تدمر السورية.. هل تستعيد مجدها السياحي بعد سنوات من الحرب؟

منذ ٤ أيام

12

طباعة

مشاركة

كانت تدمر في يوم ما بين أيدي تنظيم الدولة، الذي دمّر هذا الموقع المدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) مرتين، مما تسبب في طمس معالمها على نطاق واسع. 

والآن، بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، ستعود تدمر المعروفة باسم “لؤلؤة الصحراء” وجهة سياحية من جديد، لكنها تمر بعدة تحديات على صعيد الأمن والخدمات. 

وقالت صحيفة إلباييس الإسبانية: إن أطلال تدمر تقف بفخر في الأفق بعد رحلة بالسيارة استغرقت أربع ساعات ونصف الساعة من دمشق للوصول إلى هذه الواحة، التي كانت في السابق محطة توقف إلزامية لقوافل التجار الذين يسافرون على طول طريق الحرير. 

وقد استغرقت الأرستقراطية البريطانية، ليدي جين ديجبي، ثلاثة أسابيع للذهاب بنفس الرحلة على ظهر جمل بحثا عن أثر زنوبيا، الملكة المحاربة التي تمردت ضد السلطة الرومانية في سن السابعة والعشرين في القرن الثالث. 

وفي سنة 1853، طلبت المغامرة غريبة الأطوار خدمات الزعيم القبلي الشيخ مجول المصرب، لصد هجمات البدو في الصحراء. وفي نهاية المطاف، وقعت في حبه هو وتدمر.

في الوقت الراهن، هناك عدة مئات من مقاتلي تنظيم الدولة، حيث يقول السكان المحليون: إنهم يختبئون في كهوف الصحراء، مما يضطر الناس إلى اتخاذ طريق بديل للوصول إلى هناك دون أن يفقدوا رؤوسهم. 

وتذكّر الملابس العسكرية المتناثرة في الخنادق، وكأن أصحابها قد اختفوا، بالفرار المتسرّع لقوات الأسد، عندما سيطرت هيئة تحرير الشام على معظم أنحاء سوريا.

وأشارت الصحيفة إلى أن مدينة تدمر شهدت أحداثا تاريخية على مرّ العصور، وكانت آثارها هدفا لجميع الغزاة. 

سيطر تنظيم الدولة مرتين على هذا الموقع المدرج، في أغسطس/آب 2015 وديسمبر 2016، ثم تسبب في دمار لا يمكن إصلاحه. لذلك، لا تزال أبواب متحف تدمر مغلقة.

محاولات العودة

وأوردت الصحيفة، أن المدير العام للآثار والمتاحف السورية مأمون عبد الكريم، تمكن بين عامي 2012 و2017، من إخفاء 286 ألف قطعة أثرية من جميع أنحاء البلاد. 

ويوضح عبر الهاتف: "لم أكن أريد أن يحدث ما جرى في العراق؛ حيث دمر تنظيم الدولة الكثير من التراث بعد الاستيلاء على الموصل سنة 2014". 

ومن بين التراث الذي أنقذه بمساعدة 2500 مسؤول في وزارة الثقافة، تمثال أسد اللات الذي يعود تاريخه إلى 1900 عام، والذي تضرر خلال التوغل الأول للتنظيم في سنة 2015. 

ويوجد اليوم في المتحف الوطني بدمشق، حيث يعمل عدد قليل من المسؤولين طواعية في انتظار التعليمات من الحكومة الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع.

وعارض عبد الكريم، الذي يدرس الآن علم الآثار في إحدى الجامعات الإماراتية، تسييس الثقافة. وفي سنة 2016 أعرب عن أمله في أن يجرى ترميم معبد بل في تدمر وقوس النصر بسرعة. 

ومع ذلك، لم يتحقق أي تقدم في إعادة تأهيل مدينة تدمر خلال العقد الماضي. ومن جهته، يفكر سعيد صالح في إعادة افتتاح مطعمه "أعمدة البدو". ويقول متفائلا: "إذا بدأ السياح في العودة، فسنكون مستعدين خلال شهر". 

ومن بين 150 ألف سائح كانوا يتجولون حول مدينة تدمر كل سنة حتى 2010، لم يجر رؤية سوى 12 منهم فقط، ومن بينهم محمد عزيزي، 41 عاما. 

ويلتقط الزائر صورة في الرواق الروماني الكبير الذي يبلغ طوله كيلومترا واحدا. ومع عيون حزينة ولكن هادئة، يرتدي كوفية حمراء مميزة لبدو المنطقة. 

وعلى غرار الآثار الأخرى، تحمل تدمر ندوب الحرب. ويفتقد الرجل عددا من أظافره التي تعرضت للخلع خلال السنوات الأربع التي قضاها معتقلا في سجون الأسد.

 ويشرح قائلا، وهو ينظر بإعجاب إلى الأعمدة المهيبة: "اتهموني بأنني إرهابي، فقط لأنني من ضواحي حلب". 

وأطلقت قوات الثورة سراح نحو 80 ألف سجين في مختلف أنحاء البلاد أثناء تقدمها قبل شهرين نحو العاصمة السورية، وكان عزيزي واحدا منهم. 

ومنذ ذلك الحين، كرّس وقته لزيارة تلك الأماكن التي أعاد خلقها في ذهنه لمدة 1460 يوما. فهو فلاح من حيث المهنة، يحرر نفسه من حبسه بقضاء أيامه في الأماكن المفتوحة ولياليه في الهواء الطلق.

سكان المنطقة

وبالإضافة إلى عزيزي المحرر أخيرا، التقطت عائلة من دير الزور وعدد من الشباب من الرقة، في شمال شرقي البلاد، صورا مع الأنقاض. 

كان سكان تدمر يعيشون على بيع التمر والملح، ولكن الأكثر أهمية من ذلك كله على السياحة، كما يقول محمد نجل عالم الآثار خالد أسعد، الذي عمل لمدة أربعة عقود على الحفاظ على الموقع، حتى تم قطع رأسه بسبب مهنته في سنة 2015. 

ويقول خالد: "ما يغذي سكان تدمر هي آثارها. عندما يجرى ترميمها، سيعود السياح، ثم جميع الجيران". 

وأضافت الصحيفة أن تنظيم الدولة قتل أكثر من 500 من سكان تدمر في سنة 2015، مما دفع ثلاثة أرباع الأهالي الذين بلغ عددهم 75 ألف نسمة قبل الحرب إلى الفرار ولجأ معظمهم إلى حمص أو إلى مخيم الركبان للنازحين على الحدود الشرقية مع الأردن.

 وبعد هزيمتهم على يد الطائرات الروسية والجنود السوريين، تمكن الإرهابيون من الاستيلاء على تدمر للمرة الثانية في مارس/آذار 2016، وفق الصحيفة.

 ثم أعدموا عشرة آخرين من السكان وفجروا أعمدة التترابيلون، وهو مُجَمَّع ضخم من القرن الثاني، إلى جانب جزء من واجهة المسرح الروماني.

 ولا تزال كتل ضخمة من الحجارة القديمة متناثرة حتى اليوم أسفل المدرجات الفارغة "التي صور أمامها الإرهابيون عملية قطع رؤوس 24 شخصا".

وبينما كان تنظيم الدولة ينشر مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي يظهر فيها وهو يفجر آثارا وصفها بالوثنية، فقد "جمع ثروة طائلة من تهريب التماثيل والآثار التي نهبها ونقلها خارج البلاد". ويقول خالد أسعد "إنه نفاق بحت". 

وخلال الفترة بين عامي 2014 و2016، أصبح تهريب النفط والآثار المصدرين الرئيسين لتمويل تنظيم الدولة، بحسب الخبراء. 

وعموما، يشكل النهب جزءا من تاريخ مدينة تدمر القديمة، التي نهبها الأمراء الروس في نهاية القرن التاسع عشر والقوات الفرنسية في بداية القرن العشرين لتزويد متاحف سانت بطرسبرغ وكوبنهاغن ومتحف اللوفر بالآثار.

وأشارت الصحيفة إلى أن أهل تدمر عانوا مصيرا أسوأ من حجارتها، مضيفة: "يحاول سكانها التعافي من جراحهم، بعد أن زرع الإرهابيون والعسكريون ألغاما في أحياء المدينة، وقصفتها القوات الروسية والسورية والإسرائيلية".

وفي الوقت الحالي، تتسبب العودة التدريجية للسكان الآن في انهيار خدمات المياه والكهرباء التي كانت في عهد النظام تعمل على مدار 24 ساعة لخدمة القوات الروسية والإيرانية المتمركزة في هذا الموقع الإستراتيجي.