بعد دعوة أوجلان لحل "العمال الكردستاني".. ما مصير "بي كاكا" في العراق؟

"حزب العمال يعد بمثابة صفقة رابحة لطهران ولا يمكن التخلص منه بهذه السهولة"
لا تقتصر توقعات انعكاس القرار التاريخي بحل حزب "العمال الكردستاني" وإلقاء السلاح، الذي اتخذه زعيمه عبد الله أوجلان، على الرقعة الجغرافية التركية فحسب كونه حزبا تركيا، وإنما قد يمتد إلى الدول المحيطة أيضا، ومنها العراق؛ حيث معاقله في جبال قنديل وسنجار.
ومن محبسه في جزيرة إمرالي التركية، خرجت دعوة أوجلان في 27 فبراير/ شباط 2025، ليعلن حزبه الاستجابة، لكنه دعا تركيا إلى الإفراج عن الأخير المعتقل منذ 1999 كي تتسنى له قيادة عملية نزع السلاح، ووضع شروط سياسية وديمقراطية لإنجاح العملية.
"تأثير إيجابي"
وبخصوص مدى انعكاس القرار على الداخل العراقي، ومصير وجود "العمال الكردستاني" على أراضيه، قال الكاتب والمحلل السياسي الكردي، ياسين عزيز: إن التأثير سيكون كاملا في المناطق التي يوجد فيها الحزب بالعراق سواء في قنديل أو سنجار وغيرها.
وأوضح عزيز لـ"الاستقلال" أنه "إذا ما استجاب الحزب بشكل كامل لنداء عبد الله أوجلان فإن تأثيره سيكون على كل مناطق وجوده بالعراق؛ لأن النتيجة ستكون حل العمال الكردستاني بجميع أشكاله ومسمياته".
وأشار إلى أن "حزب العمال الكردستاني ومن يعمل تحت غطائه ليسوا حزبا عراقيا حتى يستطيع ممارسة العمل السياسي في العراق بعد التخفي عن سلاحه، خصوصا أن معظم قيادات الحزب الموجودين في داخل العراقي هم من غير العراقيين".
ورغم أن بين عناصر “العمال الكردستاني” مقاتلين من مناطق مختلفة من العراق، وتحديدا من مدن إقليم كردستان، لكنهم ليسوا من قيادات الحزب أو حلفائه، بل هم عناصر اعتيادية، لذلك يتوقع عزيز أن يعود هؤلاء إلى مناطق سكناها إذ جرى حل الحزب وإنهاء نشاطه المسلح.
وبحسب الخبير الكردي، فإنه "إذا ما تمَّت عملية السلام بناء على مشروع أوجلان- ولن يكون هذا سهلا؛ لأنه بحاجة الى تفاصيل كثيرة والتزامات يجب على السلطات التركية القيام بها- فإن ذلك سيؤثر إيجابا على الوضع الأمني والسياسي والاجتماعي في الإقليم والمناطق الأخرى".
وبيّن عزيز أن "حل العمال الكردستاني وإلقاء صلاحه، ستمثل نهاية للوجود العسكري التركي داخل الأراضي العراقية؛ لأن مبررات تركيا هو وجود تهديد لأمنها القومي منطلقا من داخل العراق قد أصبح من الماضي".
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، غالب الدعمي عبر منصة "إكس" في 2 مارس: إن النتائج التي ستتحقق في العراق نتيجة خروج حزب العمال الكردستاني عن معادلة الصراع في المنطقة، منها خروج القوات التركية من الأراضي العراقية.
ورأى الدعمي أن “حكومة كردستان العراق ستتخلص من الإحراج الذي تتعرض له من بعض المؤيدين لوجود (بي كاكا) في الإقليم وضغوط تركيا”. مشيرا إلى أنه "أعطى قوة للحكومة العراقية في حل هذا الملف؛ لأن حزب العمال الكردستاني مدعوم من أطراف عراقية محلية".
ومن النتائج التي يراها الدعمي أيضا بعد خروج "العمال الكردستاني" من المعادلة، “أن إيران فقدت أحد أصدقائها الذي كانت تستخدمه في حوارها مع تركيا كونه يحظى بدعم إيراني واضح”. مشيرا إلى أن "العالم يتجه نحو قوة الدولة وتصفير الدول الموازية داخل الدولة".
"وجود عسكري"
موقف العراق الرسمي من "العمال الكردستاني"، هو "حزب محظور" في البلاد، وذلك في تصنيف لأول مرة تعلنه السلطات العراقية، على وقع زيارة أردوغان الأخيرة إلى بغداد في 22 أبريل/ نيسان 2024.
وفي مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أشار أردوغان في حينها إلى أن "الأمن والتعاون في مكافحة الإرهاب كانا من أهم البنود المطروحة على جدول أعمال المباحثات مع الجانب العراقي".
كما رحَّب بإعلان حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" تنظيما محظورا في العراق، مؤكدا: "تشاورنا حول الخطوات المشتركة التي يمكن اتخاذها ضد تنظيم (بي كا كا) الذي يستهدف تركيا من الأراضي العراقية".
من جانبه، قال السوداني: إن "أمن العراق وتركيا شيء واحد لا يتجزأ، ولا يمكننا السماح بالهجمات على بلد آخر من الأراضي العراقية".
ورغم موقف العراق من "العمال الكردستاني" وإعلانه حزبا محظورا بعنوانه الصريح، فإن ثمة تشكيلا مسلحا باسم "وحدات مقاومة سنجار" يتلقى دعما من السلطات.
ويٌعرف هذا الأخير اختصارا بـ"اليبشة" ويتبع لحزب العمال الكردستاني، وهو من يسيطر على مدينة "سنجار" الإستراتيجية، ولطالما طالبت تركيا بإنهاء وجوده فيها.
وينضوي تشكيل "اليبشة" ضمن قوات الحشد الشعبي المشكّلة في عام 2014 من مجموعة فصائل مسلحة شيعية قريبة من إيران، والمرتبطة رسميا بالقائد العام للقوات المسلحة العراقية.
وفي عام 2016 أعلن سعيد حسن قائد "وحدات مقاومة سنجار"، أن الحكومة العراقية اعترفت بهم رسميا، وأنهم حاليا قوة عراقية في إطار الحشد الشعبي، ويتسلمون رواتبهم شهريا لنحو 500 مقاتل". حسبما نقلت شبكة "رووداو" العراقية.
وعن علاقة طهران مع "بي كاكا"، قال محافظ نينوى العراقية السابق أثيل النجيفي: إن “حزب العمال الكردستاني، له دور كبير في عمليات تهريب المخدرات من إيران إلى العراق وسوريا ومنها إلى الخليج العربي”. حسبما نقلت وكالة "بغداد اليوم" العراقية في 25 مارس/آذار 2019.
وأضاف النجيفي، أن "حزب العمال يعدّ بمثابة صفقة رابحة لطهران ولا يمكن التخلص منه بهذه السهولة".
وأشار إلى أن "إيران رفضت خروج الجناح العسكري للحزب (بي كا كا) من مدينة سنجار العراقية (تابعة لنينوى) وبعض المناطق الأخرى التي يوجد بها".
وأوضح المسؤول العراقي السابق أن "وجود حزب العمال في تلك المناطق سبق وجود تنظيم الدولة، واستقوى في فترة دخول الأخير بناء على خطة مسبقة، وحصل على فرصة كبيرة ليتغلغل في تلك المناطق".
وأضاف النجيفي أن "بعض الجهات العراقية وبدعم إيراني غامرت بدعم حزب العمال لمحاربة الكرد، وخلق صراع كردي- كردي على حساب الوطن؛ إيمانا منهم بأنها الطريقة الأسهل لتحجيم المطالب الكردية".
وأكد محافظ نينوى السابق أن "وجود الحزب في سنجار والمناطق الأخرى ينعكس سلبا على مجمل الوضع العراقي، وأن هناك جهات تستفيد من وجود العمال الكردستاني، على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، لاستخدامهم في صراع إيران وأميركا في المنطقة".
ودفع الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني لعقد اتفاقية أمنية مع العراق عام 1994، تسمح للقوات التركية بتنفيذ ضربات جوية ضد معاقل الحزب الذي تصنفه إرهابيا، والتوغل البري لمطاردته إلى عمق 25 كيلومترا على طول الشريط الحدودي.

حضور سياسي
ولا يقتصر وجود "العمال الكردستاني" في العراق على الجانب العسكري فقط، بل تمكن في عام 2018، من الحصول على مقعد في البرلمان العراقي، بعدما فازت إحدى أعضائه ضمن قائمة كردية من إقليم كردستان.
ومن خلال يسرى الرجب، مرشحة قائمة "الجيل الجديد" الكردية، التي يتزعمها رجل الأعمال الكردي الشاب، شاسوار عبد الواحد، في مدينة السليمانية، تمكن حزب العمال الكردستاني من الحصول على مقعد في البرلمان العراقي في انتخابات عام 2018.
وكانت الرجب، رئيسة حركة "حرية المجتمع الكردستاني" في منطقة كرميان التابعة لمدينة السليمانية، وهي تعدّ عمليا واحدة من كوادر "حزب العمال الكردستاني" المعارض لأنقرة، وهي تعمل أيضا أستاذة جامعية وحاصلة على شهادة الماجستير في القانون الدولي العام.
وحركة "حرية المجتمع الكردستاني"، تأسّست عام 2014 من قبل حزب "العمال الكردستاني" كواجهة له للعمل المدني والإعلامي، عقب اجتياح تنظيم الدولة للعراق، ودخول مسلحي الحزب إلى محافظة نينوى وعدد من المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، مثل الموصل وسنجار ومخمور.
وجنّد "العمال الكردستاني" المئات من الأكراد العراقيين في السليمانية ودهوك ومناطق أخرى داخل إقليم كردستان وخارجه، مثل كركوك وسنجار، للعمل لصالحه، سواء ضمن العمل المسلح أو في جمعيات ومنظمات مختلفة، كما هو الحال مع حركة "حرية المجتمع الكردستاني".
وتتهم هذه الحركة إلى جانب واجهات أخرى، بدعم حزب "العمال الكردستاني"، وتتبنّى خطابا معاديا لتركيا، لا سيما من خلال المواقع والصحف الإلكترونية التابعة لها، التي يقدر عددها بأكثر من 10 مواقع إلكترونية.

وفي أول تصريح لها عقب الإعلان عن النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية العراقية، قالت الرجب لموقع "روج آفا"، المقرّب من حزب "العمال الكردستاني"، إن إحدى نقاط برنامجها في البرلمان هي "جمع الأصوات المناهضة للتدخل الخارجي والاحتلال والتصدي لها"، في إشارة إلى الوجود العسكري التركي شمال العراق.
وأضافت أن "الدولة التركية اجتاحت عشرات الكيلومترات من أراضي إقليم كردستان وبنت ثكنات وقواعد عسكرية ولها نية سيئة، لذا يجب علينا إفشال هذا المخطط الاحتلالي والتصدي له"، متهمة النواب الأكراد عن الدورة البرلمانية السابقة بأنهم "لم يكترثوا للقضايا الوطنية"، مبدية أسفها "من عدم توحيد صفوفهم بوجه الاحتلال"، على حد تعبيرها.
وفي مطلع فبراير 2025، اتهمت السلطات الأمنية في إقليم كردستان العراق، حزب العمال الكردستاني وجماعات وصفتها بـ"الخارجة عن القانون"، بالسعي إلى "الإخلال بأمن واستقرار مناطق في الإقليم"، في إشارة إلى وقوفها خلف احتجاجات استمرت مدة أسبوعين في السليمانية.
الاتهامات ذاتها، وجهها الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني، إلى حزب "العمال" بتأجيج الاحتجاجات في السليمانية، مستغلا أزمة مطالب الموظفين المشروعة لأغراضها الخاصة، وتهدف إلى زعزعة أمن الإقليم"، بحسب القيادي في الحزب، فرهاد راوندوزي.
المصادر
- حزب العمال الكردستاني يعلن وقف إطلاق النار مع تركيا
- امتثالاً لدعوة أوجلان... «العمال الكردستاني» يعلن وقف إطلاق النار مع تركيا
- "العمال الكردستاني" يتسلّل للبرلمان العراقي عبر نائبة من السليمانية
- رغم الرغبة التركية بالتحالف.. لهذا يتراخى العراق في محاربة "بي كا كا"
- هل يقف "العمال الكردستاني" وراء احتجاجات كردستان العراق؟