صعود السعودية وتراجع إيران.. تحولات الشرق الأوسط في ظل التوازنات الجديدة
“التوتر بين طهران والرياض ينبع من قضايا محورية”
في ظل توازنات إقليمية ودولية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، يبرز دور السعودية وإيران ضمن سياق متغير متأثر بالتحولات السياسية والاقتصادية الكبرى في المنطقة.
ونشرت صحيفة "إندبندنت" بنسختها التركية مقالا للكاتب، مايس علي زادة، قال فيه: “قبل سقوط نظام بشار الأسد كان محور المقاومة، الذي يضم العراق وسوريا وإيران وحلفاءهم، يعاني من سلسلة من الإخفاقات”.
التوازنات الإقليمية
وأوضح الكاتب التركي أن “هذه السلسلة بدأت في 3 يناير/كانون الثاني 2020، باغتيال أحد أعمدة النظام الإيراني وهو قاسم سليماني بأمر من الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب”.
واستطرد: "تلا ذلك عدم قدرة المحور على الرد على الضربات الإسرائيلية في سوريا ولبنان وغزة والأراضي الإيرانية، مما أدى إلى تآكل هيبة طهران على المستوى الإقليمي.
كما ازداد الوضع تعقيدا باغتيال “شخصيات بارزة مثل إسماعيل هنية في طهران وحسن نصر الله في بيروت، ثمّ يحيى السنوار في غزة، وهو الأمر الذي خلق حالة من الارتباك في صفوف المحور”.
وأشار علي زادة إلى أن خروج سوريا من “محور المقاومة كان بمثابة فقدان الحلقة الأهم في سلسلة التحالفات الإيرانية”.
ولفت إلى أن "هذا الوضع قد دفع طهران إلى البحث عن بدائل جديدة في ظل تزايد العزلة الإقليمية والدولية".
وتابع: “مع انتهاء حكم عائلة الأسد في سوريا يبقى السؤال الأهم: كيف ستتعامل إيران مع هذا التغيير الجيوسياسي؟ وهل تمتلك خططا أو إستراتيجيات جديدة لتعويض خسائرها؟”
وأشار الكاتب التركي إلى أن “علاقات إيران مع جارتها الإقليمية السعودية لطالما برزت بتناقضات أيديولوجية وسياسية واقتصادية، فالتوتر بين البلدين ينبع من قضايا محورية مثل ملف غزة والصراع على قيادة الشرق الأوسط والرغبة في الهيمنة على العالم الإسلامي”.
وأوضح أنه “في ظل هذه العلاقة المتوترة شهدت السنوات الأخيرة دخول قوى عالمية، مثل الصين وروسيا، كلاعبين مؤثرين في هذا التنافس، وتميل هذه القوى إلى عدّ السعودية محورا رئيسا في المنطقة”.
وأضاف “حيث ينظر كل من الصين وروسيا إلى السعودية كشريك لا غنى عنه في تحقيق مصالحهما بالشرق الأوسط، سواء من حيث النفوذ السياسي أو الاقتصادي، مما يمنح المملكة مكانة إقليمية متقدمة ويعزز قدرتها على إدارة الملفات الإقليمية والدولية بتوازن أكبر”.
ولفت علي زادة إلى أن "تقارب السعودية مع إسرائيل يعكس سعيها لإيجاد توازن جديد، وهو ما تجلى في خطوات إصلاحية داخلية اتخذتها المملكة خلال فترة ولي العهد محمد بن سلمان".
الضغط الأقصى
وذكر الكاتب أن "السعودية في ظل قيادتها الحالية تسعى للابتعاد عن الإسلام السياسي وتسريع عملية التحديث في إطار يُعرف بـ(الديكتاتورية الجيدة)".
واستطرد: "بهذا فقد أسهم هذا التوجه في إضعاف الحركات الإسلامية، وفي الوقت نفسه، أدى إلى تآكل شرعية الخطاب الشيعي الإيراني المناهض للرأسمالية".
ورأى أن "التطورات في العراق وسوريا تعكس بوضوح هذا التحول، حيث تسعى السعودية إلى إعادة تشكيل توازنات الإسلام السني العربي بعيدا عن تأثير الحروب بالوكالة، وقد شهدت العلاقات الإقليمية في الآونة الأخيرة تغييرا ملحوظا في سياسات بعض الدول العربية تجاه سوريا".
وأوضح علي زادة أن “السعودية والإمارات، بدأتا بتعديل نهجهما الإقليمي بشكل جذري، وهذا التغيير يشمل التخلي عن دعم الحروب بالوكالة”.
وتابع: “في نفس الوقت تم النظر إلى جماعات مثل الإخوان المسلمين على أنها تهديد محتمل لهذا المشروع، مما يعكس رغبة هذه الدول في الحد من نفوذ هذه الحركات في المنطقة”.
وقال علي زادة إن “سياسة عزل إيران برزت بشكل لافت في هذا السياق، فقد كانت نتيجة لسياسة الضغط الأقصى والعقوبات الدولية التي فُرضت خلال فترة رئاسة ترامب”.
وذكر أنه “من خلال هذه الضغوطات فقد أُجبِرَت طهران على تقديم تنازلات للسعودية في قضايا حساسة مثل اليمن وسوريا، إلا أن هذه التنازلات لم تُنفذ بالكامل، وهو الأمر الذي أضعف موقف إيران الإستراتيجي في المنطقة”.
ولفت الكاتب النظر إلى أن “هذه التنازلات تؤدي إلى إمكانية تقوية جماعة الإخوان المسلمين وضعف حزب الله وتغير سياسات كل من إيران وتركيا”.
وأفاد الكاتب بأن "هناك احتمالية لإجراء مناورات عسكرية مشتركة بين إيران والسعودية، ولا شك بأن هذا الأمر يدل على وجود تغييرات قد تكون غير تقليدية في العلاقات بين البلدين، إذ إنهما غالبا ما كانا في حالة تنافس وصراع سياسي على مدار سنوات طويلة".
بالإضافة إلى ذلك، فإن دعم السعودية لوحدة أراضي إيران ودعوتها إلى "إيقاف" إسرائيل يعكس رغبة الرياض في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية في المنطقة.
وهذه الخطوات قد تكون جزءا من محاولة لتحقيق استقرار في الشرق الأوسط، وموازنة القوى بين الأطراف المختلفة في المنطقة بما في ذلك إيران وإسرائيل.
بمعنى آخر، أن هذا التحول في المواقف يشير إلى أن السعودية تسعى إلى تعزيز دورها القيادي في المنطقة من خلال تبني سياسات تهدف إلى الحد من النفوذ الإيراني وتوجيه الجهود نحو إيجاد توازن إقليمي جديد يعزز الاستقرار في المنطقة، يوضح علي زادة.
وأكد أن "هذه التغيرات تعزز مكانة السعودية كزعيمة للعالم الإسلامي وكشريك إستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بينما تسعى إيران للبحث عن دور في النظام الإقليمي الجديد".
وختم علي زادة مقاله قائلا إن "السعودية تعمل على التحكم في التوازنات الإقليمية من اليمن إلى مضيق هرمز، في حين تضيف محاولات إيران للتعامل مع تحدياتها الداخلية بُعدا جديدا لهذا المشهد المتغير".