بعد قرار أوجلان.. ما تأثير حل حزب العمال الكردستاني على مصير "سوريا الديمقراطية"؟

"ستحاول قسد تعزيز مواقفها عبر التنصل من حزب العمال الكردستاني"
حملت دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان، حزبه الذي أسسه نهاية سبعينيات القرن العشرين إلى إلقاء السلاح وحله، رسالة غير مباشر إلى قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
ودعا أوجلان "جميع المجموعات المسلحة لإلقاء السلاح وأن يحل حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) نفسه"، في إعلان تاريخي صدر في إسطنبول في 27 فبراير/شباط 2025.
وتلا الإعلان وفد من نواب "حزب المساواة وديمقراطية الشعوب" (ديم) المؤيد للأكراد نيابة عن أوجلان بعد زيارته من قبل الوفد إلى سجنه في جزيرة إيمرالي قبالة إسطنبول.
وقال عبد الله أوجلان (75 عاما) المسجون منذ 26 عاما: إنه "يتحمل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة".
وقُرأت رسالة أوجلان المنتظرة، باللغة الكردية ثم بالتركية أمام صورة كبيرة تظهره ممسكا بورقة بيضاء، في فندق وسط إسطنبول بحضور حشد من الصحفيين.

قسد تتنصل
وعلى الفور رحب مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، بدعوة أوجلان حزب العمال إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه، عادا إياها "إيجابية"، لكن أكد أن قواته غير معنية بها.
وقال عبدي خلال مؤتمر صحفي عقد عبر الإنترنت: "ننظر إلى هذه المبادرة بشكل إيجابي لأن الموضوع يتعلق بالسلام".
ورأى أن "نداء إلقاء السلاح لحزب العمال الكردستاني يتعلق به ولا يتعلق بقواتنا" في شمال شرق سوريا الذي تديره الإدارة الذاتية بقيادة الأكراد.
لكن عبدي أضاف "أعتقد إذا تمت هذه الخطوة فسيكون تأثيرها إيجابيا علينا أيضا".
وتأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978، وتعده تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "إرهابيا".
وقد أطلق هذا الحزب تمردا مسلحا ضد أنقرة عام 1984 لإقامة دولة كردية، في صراع خلف أكثر من 40 ألف قتيل منذ 1984.
وعقب اندلاع الثورة السورية في عام 2011، سلم نظام بشار الأسد البائد الذي جمعته علاقة جيدة مع حزب العمال الكردستاني، قيادات تتبع لهذا الحزب مناطق في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا الغنية بالنفط.
وقد تشكلت هناك ما تسمى "الإدارة الذاتية" الكردية التي أصبحت لاحقا المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" بعد تأسيسها بدعم أميركي في أكتوبر/تشرين الأول 2015.
وتعد قوات "ي ب ج" (العمود الفقري لقسد) الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "ب ي د"، والأخير هو الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني (بي كا كا).
وجاء إعلان أوجلان بعد إطاحة فصائل الثورة السورية بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، بينما رفضت قسد تسليم المناطق التي تسيطر عليها لدمشق.
إذ ما تزال مليشيا قسد تسيطر على مناطق واسعة من أربع محافظات سورية (الحسكة - الرقة - دير الزور - ريف حلب)، وترفض تسليمها إلى الإدارة الجديدة، لا سيما بعد اندماج كل الفصائل المسلحة في سوريا تحت مظلة وزارة الدفاع والجيش الجديد.
وتشترط قسد الاندماج في الجيش السوري الجديد ككتلة واحدة وهو ما ترفضه دمشق وتصر على حل هذه المليشيا والانضمام كأفراد إلى المؤسسة العسكرية.
ونص البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري الذي حضره مختلف الأطياف باستثناء "قسد" على مدى يومين في 24 - 25 فبراير بقصر الشعب في دمشق على أن "أي تشكيلات مسلحة خارج المؤسسات الرسمية جماعات خارجة عن القانون"، في إشارة ضمنية إلى قوات سوريا الديمقراطية.
وقد عاد مظلوم عبدي ورفض في تصريحات صحفية في 27 فبراير 2025 حل قوات قسد وقال: "الآن هناك سوريا جديدة تتشكل (...) بالطبع يجب أن يكون لنا مكان في الجيش السوري الجديد".

"لعبة جديدة"
وسبق أن أكد وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية، أسعد الشيباني، خلال لقاء مع نظيره التركي هاكان فيدان، بأنقرة في 15 يناير/ كانون الثاني 2025، أن "وجود قوات قسد في شمال وشرق البلاد لم يعد مبررا".
وفي الوقت الراهن تخوض الإدارة الجديدة مفاوضات مع "قسد" بشأن مصير المناطق التي تسيطر عليها وما تزال تشكل العقبة الكبرى أمام إعلان السيطرة بشكل كامل على الأراضي السورية.
لكن وفق كثير من الخبراء فإن مليشيا "قسد" لن تلتزم بدعوة أوجلان، وتحاول تعزيز مواقفها التفاوضية مع دمشق بتنصلها من حزب العمال الكردستاني.
ويأتي هذا على الرغم من تصريح مظلوم عبدي قبل أيام من إعلان أوجلان أن الأخير كتب إليه بشكل مسبق وأبلغه بالدعوة إلى نزع السلاح.
وضمن هذا السياق، قال الكاتب السياسي مضر حماد الأسعد لـ “الاستقلال”: إن "خطاب أوجلان مهم لعموم الأكراد في دول انتشارهم، إلا أن حزب العمال الكردستاني منقسم لأقسام عدة أثرت على سيطرته على القرار.
فهناك "جماعة مراد قرليان وجماعة جميل بايغ وهناك من يوجدون في تركيا والعراق وفي إيران وفي سوريا".
وأضاف الأسعد "في حالة مليشيا قسد في سوريا فإن الجناح الإيراني في حزب العمال الكردستاني له نفوذ قوي عليها وهو يرفض دعوة أوجلان".
"لذلك فإن رفض مليشيا قسد قرار أوجلان يشير إلى محاولتها إعلان عدم تبعيتها لحزب العمال الكردستاني بهدف بعث رسالة للعالم بأنهم ليس لهم علاقة بهذه الجماعة المصنفة على قوائم الإرهاب العالمي".
واستدرك الأسعد قائلا: "لكن هذه المسرحية المكشوفة والكاذبة لا تنطلي على دمشق، لأن هذه المليشيا ترفع منذ أكثر من عقد من الزمن صور أوجلان ورايات بي كا كا بمحافظات الحسكة والرقة ودير الزور وريف حلب".
فضلا "عن تدريس مناهج دراسية للطلاب تحمل فكر أوجلان، وخروج مظاهرات بشكل مستمر في مناطق سيطرتهم في الحسكة كل عام تطالب بالإفراج عنه"، وفق الأسعد.
وتتزايد الضغوط التركية على مليشيا قسد من أجل تفكيكها، بعدما شنت أنقرة خلال السنوات الأخيرة عمليات عسكرية عديدة في الداخل السوري بالتعاون مع الجيش الوطني السوري وقتها، وجرى طردها من مناطق واسعة قرب الحدود السورية التركية.
ولهذا فإن إسقاط نظام الأسد وخروج إيران من سوريا التي كانت على علاقة جيدة مع "قسد" أضعفا من موقفها وجعلها أمام خيار ضرورة إلقاء السلاح وتسليم ثروات النفط والغاز التي تستولي عليها إلى دمشق، كي تسهم في تحريك عجلة النهوض الاقتصادي في البلد.

"تأثير قنديل"
وفي الأثناء، تكثف تركيا مطالبتها للولايات المتحدة بالتخلي عن دعم قوات سوريا الديمقراطية.
وقد حث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الولايات المتحدة على إعادة تقييم تحالفاتها، خاصة في الحرب ضد تنظيم الدولة في سوريا.
وبين أن واشنطن لا ينبغي أن تشعر بأنها مضطرة إلى دعم حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري، وحدات حماية الشعب، التي تعدها أنقرة تهديدا للأمن القومي.
وانتقد فيدان سياسة الولايات المتحدة بالاعتماد على قوات سوريا الديمقراطية لحماية معتقلي تنظيم الدولة داخل سجون في الحسكة، ووصفها بأنها "قضية سامة" في العلاقات بين واشنطن وأنقرة.
كما حذر فيدان من أن محاولات "قسد" لإقامة منطقة حكم ذاتي في شمال شرق سوريا من شأنها أن تجعل المصالحة مع الحكومة السورية مستحيلة.
ويرى مراقبون أن بناء علاقة جديدة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني من شأنه أن يمهد الطريق أمام حل ملف قوات سوريا الديمقراطية مع دمشق.

لا سيما أن وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، أكد في 22 يناير 2025 أن “باب التفاوض مع قسد في الوقت الحاضر قائم وإذا اضطررنا للقوة فسنكون جاهزين”.
وأردف: “لا يمكن أن تدخل قسد كجسم في وزارة الدفاع لأن ذلك لا يحقق المصلحة العامة”، مشيرا إلى أن "الرؤية غير واضحة في التفاوض معها حتى اليوم".
إلا أن كثيرا من المراقبين يرون أن لمقاتلي حزب العمال الكردستاني المتمركزين بشكل أساسي في جبال قنديل شمال العراق الكلمة الأخيرة في خيار "قسد" بسوريا.
وضمن هذه الجزئية، أكد المحلل السياسي التركي سمير صالحة في تصريحات تلفزيونية أن "دعوة أوجلان لإلقاء السلاح تحمل إشارات ورسائل إلى قسد بسوريا".
وأضاف أن "الجميع يعرف أن هناك تأثيرا كبيرا لقيادات حزب العمال الكردستاني على قسد، حيث لا يمكن نفي وجود ترابط عضوي بينهما من ناحية الإدارة والتخطيط".
ولهذا وفق صالحة "لا يمكن لقسد أن تستثني نفسها من دعوة أوجلان من إلقاء السلاح، وخاصة أن رسالة إقامة حكم ذاتي انتهت وهو ما يدفعها إلى مراجعة سياساتها بشأن طموحها في سوريا".