قاعدة جوية وبحرية في إقليم برقة الليبي.. هل تعده روسيا بديلا واعدا لسوريا؟

إنشاء جسر جوي بين روسيا وليبيا بعد أيام من سقوط نظام بشار في 8 ديسمبر 2024.
كشف موقع "إيتاميل رادار" الإيطالي، المتخصص في رصد تحركات الطائرات في البحر المتوسط، الجمعة 13 ديسمبر/كانون الأول 2024 عن إنشاء جسر جوي بين روسيا وليبيا بعد أيام قليلة من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وقال موقع تتبع الرحلات الجوية إنه "في هذه اللحظة بالذات، تقوم طائرتان من طراز إليوشن-76TD تابعتان لوزارة حالات الطوارئ (والتي تقوم أيضا بمهام متكررة نيابة عن وزارة الدفاع) برحلات متناوبة بين روسيا وشرق ليبيا، وعلى وجه التحديد قاعدة الخادم الجوية الواقعة شرق بنغازي".
وأشار الموقع إلى تحول تركيز موسكو نحو إقليم برقة، خاصة بعد التطورات في سوريا والحديث عن إمكانية إنشاء قاعدة جوية وبحرية في المنطقة.

طموح موسكو
يرى موقع إخباري إيطالي أن اختيار إقليم برقة كوجهة لهذا الجسر الجوي "ليس عشوائيا" مبينا أن "شرق ليبيا، الواقع تحت سيطرة قوات الجنرال خليفة حفتر، يشكل منطقة إستراتيجية بالنسبة لروسيا".
وقال موقع "إنسايد أوفر" إن موسكو سعت في السنوات الأخيرة، إلى تعزيز نفوذها في شمال إفريقيا، المنطقة المفتاح في البحر الأبيض المتوسط ونقطة عبور تدفقات الهجرة السرية إلى أوروبا.
ووصف الموقع إقليم برقة الليبي بالبديل الواعد لسوريا بالنظر إلى احتمال "فقدان الأخيرة أهميتها الإستراتيجية بسبب الوضع غير المستقر واستنزاف الموارد الروسية في الصراع"، أي على إثر سقوط نظام الأسد الحليف رغم الدعم الروسي والإيراني الكبيرين.
ويرى أن احتمال قيام موسكو بإنشاء قاعدة جوية وبحرية دائمة في المنطقة لا يثير قلق الدول الأوروبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط فحسب، بل حلف شمال الأطلسي أيضا.
ويشرح بأن الحضور الروسي المستقر في ليبيا من شأنه أن "يشكل تهديدا مباشرا للأمن البحري والجوي في وسط البحر الأبيض المتوسط، فضلا عن تعزيز قدرات الإسقاط العسكري الروسي في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل".

مجموعة فاغنر
وأشار موقع "إيتاميل رادار" إلى أنه من المعروف أن الأصول العسكرية الروسية والأفراد الذين كانوا مرتبطين سابقا بمجموعة المرتزقة المكلفة من الكرملين بالقيام بمهام معينة وتعزيز لمصالح الروسية، "فاغنر" والآن جزء من ما يسمى "فيلق إفريقيا الروسي" موجودون في ليبيا.
وبعد مقتل رئيس المجموعة يفغيني بريغوجين في حادث سقوط طائرة في أغسطس 2023، قررت موسكو إعادة هيكلة عملياتها شبه العسكرية في إفريقيا، مع الحفاظ على وجود كبير في مناطق رئيسة مثل ليبيا ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى.
وفي ليبيا، يرى الموقع الإيطالي أن "فيلق إفريقيا الروسي" يعد بمثابة "أداة لتعزيز السيطرة الروسية على المنطقة وبذلك ضمان الوصول الإستراتيجي إلى البحر الأبيض المتوسط وحقول الطاقة في البلاد".
انقسام الناتو
أشار الموقع في تقريره إلى أن أحد أهم جوانب مناورات موسكو الأخيرة في ليبيا وخاصة الجسر الجوي، يتعلق بعدم إغلاق تركيا العضو في الناتو مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية.
وقال إن "هذا التفصيل يسلط الضوء على التناقضات داخل الحلف الأطلسي" موضحا أن تركيا، على الرغم من كونها حليفا رسميا، غالبا ما تبنّت مواقف مستقلة إن لم تكن متعارضة بشكل علني فيما يتعلق بنهج الناتو.
واستدل في ذلك بقرارها شراء النظام الدفاع الجوي الروسي" أس 400".
وادعى كذلك أن أنقرة تلعب أيضا دورا "غامضا" في ليبيا بدعمها حكومة الوفاق الوطني سابقا ومقرها طرابلس، غرب البلاد، ضد هجوم قوات حفتر في عام 2019، لكنها في الوقت نفسه تحافظ على قنوات اتصال مفتوحة مع موسكو.
وأضاف أن "هذا الغموض يعقد قدرة حلف شمال الأطلسي على الاستجابة بشكل متماسك للتحركات الروسية في المنطقة ويزيد من إمكانية حدوث المزيد من الانقسامات داخل الحلف".

تحركات روسية
أردف إنسايد أوفر أن الجسر الجوي الروسي مع ليبيا والحديث عن انسحاب محتمل من قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، يعكسان تغييرا جذريا في إستراتيجية موسكو.
وكانت وكالة "رويترز" قد نقلت عن 4 مسؤولين سوريين أن روسيا بدأت سحب قواتها من خطوط المواجهة في شمال سوريا ومن مواقع في جبال العلويين، لكنها لم تنسحب من قاعدتيها الأساسيتين، قاعدة حميميم وطرطوس البحرية.
فيما أكد الكرملين أن مصير القواعد العسكرية في سوريا لا يزال قيد النقاش، مشيرا إلى أن الاتصالات مع المسؤولين السوريين لا تزال مستمرة.
ويشرح الموقع الإيطالي أن روسيا تعمل "على إعادة توزيع مواردها لزيادة نفوذها في المناطق التي يوفر فيها فراغ السلطة وعدم الاستقرار فرص إستراتيجية".
وعلى حد تعبيره، "تشكل ليبيا، التي تشكو انقسامات وغير المستقرة سياسيا، المكان المثالي لتنفيذ هذه الإستراتيجية".
وأكد أن كل من أوروبا وحلف شمال الأطلسي لا يمكنهما تجاهل الوجود الروسي المتزايد في البحر الأبيض المتوسط.
ويرى أن المسألة "ليست عسكرية فحسب، إذ إن السيطرة الروسية على ليبيا قد تؤثر على تدفقات الهجرة غير الشرعية نحو السواحل الأوروبية".
أي أنها قد تتسبب في زيادتها بوتيرة أكبر وذلك بالتواطؤ مع المهربين ومنظمي رحلات الموت انطلاقا من سواحل الشرق الليبي ويكون لها كذلك تأثير على أسواق الطاقة والديناميات السياسية الإقليمية.
وفي هذا السياق، حذر الموقع الإيطالي من أن "عجز الغرب عن الاستجابة بطريقة موحدة ومتماسكة للتحديات التي تفرضها روسيا وتركيا يهدد بترك المجال مفتوحا لكليهما".
وتابع بأن التحركات الروسية في ليبيا تشكل علامة إضافية دالة على "نظام عالمي متفكك ومتعدد الأقطاب بشكل متزايد".
ولفت إلى أن روسيا " تُظهر، على الرغم من الصعوبات الاقتصادية والعسكرية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، أنها تتمتع بالقدرة والرغبة في بسط نفوذها خارج حدودها التقليدية".
وقال إن "مصير ليبيا أن تصبح مركزا جديدا للتوترات الجيوسياسية نظرا إلى موقعها الإستراتيجي ومواردها الغنية من الطاقة".
وشكك في قدرة حلف الناتو وأوروبا على تطوير إستراتيجية فعالة لمواجهة التوسع الروسي في ظل الانقسامات داخل الحلف.
بينما تواصل موسكو، بحسب توصيفه، "تحريك بيادقها على رقعة الشطرنج في البحر الأبيض المتوسط وتبرهن أن الفرص في السياسة الدولية غالب ما تنشأ في فترات الأزمات على وجه التحديد".