سلاح المهاجرين.. هل يحل أزمة إسرائيل في حربها ضد الحوثيين باليمن؟

يوسف العلي | منذ ٥ أيام

12

طباعة

مشاركة

في ظل عجزها عن إيقاف طائراتهم المسيرة، لجأت حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى أسلوب جديد لمواجهة جماعة الحوثيين في اليمن تحاول من خلاله فهم آلية تفكيرهم وطريقة عملهم.

وبدأت إسرائيل في تجنيد العشرات من يهود اليمن في شعبة "أمان" الاستخباراتية العسكرية، من أجل التعامل مع أزمة الحوثيين، وإيقاف هجمات الجماعة العسكرية المتصاعدة على الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

وأطلق الحوثيون من اليمن مئات الصواريخ والطائرات المسيرة منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ما أظهر تحديات استخباراتية غير مسبوقة لإسرائيل.

سلاح المهاجرين

وعلى ضوء أزمة إسرائيل في معالجة تهديد الحوثيين بسبب قلة المعلومات عن قادتها، قالت قناة "كان" العبرية، إن "الجيش الإسرائيلي جند خلال الأشهر الأخيرة عشرات اليهود من أصول يمنية للعمل في شعبة أمان".

وذكرت القناة في 11 يناير/ كانون الثاني 2025، أن هؤلاء المجندين يمتلكون فهما عميقا للهجة اليمنية والثقافة المحلية، في مسعى لدعم جهود تل أبيب "في جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالحوثيين، في ظل تصاعد هجمات الجماعة على أهداف إسرائيلية".

وأشارت إلى أن “بعض المجندين هم مهاجرون جدد من اليمن، بينما وُلد آخرون ونشأوا في عائلات ناطقة باللهجة اليمنية”.

وتهدف إسرائيل من هذه الخطوة إلى محاولة تحسين فهمها للغة والثقافة اليمنية، بما يخدم تحليل البيانات وفهم السياق الثقافي والسياسي الذي تتحرك فيه جماعة الحوثيين، وفق القناة.

وفي هذا الصدد، تعاني إسرائيل مشكلة استخبارية مع الحوثيين وأزمة في الأهداف الحيوية والمؤثرة لأنهم لم يكونوا هدفا لها قبل الحرب الحالية، حسب ما قاله يوسي يهوشوع محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في 21 ديسمبر/كانون الأول 2024.

وأفاد يهوشوع بأن "تركيز إسرائيل على جبهات أخرى -مثل غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران- كان سببا في عدم الاهتمام بالحوثيين أو دراستهم".

وأشار إلى "صعوبة الحصول على معلومات استخبارية في الوقت الراهن"، مؤكدا أنه "عندما تشن إسرائيل هجمات على الحوثيين فإنهم يردون بشن ضربات أخرى ويقولون إنهم سيواصلون فعل ذلك".

وفي 12 ديسمبر 2024، ذكرت صحيفة "معاريف" العبرية، أنه "على عكس لغات المهاجرين الأخرى، لم تكن اللغة اليمنية متجذرة في الأجيال الشابة (..) تم أخيرا افتتاح فصل دراسي لتعليمها".

وتابعت: "كذلك، افتتاح دراسات حول الثقافة والقبلية باليمن، في قاعدة تدريب فيلق المخابرات، والهدف هو تدريب مجموعات من رجال المخابرات الذين سيديرون مكتب المخابرات اليمني".

ولفتت إلى أن “الجيش الإسرائيلي جند أخيرا بعض المعلمين الناطقين باللهجة اليمنية الذين سيعلمونها لقوات المخابرات”.

ونقلت "معاريف" عن مسؤول عسكري إسرائيلي لم تسمه قوله: "نعمل على جمع أهداف نوعية للتأثير على الحوثيين، لكن من الواضح لنا أن هذا تحدٍّ لم نعرفه من قبل".

وفي 23 ديسمبر 2024، هدد وزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس، جماعة الحوثي اليمنية، بالقول: "سندمر بنيتها التحتية الإستراتيجية ونقطع رؤوس قادتها (..) وسنفعل في الحديدة وصنعاء كما فعلنا في طهران وغزة ولبنان"، وفق تعبيره.

يهود اليمن

وتشير التقديرات إلى أن نحو 435 ألفا من يهود اليمن يعيشون في إسرائيل، وهؤلاء يفهمون العربية باللكنة اليمنية، ويراهن الجيش عليهم، بمساعدته في جمع المعلومات الاستخبارية عن الحوثيين، حسبما ذكرت قناة "آي نيوز 24" العبرية في 8 يناير 2025.

وفي عملية إسرائيلية- دولية، جرت في مارس/ آذار 2016، آخر عملية نقل لليهود اليمنيين إلى إسرائيل من مدينة ريدة بمحافظة عمران، والعاصمة صنعاء، والتي تمت تحت ستار من السرّية التامة، أسهم فيها الحرب الدائرة بعد الانقلاب الحوثي على الشرعية عام 2014.

وشملت العملية في حينها نقل 19 من اليهود أبدوا رغبة في الرحيل، يترأسهم حاخام سليمان يحيى دهاري الذي حمل معه "سفر توراة" قديم عمره 800 سنة ولفيفة "سفر الملكة أستير"، التي يتم تلاوتها في عيد ديني يهودي يطلق عليه "المساخر" أو (بوريم).

وكان في استقبال هؤلاء هذه الدفعة من اليهود اليمنيين رئيس الوزراء بنيامين نتياهو، حسبما أظهرت الصورة حينها وقوفه إلى جانب الحاخام دهاري، الذي صرح حينها للقناة الأولى بالتلفزيون الإسرائيلي “حلمت بالمجيء إلى إسرائيل قبل أعوام”.

وشهد عهد ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل وصول أكثر من 47 ألف يهودي يمني إلى الكيان في عامي 1949 و1950.

ويعد يهود اليمن ثالث أكبر الجماعات اليهودية الشرقية في إسرائيل، بعد نظرائهم من ذوي الأصول المغربية والعراقية، الذين وصلوا إلى الأراضي المحتلة بين عامي 1949 و1950، إذ جرى نقل الأغلبية الساحقة منهم في إطار عملية “بساط الريح”.

و"بساط الريح" أو كما يطلق عليها الغرب "جناح النسر"، هي عملية سرية نفذتها “الوكالة اليهودية” جرى خلالها استجلاب نحو 49 ألف من يهود اليمن إلى إسرائيل بين يونيو/حزيران 1949 إلى سبتمبر/أيلول 1950، على متن طائرات أميركية وبريطانية عبر عدن، بتكلفة بلغت نحو 425 مليون دولار. 

ولم يقف الأمر عند هؤلاء فقط، فقد لحق بهم 2000 مهاجر يهودي يمني خلال فترة قصيرة، ولم يتبق حتى عام 1994 سوى بضع مئات، إذ استمرت الهجرة حتى كانت آخر دفعة لهم في عام 2016.

يسكن اليهود اليمنيون اليوم في عدة أماكن داخل الأراضي المحتلة، أهمها القدس ورحوبوت ونتانيا وبتاح تكفا.

كما يعيش آخرون في أحياء ومستوطنات أحدث عهدا مثل أشدود قرب قطاع غزة وديمونا في النقب وكريات شمونة (على الحدود اللبنانية) وكريات إلياهو وكريات غات.

اغتيالات نوعية

وعلى وقع الخطوة الإسرائيلية في تجنيد يهود اليمن، توقع مراقبون أن يصعّد الاحتلال -بمساعدة دول غربية- من هجماته على الأراضي اليمنية التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، ما قد ينال قيادات من الجماعة المدعومة إيرانيا.

وقال الخبير اليمني، عبد الباقي شمسان إن “الحوثي يحاول نقل المعركة إلى الجغرافيا اليمنية، لإبعاد إسرائيل عن استهداف إيران مباشرة، وكذلك للحفاظ على ما تبقى من حزب الله وإمكانياته”.

وتوقع شمسان خلال تصريح سابق لـ"الاستقلال" نُشر في 28 ديسمبر 2024، أن تنفذ "تل أبيب وعودها باستهداف قادة الحوثي عبر هجمات جوية، لإضعاف هذه الجماعة".

وأوضح الخبير اليمني أن "الكثير من الدول العربية ستقدم المعلومات إلى إسرائيل لكن ليس بشكل مباشر، فهناك اتفاقيات تعاون أمني وعسكري أميركي أوروبي مع دول المنطقة، وبالتالي يمكن للجانب الإسرائيلي أن يحصل على بنك للأهداف الحوثية".

ويعتقد أن "إسرائيل بحاجة إلى فتح جبهات كثيرة، واستغلال ما حصل في المنطقة لاستكمال مشروعها الإستراتيجي، بمعنى إيصال رسالة لكل المنطقة بأنها دولة موجودة وقوية، ولن تستطيعوا اجتثاثها بواسطة العمل العسكري".

وفي السياق ذاته، رأى الباحث الأردني في الدراسات الأمنية والإستراتيجية عامر سبايلة أن الهجمات التي يشنها الحوثيون ضد إسرائيل "وضعتهم على سلم أولوياتها".

ورجح سبايلة في تصريح لصحيفة "إنبدندنت عربية" في 12 يناير 2024، أن "تبدأ إسرائيل مرحلة جديدة بطريقة مختلفة في التعامل مع الحوثيين، فلا يقتصر ذلك على العمليات التقليدية من قصف عشوائي".

وبين أن تلك المرحلة الجديدة "ستتضمن اغتيالات نوعية، مما يستدعي وجود أطراف على الأرض ومعلومات استخباراتية".

وفي 10 يناير 2025، شن جيش الاحتلال هجوما على اليمن استهدف عددا من المواقع في كل من صنعاء والحديدة، وذلك بالتزامن مع ضربات نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا، في أول هجوم ثلاثي على الأراضي اليمنية.

وأفادت وسائل إعلام عبرية بشن جيش الاحتلال هجوما على "أهداف خاصة" في اليمن بعد أن أتمت الولايات المتحدة وبريطانيا تنفيذ ضربات على مواقع أخرى على الأراضي اليمنية.

وقالت القناة "13" العبرية، إن الهجمات في اليمن استهدفت مواقع تحت الأرض بينها مستودعات للصواريخ الباليستية والمسيّرات، في حين كشفت هيئة البث الإسرائيلية عن تنفيذ 3 موجات من الضربات في اليمن على يد الاحتلال الإسرائيلي والتحالف الدولي خلال الساعات الأخيرة.

ورجح "معهد دراسات الأمن القومي العبري" خلال تقرير نشره في 13 يناير 2025، أن تستمر الهجمات الإسرائيلية على الحوثيين حتى لو هدأت الأوضاع في قطاع غزة.

وأوضح المعهد أن التحدي الحوثي يشكل ضرورة لإسرائيل للاعتراف بأن المسافة والتحدي العملياتي يؤديان إلى أنه لا يوجد "ضربة قاضية" في المعركة ضد الحوثيين، وأنه من الأفضل أن يكون الرد على التحدي مشتركا وليس عبر إسرائيل فقط.

كما أكد ضرورة بناء قدرات استخباراتية وزيادة الحضور في منطقة البحر الأحمر، لتسهيل العمليات المستمرة ضد الجماعة.