مآسي السوريين والسودانيين مع شركات السياحة في مصر.. ابتزاز بأوامر أمنية

داود علي | منذ ١٧ ساعة

12

طباعة

مشاركة

دون وازع إنساني، تحوّلت بعض شركات السياحة في مصر إلى لاعب رئيس في ملف دخول الوافدين للبلاد، خاصة من الجنسيات السورية والسودانية، ورأت أن امتياز عبورهم “سبوبة” للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب.

هذه الشركات، التي يفترض أنها تقدم خدمات تسهيل السفر، باتت تعمل كوسيط غير معلن بين الأشخاص الباحثين عن الأمان وجهات أمنية تستغل هذا الوضع.

وبمبالغ طائلة، يضطر هؤلاء اللاجئون أو الذين يريدون دخول مصر لأي سبب من الأسباب إلى دفعها، بعد أن تشكلت منظومة تستغل ضعفهم وحاجتهم لتأمين الأوراق والتصاريح اللازمة لدخول الأراضي المصرية.

وفي خضم هذه الدوامة التي يعيشها آلاف السوريين والسودانيين في مصر، تُطرح تساؤلات حول أخلاقيات هذه العمليات وآثارها الإنسانية والسياسية.

و"السبوبة" كلمة من اللهجة الشعبية المصرية، تتعلق بعمل إضافي أو شخص يقوم بعمل ما غير رسمي بطريقة شرعية أو غير شرعية؛ للحصول على مبلغ من المال.

غلق الأبواب

وقبل سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، واندلاع الحرب في السودان خلال عام 2023، كانت هناك شروط محددة لدخول السوريين والسودانيين إلى مصر.

وكانت إدارة الجوازات والهجرة التابعة لوزارة الداخلية المصرية تسمح للسوريين والسودانيين، من حاملي الإقامات والتأشيرات السارية من دول الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا واليابان ومنطقة الشنغن ودول مجلس التعاون الخليجي، بالدخول بتأشيرة اضطرارية، يحصلون عليها عند الوصول إلى المطارات والمنافذ الأخرى.

وفي 6 يناير/ كانون الثاني 2025، نشر موقع "صحيح مصر" المحلي أن "تلك الآليات تغيرت بعد الحرب في السودان، وبداية التحرك لإسقاط نظام الأسد، إذ كان هناك قرار جرى تعميمه على المطارات، بإلغاء الاستثناءات الممنوحة للسوريين، من حملة بعض الإقامات والتأشيرات الخليجية والأوروبية، وضرورة حصولهم -مثل غيرهم- على موافقة أمنية". 

وتابع: "وهي نفسها القرارات التي أصدرتها إدارة الجوازات في وقت سابق بحق السودانيين واليمنيين؛ إذ ألغي أيضا استثناء حاملي إقامة دول الخليج، وتأشيرة دول الاتحاد الأوروبي من دخول مصر دون موافقة أمنية".

تلك الإجراءات التي اتخذتها حكومة النظام المصري، تسببت من بين أمور أخرى في استمرار ونمو ما يعرف بـ"بيزنس الموافقة الأمنية"؛ إذ بات لزاما على الراغبين في دخول مصر من السوريين والسودانيين بعد تقديم الأوراق للسفارة المصرية، التواصل مع وسطاء (عادة ما يكونون من نفس جنسية مقدم الطلب).

وبحسب مصادر خاصة لموقع “صحيح مصر” فإن "الوسيط يحصل على مقابل مادي، يتراوح بين 1200 و2300 دولار للسوريين و3000 و3300 دولار للسودانيين، مقابل ضمانة إصدار الموافقة الأمنية".

وأكمل: "تلك الموافقات تصل إلى السفارات وشركات الطيران من أجهزة أمنية مصرية، على هيئة قوائم مسجل بها الحاصلون على الموافقة".

الأجهزة الأمنية 

هناك مجموعة من الأجهزة في مصر تمتلك حق إصدار الموافقات الأمنية للأجانب، فمثلا وكالات السياحة السورية أو السودانية تقدم طلب الموافقة الأمنية، عبر وسطاء مصريين يتعاملون مع شركات سياحة مصرية، معروفة بينهم باسم "شركات الموافقات".

والتي بدورها تتولى التعامل مع تلك الأجهزة ومن بينها الأجهزة الأمنية، فيما يقدم الوسطاء للسوريين نوعين من الموافقات الأمنية، الأولى "بطيئة"، وتصدر خلال فترة تتراوح ما بين 15 إلى 30 يوما مقابل 1150- 1200 دولار، وتخرج من أحد الأجهزة الأمنية عبر إحدى الشركات السياحية.

الثانية "سريعة"، وتصدر خلال فترة تتراوح ما بين 3 أيام إلى أسبوع، وذلك مقابل 2200-2300 دولار، وتصدر عبر نفس الجهاز الأمني من خلال شركتين أخريين، بحسب “صحيح مصر”.

والمؤسسات المسؤولة عن دخول الأجانب إلى مصر ومنح التأشيرات والموافقات الأمنية، تأتي على رأسها وزارة الداخلية المصرية، ويتبعها إدارة الجوازات والهجرة والجنسية، ومصلحة الأمن الوطني، وأجهزة أمن المطارات والموانئ.

أيضا هناك جهاز المخابرات العامة، ووزارة الدفاع (في بعض الحالات)، وكذلك وزارة الخارجية، حيث تُشرف من خلالها السفارات والقنصليات المصرية بالخارج على إصدار التأشيرات بعد التنسيق مع الجهات الأمنية ذات الصلة داخل مصر، وتنسق مع الأجهزة الأمنية إذا استدعت الحاجة، لمراجعة حالة طالب التأشيرة.

وأخيرا وزارة السياحة والآثار، التي تنسق مع الجهات الأمنية فيما يخص دخول المجموعات السياحية ومعلومات إجراءات التأشيرات.

الشركات المتورطة 

أما الشروط التي تتعلق بدخول السوريين والسودانيين، بحسب مصادر خاصة لموقع “صحيح مصر”؛ فيتطلب منهم للحصول على الموافقة الأمنية من الأجهزة، وجود جواز سفر ساري، وحجز الطيران ذهابا وإيابا لطالبي الموافقة البطيئة. 

ويشترط ألا يكون المسافر قد دخل إلى مصر بطريقة غير نظامية، وأن يكون السفر من سوريا عبر شركات الطيران السورية، ومن خارج سوريا عبر خطوط مصر للطيران.

كذلك يطلب من السودانيين الحجز عبر مصر للطيران؛ وذلك وفقا لضوابط الحصول على الموافقة الأمنية. أما المرحلة الأخيرة؛ فتظهر صورة الموافقة على نظام شركات الطيران قبل السفر بحدود 48 ساعة، ويرسل بعض الوسطاء صورة لعملائهم من الموافقة.

والموافقات تظهر على هيئة قوائم بأسماء وأرقام الحاصلين على الموافقات والدول القادمين منها.

وهناك مجموعة شركات مصرية بعينها تعمل في هذا المجال بشكل حصري، وتربطها علاقات بالأجهزة الأمنية المعنية بإصدار الموافقات، وهي "ماستر ترافيل" و"لاكي تورز" و"أراب أفريكان تورز".

فهم المسيطرون على “بيزنس” الموافقات الأمنية، وبالدخول على موقع شركة "لاكي تورز" تبين أنها الشركة الأقدم بين الشركات الثلاث، وتأسست عام 1974، وتحمل ترخيص رقم 111، ويشغل منصب رئيس مجلس إدارتها اللواء محمد رضا داود حسن، ومدير الشركة هو عصام الدين محمود حسن بسطة.

و"أراب أفريكان تورز"، التي تتقدم تدريجيا لتحل محل "لاكي تورز" في إدارة ملف الموافقات الأمنية، تأسست عام 1991، وتحمل ترخيص رقم 869، ويشغل منصب رئيس مجلس إدارتها محمد عبدالواحد موافي، أما مدير الشركة فهو اللواء عادل لطفي حسني.

وحسني كان قياديا في جهاز المخابرات العامة قبل إحالته للتقاعد في يوليو/ تموز 2016، وذكر القرار آنذاك أنه أحيل للتقاعد ضمن 17 وكيلا آخرين بناء على طلبهم.

وبعد شهرين من إحالته للتقاعد، أصدر يحيى راشد، وزير السياحة (آنذاك)، تفويضا لعادل لطفي حسني، لمتابعة ورقابة قطاع الأمانة العامة بوزارة السياحة.

والشركة الثالثة، هي "ماستر ترافيل"، التي تأسست عام 1985، وتحمل ترخيص رقم 529، ويرأس مجلس إدارتها وفق بيانات التسجيل محمد محمد عبدالدايم عبدالواحد، أما مديرا الشركة فهما هاني السيد محمد السيد، وعبد الوهاب أحمد سليم.

وسبق وأن تولت شركتا "ماستر ترافيل" و"لاكي تورز" معا نقل أعضاء ومشجعي النادي الأهلي إلى المغرب لحضور نهائي أبطال إفريقيا 2022، وتعاونت الشركتان معا أيضا في يونيو/ حزيران 2022 في مقر رابطة القدس بالقاهرة.

ونشرت صحيفة "الوطن" التابعة للشركة المتحدة التابعة لجهاز المخابرات العامة، أن الشركتين عقدتا اجتماعا مع نيافة الأنبا أنطونيوس مطران القدس، لتنسيق تنظيم حج الأقباط إلى القدس.

وضع مختلف

ومع ذلك، فإن تلك الشركات المرتبطة بالأجهزة الأمنية، تمنح التصاريح للجنسيات كافة الموجودة على لائحة الموافقات، وليس حملة الجنسيتين السورية والسودانية فقط.

ومنهم تونس، المغرب، الجزائر، العراق، اليمن، ولبنان، ولكن بتكلفة أقل؛ إذ تتراوح تكلفة الموافقة الأمنية لأغلب الجنسيات الأخرى بين 100 و500 دولار.

وتلزم حكومة النظام المصري العراقيين بين 16 و60 عاما، بالحصول على موافقة أمنية تتراوح تكلفتها بين 200 و300 دولار، كما يلتزم اليمنيون كافة بين 16 و50 عاما بالحصول على تأشيرة دخول مسبقة وموافقة أمنية، وتتراوح تكلفتها بين 125 و200 دولار.

ويدفع التونسيون 100 دولار نظير الحصول على الموافقة الأمنية، ويدفع الذكور الفلسطينيون من الضفة الغربية بين 250 و500 دولار.

وقال المواطن السوري المقيم في تركيا، أحمد ياووز، إن "كثيرا من أفراد عائلته في مصر، وتحديدا والديه وبعض إخوته، وكان يزورهم من آن إلى آخر رفقة زوجته وأبنائه". 

وأكد ياووز لـ"الاستقلال" أن “سعر التأشيرة عبر الشركات السياحية تصل إلى 1200 دولار (أكثر من 60 ألف جنيه مصري)”، وتابع متندرا أنه "حصل على تأشيرة ألمانيا خلال العام الماضي وسعرها 75 يورو (قرابة 4 آلاف جنيه)". 

واستطرد: “رغم أن حصولي على تأشيرة ألمانيا كان يسمح لي بدخول مصر استثناء، وعدم الحاجة إلى التأشيرة، والاكتفاء بموافقة أمنية، لكن الوضع اختلف بعد سقوط نظام بشار”. 

وأضاف: “حاولت أن أذهب إلى مصر في بداية العام الحالي 2025 لزيارة عائلتي هناك، خاصة بعدما ظننا أن منع السوريين مجرد إشاعة أو حالات فردية، لكن فوجئت بطلب الحصول على تأشيرة وأنها مرفوضة غالبا، وهو أمر يدعو للغرابة”. 

وعقب ياووز: “إذا كان ذلك الحال قبل سقوط النظام تحت مبرر خشية زيادة أعداد اللاجئين والمقيمين، لكن حاليا ما المبرر لمنع السوريين والتضييق عليهم في بلد يعدونه بلدهم الثاني، وهناك الكثير من الاستثمارات والمصانع السورية على الأراضي المصرية الشقيقة”؟!