حاجة ملحة وتقدم بطيء.. ما العقبات أمام إعادة تأهيل الطيران المدني السوري؟

"في غضون 6 أشهر ستكون مطارات سوريا جاهزة لاستقبال الرحلات الخارجية"
تجتهد هيئة الطيران السورية في تشغيل حركة المطارات، وإعادتها إلى العمل بصورة آمنة ومطابقة للمعايير الدولية في حركة الملاحة الجوية، لما في ذلك من تأثير إيجابي على تحريك اقتصاد البلد.
فمع تعليق الاتحاد الأوروبي الفوري في 24 فبراير/شباط 2025 لحزمة من العقوبات المفروضة على سوريا شملت قطاع النقل، وتأمل الحكومة السورية أن تساعد في الحصول على المعدات وقطع الغيار لقطاع الطيران الذي تضرر على مدى 14 عاما.
حركة طيران محدودة
ومنذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 انكشف حجم الضرر في قطاع الطيران المدني.
إذ ما تزال حركة الطيران إلى سوريا بطيئة ومحدودة بسبب غياب التحديثات المطلوبة عن مطار دمشق الدولي والتي تشكل مصدر قلق لشركات الطيران الدولية؛ إذ أسهمت العقوبات التي فرضت على نظام بشار الأسد عقب الثورة عام 2011 في تحول مطار دمشق إلى منفذ جوي بدائي وأجهزة إلكترونية قديمة، وغياب أنظمة وتكنولوجيا المطارات الحديثة كافة في الوقت الراهن.

ويوجد في سوريا أربعة مطارات مدنية، وهي دمشق الدولي، وحلب الدولي، واللاذقية الدولي.
هذا إضافة إلى مطار القامشلي شمال شرقي البلاد الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
أما الأسطول الجوي المدني السوري الحالي فلا يتجاوز أصابع اليد في عدد الطائرات، وهي 4 طائرات لشركة "أجنحة الشام" الخاصة، و5 طائرات للمشغل الحكومي "السورية للطيران".
وأدت العقوبات الدولية على نظام الأسد البائد إلى منع تجديد وتحديث المعدات الملاحية وبرامج التدريب، إضافة إلى منع استيراد قطع الغيار أو شراء واستئجار طائرات أخرى.
ووقعت هيئة الطيران المدني السوري ومنظمة الطيران المدني الدولي (تأسست عام 1944)، ممثلة في المكتب الإقليمي بالشرق الأوسط، في 27 فبراير 2025 مذكرة تفاهم في دمشق بهدف تطوير هذا القطاع بالبلاد، ووضع أسس وطرق للتعاون المستقبلي بين الجانبين.
وأكد رئيس هيئة الطيران المدني والنقل الجوي السوري "أشهد الصليبي" أن زيارة الوفد الدولي إلى دمشق، جاءت في توقيت يحمل الكثير من التحديات والفرص.
وشدد على أن التعاون الدولي هو السبيل الأمثل لتطوير قطاع الطيران المدني، بما يتماشى مع أعلى المعايير العالمية.
ولفت الصليبي إلى أن اللقاءات ناقشت تعزيز سلامة وأمن الطيران، وتحديث البنية التحتية، ورفع كفاءة الملاحة الجوية.
وتهبط حاليا في مطار دمشق الدولي طائرة واحدة في اليوم تتبع للسورية للطيران أو أجنحة الشام الخاصة أو طائرات الخطوط الجوية التركية أو القطرية إضافة إلى طائرات سعودية مخصصة لنقل المساعدات.
بينما هناك طائرة تتبع الخطوط الجوية الملكية الأردنية لها رحلات أسبوعية إلى مطار دمشق.
إعادة تأهيل المطارات
ويعمل مطار دمشق الدولي حاليا باستيعابية محدودة وسط نقص في المعدات الملاحية الضرورية.
ويجرى العمل على إعادة تركيب المساعدات الجوية المهمة لهبوط الطائرات مثل جهاز توجيه الطائرات في الهبوط (VOR)، وجهاز قياس المسافة (DME)، وجهاز الهبوط الآلي (ILS) وهذا الأخير يتطلب ستة أشهر لتركيبه في أي دولة مستقرة.
واليوم، تعكس محاولة إعادة سوريا لمنظومة الطيران المدني العالمي، من خلال تطبيق المعايير والتعاون لبناء القدرات الفنية، مدى أهمية هذا القطاع الحيوي على أكثر من صعيد وعلى رأسها تسهيل تنقل السوريين من وإلى بلدهم.
وتعمل الحكومة السورية على إعادة تأهيل المطارات من تركيب المعدات الملاحية لتأمين سلامة أمن الطيران في المطارات المدنية الثلاثة بشكل متتابع.
وكذلك إعادة تفعيل التواصل مع الموردين وشركات الطيران في العالم، من أجل إعادة تأهيل قطاع النقل الجوي في سوريا، سواء من معدات ملاحية أو أجهزة وبرامج تطوير وتدريب.

وفيما يخص الخطوط الجوية المحلية، تعمل هيئة الطيران السورية على إعادة استيراد وتوريد جميع قطع الغيار اللازمة لتأهيل الطائرات الجاثمة على الأرض، إلى جانب رفد القطاع الجوي بطائرات جديدة ومتطورة مستقبلا.
وقد أكد مستشار الهيئة العامة للطيران المدني السوري سامح عرابي أنهم يعملون على وضع خطط عمل وإستراتيجيات جديدة للبدء في إعادة تفعيل وتأهيل قطاع النقل الجوي في سوريا، وذلك بالتزامن مع البدء في رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد.
وقال عرابي في تصريحات صحفية في 28 فبراير 2025: إن من أهم العقبات والمشكلات التي كنا نعاني منها بسبب العقوبات الاقتصادية هي عدم قدرة قطاع الطيران في سوريا على تجديد أو تحديث المعدات الملاحية أو برامج التدريب والهيكلية.
وشمل الشلل “قطاع استيراد قطع غيار الطائرات والمحركات أو شراء واستئجار طائرات أخرى”.
وأردف "كل ذلك أدى لترهل في الأسطول السوري للطيران كناقل وطني، وفي نظام الملاحة الجوية".
وبين عرابي أن العمل على بدء تسيير رحلات مباشرة بين المطارات السورية والأوروبية جارٍ، منوها إلى أن ذلك ليس بالأمر السهل.
وقال: “نعلم جيدا مدى أهمية النقل ما بين سوريا وكل الدول وليس فقط في أوروبا”. مشيرا إلى أهمية تشغيل الخطوط مع القارة العجوز مع وجود جالية سورية كبيرة فيها، خاصة في ألمانيا.
وقد قدر عرابي أنه خلال عام على الأقل يجرى العمل على تشغيل خمس طائرات تتبع الطيران المدني السوري.
ولفت إلى أن مسألة عودة المطارات للعمل بشكل طبيعي ليست بالسهلة، مبينا أن عملية وضع رادار تتطلب على الأقل عامين يشملان التعاقد والشراء ثم التركيب وتدريب التقنيين أو المراقبين الجويين، لكن مع ذلك نعمل على إنجاز المهمة خلال ستة أشهر.
وأردف “نسعى حاليا للاستثمار في قطاع الطيران مع الخطوط العربية والدولية، وليس الاعتماد على المساعدات".
وبين أن "من شأن ذلك اختصار الوقت والوقود؛ حيث يمكن للطائرات القادمة من الخليج نحو أوروبا أو بالعكس، العبور عبر الأجواء السورية والاستفادة من موقع سوريا الإستراتيجي في هذا الشأن”.
وفي منتصف فبراير 2025 وقّعت هيئة الطيران المدني السوري مذكرة تفاهم مع نظيرتها القطرية في الدوحة لتعزيز التعاون في هذا القطاع.
وقد تضمنت مذكرة التفاهم العديد من البنود الجوهرية، منها: مناقشة سبل تعزيز التعاون في مجال خدمات الطيران المدني، بما يشمل الملاحة الجوية والبنية التحتية، والتعاون في مجال التدريب والتطوير، وقد جرى الاتفاق على توقيع اتفاقية لتدريب المراقبين الجويين السوريين في قطر.
عامل زمني
ويعتمد بناء مستقبل مستدام للطيران المدني السوري على الاستفادة من أفضل الإنجازات في هذا المجال مع الدول العربية والغربية.
لا سيما أن الأهداف الاقتصادية المتعلقة بالطيران المدني السوري، مهمة في هذه المرحلة الجديدة لسوريا.
إذ تتوقع هيئة الطيران المدني السوري أن تكون جميع مطارات البلاد جاهزة بشكل كامل لاستقبال الرحلات الجوية الخارجية، خاصة القادمة من أوروبا خلال ستة أشهر .
ويتطلب ذلك، وفق الخبراء التركيز على أبرز التطورات في مجالي السلامة والأمن والتكامل بين الطيران والسياحة ودورهما في تحقيق الأهداف الاقتصادية.
وقد باشرت الخطوط القطرية العبور فوق الأجواء السورية، الأمر الذي سيزيد من الخزينة المالية لهيئة الطيران المدني السوري.
وتضرر قطاع الطيران السوري على مدار 12 عاما نتيجة غياب حركة المرور ضمن الأجواء السورية، فضلا عن العقوبات الغربية على هذا القطاع.
وتشارك تركيا منذ فبراير 2025 في جهود إعادة تأهيل مطار دمشق الدولي، وتركز على أمن الملاحة والجانب التقني.
وركبت تركيا في المرحلة الأولى نظامي إرسال واستقبال لاسلكيين جديدين لتعزيز سلامة الطيران في مطار دمشق، وفق ما نقلت وكالة الأناضول عن وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، في 2 مارس 2025.
وبجانب ذلك، تجري الفرق التركية أعمال صيانة وتجديد للأجهزة المتعلقة بتأمين رحلات الطيران.
وأوضح الوزير التركي أنهم نقلوا أيضا 113 مركبة وجهازا ونظاما عبر 6 شاحنات لضمان تنفيذ الرحلات الجوية بأمان في مطار دمشق، والمجال الجوي السوري عموما.
وأكد أن الجانب الأمني يعدّ من أهم الأولويات في المطارات، مشيرا إلى أن المعدات التي أرسلتها تركيا أسهمت في رفع مستوى الأمان في المطار.
ومن بين الأنظمة التي قدمتها تركيا لمطار دمشق، أجهزة الأشعة السينية وكاشفات آثار المتفجرات، بحسب أورال أوغلو.
وأضاف: "المهندسون والفنيون الأتراك يبذلون جهدا كبيرا في الميدان لإعادة تأهيل البنية التحتية للمطار. كما نراجع الأنظمة الحالية المستخدمة في المطار ونعمل على إصلاح الأعطال فيها".
وأشار إلى أنهم أسهموا أيضا في تعزيز مستوى السلامة من الحرائق في مطار دمشق لمواجهة حالات الطوارئ، وذلك عبر تقديم مركبات وتقنيات خاصة بعمليات الإنقاذ ومكافحة الحرائق في المطارات.
وبلغت الخسائر المحققة للطيران السوري في حقبة الأسد نحو 70 بالمئة من إجمالي عائدات العام 2011 من الهبوط والإقلاع والعبور فوق الأجواء والبالغة نحو 50 مليون دولار سنويا.

وسبق أن كشف مدير عام الطيران المدني بنظام الأسد البائد، باسم منصور، في أغسطس/آب 2022 أن الخسائر تجاوزت 480 مليون دولار منذ العام 2011، يضاف إليها 300 مليون دولار أعطال منشآت، وأجهزة ملاحية، ورادارات بسبب عمليات القصف.
وتنبأ خبراء بتحقيق واردات سنوية تقدر بـ 100 مليون دولار في حال عودة الحركة الجوية السورية لما كانت عليه قبل عام 2011.
وأمام ذلك، تعمل هيئة الطيران المدني السورية، مع شركات أوروبية بينها شركة ألمانية لتركيب نظام رادار جديد وفق المعايير العالمية.
وتطالب شركات الطيران بتوفير تلك المعايير لتوقيع عقود جديدة مع الحكومة السورية الحالية.
ويؤكد الخبراء أن فتح حركة الطيران من أوروبا إلى سوريا وبالعكس في هذا التوقيت سيعود بمنافع اقتصادية كبيرة لا سيما مع وجود أعداد كبيرة من السوريين هناك.
إذ يرغب كثير من السوريين أن يكون هناك ناقل مباشر من الدول التي يقيمون فيها إلى وطنهم الأم سوريا.
ويعد رفع العقوبات عن قطاع الطيران الخطوة الأولى في هذا الإطار، تتبعه خطوات لتشغيل الراحلات الجوية المنتظمة والعارضة من وإلى سوريا.
في المقابل، يسعى المشغل الحكومي "السورية للطيران" للحصول على عقود من الدول وأن لا يترك الأمر فقط للشركات الخاصة.
المصادر
- جهود تركية متواصلة لتطوير مطار دمشق الدولي
- هيئة الطيران المدني السوري ومنظمة الطيران المدني الدولي توقعان مذكرة تفاهم
- هيئتا الطيران المدني السوري والقطري توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون
- الهيئة العامة للطيران المدني تكشف خطة لزيادة أسطول الطائرات في سوريا
- الطيران السوري يعلن موعد افتتاح مطار حلب.. ويليه اللاذقية