مد تركيا يدها لحفتر بالتدريب والسلاح.. رسالة للدبيبة أم لفرنسا وروسيا؟

إسماعيل يوسف | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

كانت مفارقة غريبة أن يستقبل رئيس أركان القوات البرية التركية، الفريق أول سلجوق بيراكتار أوغلو، صدام نجل الانقلابي خليفة حفتر، الذي يتولى منصب رئيس أركان القوات البرية لقوات حفتر، يوم 4 أبريل/نيسان 2025.

ثم يعقد معه، بمقر رئاسة القوات البرية التركية بأنقرة، اتفاقيات "تسليح وتدريب" لقوات حفتر، التي سبق أن حاربتها أنقرة وهزمتها، إثر تمردها على حكومة طرابلس المعترف بها دوليا.

تفسيرات متضاربة قيلت حول أسباب استقبال تركيا نجل حفتر ومد قوات المتمردين بالسلاح، رغم أنها كانت تحاربها سابقا، منها أن أنقرة ربما تحاول احتواء حفتر وقواته ضمن عمليات توحيد جيش ليبيا، بدمج جيشي الشرق والغرب.

أو الضغط على حكومة طرابلس لتسريع الاتفاق مع الشرق، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وتوحيد الدولة.

أو أن يكون الأمر متعلقا بتغيير في الموقف التركي واتباع سياسة "براغماتية"، تتعلق بمصالح تركيا، وضمنها تقاربها مع مصر وأميركا لتضييق الخناق على روسيا وفرنسا.

حفاوة بعد عداوة

المفارقة التي قد تفسر جانبا من "استدعاء حفتر الابن" لتركيا، هي أن وزارة الدفاع التركية اختارت دعوته في ذكرى حربه، التي أحبطتها المُسيرات التركية ضد طرابلس في 4 أبريل/نيسان 2019، أي في ذكرى هزيمته، فهل لهذا دلالة؟

مجلة "جون أفريك" الفرنسية لاحظت هذه المفارقة، وأشارت إلى أن "تاريخ الزيارة ليس مصادفة لأنه يواكب ذكرى هجوم قوات حفتر على طرابلس وانتصارها نهائيا عليها في عام 2020"، لكنها قالت: إن الطرفين طويا صفحة هذه الحرب.

وأكدت أن الهجوم العسكري على طرابلس، من قبل قوات حفتر، المدعومة من روسيا والإمارات، لم تتمكن حكومة الوفاق الوطني السابقة في غرب ليبيا من صده، إلا بدعم وتدخل عسكري تركي.

لكن بعد مرور خمس سنوات، جرى طي هذه التوترات والاختلافات وتم استئناف رحلات الخطوط الجوية التركية إلى شرق ليبيا ومشاركة الشركات التركية في إعادة إعمار درنة، المنطقة التي دمرتها العاصفة دانيال في سبتمبر 2023.

ويقول الصحفي الليبي عماد فتحي: إن ذهاب نجل حفتر إلى تركيا "بمثابة هزيمة وإذلال لقوات الانقلاب في الشرق، فقد هزمت تركيا مشروع والده الانقلابي عام 2019".

وأوضح عبر "إكس" أن ذهاب حفتر الابن إلى تركيا، في ذكرى هزيمة قواته، هو إقرار علني بأن مشروعه العسكري قد انتهى بلا رجعة.

وأضاف أن "من كان يقصف طرابلس ويرفض الحوار، يذهب اليوم مكسورا إلى عاصمة الدولة التي دحرت مشروعه العسكري، بعد أن انقلبت عليه الموازين".

واللافت في زيارة صدام، هو حفاوة الاستقبال الرسمي الذي لقيه من الجانب التركي، حيث تم استقباله بعزف النشيد الوطني وعرض عسكري رسمي في وجود كبار القادة في الجيش التركي، بمقر رئاسة القوات البرية التركية.

وهذه ليست أول زيارة لصدام حفتر لتركيا، فقد حضر فعاليات معرض "ساها إكسبو 2024" الدولي للدفاع والفضاء بمدينة اسطنبول في أكتوبر 2024، والتقى حينها بوزير الدفاع التركي يشار غولر.

كشفت "جون أفريك" تفاصيل الاتفاق العسكري بين صدام حفتر وتركيا، مشيرة إلى أنه تضمن شراء معدات عسكرية، دون تحديدها.

إضافة إلى 30 برنامجا تدريبيا على مدى السنوات الخمس المقبلة، أبرزها تدريب قوات حفتر على تسيير الطائرات من دون طيار التركية، التي سبق أن هُزمت بواسطتها.

وكذا تنظيم مناورات مشتركة، وتدريب خبراء أتراك 1500 جندي من قوات جيش حفتر في مجالات مثل الدفاع والصيانة وإزالة الألغام والدعم الفني.

وأشارت مصادر ليبية إلى أن زيارة صدام حفتر، تضمنت إمكانية عودة الشركات التركية لاستئناف نشاطها في مناطق شرق وجنوب ليبيا، مع توقعات بإطلاق مشروعات مُعلقة.

وكان لافتا أنه بعد أسبوع من زيارة صدام إلى أنقرة، سافر رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة إلى تركيا للمشاركة في منتدى أنطاليا 11 أبريل/نيسان 2025، ما عده محللون محاولة لتوثيق العلاقات مع الحليف التركي أيضا.

ويوم 11 يناير/كانون الثاني 2025، وبعد اتهام السودان لقوات حفتر في شرق ليبيا بتقديم مرتزقة وأسلحة لقوات قائد الدعم السريع المتمرد حمدان دقلو (حميدتي)، تحدثت تقارير سودانية عن تهديد تركي بقصف قوات حفتر.

وأكد هذا في تسجيل صوتي "صلاح عبد الله قوش"، رئيس المخابرات السودانية السابق، الذي ذكر أن "تركيا هددت حفتر في ليبيا بقصف أي تحرك عسكري له يتجه إلى الحدود السودانية بغرض دعم قوات الدعم السريع ضد الجيش".

تفسيرات الزيارة

بحسب تقارير وتحليلات مختلفة لأوساط ليبية ومراكز أبحاث، يمكن تفسير استقبال تركيا نجل حفتر وتوقيع اتفاقات تسليح وتدريب معه بثلاثة أمور:

أولها: محاولة تركيا استيعاب قوات حفتر ودمجها في الجيش الليبي، بدليل أنه تم الاتفاق في الزيارة على مساعدة الجانب التركي، في الإسراع بتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، من خلال التنسيق المشترك بين المنطقتين الشرقية والغربية.

وقد أشارت لهذا مصادر في وزارة الدفاع التركية قالت لقناة TRT Haber التركية 10 أبريل/نيسان 2025، أن زيارته جاءت ضمن "خطوة إستراتيجية تركية جديدة ومهمة في نطاق هدف إنهاء الصراع بين الأشقاء، وإنشاء ليبيا موحدة وواحدة".

أيضا نقلت وكالة "الأناضول" التركية في 10 أبريل عن مصادر بوزارة الدفاع التركية، تأكيدها الأمر نفسه بشأن أن الزيارة "خطوة في إطار هدف إنهاء الشجار بين الأشقاء"، مؤكدة أنه: "حان الوقت لذكر ليبيا بصفتها ليبيا، وليس بصفتها شرقا وغربا".

وأوضحت أن "هذه الزيارة الرسمية تكتسب أهمية خاصة؛ لأنها تعكس سياسة تركيا في احتضان كل ليبيا وتعزيز الشمول والاستقرار فيها".

أيضا وصفت مجلة "جون أفريك" في 10 أبريل، اتفاقيات التدريب بين تركيا وقوات حفتر بأنها: "عمل يهدف بشكل عام إلى توحيد المؤسسة العسكرية الليبية بالتنسيق المشترك بين المنطقتين الشرقية والغربية".

وهناك تفسير ثانٍ: كما يقول الخبير في الشأن الليبي، علاء فاروق، وهو إرسال عدة رسائل محلية وإقليمية ودولية مفادها اعتراف رسمي بهذه القوات التابعة لحفتر بأنها جيش منظم يمكن توقيع اتفاقات معه.

وأن على جيش الغرب الليبي (المكون من عدة ميليشيات) تنظيم صفوفهم، والظهور بصورة قوة عسكرية موحدة؛ إذ إن هناك شكاوى تركية من عجز حكومة طرابلس عن إنتاج مؤسسة عسكرية قوية موحدة.

“فاروق” أوضح، في تقرير نشره مركز الدراسات العربية الأوروسية، في 7 أبريل 2025، حفاوة الاستقبال الرسمي الذي لقيه صدام حفتر من الجانب التركي، رسالة للحليف الليبي في الغرب (طرابلس)؛ إذ جاءت الزيارة في توقيت يشهد فيه معسكر الغرب الليبي العسكري صدامات وتحشيدات وحالة فوضى من أجل السيطرة والنفوذ، ووسط عجز تام من حكومة الوحدة الموجودة هناك، برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

كما يحمل توقيت الزيارة دلالة من حيث البُعدين الدولي والإقليمي؛ لأنها جاءت في ظل تحرك من البعثة الأممية ومجلسي النواب والدولة في ليبيا لتشكيل سلطة تنفيذية جديدة موحدة يمكنها إجراء عملية انتخابية تجدد الشرعية، وتأتي برئيس منتخب للمرة الأولى في تاريخ ليبيا.

المصالح أولا

ويشير محللون ليبيون وتقديرات غربية إلى “تفسير ثالث” للموقف التركي يستند إلى المصالح، أي "تفسير برغماتي"، تستهدف بموجبه البحث عن مصالحها وموضع قدم في إفريقيا، خاصة السواحل التي تسيطر عليها قوات حفتر.

إذ إن جزءا مهما من مصالح تركيا الإستراتيجية يقع قبالة الجزء الشرقي لليبيا، والذي يسيطر عليها الجيش الذي مثله صدام في زيارته لأنقره.

فهناك رغبة تركية في ضمان استمرارية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط، التي وقعتها مع حكومة طرابلس في الغرب، في 27 نوفمبر 2019، والتي تحتاج لتنسيق مع الطرف الذي يسيطر على شرق ليبيا؛ حيث السواحل المهمة.

أيضا لأنقره مصالحها في ملفات اقتصادية تتعلق بإعادة الإعمار وغيرها من مصالح لها صلة مباشرة بتمدد تركيا بإفريقيا.

وقد أشار لهذا الكاتب الليبي "أحمد خليف" بتأكيده أن الأتراك هم المستفيد الأول من استقبال صدام حفتر في أنقرة، حيث سيحققون المزيد من التمدد الاقتصادي والاستثماري التركي في بنغازي خصوصا وعموم المنطقة الشرقية.

كما سيكون لهم تمدد عسكري وأمني هناك، ليس رسميا مثل وجود الجيش التركي في المنطقة الغربية، بل في هيئة شركات أمنية وعسكرية تركية خاصة لتدريب مليشيات حفتر وستخصص مقرات ومعسكرات لها في بنغازي مثل فاغنر وبلاك ووتر.

وأرجع لجوء عائلة حفتر لتركيا إلى خشيتها من فقدان دورها في ليبيا وتخلي حلفائها عنها.

قال: "من نصح عائلة خليفة حفتر بالارتباط بالأتراك يدرك جيدا المشهد الإقليمي القادم، ويعرف أن هذه العائلة فقدت أو على وشك فقدان حلفائها الإقليميين، وقد يحدث معها ما حدث لبشار الأسد ونظامه، وهذا غير مُستبعد".

وقد أشار تحليل لـ "مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية"، في 10 أبريل 2025، إلى أن زيارة صدام حفتر إلى أنقرة تُعد تحولا إستراتيجيا في سياسة تركيا، من زاوية سعيها لتوسيع نفوذها عبر بناء علاقات متوازنة مع طرفي النزاع لضمان مصالحها السياسية والاقتصادية.

وأوضح أن محاولات الجانب التركي الانفتاح على شرق ليبيا وعدم الاكتفاء بالتحالف مع حكومة الوحدة الوطنية التي تحكم طرابلس ليست جديدة، بل تعود إلى عام 2023؛ حيث ترغب أنقرة في لعب دور الوساطة لجمع الفرقاء الليبيين بما يحقق لها التأكيد على دورها الفاعل في الملف الليبي، وبالتالي ضمان مصالحها السياسية والاقتصادية، وأبرزها الحفاظ على اتفاق ترسيم الحدود البحرية.

واستكمال النشاط الاقتصادي التركي القديم، والحصول على عقود استثمار وإعادة إعمار جديدة دون اعتراض أي طرف ليبي داخلي.

ما موقف مصر؟

قرأ بعض الكتاب المصريين خطوة تقارب تركيا وجيش حفتر على أنها تهديد للنفوذ المصري في شرق ليبيا؛ فالقاهرة هي التي قامت برعاية وتسليح وتدريب جيش حفتر، ضمن خطط النظام برئاسة عبد الفتاح السيسي لإجهاض دور الإسلاميين في ليبيا الذين كانوا يسيطرون على الحدود مع مصر.

الصحفي المصري أحمد العش، رأى أن توقيع صدام حفتر اتفاقية دفاعية مع جيش حفتر (قوات شرق ليبيا)، تشمل تسليح وتدريبات بحرية مشتركة على ساحل بنغازي، بمثابة إقصاء تركي للدور المصري هناك.

لكن المحلل علاء فاروق، الخبير في الشأن الليبي، يرى أن هذه الزيارة بتنسيق وتوافق بين تركيا والدولة المصرية من جانب، وتوافق وتبادل الرؤى بين مصر ومعسكر حفتر من جانب آخر.

وأشار إلى أنها ليست مجرد زيارة أو تحرك محلي من صدام ووالده، ورجح وجود تنسيق مع مصر بشأنها.

وأوضح أن القاهرة الداعم الإقليمي الأكبر لحفتر، وما زالت تراهن على ورقته ومشروعه، وإن تراجع دعمها العسكري له، لكنها ترى فيها شريكا موثوقا به، وأقرب جدا إلى الرؤية المصرية، ويمكن الاعتماد عليه كجيش منظم.

ويشير تحليل "مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية"، إلى أن انفتاح تركيا على تطوير العلاقات مع معسكر الشرق، يعني بالضرورة تقليص حجم الخلافات مع مصر، المؤثرة في ليبيا، بعد خلافات خلال الصراع في ليبيا عامي 2019 و2020، وليس العكس.

وقد أشارت تقارير غربية أيضا إلى أن هذا التقارب تدعمه الولايات المتحدة الأميركية، لتحجيم النفوذ الروسي في سواحل ليبيا وإفريقيا عموما.

وتحدثت عن أن هذا ما يجعل أنقرة ورقة مهمة للإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، ويفيد في تقليص اعتماد حفتر على الدعم الروسي.

وتعد زيارة صدام ذات الطابع العسكري لتركيا، بمثابة اعتراف تركي غير مباشر بشرعية القيادة العامة كمؤسسة عسكرية قائمة، وهو أمر تؤيده القاهرة راعية قوات حفتر من البداية هي والإمارات، وفق محللين ليبيين.

ويرون أن هذا التقارب بين تركيا وجيش حفتر قد يكون مفيدا في المستقبل لصالح لعبها دورا في المصالحة بين الشرق والغرب وتوحيد ليبيا، وهو هدف تعلنه مصر أيضا؛ حيث سينظر للدور التركي في هذه الحالة على أنه وسيط نزيه يرضاه الطرفان، ما يعزز فرص التسوية السياسية في البلاد.

وهو ما يعني أيضا أن تركيا سيكون لها دور كبير في ملف إخراج المرتزقة الأجانب من ليبيا بعدما تشرعن وجودها من خلال اتفاقات مع جيش حفتر وقياداته.