إسرائيل وأميركا فشلتا بإيجاد بديل.. من يحكم غزة بعد وقف إطلاق النار؟

خالد كريزم | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

رغم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، بقي سؤال "من سيحكم قطاع غزة بعد انتهاء الحرب" دون حل، بعد أن فشلت إسرائيل في خلق بديل لحركة المقاومة الإسلامية حماس.

وعلى مدار سنة و4 شهور، لم تنجح إسرائيل أو الولايات المتحدة الأميركية أو الدول العربية والغربية في إيجاد رؤية واضحة بشأن مستقبل قطاع غزة.

ويأتي ذلك في ظل رفض تل أبيب وواشنطن، إلى جانب السلطة الفلسطينية وأيضا دول عربية، أي حكم مستقبلي تشارك فيه حركة حماس.

ويزداد الأمر تعقيدا بالنظر إلى رفض إسرائيل أيضا حكم سلطة محمود عباس التي تتهمها، إلى جانب حماس، برعاية "الإرهاب"، وفق زعمها.

وكانت إسرائيل وحلفاؤها من دول عربية وغربية يمنون النفس ويأملون القضاء على حركة حماس في نهاية هذه الجولة، لكن ذلك لم يحدث.

ففي أول يوم للتهدئة، 19 يناير/كانون الثاني 2025، خرج مقاتلو كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في استعراض مهيب للقوة معتلين الجيبات وحاملين أسلحتهم لدى تسليمهم الأسرى الإسرائيليين وسط مدينة غزة.

وهي صور أظهرت غضبا كبيرا في الأوساط الإسرائيلية بعد أن تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأغلب وزرائه بتحقيق هدف "القضاء على حماس".

مقترحات فاشلة

ويتضمن الاتفاق الذي رعته قطر ومصر والولايات المتحدة، وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، في حين بقيت قضية حكم غزة دون معالجة في الخطة المكونة من ثلاث مراحل. 

وفي الأثناء، يواصل نتنياهو تعهده بتدمير حماس رافضا أي احتمال لعودتها لإدارة غزة، في حين يقترح وزراء متطرفون من بينهم وزيرا الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش بإعادة الاستيطان وتهجير الفلسطينيين.

ولا يُعرف على وجه التحديد كيف يمكن لنتنياهو مواجهة حكم حماس، فلا يزال قطاع غزة خاليا من أي قوة أخرى، بعد أن طردت الحركة الإسلامية قوات السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس من المنطقة المحاصرة منذ عام 2007.

وفي يناير 2024، اقترح يوآف غالانت  وزير الجيش الذي أقيل لاحقًا بسبب خلافات سياسية مع نتنياهو، خطة للاحتفاظ بما أسماه “حقوق تنفيذ العمليات” في غزة، على غرار أسلوب العمل العسكري في الضفة الغربية المحتلة.

ويعني ذلك أن يواصل جيش الاحتلال تنفيذ عمليات جوية وبرية ضد قطاع غزة إذا ما دعت الحاجة دون تقدير لوجود اتفاق تهدئة.

وقال غالانت في بيان وقتها: “لن تحكم حماس غزة، ولن تسيطر إسرائيل على المدنيين هناك، السكان فلسطينيون، لذلك ستشرف الهيئات الفلسطينية على الحكم”، دون أي يحددها.

وأضاف: “الكيان الذي يسيطر على غزة سيعتمد على الآليات الإدارية القائمة (اللجان المدنية)”، دون تفصيل.

وتستبعد هذه الخطة بحكم الأمر الواقع سلطة عباس، على الرغم من أن واشنطن دعت مرارًا وتكرارًا إلى أن تلعب الأخيرة دورًا في مستقبل غزة.

وأكدت الإدارتان الأميركيتان السابقة بقيادة جو بايدن والجديدة برئاسة دونالد ترامب، مرارًا وتكرارًا أن غزة “لن يحكمها حماس مرة أخرى".

وعلى مدار شهور العدوان، فشل الاحتلال في دفع عشائر ومخاتير قطاع غزة للانقلاب على حماس وإدارة الجيب المحاصر رغم محاولات حثيثة.

وكان من بين المقترحات، إنشاء قوة دولية تدير غزة مؤقتا، وهي فكرة أطلقتها إسرائيل ثم ألمحت دول عربية إلى قبولها وأكدتها دولة الإمارات.

وقالت مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية في دولة الإمارات، لانا نسيبة، إن بلادها "على استعداد للمشاركة في قوة متعددة الجنسيات بقطاع غزة" عقب انتهاء الحرب، مشددة على أن ذلك لن يحدث إلا في حال تلقي "دعوة من السلطة الفلسطينية".

وأضافت نسيبة في مقابلة مع صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية في 19 يوليو/تموز 2024، أن الإمارات "ناقشت الخطط مع الولايات المتحدة، كخطوة لملء الفراغ في غزة المحاصرة، ولمعالجة احتياجاتها الإنسانية وإعادة الإعمار".

وفي وقت سابق نقلت "فاينانشال تايمز" عن دبلوماسيين قولهم إن مصر، التي تشترك في حدود مع غزة، والمغرب، الذي طبّع العلاقات مع إسرائيل عام 2020، "تدرسان الخطة أيضا".

وقبلها، دعت جامعة الدول العربية في مايو/أيار 2024، إلى نشر قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في غزة والضفة الغربية حتى إقامة الدولة الفلسطينية.

وأكدت سلطة عباس أنه "لا شرعية" لوجود أي قوات أجنبية على الأراضي الفلسطينية وذلك ردا على ما وصفته بـ"التصريحات الإسرائيلية الداعية إلى تسليم قطاع غزة لقوات دولية".

وقال الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة في الأول من يوليو 2024، إن "الشعب الفلسطيني وحده هو من يقرر من يحكمه ويدير شؤونه".

السلطة الفلسطينية

ومن ضمن الخيارات الأكثر منطقية بالنسبة للفلسطينيين وبعض الدول العربية، أن تتولى سلطة محمود عباس حكم غزة، إلى حين ترتيب البيت الداخلي وإجراء انتخابات.

ولكن يقف الانقسام والخلافات بين حركتي التحرير الوطني الفلسطيني فتح وحماس عائقا أمام هذه الخطة، وخاصة في ظل اختلاف الرؤى والبرامج.

إذ تنتهج السلطة نهج التعاون والتنسيق الأمني مع الاحتلال وتحارب المقاومة وتعمل على تسليم عناصرها في الضفة الغربية لإسرائيل، فضلا عن سيرها على خطاها في محاربة الفصائل العسكرية بمخيم جنين.

وفي المقابل، ترى حماس والفصائل الوطنية الأخرى في المقاومة العسكرية نهجا لا يمكن التخلي عنه ضد إسرائيل وترفض تسليم سلاحها إلى السلطة.

وفيما يخص مستقبل القطاع، قال وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن في 14 يناير: "لقد عملنا لعدة أشهر بشكل مكثف مع شركائنا لتطوير خطة مفصلة لما بعد الصراع تسمح لإسرائيل بالانسحاب الكامل من غزة، ومنع حماس من العودة، وتوفير الحكم والأمن وإعادة الإعمار".

وأشار أمام المجلس الأطلسي في واشنطن العاصمة، إلى أن الخطة سيتم تسليمها إلى إدارة ترامب حتى يتمكنوا من "المضي قدمًا".

ووفقا لبلينكن، تتضمن الخطة “توحيد غزة والضفة تحت حكم السلطة الفلسطينية؛ وعدم احتلال القطاع عسكريًا أو تقليص أراضيه أو تهجير سكانه”.

وقال: "يجب على السلطة دعوة الشركاء الدوليين للمساعدة في إنشاء إدارة مؤقتة مسؤولة عن القطاعات المدنية الرئيسية في غزة وسيوفر المجتمع الدولي التمويل والدعم الفني والإشراف".

وأضاف أن الإدارة المؤقتة ستشمل "فلسطينيين من غزة وممثلين عن السلطة الفلسطينية، يتم اختيارهم بعد مشاورات حقيقية مع سكان القطاع".

واشترط بلينكن في خضم هذه العملية، العمل على إصلاح السلطة، وهو ما طالبت به مؤخرا الولايات المتحدة ودول أوروبية.

ومنذ وقف إطلاق النار، أكد مسؤولون فلسطينيون من بينهم رئيس الوزراء محمد مصطفى ومستشار عباس الديني محمود الهباش عدم قبول حكم حماس لغزة بعد الآن وأن السلطة هي الكيان الوحيد الذي يمثل الشعب.

وبدوره، تعهد ترامب بعد وقت قصير من اتفاق الدوحة، "بالعمل بشكل وثيق مع إسرائيل وحلفائنا للتأكد من أن غزة لن تصبح مرة أخرى ملاذًا آمنًا للإرهابيين".

ولم تكشف إدارته المستقبلية عن نواياها فيما يتعلق بالحكم في غزة، أو آرائها بشأن خطة بايدن التي تهدف في النهاية إلى استبدال حماس بالسلطة الفلسطينية.

وتقول صحيفة الغارديان البريطانية: “ربما ساعدت عودة ترامب إلى البيت الأبيض في الضغط على نتنياهو لوقف إطلاق النار، ولكن دون اتفاق سلام معين”.

واستبعدت أن يتبنى ترامب خطة بلينكن لتشكيل سلطة فلسطينية مُصلحة وخاضعة لمراقبة الأمم المتحدة للإشراف على حكم غزة والضفة الموحدتين. 

ومن جانبها، ستخاطر إسرائيل بفراغ أكبر من خلال العمل على التزامها بعدم التعاون مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” والمنظمات غير الحكومية الأخرى.

وأردفت الصحيفة: “لا يوجد أي يقين بأن فلسطين ستتمتع بالقيادة المطلوبة لتولي المسؤولية الإدارية عن غزة”.

فالسلطة الفلسطينية، بقيادة محمود عباس (90 عاما)، تتعرض للازدراء بشكل متزايد في الضفة الغربية وفشلت في دفن خلافاتها مع حماس في المحادثات في موسكو وبكين والقاهرة مؤخرا.

ما المستقبل؟

ويرى رئيس مجموعة الحوار الفلسطيني صادق أبو عامر أن “الحرب الأخيرة على غزة كانت مختلفة كليا عن الحروب السابقة من حيث النطاق والدموية والوحشية والخسائر، وبالتالي لن تقف عند حدود وقف إطلاق النار وترتيبات أمنية محدودة”.

وبين في حديث لـ"الاستقلال" أن مرحلة ما بعد العدوان “تتطلب حلولا سياسية تشكل مظلة لأي ترتيب أمني، ولقطع الطريق أمام محاولة إسرائيل اختزال المستقبل بالحل الإنساني والاقتصادي”.

وتوقع أبو عامر أن تحاول إسرائيل الاستفادة من عودة ترامب بحصر الحل في إدخال المساعدات وإعادة الإعمار فقط مع إعادة طرح نسخة جديدة ومعدلة من صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية.

وواصل القول: “ستسعى إسرائيل إلى الاندماج بمسار التطبيع مستفيدة مما حققته من نتائج على صعيد ضرب محور إيران، وهو خيار مفضل لها أكثر من الذهاب نحو حل سياسي للقضية الفلسطينية”.

في المقابل، يتوقع أن تركز الدول العربية على طرح مسار سياسي يفتح أفق لكيان فلسطيني بغض النظر عن مدى سيادته، كشرط للتطبيع "وإلا ستعلق هذه العملية عند نقطة غير مكتملة”.

ولفت أبو عامر إلى أن تركيا أصبحت مؤخرا لاعبا قويا في مستقبل القضية الفلسطينية بعد انضمامها إلى كتلة الخليج (تحسن العلاقات بين الطرفين".

وذكر أن وجود تركيا “يعطي هذا المسار وزنا إقليميا بسبب امتلاكها أوراقا تفاوضية قوية، للدفع نحو المطالبة بالاعتراف بمسار الدولة الفلسطينية”.

وتابع: “ما جرى أن ترامب تفاوض بشأن اتفاق غزة مع قوى ليست موجودة على طاولة التفاوض مباشرة مثل السعودية وتركيا اللتان لعبتا على الأرجح دورا أساسيا، إلى جانب مصر وقطر”.

ورجح أن تميل إدارة ترامب بشكل كبير للاعتراف بشكل ما بالحقوق الفلسطينية في خضم تعاملها مع مراكز القوى الأساسية، مع عدم تجاهل الشروط الإسرائيلية وخاصة إذا تغيرت حكومة نتنياهو.

ورغم اللقاءات والمحادثات بينهما، لا يزال ترامب يكن استياءً تجاه نتنياهو، وفق ما نقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عن مقربين من الرئيس الأميركي الجديد.

ونقل هؤلاء رسالة مقلقة لنتنياهو في يناير 2025، تفيد بأن ترامب فقد الثقة الكاملة به، رغم كل ما يظهر علنا من ابتسامات ومجاملات.

وأضافت الصحيفة أن ترامب، الذي يعتبر الولاء الشخصي أساسا لعلاقاته السياسية، لم ينس تهاني نتنياهو المبكرة لبايدن بعد هزيمته بانتخابات 2020.

وتتزامن هذه الرسائل مع تسريبات تشير إلى أن ترامب يريد إجراء تسوية سلام إقليمية في الشرق الأوسط، ولكن ليس بقيادة نتنياهو. 

وتفيد المصادر بأن ترامب يعتبر وجود زعيم يميني جديد في إسرائيل ضروريا لدفع اتفاق "سلام تاريخي" مع السعودية.

وجاء حديث الصحيفة العبرية بعد أيام من نشر ترامب على منصة "تروث سوشيال"، مقطع فيديو مثيرا للجدل تضمَّن شتائم نابية بحق نتنياهو.

ويظهر في الفيديو الخبير الاقتصادي جيفري ساكس، وهو يوجه انتقادات حادة لنتنياهو متهما إياه بالتلاعب بالسياسة الخارجية الأميركية، وتنظيم "حروب لا تنتهي" في الشرق الأوسط.

ويعتقد أبو عامر أن الأمور مفتوحة على مسار تفاوضي أكثر من كونه عسكري دون استبعاد حدوث نكوص عن هذا المسار".

ويتابع أنه اذا لم تستطع المقاومة الفلسطينية أن تتكيف مع الوضع الجديد، فمن الممكن أن يجري تجاوزها وان لا يكون وجودها هنا شرطا اساسيا وتصبح السلطة هي المستفيدة من الامر.

ولفت إلى أن التصعيد العسكري سيكون صعب جدا على كل الاطراف خاصة ان ايران ستختار التكيف مع الظروف الجديدة مع عدم تعطيل المسار السياسي.

وعن إمكانية الاستثمار في اتفاق وقف إطلاق النار على غزة للمضي قدما في مسار سياسي، قال المحلل السياسي الفلسطيني حسام الدجني إن هناك ثلاثة سيناريوهات، أولها تشكيل حكومة توافق وطني.

والخيار الثاني، يتمثل في تشكيل لجنة الإسناد المجتمعية لإدارة غزة، كما جرى التوافق عليها في القاهرة أخيرا دون قبول عباس.

والسيناريو الثالث أن يكون هناك فراغ سلطوي في غزة، وهو خيار لا يمكن أن تقبله حماس، وفق ما أوضح الدجني في مقابلة تلفزيونية.

ولفت إلى أن الكل الفلسطيني يدفع باتجاه السيناريو الأول لأنه يجب أن يكون هناك جسم وطني يعبر عن الجميع ويتابع ملفات كثيرة أبرزها إعادة الإعمار.