قبل زيارته إلى الخليج.. هل يجبر ترامب إسرائيل على وقف الحرب في غزة؟

إسماعيل يوسف | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في ظل الحديث عن تعثر المفاوضات بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، رجحت مصادر قريبة من المحادثات أن يجبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تل أبيب على تخفيف شروطها أو التخلي عنها قبل زيارته المرتقبة إلى الشرق الأوسط.

وتحدثت مصادر لـ"الاستقلال" عن فشل آخر جولة من مفاوضات القاهرة في ظل إصرار إسرائيل على عدم وقف العدوان على غزة، وإضافة شرط جديد يتعلق بنزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية حماس.

وأضافت المصادر أن وفد حماس غادر القاهرة أخيرا في ظل عدم وجود تقدم في محادثات وقف العدوان وتبادل الأسرى.

هل يجبرها؟

ورجحت هذه المصادر أن تضطر إسرائيل لقبول صفقة بضغوط من ترامب الذي يركز اليوم على التطبيع مع السعودية، وذلك قبل زيارته إلى المملكة ودول خليجية أخرى.

وفقا لمصادر فلسطينية ومصرية وعربية استطلعت "الاستقلال" آراءها، يرغب ترامب في انتهاء الحرب في غزة قبل وصوله السعودية وزيارة دول عربية أخرى في مايو/أيار 2025.

وذلك لسببين: الأول، توفير أجواء هادئة للحصول على تريليونات الدولارات التي وعدته بها السعودية (تريليون دولار) والإمارات (1.4 تريليون دولار)، وملء الخزينة الأميركية بعد تراجعه عن فرض الرسوم الجمركية على أغلب دول العالم، وتجميدها لمدة ثلاثة أشهر.

والثاني: إعادة طرح فكرته المتعلقة بالتطبيع بين الرياض وتل أبيب، الذي يرى أنه لم يعد مرتبطا بدولة فلسطينية، وإنما اتفاقيات ثنائية أمنية لفرض مظلة حماية أميركية على الحكم السعودي، وهو أمر يصعب طرحه في ظل أجواء الحرب. 

وفي فبراير/شباط 2025، وخلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للبيت الأبيض، قال ترامب: إن "التطبيع بين إسرائيل والمملكة قد يتأخر بسبب الوضع في المنطقة"، في إشارة لاستمرار حرب غزة.

لكن شدد على أن السعودية لم تطلب دولة فلسطينية مقابل التطبيع مع إسرائيل. وهو ما ردت عليه الرياض على الفور ببيان يربط الأمرين معا.

ولأن نتنياهو يدرك ذلك الهدف من جانب ترامب، وسبق أن أعطاه الرئيس الأميركي مهلة 3 أسابيع لإنهاء الحرب، أي قبل زيارته للمملكة، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" 9 أبريل/نيسان 2025، فقد سارع لطرح أوراقه الأخيرة في المفاوضات.

الأوراق الأخيرة لنتنياهو، وفق المصادر، تتعلق بشروط إسرائيلية سبق تداولها إعلاميا، ولكنها طُرحت هذه المرة وسُلمت للوسيط المصري في القاهرة ليبلغها لحماس، بعدما أصرت الحركة على ربط إطلاق أسرى الاحتلال بوقف الحرب.

وهذه الشروط هي نزع سلاح حماس، وطرد عدد من قادتها خارج غزة، وهو ما رفضته الحركة على الفور، وفق قيادي بها تحدث لقناة الجزيرة القطرية.

وخلال المفاوضات التي جرت بالقاهرة، رفضت إسرائيل أي التزام بإنهاء الحرب أو انسحاب القوات الإسرائيلية - وهما المطلبان الرئيسان لحماس - مقابل إطلاق سراح نصف الأسرى الإسرائيليين الأحياء (24 من أصل 59) الذين تحتجزهم، لإتمام الصفقة.

وظل المعروض فقط هو "وقف إطلاق النار مقابل الطعام"، وبعد فترة (هدنة) وإطلاق أسرى الاحتلال، يعاود الجيش الإسرائيلي القصف والقتل، ومحاولة الانتهاء بنسبة كبيرة من هذه الورقة.

ويعني هذا الاتفاق على "تهدئات مؤقتة" و"تسليم الأسرى مقابل بضعة أيام من الهدوء"، وليس وقف الحرب، وهو ما رفضته حماس.

وتشكل الحرب "ورطة" لترامب الذي يرغب في غلق هذا الملف قبل سفره إلى الخليج لحصد التريليونات، وبالتالي ترى مصادر أنه لم يعد أمامه سوى إجبار نتنياهو على وقف الحرب.

وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" نقلت عن مصادر إسرائيلية 9 أبريل، قولها: "يبدو أن الرئيس الأميركي بدأ يفقد صبره، ويعمل على صفقة شاملة من شأنها أن تؤدي قريبا إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين وإنهاء الحرب في غزة". 

ما السبيل؟

ووفقا للمصادر، سيفيد أمران في زيادة الضغط على نتنياهو للقبول باتفاق في نهاية المطاف:

الأول: الضغط الداخلي في إسرائيل على نتنياهو وحالة العصيان العسكرية المتصاعدة التي تتهمه بالرغبة في استكمال الحرب لأهداف "سياسية" ولو على حساب حياة الأسرى.

إذ توالت مذكرات وعرائض لطيارين ووحدات استخباراتية ومظليين وأطباء وأكاديميين، يطالبون بوقف الحرب لإنقاذ حياة الأسرى، ومن بينهم ثلاثة رؤساء سابقون لجهاز الموساد (الاستخبارات الإسرائيلي)، داني ياتوم، وإفرايم هليفي وتمير باردو.

والثاني: أن إعلان حماس فقدان الاتصال مع المجموعة الآسرة للجندي الإسرائيلي الأميركي عيدان ألكسندر، بعد قصف إسرائيلي مباشر لمكان وجودهم، واتهام الأسير قبلها بأيام جيش الاحتلال بالسعي للتخلص من الأسرى، قد يشعل غضب ترامب ويدفعه لإنهاء الحرب.

لذا ترجح "المصادر" أن يضطر ترامب لطرح حل نهائي لحرب غزة، ولو بصورة عامة، ويجري تمرير صفقة تبادل مقابل وقف العدوان والانسحاب التدريجي، قبل زيارته السعودية.

وربما يفسر هذا استمرار حماس في إعلان إمكانية التوصل إلى وقف إطلاق نار قبل منتصف مايو، وهو التوقيت الذي حدده ترامب لزيارة السعودية والإمارات وقطر، رغم خفض سقف التوقعات بشأن جولة المفاوضات الأخيرة.

وقد أشار إلى هذا الرابط بين غزة وزيارة ترامب للمملكة، تقرير لمعهد "كارنيغي للسلام" في 14 أبريل 2024.

قال التقرير: إن "ترامب سيظل عليه أن يأخذ في الحسبان قضية غزة حتى ولو لم تنضم السعودية إلى اتفاقيات أبراهام دون التزام إسرائيل، ولو شكليا، بحل الدولتين الذي يتضمن انسحابها من الأراضي الفلسطينية المحتلة".

التقرير الذي كتبه وزير خارجية الأردن الأسبق مروان المعشر، أوضح أن المملكة تتمتع حاليا "بنفوذ كبير في واشنطن"، و"القادة السعوديون يدركون التشرذم العالمي الذي تسارعت وتيرته بفعل سياسات إدارة ترامب".

وبين أن ترامب يدرك دعم السعودية لغزة والفلسطينيين ورفضها العدوان الإسرائيلي، لذا سيتم التركيز خلال الزيارة على مطالب الرياض الأخرى (برنامج نووي سلمي، ومعاهدة دفاعية تُلزم أميركا بالدفاع عن المملكة، واقتناء أسلحة متطورة)، مع الأخذ في الحسبان المشاعر المحلية والإقليمية.

وضمن هذا السياق، الذي يشير إلى الربط بين غزة وزيارة ترامب، طرحت فرنسا "مبادرة" تطبيع سعودي إسرائيلي، دون اشتراط اعتراف تل أبيب بقيام دولة فلسطينية، وفق صحيفة "هآرتس" العبرية، 16 أبريل 2025.

وذلك ضمن "اتفاق شامل يتضمن وقف الحرب على غزة، والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وانسحابا إسرائيليا كاملا من القطاع، مقابل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية".

ووفق التقرير، تهدف باريس إلى صياغة تفاهم يرضي السعودية، ويتيح للحكومة الإسرائيلية الانخراط في العملية من دون إلزام واضح تجاه قيام دولة فلسطينية، لكن بشرط التهدئة في غزة وإطلاق سراح الأسرى وزيادة المساعدات الإنسانية.

قراراته أضرت المملكة

الورطة الثانية التي تواجه ترامب، قبل توجهه لزيارة الخليج، لحصد التريليون دولار التي وعده بها ولي العهد محمد بن سلمان، هي إضرار قرارات رسومه الجمركية بعوائد المملكة من النفط، التي يفترض أن تدفع منها هذا المبلغ.

فقد أدت رسوم ترامب الجمركية التي فرضها على غالبية دول العالم، وما تبعها من حروب اقتصادية، خصوصا مع الصين وأوروبا، إلى حالة عدم يقين في أسواق العالم نتج عنها تراجع الإقبال على النفط وانخفاض أسعاره.

وقالت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في 7 أبريل 2025: إن "رسوم ترامب الجمركية وتراجع أسعار النفط سيُعقدان خطة السعودية التي تبلغ قيمتها تريليون دولار" للاستثمار في أميركا.

كما أن فرض ترامب رسوما جمركية وتراجع أسعار النفط "سيُعقدان أجندة رؤية السعودية 2030" التي تعاني من مشكلات بسبب نقص الموارد المالية وتحقيق المشروع بعض الخسائر وتقليص مساحته.

وكانت سوق الأسهم السعودية قد خسرت أكثر من نصف تريليون ريال من قيمته السوقية في 6 أبريل، بسبب الرسوم الجمركية وانخفاض أسعار النفط وتصدرت أسهم أرامكو تراجع السوق؛ حيث انخفضت بنسبة 6.2 بالمئة.

وقالت بلومبيرغ: إن أرامكو السعودية خسرت في مرحلة ما أكثر من 90 مليار دولار من قيمتها السوقية، ونشرت رسما بيانيا يوضح أنها تأثرت بشدّة بعمليات البيع العالمية وهبوط أسعار النفط.

ومن المقرر أن يتوجه الرئيس ترامب إلى الخليج في أول رحلة خارجية له في ولايته الثانية، بعدما أعلنت كل من الإمارات والسعودية على حدة التزامهما باستثمار ما لا يقل عن تريليون دولار في الاقتصاد الأميركي على مدى العقد المقبل.

وكانت تقديرات وتقارير اقتصادية أميركية وغربية أكدت أنه بسبب قرارات ترامب، تراجعت أسعار النفط إلى قرابة 60 دولارا (هبوط بنحو 13 بالمئة)، ما أثّر على عوائد دول الخليج، قبل أن يعاود الارتفاع تدريجيا بعد تجميد الرئيس الأميركي للرسوم.

وأكدت صحيفتا "وول ستريت جورنال" 6 أبريل، و"الغارديان" 7 أبريل، أن السعودية تضررت من قرارات ترامب الجمركية، وباتت "تعاني من نقص إيرادات النفط، وقد تجد صعوبة في الوفاء بوعودها المالية له خلال زيارته لها".

وقبل الشكوى الخليجية، أكد "جوناثان بانيكوف"، مدير مبادرة سكوكروفت للأمن بالشرق الأوسط، في "تحليل" بموقع "أتلانتيك كونسل"، أن منتجي الطاقة العرب سيتأثرون بالرسوم الجمركية الأميركية.

وقال في 3 أبريل: "حتى لو لم يحدث ذلك (تأثير انخفاض النفط على الأموال التي يريدها ترامب) بشكل مباشر، فسوف يُضر هذا بوعود الاستثمار التي وعدت السعودية ودول أخرى الرئيس الأميركي بها".

وقد رجحت صحف أميركية أن يكون تراجع ترامب عن الرسوم الجمركية وتجميدها ثلاثة أشهر قبل زيارة المملكة، له علاقة، أو هو جزء من محاولة تعويض خسائر السعودية النفطية.

وأشارت إلى أنه قد يضطره لتقديم إغراء وثمن كبير للمملكة في صورة اتفاقيات سلاح أو حماية، كي يضمن الحصول على هذه الأموال، أو رعاية وقف نهائي لحرب غزة لتمرير صفقة التريليونات في هدوء.

ضربة لأميركا نفسها

وأشارت صحف أميركية إلى سبب آخر لتراجع ترامب عن رسومه وتجميدها، هي تعويض شركات النفط الصخري الأميركية التي دعمه رؤساؤها في الانتخابات الرئاسية، أملا في أن يخفض لهم تكاليف استخراج هذا النفط (تتراوح بين 30 و90 دولارا).

ولكنهم فوجئوا بقراراته الجمركية وانخفاض أسعار النفط عالميا، بأرقام أقل من تكلفة الإنتاج، ما تسبّب لهم في خسائر وإفلاس الشركات الصغيرة.

وسخرت صحيفة "وول ستريت جورنال" 6 أبريل 2025، من وعد ترامب بخفض أسعار الطاقة، مشيرة إلى أنه "لم يكن من المفترض أن يكون الأمر كذلك؛ لأن المتضرر الأكبر من هذه الوعود هو شركات النفط الصخري الأميركية".

قالت: "كان الرئيس ترامب قد تعهّد بخفض أسعار الطاقة، لكن لم يخطر ببال أصدقائه في قطاع النفط أنه سيضرهم بفعلته هذه، ويحدث تغييرا جذريا في الاقتصاد العالمي".

وأكدت أن "الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، أدت إلى انخفاض أسعار النفط بنسبة 14 بالمئة في يومين، مما أدى إلى إلحاق الضرر بشركات النفط الصخري والتكسير الهيدروليكي الأميركية.

كما أكدت صحيفة "الغارديان" البريطانية 7 أبريل 2025، أن انخفاض أسعار النفط بفعل قرارات ترامب العشوائية وخلافات دول أوبك، أضر بهذا القطاع وبالاقتصاد الأميركي.

وتراجع سعر الخام الأميركي 60 دولارا للبرميل، ما جعل شركات النفط الصخري تواجه الإفلاس بسبب الركود الاقتصادي، ودفع هذا رؤساءها لمطالبة ترامب بالبحث عن خطة سريعة لوقف هذا الانهيار، وفق ما قالت وكالة بلومبيرغ في 6 أبريل 2025.

وتتراوح تكلفة إنتاج برميل النفط الصخري ما بين 25 إلى 95 دولارا أميركيا للبرميل، وفق تقديرات مختلفة، عكس النفط العادي الذي يتكلف ما بين 10 و20 دولارا لاستخراجه.

وهو ما يعني أن السعر الحالي للنفط في العالم (أقل من 60 دولارا) يضر هذه الشركات ويدفعها للإفلاس، رغم مراهنتها على ترامب كي يدعم خفض تكاليف الإنتاج.

وقالت وكالة "بلومبيرغ" 4 أبريل: إن انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 60 دولارا للبرميل، والذي تفاقم بفعل إجراء السعودية أكبر التخفيضات على ثمن نفطها الرئيس منذ سنوات، "يهدد خزائن الدول المنتجة التي تحتاج إلى أسعار أعلى بكثير لتلبية ميزانياتها".

وفي هذا إشارة لما أعلنته المملكة بشأن استثمار تريليون دولار في أميركا بطلب من الرئيس ترامب، وحاجتها أيضا للإنفاق على مشاريع "نيوم" التي تقلصت بصورة كبيرة بفعل نقص الإيرادات التي تأتي من مبيعات النفط.