“ضربة قاصمة”.. هل ستتأثر قوة الحوثيين بعد تدمير أميركا منصة وقود رأس عيسى؟

يوسف العلي | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

في تطور يشكل تحولا كبيرا، استهدفت الولايات المتحدة بضربات- هي الأعنف منذ بدء هجماتها على اليمن- ميناء رأس عيسى النفطي، الذي يمثل "شريان الحياة" لجماعة الحوثي.

ومنذ 15 مارس/ آذار 2025، تنفذ أميركا مئات الغارات على اليمن، ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات، وتأتي هذه الغارات بعد أوامر أصدرها الرئيس دونالد ترامب لجيش بلاده بشن "هجوم كبير" ضد جماعة الحوثي، قبل أن يهدد بـ"القضاء عليها تماما".

غير أن الجماعة تجاهلت تهديد ترامب، واستأنفت قصف مواقع داخل إسرائيل وسفن في البحر الأحمر متوجهة إليها، ردا على استئناف تل أبيب منذ 18 مارس حرب الإبادة بحق الفلسطينيين في غزة.

"مصدر القوة"

وعلى وقع الهجوم على ميناء رأس عيسى، أصدرت القيادة المركزية الأميركية، بيانا في 17 أبريل/ نيسان 2025، أكدت فيه أنها دمرت منصة الوقود في هذا الميناء الذي يسيطر عليه الحوثيون، فيما عدته الأخيرة بأنه تصعيد "خطير" منذ بدء هجمات الولايات المتحدة.

وقالت القيادة الأميركية في بيانها: إن "الحوثيين استمروا في الاستفادة اقتصاديا وعسكريا من الدول والشركات التي تُقدم دعما ماديا لمنظمة أجنبية مُصنفة إرهابيا. مشيرة إلى أن هذه الجماعة "المدعومة من إيران تستخدم الوقود لدعم عملياتهم العسكرية كسلاح للسيطرة، وللاستفادة اقتصاديا من اختلاس عوائد الاستيراد".

وأضافت: "يجب أن يُزوّد الشعب اليمني بهذا الوقود بشكل شرعي. ورغم إدراج اليمن على قائمة الإرهاب الأجنبي الذي دخل حيز التنفيذ في 5 أبريل، استمرت السفن في توريد الوقود عبر ميناء رأس عيسى. تُموّل أرباح هذه المبيعات غير القانونية بشكل مباشر جهود الحوثيين الإرهابية وتدعمها".

وذكرت أن “القوات الأميركية اتخذت اليوم إجراءات للقضاء على هذا المصدر للوقود للإرهابيين الحوثيين المدعومين من إيران، وحرمانهم من الإيرادات غير المشروعة التي موّلت جهودهم لإرهاب المنطقة بأكملها لأكثر من 10 سنوات”، على حد زعمها.

وبحسب البيان، فإن "الهدف من هذه الضربات هو إضعاف مصدر القوة الاقتصادية للحوثيين، الذين يواصلون استغلال مواطنيهم وإلحاق الأذى بهم. لم يكن القصد من هذه الضربة إلحاق الأذى بالشعب اليمني، الذي يسعى، بحق، إلى التخلص من نير الحكم الحوثي والعيش بسلام".

وختمت القيادة المركزي الأميركية بيانها بالقول: "يجب تنبيه الحوثيين وأسيادهم الإيرانيين ومن يدعمهم ويدعم أعمالهم الإرهابية عمدا، إلى أن العالم لن يقبل بتهريب الوقود والمواد الحربية إلى منظمة إرهابية".

من جهتها، رأت وكالة "سبأ" التابعة للحوثيين أن ما حصل "تصعيد خطير" تجاه اليمن، وأن طائرات أميركية شنت غارات مباشرة على ميناء رأس عيسى النفطي بمحافظة الحديدة، "استهدفت فيه منشأة مدنية وعمالا وموظفين، في واحدة من أبشع المجازر المرتكبة".

وفي حصيلة غير نهائية، ذكرت وكالة الحوثيين أن الحصيلة غير النهائية للقصف الأميركي على "رأس عيسى"، تفيد بوقوع 74 قتيلا، ونحو 171 جريحا،  من دون الكشف عن الخسائر التي لحقت بالميناء.

وأظهرت صور أقمار صناعية نشرتها وكالة "أسوشتيد برس" في 18 أبريل، دبابات ومركبات مدمرة في ميناء يمني تعرض لغارات جوية أميركية مع تسرب النفط إلى مياه البحر الأحمر.

"شريان الحياة"

وبخصوص أهمية ميناء "رأس عيسى" بالنسبة للحوثيين، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي: إنه "يمثل شريان حياة بالنسبة لهم، وإن هذا الشريان كان مكفولا بفعل التغطية الأميركية".

وأضاف التميمي لـ"الاستقلال" أن "رفع الولايات المتحدة الغطاء واستهدافها لمنشآت مدنية ونفطية تخص قطاعا مهما جدا كمورد اقتصادي للحوثي، يعني أن هناك تحولا في المقاربة الأميركية، وأن الضربات العسكرية اليوم موازية مع ضربات اقتصادية وسياسية".

ورأى الخبير اليمني أن "هذا يعني أن خاتمة المواجهة الأميركية مع الحوثيين وإيران هي ربما تحييد الحوثي عسكريا وسياسيا، بالتالي يُعد تحوّلا في سياسة الولايات المتحدة".

وأردف: "لأن هذا الميناء (رأس عيسى) وميناء الحديدة ومطار صنعاء هي واحدة من ثمار الضغوط الأميركية التي مورست على السعودية والحكومة الشرعية اليمنية لكي يحصل الحوثيون على ما حصلوا عليه من امتيازات".

وشدد التميمي على أن "الولايات المتحدة، تضرب وتحطم هذه الامتيازات اليوم، وهذا تحوّل حقيقي قد يسرع في نهاية المعركة إلى غير ما يخطط له الحوثيون ويقاتلون من أجله".

وعن مدى تحمل الحوثي الضربات بعد استهداف "رأس عيسى"، قال التميمي: إنه "طالما هم موجودون في الساحل، فبإمكانهم أن يهرّبوا المشتقات النفطية، كونهم ربما لديهم مخزون، لكن لا شك أنها ضربة قاصمة لشريان مهم جدا كانت تعتمد عليه هذه الجماعة لتحريك آلياتها واقتصادها".

ورغم عدم وجود أرقام دقيقة عن الأموال التي يجنيها الحوثيون من ميناء "رأس عيسى"، لكن التميمي أكد أن "معظم احتياجات الكتلة السكانية الكبرى في البلد من المشتقات النفطية تمر عبره، وهذا يعني أن الملايين من الدولارات تذهب سنويا إلى هذه الجماعة".

وطرح محمد عبد السلام رئيس مركز "أبعاد" للدراسات اليمنية، جملة من التساؤلات عبر تدوينة على "إكس" في 19 أبريل، قائلا: “كم كسب الحوثيون من القرصنة على السفن في ممرات الملاحة الدولية؟ وكم خسر اليمنيون من تدمير الموانئ والمنشآت الاقتصادية؟”

وتابع: “كم ربح الحوثيون من أموال وسلطة في حربهم على الشعب اليمني؟ وكم خسر اليمنيون من أرواح وأموال ووطن؟”

وأجمل عبد السلام تساؤلاته بسؤال أخير، قائلا: “إذا لم تكن أنت أيها الحوثي العدو الأول الذي جلب العالم كله للحرب في اليمن ودمر الدولة وشرد الشعب، فمن هو العدو؟”

"ركيزة إستراتيجية"

يكتسب ميناء "رأس عيسى" أهمية كبيرة بسبب إطلالته على الساحل الغربي لليمن ليكون منفذا بحريا إستراتيجيا وأحد المنافذ اليمنية المحورية والحيوية على البحر الأحمر، فهو يبعد نحو 78 كيلومترا عن محافظة الحديدة.

أنشئ الميناء عام 1986 ليكون محطة تصدير عائمة للنفط باستخدام السفينة "صافر" التي ترسو بشكل دائم بالقرب من الساحل، ويرتبط بخط أنابيب يمتد مسافة 438 كيلومترا لنقل النفط الخام من حقول مأرب اليمنية.

وتصل القدرة التخزينية للمحطة إلى نحو 3 ملايين برميل، تحفظ في 34 خزانا نفطيا، وبلغت طاقتها التصديرية حتى عام 2011 نحو 200 ألف برميل نفط يوميا.

وكانت تدير المحطة شركة "صافر" لاستكشاف وإنتاج النفط حتى سيطرة جماعة الحوثيين عليها، فأصبحت تتبع إدارة ميناء الصليف الذي تشرف عليه مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية.

يعد ميناء رأس عيسى النفطي من أهم المرافئ المتخصصة في تصدير النفط الخام باليمن، ويشكل نقطة عبور رئيسة للنفط اليمني إلى الأسواق العالمية بفضل موقعه الإستراتيجي القريب من مضيق باب المندب.

عمق المياه في الميناء تصل إلى نحو 50 مترا، مما أهله لاستقبال السفن النفطية العملاقة، وتشير مصادر إلى أنه قادر على استقبال أكثر من 50 سفينة وناقلة نفط.

وبناء على ذلك، يُشكّل ميناء "رأس عيسى" النفطي أهمية محورية وركيزة إستراتيجية تعتمد عليه في استقبال شحنات الوقود، وإدخالها إلى المناطق والمحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرتها، وهو أيضا يُعد منصة رئيسة لاستيراد المشتقات النفطية.

وكان الميناء مُخصصا في السابق لتصدير النفط اليمني الخام، قبل أن يتحوّل فقط عقب انقلاب الحوثيين وانقلابها على الشرعية أواخر العام 2014 لاستيراد واستقبال شحنات الوقود بمختلف أنواعه.