طلبات اللجوء لدى الاتحاد الأوروبي تتراجع لأول مرة.. ما علاقة مصر وتونس؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

بدأت "سياسة الردع" الأكثر صرامة التي اتبعتها دول في الاتحاد الأوروبي لصد المهاجرين غير النظاميين في إظهار نتائج ملموسة خلال عام 2024.

وفي أحدث مؤشر على ذلك، كشف مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي "يوروستات"، أن طلبات اللجوء المقدمة لأول مرة إلى دول الاتحاد تراجعت في يونيو/ حزيران 2024.

"تدابير جديدة"

وأفاد يوروستات في تقرير نشره في 20 سبتمبر، بوصول 70 ألفا و375 طلب لجوء من دول خارج الاتحاد الأوروبي إلى دول التكتل، مما يمثل انخفاضا نسبته 17 بالمئة مقارنة بيونيو 2023.

وظل سوريون يشكلون النسبة الأكبر من الطلبات بنسبة 12 بالمئة في يونيو 2024 تلاهم فنزويليون بنسبة تسعة بالمئة وأفغان بنسبة ثمانية بالمئة.

وذكر يوروستات أن ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا استقبلت أكثر من ثلاثة أرباع هذه الطلبات التي من بينها 2.9 بالمئة من قصر دون صحبة ذويهم.

لكن الطلبات المقدمة إلى ألمانيا انخفضت 27 بالمئة لتصل إلى 167 ألفا و70 طلبا في يونيو 2024 مقارنة بنفس الفترة من عام 2023.

وبحلول نهاية أبريل 2024، جرى تلقي حوالي 317 ألف طلب، بزيادة قدرها 2 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من عام 2023.

ومع استمرار صعود اليمين المتطرف في الساحة السياسية الأوروبية، لجأت بعض دول التكتل إلى إعادة حساباتها تجاه قبول المهاجرين غير النظاميين.

وما كان لافتا هو أنه في انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في يونيو 2024 فازت المجموعات التي تدعم الأفكار الجديدة في سياسة الهجرة بمزيد من المقاعد.

وفي هذا الإطار، أعادت ألمانيا فرض ضوابط على حدودها البرية لمدة ستة أشهر بدءا من 16 سبتمبر 2024 وتصميم خطة تمكن السلطات من رفض مهاجرين بشكل مباشر عند الحدود الألمانية.

وألمانيا، التي طالما كان يُنظر إليها على أنها واحدة من أكثر أعضاء الاتحاد انفتاحا، شددت أخيرا قوانين اللجوء والإقامة.

وخفضت مزايا الرعاية الاجتماعية لبعض اللاجئين واستأنفت ترحيل المواطنين الأفغان لأول مرة منذ تولي طالبان السلطة في عام 2021.

في حين هدد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في 6 سبتمبر بإرسال المهاجرين من بودابست إلى بروكسل بالحافلات في محاولة للضغط على التكتل الذي طالب المجر بإعادة قبول اللاجئين تنفيذا لحكم صادر عن محكمة العدل الأوروبية عام 2020 يلزمها باحترام الإجراءات الدولية لطالبي اللجوء.

أما الحكومة الهولندية فأقرت في 18 سبتمبر بتأجيل النظر في كل طلبات اللجوء الجديدة لديها، كما طالبت بالانسحاب من الميثاق الأوروبي بشأن الهجرة واللجوء حتى قبل دخوله حيز التنفيذ عام 2026.

وقال الائتلاف الجديد في هولندا، بقيادة حزب الحرية اليميني المتطرف المناهض للهجرة، إن البلاد "لم تعد قادرة على تحمل تدفق المهاجرين".

حيث تخطط الحكومة المؤلفة من أربعة أحزاب لتجميد طلبات اللجوء الجديدة، وتوفير السكن الأساسي فقط، والحد من تأشيرات لم شمل الأسرة، وتسريع العودة القسرية.

فيما اقترحت السويد في سبتمبر 2024 زيادة المبلغ الذي تدفعه للأشخاص الراغبين في العودة إلى ديارهم من 880 يورو إلى 30 ألف يورو لكل منهم.

وتخطط ستوكهولم أيضا لإصدار قانون يلزم العاملين في القطاع العام بإخطار السلطات بالأشخاص الذين لا يحملون وثائق.

في حين تريد الحكومة الفنلندية، منع الأشخاص الذين لا يحملون وثائق من الوصول إلى الرعاية الصحية غير الطارئة.

شراكات لصد المهاجرين

وفي عهد حكومة يمين الوسط الحالية تحت قيادة جيورجيا ميلوني، عملت إيطاليا على تشديد سياستها المتعلقة بالهجرة، من خلال قوانين قبول أكثر صرامة للمهاجرين غير النظاميين.

وعلى المستوى الدولي من خلال اتفاقيات مع دول ثالثة مثل تونس لمنع انطلاق القوارب من سواحلها، أو مع ألبانيا التي وقعت مع إيطاليا في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، اتفاقا يمتد لخمس سنوات.

وافقت بموجبه تيرانا على منح مناطق على أراضيها لإيواء مهاجرين وطالبي لجوء قد يصل عددهم إلى ما يقرب من 36 ألف سنويا بتمويل إيطالي. 

وفي العقود الأخيرة، أصبحت إيطاليا واحدة من أهم دول الاستقبال الأولي لما يسمى بالمهاجرين غير النظاميين الذين يأتون إلى أوروبا عبر البحر المتوسط. 

وينطبق نموذج ألبانيا فقط على الأشخاص الذين يتم إنقاذهم في البحر من قبل السلطات الإيطالية، وفقط على الأفراد القادمين من البلدان التي حددتها إيطاليا على أنها "بلدان منشأ آمنة".

وبسبب تشدد إيطاليا في مكافحة الهجرة غير النظاميين، فإنه في الأشهر السبعة الأولى من عام 2024، وصل حوالي 33 ألف شخص إلى إيطاليا عن طريق البحر المتوسط، وهو أقل بكثير من عدد من وصلوا في نفس الفترة من عام 2023، حيث بلغ 88 ألف شخص في نفس الفترة من عام 2023.

وبدأ المهاجرون نحو أوروبا القادم غالبيتهم من مناطق صراع في الشرق الأوسط وإفريقيا يلمسون نتائج الاتفاقية الجديدة للهجرة واللجوء التي وافق عليها الاتحاد الأوروبي في مايو/ أيار 2024.

إذ حددت اتفاقية الهجرة واللجوء الجديدة بشكل خاص مبادئ سياسة الهجرة الداخلية للاتحاد الأوروبي.

وعقب ذلك، ظهرت الممارسة العملية لدول الاتحاد منفردة أو لعدد من الدول من ناحية الاهتمام السياسي بتعزيز الشراكات مع بلدان المهاجرين الأصلية، أو دول العبور.

كما أن لجوء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والمجموعات السياسية فيه للترويج لفكرة نقل طالبي اللجوء إلى دول ثالثة، فرض حالة من التوجس لدى طالبي اللجوء.

ويعني هذا النموذج نقل أولئك الذين لديهم قرار لجوء سلبي إلى بلد ثالث وتوفير الحماية الدولية لهم فيه، إذا لم يكن من الممكن إعادتهم مباشرة إلى وطنهم، وذلك على غرار نموذج سعي بريطانيا لترحيل لاجئين إلى رواندا شرق إفريقيا.

كما ركز الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد على شراكات الهجرة مع دول ثالثة خلال عام 2023، فأبرمت مذكرة تفاهم شاملة مع تونس في يوليو 2024، وبعدها انخفضت رحلات المهاجرين المغادرة من تونس نحو أوروبا. 

إذ تعد تونس في الأساس دولة عبور، ووردت تقارير تفيد بأن البلاد تحاصر المهاجرين وتطردهم إلى بلدان مجاورة.

وأجرى الاتحاد الأوروبي اتفاقية شراكة مع مصر في مارس/ آذار 2024 ولا تغطي الهجرة فحسب، بل تشمل أيضا أشكال الدعم الأخرى، بما في ذلك المساعدة المالية.

ولا تزال مصر واحدة من الدول الأصلية الرئيسة في إحصاءات اللجوء في الاتحاد الأوروبي، إذ تستضيف في الوقت نفسه أكثر من 670,000 من اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

 تحديات حقيقية

وضمن هذا الإطار، يؤكد معهد "السياسة الخارجية" الممول من البرلمان الفنلندي أن “النهج السياسي العام لسياسة اللجوء في أوروبا يبدو أنه أصبح أكثر صرامة في فترة زمنية قصيرة نسبيا”.

وأضاف في ورقة بحثية نشرت في 24 سبتمبر 2024، أنه لسنوات عديدة تعرض الاتحاد الأوروبي لانتقادات لعدم قدرته على تحقيق الوحدة في سياسته المتعلقة بالهجرة.

وأوضح أن "الشراكات ذات المنفعة المتبادلة والعلاقات الوثيقة هي المفتاح لتقليل الطلب على الرحلات المحفوفة بالمخاطر وجذب العمال إلى القارة التي تعاني من الشيخوخة السكانية".

ومنذ عام 2015، وصل نحو 6.8 ملايين طالب لجوء إلى أوروبا، وصدرت أوامر لأكثر من 3.6 ملايين منهم بالمغادرة، ولكن مليونا منهم فقط غادروا بالفعل. 

والآن في ظل الضغوط السياسية الشديدة من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تتولى السلطة في نصف دزينة من الدول الأعضاء وتتقدم في كل انتخابات تقريبا في دول أخرى، تتفوق الحكومات على بعضها البعض في تقديم تدابير صارمة لمكافحة الهجرة.

لكن مع سعي دول أوروبا لخفض نسب طلبات اللجوء لأول مرة إلى أراضيها، يخشى من تداخل الاتفاقيات والإجراءات مع بعضها البعض.

إذ تهدد هذه الحالة المزاجية بتوتر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وقد تعرض للخطر ليس فقط ميثاق اللجوء والهجرة الجديد للاتحاد الذي أقر بعد عقد من المناقشات الشاقة، ولكن أيضا منطقة شنغن ذات حرية التنقل الثمينة.

وتسمح تأشيرة "شنغن" للحاصل عليها التنقل بين 26 دولة بحرّية، وهي دول الاتحاد الأوروبي وأربع دول غير أعضاء هي: "أيسلندا والنرويج وسويسرا وليشتنشتاين"، وذلك لمدة تبلغ 90 يوما.

وضمن هذا السياق، قال ماركوس إنجلر، من المركز الألماني لبحوث التكامل والهجرة لصحيفة الغارديان البريطانية، إنها "إجراءات مفرطة النشاط، إنها قيود متتابعة، دون تقييم للتأثيرات أو دليل على أنها ستنجح بالفعل. ومن الواضح أنها مدفوعة بمنطق انتخابي".

وأضاف في 27 سبتمبر 2024، أن "أوروبا تواجه تحديات حقيقية تتعلق بالهجرة، ولكن هذه ليست حلولا. ربما وصل نفوذ الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى نقطة حرجة، فالأحزاب السائدة ليس لديها خطة، ولكنها في حالة من الذعر".

ومضى يقول: "لقد استغرق الأمر عدة أجيال من السياسيين لبناء الاتحاد الأوروبي كمساحة للتنقل الحر وحقوق الإنسان. ويبدو أن الجيل الحالي من الزعماء السياسيين عازمون على هدم كل ذلك في غضون بضع سنوات".