عودة الكاظمي المفاجئة إلى العراق.. ما السر بعد غياب سنوات؟

يوسف العلي | منذ ٤ أيام

12

طباعة

مشاركة

فتحت عودة رئيس الوزراء العراقي الأسبق مصطفى الكاظمي إلى بغداد، باب التساؤل واسعا عن توقيتها والهدف منها، وذلك بعد ثلاث سنوات على مغادرة العراق عقب انتهاء ولايته مباشرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وتولي محمد شياع السوداني رئاستها.

خروج الكاظمي كان أشبه بالهروب، بعد سحب قوة حمايته وسط توتر مع مليشيات إيران بالعراق، التي تتهمه بالتواطؤ مع واشنطن في اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، ببغداد مطلع 2020.

وتولى الكاظمي- الذي يحمل جنسية بريطانية وكان يقود جهاز المخابرات- رئاسة الحكومة في مايو/ أيار 2020، بعد استقالة رئيسها الأسبق عادل عبد المهدي بضغط احتجاجات شعبية اجتاحت البلاد عام 2019، وطالبت بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.

“مشروع إماراتي”

بخصوص توقيت عودة الكاظمي بعد غياب استمر نحو ثلاث سنوات، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي لؤي العزاوي، إن الكاظمي بدأ يتحرك منذ أشهر قليلة للعودة إلى المشهد في العراق، لذلك فإنه سيشارك في الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في أكتوبر/ تشرين الأول 2025.

وأوضح العزاوي لـ"الاستقلال" أن الكاظمي في أول يوم عودته إلى العراق في 25 فبراير 2025، زاره الكثير من الشخصيات حتى بعضها ممكن كان يهاجمه خلال مرحلة ترؤسه للحكومة السابقة (2020 إلى 2022).

وأشار إلى أن "الكاظمي جاء حتى يعد العدة للمشاركة في الانتخابات بمشروع سياسي ربما يجمع فيه شخصيات سنية وشيعية، فهو على المستوى الداخلي ليس لديه قاعدة وشعبية، لكن يمتلك علاقات خارجية مع دول الخليج ومحيط العراق إضافة إلى الدول الغربية".

ورجح الباحث أن "تكون دولة الإمارات وراء دعمه للدخول في الانتخابات المقبلة، فقد يكون أقنعهم بأن الفرصة مواتية أن تجدد له رئاسة الحكومة وسط الخوف والتراجع لدور القوى والمليشيات الموالية لإيران في المنطقة، والعراق إلى حد ما".

وأردف: "الكاظمي حين تولى رئاسة الحكومة السابقة كان بدفع من إيران لتجاوز مرحلة الاحتجاجات الشعبية التي كادت تطيح بحكم حلفائها، وأنه من غير المستبعد أن تستخدمه للمرحلة المقبلة لتجاوز ولاية دونالد ترامب الحالية، فهو ليس مؤذيا لها ولمليشياتها، بل سيحافظ عليهم كما فعل في السابق".

ولفت العزاوي إلى أن "الكاظمي لا يتجاوز مرحلة (الشو مان) فهو رجل يحب الاستعراض في وسائل الإعلام دون أي فعل على الأرض، يكبح فيه جماح المليشيات، بالتالي الشارع لا يبحث عن هذه الشخصية، وإنما يريد من يواجه أذرع إيران في العراق ويقطعها".

وخلص إلى أن "البعض يتحدث عن دعم إماراتي مالي للكاظمي والذي يمتلك بفضله اليوم قناة فضائية، فهو يتمتع بعلاقة قوية مع المسؤولين الإماراتيين وحتى السعوديين، لكن لا أتوقع حصوله على أي فرصة تؤهله ليكون رئيسا للحكومة المقبلة، فهو بلا إنجازات، إضافة إلى شخصيته الضعيفة".

وفي السياق ذاته، غرّد السياسي والبرلماني العراقي السابق، القريب من الإمارات، ظافر العاني، على "إكس" قائلا: "عودة مصطفى الكاظمي إلى المشهد السياسي العراقي مجددا، وفي هذا التوقيت تحديدا، تشكل إضافة نوعية مهمة، وننتظر منه دورا وطنيا فاعلا يستند إلى تجربة غنية، لم يُسمح لها بالاكتمال، في ترسيخ دعائم الدولة العراقية". 

مخرج للأزمة

وفي المقابل، ذكرت مصادر محلية أن "عودة الكاظمي جاءت بضوء أخضر من الإطار التنسيقي؛ لأن الحكم الشيعي بالعراق يمر بأصعب مرحلة إثر انتكاسة المحور الإيراني الساند وصعود الضغط الأميركي على الموالين له مع رئاسة دونالد ترامب، وفق موقع "قريش" العراقي في 26 فبراير.

ونقل الموقع عن مصدر شيعي وصفه بـ"الكبير" (لم يسمه) إن "الإطار التنسيقي في حاجة للمداولة، وأنه يريد أن يبدي الانفتاح أمام الجانب الغربي خاصة الأميركي على تقدير أن الكاظمي كان محسوبا عليهم، وأن عودته ترسل رسالة بهذا الانفتاح لتقليل الضغط".

وأضاف المصدر أن "الكاظمي يريد ظهورا إعلاميا سياسيا داخل العراق يعيد له التقدير بعد نكسات لاحقت سمعته إثر خروجه من المنصب ومغادرته العراق، واقتران سرقة القرن بمقربين من مكتبه".

ولفت إلى أن "الكاظمي يحمل رسائل عدة من أطراف عربية خليجية وكذلك من دول غربية، وأنه أجرى زيارات سرية إلى عدد من العواصم العربية، وتداول فيها الوضع العراقي بشكل دقيق، لا سيما بعد حرب غزة".

وبحسب مصادر الموقع، فإنه "من المستبعد أن يعود الكاظمي بمشروع سياسي وينزل في الانتخابات بعد أن خذل ثوار تشرين (احتجاجات 2019) وذهبت دماؤهم سدى وكذلك دم صديقه هشام الهاشمي (المحلل الأمني والسياسي العراقي الذي تتهم مليشيات بقتله عام 2020)".

وأشار إلى أن "الكاظمي بصدد عقد اجتماعات مع قادة الشيعة ورئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وأن يظهر بعضها عن قصد للإعلام"، لافتا إلى أنه سيغادر بعدها إلى أربيل لإجراء لقاء مع قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم بإقليم كردستان العراق، وذلك في إطار اتصالات مهمة.

ومن وجهة نظر مقابلة، قال الباحث في الشأن السياسي، مالك حافظ، عبر "إكس" في 26 فبراير: إن "القوى الشيعية المهيمنة، خاصة في الإطار التنسيقي، ترى في عودة الكاظمي تهديدا محتملا لإعادة رسم التوازنات، وآخرون يرون أن العودة مرتبطة بأدوار سياسية ودبلوماسية تتجاوز البعد الانتخابي".

ورأى حافظ أن "توقيت العودة يحمل دلالات لا يمكن تجاهلها؛ إذ تأتي في ظل تصاعد الضغوط الاقتصادية على العراق، والتلويح الأميركي بعقوبات تمس القطاع المصرفي، ما يجعل الحاجة إلى وسطاء لديهم علاقات قوية مع واشنطن والرياض أمرا حيويا".

"وهنا، يظهر الكاظمي كرقم صعب، ليس فقط بسبب ماضيه كرئيس للمخابرات ورئيس للوزراء، بل لكونه جسرا محتملا بين القوى المحلية والدولية في هذه المرحلة الحرجة"، بحسب حافظ.

وتابع: “رغم محاولات خصومه التقليل من وزنه السياسي، إلا أن تحركات القوى المدنية والليبرالية تعطي عودته بعدا جديدا. فهل يسعى الكاظمي بالفعل إلى إعادة تموضعه في المعادلة السياسية عبر الانتخابات المقبلة، أم أن دوره يقتصر على تهدئة التوترات الاقتصادية والدبلوماسية؟”

وأكد حافظ أن "حضوره (الكاظمي) في بغداد لن يكون بلا أثر، بل قد يكون مقدمة لاصطفافات سياسية جديدة تعيد تشكيل قواعد اللعبة في العراق".

حلقة وصل

وعلى صعيد أسباب عودته في الوقت الحالي، قالت شبكة "دايفيسكورس" الأميركية في 25 فبراير: إن عودته الحالية أتت من خلال "دعوة" وجهت إليه من القادة العراقيين في الحكومة العراقية (لم تسمهم)، وذلك من أجل "استغلال" علاقته الإيجابية مع الأميركيين والسعوديين. 

وأضافت الشبكة المعنية بالتحليلات السياسية، أن "دعوة الكاظمي من قبل القادة العراقيين في محاولة لاستخدام علاقاته الإيجابية مع الأميركيين والسعوديين لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي تهدد استقرار العراق".

وتابعت: "الكاظمي المعروف بعلاقته الوثيقة مع الأميركيين، وصل بغداد للعمل كحلقة وصل مع الحكومة العراقية في محاولة لتحسين العلاقات واستغلال معارفه لتحريك العراق في بحار الفوضى الاقتصادية التي تجرى حاليا في المنطقة والمؤثرة بشكل كبير على استقرار البلاد". 

وأشارت الشبكة إلى أن "العقوبات الاقتصادية التي تهدد الإدارة الأميركية بتطبيقها على العراق، خصوصا القطاع المصرفي، أصبحت الأن تمثل "خطرا كبيرا" على الاستقرار العراقي، الأمر الذي دعا إلى استخدام الكاظمي في الفترة الحالية "الحرجة" مع اقتراب الانتخابات العراقية. 

وخلص تقرير الشبكة إلى أن وصول الكاظمي إلى بغداد يحمل في طيَّاته أيضا "مساعي سياسية"، زاعمة أن "نفوذه ما يزال مستمرا حتى الآن في داخل البلاد بالإضافة إلى نفوذه مع الأميركيين والسعوديين، الأمر الذي يشير إلى نوايا لإعادته مرة أخرى إلى المشهد السياسي".

من جهته، كشف مقرر مجلس النواب الأسبق، محمد عثمان الخالدي، عن وجود ثلاثة أسباب كانت وراء عودة الكاظمي إلى بغداد، والتي لم تكن مفاجئة، وكنا نعلم بها منذ أسابيع"، حسبما نقلت وكالة "بغداد اليوم" في 26 فبراير.

وأشار الخالدي إلى أنّ "السبب الأول هو تقديم الكاظمي بعض الوثائق حول ملابسات سرقة القرن، وتورط بعض الموظفين في رئاسة الوزراء أثناء توليه المنصب، وبالتالي كانت محاولة لتبرئة ساحته مما أثير حول الملف الذي أثار الرأي العام لفترة طويلة".

"سرقة القرن" تطلق على قضية اختلاس أموال الأمانات الضريبية والتي تقدر بنحو 2.5 مليار دولار أميركي، والتي اتهم بتنفيذها مسؤولون سابقون في حكومة الكاظمي بتعاون 5 شركات عراقية وهمية، خلال مدة استمرت من سبتمبر/أيلول 2021 وحتى أغسطس/آب 2022.

 وأضاف الخالدي، أن "السبب الثاني، هو وجود مساعٍ جادة من قبله (الكاظمي) لبلورة تشكيل تيار سياسي جديد، ربما بمشاركة بعض التيارات الأخرى".

أما السبب الثالث، بحسب الخالدي، فهو "دعوة من بعض النخب السياسية، وبعضها متنفذ، والتي تأتي في إطار الحوارات من أجل قراءة المشهد الإقليمي والدولي، خاصة مع التوترات الحالية، وكيف يمكن تحصين العراق من أي ارتدادات، خاصة بعد الأحداث الأخيرة في سوريا".

وسبق أن أدلى الكاظمي بتصريحات عن الموازنة بين الولايات المتحدة وإيران، إذ أكد في يناير 2020، لصحيفة "الغادريان" البريطانية أنه يحاول السير على حل وسط بينهما، بقوله: "أنا على حبل بين بنايتين شاهقتين (...) أرقص يوميا مع الثعابين، ولكني أبحث عن مزمار للسيطرة عليهم".