تدليس أم خطة استعمارية؟.. دلالات نشر خارجية الاحتلال خريطة "مملكة إسرائيل"

إسماعيل يوسف | منذ ساعة واحدة

12

طباعة

مشاركة

كشفت حكومة الاحتلال الإسرائيلي عن مطامعها أخيرا، ليس في الأراضي الفلسطينية المحتلة فحسب، وإنما امتدت لتشمل دولا عربية أخرى.

ففي 8 يناير/كانون الثاني 2025، نشرت حسابات إسرائيلية خريطة مزعومة لما أسمته "مملكة إسرائيل التاريخية"، أشعلت غضبا واسعا في عدة دول عربية؛ لأنها تُظهر نية الاحتلال في ضم أجزاء منها.

اللافت هو أن من نشر الخريطة هو حساب "إسرائيل بالعربي" على منصة إكس، التابع لوزارة الخارجية، وقد جاء ذلك أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة وبعد تصعيد في لبنان واليمن.

وتاريخيا انقسمت "مملكة إسرائيل الموحدة" إلى مملكتي "إسرائيل" و"يهوذا"، بعد نزاع كبير حول هوية الملك.

لكن الخارجية الإسرائيلية نشرت الخريطة القديمة التي تجمع المملكتين؛ لإظهار أنها هي نفسها دولة إسرائيل الحالية.

وتشير تقديرات إلى أن هذا التدليس يكشف هدف الاحتلال الحقيقي ونواياه في ضم أراضي دول عربية لإسرائيل ضمن خرافة "أرض الميعاد".

التوقيت والهدف

وتشير خريطة "مملكة إسرائيل" التي نشرتها خارجية الاحتلال إلى حدود المملكتين التاريخيتين لإسرائيل ويهوذا عام 928 قبل الميلاد.

وتشمل أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة بالإضافة إلى الأردن ولبنان وسوريا ومصر.

وكُتب في النص المرافق للخريطة: “هل تعلم أن مملكة إسرائيل كانت قائمة منذ 3000 سنة؟” للزعم بحقهم في احتلال الأرض العربية.

وبحسب هذه الخريطة، تبدأ حدود "المملكة" من صحراء سيناء جنوبا، وتمتد إلى حدود مدينة صيدا اللبنانية شمالا، وتضم أيضا أجزاء من الأردن وسوريا.

ونشرت الخريطة بالتزامن مع تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحكم، والذي يدعم ضم مناطق عربية لتل أبيب وصرح في السابق أن “مساحة إسرائيل صغيرة، ولطالما فكرت كيف يمكن توسيعها”.

واعترف ترامب في ولايته الأولى بضم إسرائيل للقدس المحتلة وأيضا هضبة الجولان السورية، والآن تحاول حكومة الاحتلال دفعه للاعتراف بضم الضفة الغربية.

وهناك سبب آخر لنشرها في هذا التوقيت بعد العدوان على غزة وتوابعه، هو الشعور الصهيوني بـ "الثقة المُسكرة بالنفس"، كما تقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" 10 يناير/ كانون الثاني 2025.

وظهر ذلك في توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشرق أوسط جديد تقوده إسرائيل وتهيمن عليه بعد ضربها لإيران وغزة ولبنان واليمن في توقيت واحد.

كما جاء تزامنا مع حديثه عن احتمال اندلاع جبهة مستقبلية جديدة، في إشارة إلى الأردن، إلى جانب هجوم إعلامي إسرائيلي على مصر بدعوى انتهاكها لاتفاقية السلام في سيناء، بسبب التحركات العسكرية المصرية والتخويف من تسليح القاهرة واحتمالات حرب مستقبلية معها.

وتحدثت صحيفة "هآرتس" في 19 ديسمبر/كانون الأول 2024 عن "إمبراطورية الشرق الأوسط" التي يريدها نتنياهو.

وقالت إنه "مع استعداد قوات الجيش الإسرائيلي لقضاء فترة زمنية غير محددة في مرتفعات الجولان السورية، واصطفاف المستوطنين للدخول إلى غزة ولبنان، أصبح من الصعب مقاومة الحديث عن بناء الإمبراطورية الإسرائيلية".

وخلال مؤتمر صحفي في 29 سبتمبر/أيلول 2024، تحدث نتنياهو عن خطة إسرائيلية لتشكيل ما أسماه "شرق أوسط جديد"، وحشر تعاليم التوراة في حديثه ما أكد أن المعركة "دينية ووجودية".

ولأن الحديث يدور حول وثيقة تاريخية ونشرتها حسابات إسرائيلية رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتشير للمطامع الصهيونية، فقد أثارت قلق حكومات عربية؛ لأنها تمثل هدف وعقيدة حكومة إسرائيل.

كان أكثر بلد عربي هاجم الوثيقة هي الأردن؛ لأن تل أبيب وحكومة نتنياهو الحالية تعتبر أراضيها إسرائيلية بشكل صريح.

ويطالب حزب الليكود بزعامة نتنياهو بما يسميه "أرض إسرائيل كاملة" أي غرب النهر (فلسطين) وشرقه (الأردن)، ويتحين الفرصة لذلك.

 وكان نشر خريطة مملكة إسرائيل مؤشرا لاستمراره في المطالبة بضم الأردن لدولتهم الصهيونية.

ولأنه يجري الحديث عن "صفقات إبراهيمية جديدة" مع تولي ترامب السلطة في 20 يناير، نفت إسرائيل وجود أي مطالب لها في أراضي دول الجوار.

لكن "غوردون غراي"، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى، والأستاذ في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن قال لموقع "الحرة" الأميركي: إن "هذا الطموح الإسرائيلي، مرهون بموقف ترامب"، وهو تصريح غريب لكن دلالاته خطيرة.

وقالت صحيفة "جيروزاليم بوست" إن علماء آثار إسرائيليين ادعوا العثور على قصر يهودي بمنطقة تلول الذهب قرب نهر الزرقاء في الأردن يعود إلى عهد "مملكة إسرائيل الشمالية" قبل 2800 عام.

ووصفوا الضفة الشرقية في الأردن بـ "محنايم" المذكورة في التوراة؛ لتبرير "حقهم" في الاستيلاء عليها.

تزوير التاريخ

واللافت في الخريطة هو تزويرها التاريخ، حيث تشير إلى حدود المملكتين التاريخيتين "إسرائيل" و"يهوذا" عام 928 قبل الميلاد.

وتدعي الخريطة اليوم أن المملكتين هما "إسرائيل التاريخية"، التي يريدون إعادتها الآن.

لكن الحقيقة هي أن "مملكة داود وسليمان" انقسمتا إلى مملكتين: مملكة إسرائيل في الشمال، ومملكة يهوذا في الجنوب.

وكانت أورشليم عاصمة مملكة يهوذا، وكان فيها الهيكل ومكان للصلاة, أما بالنسبة لمملكة إسرائيل؛ فقد انهارت قبل يهوذا.

ولا يدل اسم "مملكة إسرائيل الموحدة" على "دولة إسرائيل" الموجودة حاليا في الشرق الأوسط.

غير أن اليهود المعاصرين ينسبون أنفسهم إلى أبناء مملكة يهوذا الجنوبية التي انفصلت عن مملكة إسرائيل الموحدة.

ويرى معظمهم أحداث هذه المملكة التاريخية جزءا من التاريخ الأزلي للشعب اليهودي ودولة إسرائيل، كما يتم تدريس ذلك في مناهجهم الدراسية.

وهذا هو أحد أسباب اختيار اسم "إسرائيل" للدولة اليهودية عند تأسيسها عام 1948.

ولا توجد دلائل تاريخية أو أثرية مباشرة لوجود “مملكة إسرائيل الموحدة”.

ولكن هناك دلائل لوجود مملكتين منفصلتين لم تتوحدا، هما: "إسرائيل"، في المرتفعات الشمالية من فلسطين التاريخية، و"يهوذا" في المرتفعات الجنوبية.

ويقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية إيهاب جبارين، إن الخريطة ضمت اسم الملكين "يربعام بن نباط"، و"رحبعام بن سليمان"، وهما ليسا اسمين عابرين في التاريخ اليهودي.

إذ إن "يربعام" و"رحبعام" يتسمان بأنهما من "أسوأ ملوك بني إسرائيل"، وفق ما سرد جبارين عبر حسابه في منصة إكس.

و"يربعام" اسمه مشتق من "يريف عام" وتعني باللغة العبرية "عدو الشعب"، ويقول إيهاب جبارين إن اسمه يُذكر الإسرائيليين بـ"بنيامين نتنياهو"، من حيث إنه شخص نرجسي، وينفذ تصرفات معادية للإله، ولإسرائيل.

ويقول الباحث "جبارين": إن تصرفات يربعام أدت إلى انقسام مملكة إسرائيل إلى مملكتين.

 ونوه إلى أنها "لم يكن اسمها مملكة إسرائيل، وإنما السامراه وافرات"، واسم "إسرائيل" حديث وليس قديما.

أضاف أن نهاية المملكتين اللتين حكماها "يربعام" و"رحبعام" لا يتم التطرق إليهما كثيرا من قبل المؤرخين الإسرائيليين.

وأشار إلى أن "النهاية كانت بالعقاب في السبي البابلي، عبر تبديل الشعوب"؛ حيث تم نقل آلاف اليهود قسرا إلى بابل في العراق أواخر القرن السابع قبل الميلاد.

وبحسب جبارين فإن "يهود اليوم" يستدعون تاريخهم، ويريدون تطبيق كل ما مورس ضدهم قبل آلاف السنين، لكن ضد الفلسطينيين، وأكد أن محاولة تهجير أهالي قطاع غزة، تستند إلى هذا الإرث.

لعنة العقد الثامن

ويؤكد هذا التدليس خبراء، منهم البروفيسور "إسرائيل فينكلستاين" من جامعة تل أبيب والمؤرخ "نيل آشر سيلبرمان" من بوسطون.

وبين الإثنان أن توحيد مملكتي إسرائيل ويهوذا "لا يعدو كونه اختراعا لكتبة التناخ، وأصلهما من مملكة يهوذا، بدوافع أيديولوجية".

وقالا: إن “وصف المملكة الموحدة في الكتاب المقدس مبالغ فيه لصالح الدعاية الدينية والسياسية”.

ويقول "محمود قدح"، مؤلف كتاب "موجز تاريخ اليهود والرد على بعض مزاعمهم الباطلة"، إنه بعد وفاة سليمان عليه الصلاة والسلام اجتمع بنو إسرائيل في أورشليم لتنصيب ابنه رحبعام.

ولكنهم اشترطوا عليه تخفيف الأحكام التي فرضها عليهم أبوهم، وحين رفض ذلك انحاز مُعظم الشعب (10 أسباط) إِلى مبايعة يربعام بن نباط.

وكان الأخير أحد قادة جيوش سليمان فانشق عنه وهرب إلى مصر وعاد إِلى فلسطين بعد وفاة سليمان وبايع سبطا يهوذا وبنيامين رحبعام.

وبهذا انقسمت المملكة إلى دولتين متنازعتين: إحداهما في الشمال وتسمى إسرائيل أو السامرة) أو المملكة الشمالية وعاصمتها شكيم التي بناها يربعام.

والأخرى فِي الجنوب وتسمى يهوذا أو المملكة الجنوبية وعاصمتها أورشليم، ووقعت بينهما حروب وتعرضتا لنكبات، وواكب الانقسام وقوع بني إسرائيل في الردة والكفر والفجور.

وفي أكتوبر/تشرن أول 2023، عقب بدء طوفان الأقصى، قال أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، إن "زمن انكسار الصهيونية قد بدأ، ولعنة العقد الثامن ستحل عليهم وليرجعوا إلى توراتهم وتلمودهم ليقرؤوا ذلك جيدا ولينتظروا أوان ذلتهم بفارغ الصبر".

وكان يقصد أنه على مدار التاريخ لم يقم لليهود سوى 3 دول، "مملكة داود وسليمان"، وهي الدولة الأولى لليهود، ولم تصمد أكثر من 80 عاما.

والدولة الثانية هي "مملكة الحشمونائيم"، وهي التي انتهت في عقدها الثامن، والثالثة، هي "إسرائيل"، وقد بلغ عمرها 76 عاماً.

وفي يونيو 2022، ثم فبراير 2023، كتب إيهود باراك رئيس وزراء الاحتلال السابق في صحيفة يديعوت أحرونوت مقالا حذر فيه من "لعنة العقد الثامن التي قد تصيب دولة اليهود الثالثة كما أصابت دولتهم الأولى والثانية"، محذرا من قرب "زوال إسرائيل".