرة، ربما يجري توسيع الاختيار، ليضم وجوها مختلفة نسبيا، من ائتلاف 30 يونيو الشاردين، ولكن ضمن ذات السياسة "التأميم".
وستجري انتخابات البرلمان المقبل بغرفتيه النواب والشيوخ نهاية عام 2025، قبل 60 يوما من انتهاء مدة المجلس الحالي في يناير 2026.
لكن الجزار، الذي قال إن حزبه "سيخوض الانتخابات بأكبر تحالف سياسي وطني مع الأحزاب القائمة"، زعم أن الحزب "لا يسعى لتحقيق الأغلبية البرلمانية".
وزعم أن هدفه "لم الشمل في فترة لا تحتمل التشتت بعيدا عن التجاذبات والصراعات الضيقة في ظل ظروف إقليمية غاية في التعقيد".
ويحرص نظام السيسي، منذ انقلابه العسكري وحظر الأحزاب الإسلامية التي فازت بأغلبية مقاعد البرلمان في أول انتخابات حرة تشهدها مصر عام 2012، على انتهاج سياسة تهدف إلى القضاء على التعددية الحزبية، وتجميد الحياة السياسية فعليا.
ويبلغ عدد الأحزاب في مصر نحو 87، وفق بيانات الهيئة العامة للاستعلامات، 14 حزبا ممثلة في البرلمان الحالي، وعلى رأسها "مستقبل وطن" بأغلبية 320 مقعدا.