محمد معزو.. رئيس جزر المالديف الذي دافع عن غزة وحرم بلده على الإسرائيليين

"لا نريد أموالكم الملطخة بالدماء"
قرار جريء اتخذه رئيس جمهورية جزر المالديف، محمد معزو، بمصادقته على قانون برلماني، يحظر بشكل كامل دخول الإسرائيليين إلى بلاده.
وأصدرت رئاسة المالديف بيانها يوم 15 أبريل/ نيسان 2025، بمنع كل من يحمل الجنسية الإسرائيلية من دخول أراضيها، مع منح من يحمل جنسية أخرى من الإسرائيليين أن يدخل بها.
جاء موقف رئيس الدولة الواقعة في المحيط الهندي، كرد قوي على حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وتضمن البيان الرئاسي، أن المالديف عضو في منظمة التعاون الإسلامي، وتواصل الدعوة إلى المساءلة عن انتهاكات القانون الدولي التي تمارسها إسرائيل، مع إدانة أفعالها.
ولم يكن هذا هو الموقف الأول لـ محمد معزو، ضد الاحتلال؛ فقبل عام، وفي أبريل 2024، منعت إحدى جزر المالديف الواقعة تحت حكمه، دخول الإسرائيليين.
ومن العبارات التي كتبت حينها على شواطئ تلك الجزيرة، وتناقلها صناع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، "لا نريد أموالكم الملطخة بالدماء".
فمن هو الرئيس محمد معزو؟ وما توجهاته السياسية؟ وما الأفكار التي يحملها ودفعته وحكومته لاتخاذ هذا الموقف القوي ضد دولة الاحتلال؟
نشأة معزو
ولد محمد معزو في 15 يونيو/ حزيران 1978، في منطقة "مافانو" بالعاصمة المالديفية "ماليه".
والده هو حسين عبد الرحمن، المحامي والقاضي والعالمي الإسلامي الشهير في جزر المالديف.
وشغل عبد الرحمن والد معزو، منصب نائب المدعي العام في البلاد منذ عام 1981 إلى 1990.
كما تخرج في جامعة الأزهر في مصر عام 1975، حاصلا على شهادة في الشريعة والقانون. وفي عام 1986 عاد إلى الجامعة، لإكمال درجة الماجستير في سياسات الشريعة، وحصل عليها.
وتوفي حسين عبد الرحمن عام 2015 خلال أدائه فريضة الحج بالمملكة العربية السعودية.
أما محمد معزو فقد تأثر بالبيئة الإسلامية والعلمية التي نشأ فيها في كنف والده، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس متعددة داخل بلاده، منها "إسكندر" و"ماجيديا"، وكلاهما يعتمد المنهج البريطاني.
وكان معزو طالبا متفوقا؛ ففي عام 1995 حصل على المستوى الأول على المستوى الوطني، في امتحانات الصف العاشر.
ثم سافر بعدها إلى المملكة المتحدة، لدراسة الهندسة المدنية في جامعة لندن، وفي عام 2009، حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة المدنية بجامعة ليدز؛ حيث تناولت أطروحته للدكتوراه "التأثيرات الحرارية والزمنية على وصلات الأسقف والجدران الخرسانية المسلحة المتجانسة".

صعوده السياسي
تمرس محمد معزو في شؤون السياسة عن طريق حزب العدالة، وهو حزب إسلامي، أعلن تبنيه الديمقراطية، والتزم بالخط المحافظ.
وفي عام 2012 تولى معزو منصب وزير الإسكان والبيئة خلال إدارة الرئيس المالديفي الأسبق محمد وحيد، كعضو في حزب العدالة.
وكما كان معزو متفوقا في دراسته، أثبت تفوقه في المنصب الذي استمر فيه حتى عام 2019، وفي هذه الفترة شهدت جزر المالديف طفرة في بنيتها التحتية.
كما تميزت بإنجازات كبيرة في تنفيذ مشاريع الإسكان؛ حيث شهدت البلاد ارتفاع أطول مبانيها، بما في ذلك أعمال الطرق المكثفة وجهود استصلاح الأراضي.
ومن بين المشاريع البارزة التي أطلقها معزو إقامة جسر "سينا مالي" الذي يربط بين الجزر، ومستشفى "داروما فانثا"، ومدينة "هيا" السكنية، والطريق الرئيس "هاهدو نماثي"، وطريق "ماليه" الدائري.
علاوة على ذلك، قام بتطوير العديد من الحدائق والأماكن العامة تحت إشرافه ما تسبب في تحول جذري في العاصمة ماليه، وجعلها مقصدا للسياح والمستثمرين.
إضافة إلى ذلك سهل معزو إتمام العديد من مشاريع استصلاح الأراضي، وتطوير الموانئ، ومشاريع المياه والصرف الصحي في جميع أنحاء الجزر المرجانية بنجاح.
عمدة "ماليه"
نتيجة للنجاحات التي حققها أصبح محمد معزو شخصية مؤثرة في شعب جزر المالديف، لذلك تم تعيينه عام 2010، أمينا عاما لحزب العدالة.
وظل في منصبه، بينما كان يشغل منصب وزير الإسكان، وبعد الانتخابات الرئاسية لعام 2018، حدثت خلافات داخلية في حزب العدل وتحالف تنمية جزر المالديف، الذي كان يضم الحزب إضافة إلى أحزاب أخرى.
ليغادر معزو الحزب والتحالف وينضم إلى حزب "التقدم" أو حزب "المالديف التقدمي" وهو حزب صاحب أيديولوجية إسلامية أيضا.
ويعد أكبر حزب سياسي في البلاد، بعد أن أسسه الرئيس الثالث لجزر المالديف مأمون عبد القيوم.
وفي عام 2019، عُيّن معزو نائبا للرئيس الحزب، ورئيسا لدائرة الانتخابات الداخلية.
وفي 17 مايو/ أيار 2021، انتخب رئيسا لبلدية ماليه، وهي عاصمة جمهورية جزر المالديف وأكبر مدينة فيها، وحصل على 12470 صوتا ضد مرشح الحزب الديمقراطي المالديفي الحاكم آنذاك.
وقد شهدت هذه الانتخابات تحولا كبيرا؛ حيث أصبح معزو أول رئيس بلدية ماليه يتم انتخابه مباشرة من قبل مواطنيها، وأول من يتم انتخابه لمدة خمس سنوات.
وأنهى فوزه 11 عاما من سيطرة الحزب الديمقراطي المالديفي على مجلس مدينة ماليه.

نحو الرئاسة
خلال فترة ولايته لبلدية العاصمة، قام معزو بزيارات منزلية للحصول على فهم أعمق للظروف المعيشية في ماليه، ثم دعا إلى اللامركزية وتمكين الهيئات المحلية.
وفي عام 2023، شارك في العديد من الاحتجاجات التي نظمها حزب المالديف التقدمي وحزب المؤتمر الشعبي الوطني، والتي طالبت بالإفراج عن الرئيس السابق عبد الله يمين.
ثم ألقي القبض عليه لاحقا ووضع في حجز الشرطة، وأطلق سراحه بعد يوم واحد.
كان تحالف الحزب المالديف التقدمي، وحزب المؤتمر الشعبي، يسعى إلى إطلاق سراح يمين وتقديمه للترشح للرئاسة ومع عجزهم عن ذلك، جعلوا محمد معزو هو المرشح الأول.
وفي أغسطس/ آب 2023، أعلن عن ترشح محمد معزو للرئاسة، عن حزب المؤتمر الشعبي الوطني، وهو جزء من ائتلاف المعارضة، مع عضو البرلمان حسين محمد لطيف كنائب له.
وخلال حملة الانتخابات، قام محمد معزو بجولة موسعة شملت 153 جزيرة مأهولة بالسكان وجميع المدن الرئيسة في جزر المالديف في غضون 53 يوما.
كما ركزت حملته الانتخابية على عدة قضايا رئيسة، بما في ذلك السيادة الوطنية، وتطوير البنية التحتية، وقطاع الإسكان.
وأكد التزامه بإلغاء الاتفاقيات التي ينظر إليها على أنها تهدد استقلال جزر المالديف وسيادتها، خاصة تلك التي تنطوي على وجود عسكري أجنبي هندي.
بعد ذلك شهدت الانتخابات الرئاسية المالديفية لعام 2023، معركة شرسة لم تحسم من الجولة الأولى.
ففي البداية حصل معزو على 46.6٪ من الأصوات (101635 صوتا)، وهي أغلبية لم تكفل له الحسم.
وتقدم إلى الجولة الثانية في 30 سبتمبر/ أيلول 2023، وحينها انتخب رئيسا، عندما فاز بنسبة 54.4٪ مقابل 46.4٪ للرئيس آنذاك إبراهيم محمد صليح.
وفي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أدى معزو اليمين الدستورية كرئيس جديد.
ضد الهند
كانت أولى خطوات معزو في السياسة الخارجية كرئيس جديد، العمل على إخراج أفراد الأمن الهنود المنتشرين في جزر المالديف لمراقبة حدودها البحرية الشاسعة.
وفي 10 مايو/ أيار 2024، عقب محادثات مع نيودلهي، نجح في إخراج 89 جنديا هنديا، إضافة إلى موظفي الدعم، من الدولة التي تضم 1192 جزيرة مرجانية صغيرة.
واستبقت الهند بالمحادثات تجنبا لأزمة دبلوماسية أكبر، خاصة أن معزو قبلها في 12 مارس 2024، أمر العسكريين الهنود الذين يديرون طائرات المراقبة بالمغادرة.
وشكل رئيس جزر المالديف قلقا للهند التي تعد الدولة من مناطق نفوذها، لا سيما أنه بدأ ولايته بزيارة تركيا والصين، متجاهلا نيودلهي.
وشكلت هذه الزيارات خروجا عن التقليد القديم لرؤساء المالديف بجعل الهند وجهتهم الأولى.
وزار معزو تركيا في 15 مارس 2024، والتقى بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ودعا إلى تعزيز أطر التواصل بين أنقرة وماليه.
بعد الزيارة أشار الرئيس المالديفي إلى بدء مراقبة المياه المالديفية لأول مرة باستخدام الطائرات المسيرة التركية.
وأكد أن الرئيس أردوغان لعب دورا محوريا في تحقيق هذا الهدف، كما أوضح أن جزر المالديف تسلمت ثلاث طائرات مسيرة، معربا عن أمله في زيادة هذا العدد بفضل العلاقات الثنائية الوثيقة بين البلدين.

عدو إسرائيل
ومنذ بداية إبادة غزة، دعم معزو فلسطين بقوة، ودافع باستمرار عن حقوقهم على المنصات الدولية.
ففي 23 ديسمبر/ كانون الأول 2023، أشاد بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يطالب بزيادة المساعدات الإنسانية لشعب غزة .
وأكد أن إيصال المساعدات وسط الغارات الجوية المستمرة أمر غير عملي وحث المجتمع الدولي على البناء على هذا القرار لإنهاء الأعمال العدائية وضمان حقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.
وفي أعقاب قرار مجلس الأمن الداعي إلى وصول إنساني آمن ودون عوائق في جميع أنحاء غزة، سلط معزو الضوء على الهجمات الوحشية المستمرة التي يواجهها الفلسطينيون، ودعا إلى اتخاذ إجراءات دولية أقوى وأكثر واقعية.
وفي 26 يناير 2024، رحّب بأمر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير أولية تدعو إسرائيل إلى منع ومعاقبة التحريض المباشر على الإبادة الجماعية في غزة.
وذكر أن إسرائيل يجب أن توقف عملياتها العسكرية في غزة وتنفذ وقفا فوريا لإطلاق النار، مؤكدا أن السلام لا يمكن تحقيقه من خلال العنف والتهجير.
وتماشيا مع دعم إدارته لفلسطين، فرض في 2 يونيو/ حزيران 2024، بناء على توصية من مجلس الوزراء، حظرا على جوازات السفر الإسرائيلية (يختلف هذا عن قرار الحظر الجديد، المبني على قانون برلماني).
وتضمن هذا القرار تعديل القوانين لمنع الدخول بجوازات سفر إسرائيلية وإنشاء لجنة فرعية تابعة لمجلس الوزراء للإشراف على هذه الجهود.
بالإضافة إلى ذلك، عين معزو مبعوثا خاصا لتقييم الاحتياجات الفلسطينية، وأطلق حملة لجمع التبرعات مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
ونظم مسيرة وطنية في 3 يونيو 2024، تحت شعار "فلاستييانا إيكو ديفيهين" أي "شعب جزر المالديف يتضامن مع فلسطين".
وقبل الحظر الكامل وبفضل جهود معزو وحكومته تقلص عدد السياح الإسرائيليين إلى المالديف بشكل ملحوظ.
وبحسب موقع "والا" العبري، زار 59 إسرائيليا فقط جزر المالديف في فبراير/شباط 2025، مقارنة بأكثر من 11 ألف في نفس التوقيت عام 2023.
وقدرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار محمد معزو بحظر دخول الإسرائيليين إلى بلاده، ووصفته بأنه "خطوة شجاعة وفي الاتجاه الصحيح".
ودعت حماس في بيان، دول العالم كافة إلى الاقتداء بموقف المالديف.
خاصة الدول التي قالت: إنها انحازت إلى قيم العدالة التي يمثلها الحق الفلسطيني، والعمل على عزل "الكيان الصهيوني" دوليا، ومحاسبته على جرائمه الوحشية.
المصادر
- رئيس المالديف يصدّق على قرار يحظر دخول الإسرائيليين
- تعقيبا على قرار جزر المالديف.. حماس تطالب دول العالم بعزل إسرائيل
- Maldives President Muizzu in India on first state visit to repair ties
- India troops begin Maldives pullout after pro-China leader’s order: Reports
- Maldives leader says Israel must be held to account for ‘genocide’ in Gaza
- The President express gratitude to the Turkish President for his continuous assistance to Maldives in augmenting military capabilities
- هناك حظر على الدخول، وحكومة إسرائيل تطلب من مواطنيها عدم السفر إلى جزر المالديف