عاصمة الشيعة.. لماذا اقتحمت قوة أميركية مطار النجف بالعراق؟

خطيب جمعة النجف أكد الحادثة وطالب باستنكارها حتى لا تتكرر في المستقبل
مازالت الأنباء التي تتحدث عن اقتحام قوة أميركية مطار مدينة النجف العراقية، تثير الجدل في وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، وذلك في ظل غياب تعليق رسمي للسلطات في بغداد، إضافة إلى صمت حلفاء إيران من قوى ومليشيات مسلحة.
الأنباء جرى تداولها في 24 فبراير/ شباط 2025، بعد نشر قناة تلغرام تابعة للمليشيات الموالية لإيران، خبرا يفيد بهبوط طائرات هليكوبتر أميركية في مطار النجف ودخول الأشخاص الذين كانوا على متنها إلى صالة التشريفات وصوروا العديد من المرافق، ثم غادروا.

"قوة خاصة"
لم يقف الحديث عند طائرتي الهليكوبتر من نوع "بلاك هوك"، بل جرى الحديث عن اقتحام قوة أميركية خاصة المطار في الوقت نفسه، وتتكون من 30 شخصا مدججين بالسلاح، وصلوا في سيارات مصفحة مظللة عددها ثمانية.
وفي 26 فبراير، أفادت وكالة "شفق نيوز" العراقية بأن لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، تتحرك للتحقيق في المعلومات والتقارير التي تحدثت عن اقتحام قوة أجنبية مطار النجف الدولي.
ونقلت الوكالة عن عضو اللجنة ياسر وتوت قوله: إن "ما حدث في المطار مازال غامضا"، مشددا على ضرورة "توضيح ما جرى من السلطات الرسمية في النجف، كونها المسؤولة عن ذلك".
ورأى وتوت أن “أي تعد على مطار عراقي هو تجاوز على سيادة العراق، ولا يمكن اقتحامه من أي قوة أجنبية مهما كانت وتحت أي مبرر”.
وأشار إلى أن "لجنة الأمن والدفاع البرلمانية ستجري تحقيقا عاجلا لمعرفة تفاصيل ما حصل في مطار النجف الدولي".
وشدد البرلماني العراقي على أن "هذا الأمر لا يمكن السكوت عنه، ولن يمر مرور الكرام"، مؤكدا أن "موقفا ستتخذه اللجنة خلال اليومين المقبلين، بعد التحقيق في تفاصيل ما جرى".
وتأكيدا على وقوع الحادثة التي لم تعلق عليها السلطات العراقية، قال خطيب جمعة النجف، المعمم الشيعي صدر الدين القبنجي: إن “اقتحام قوات أميركية مطار النجف قبل أيام عمل سافر ولا يمكن قبوله، عن ماذا يبحثون؟”
وأوضح القبنجي أن “هذه القوات دخلت إلى مبنى المطار والتقطت صورا للغرف، في عمل مستنكر، ولا يمكن أن نقبله”. مبينا أن "الشباب (أمن المطار) تصدوا لهم لكن يجب أن نستنكر هذا الأمر حتى لا يتكرر".
وتمثل النجف رمزية كبيرة لدى القوى الشيعية بمختلف تشكيلاتها، فهي تعد “عاصمة الشيعة”، كونها تضم مراقد مقدسة بالنسبة لهم.
إضافة إلى أنها مركز للحوزة العلمية ومقر للمرجعية الدينية التي يتبعها غالبية شيعة العراق والعالم.
وفي عام 2004 اندلعت مواجهات بين القوات الأميركية عندما كانت تحتل العراق، وبين مليشيا "جيش المهدي" التي أسسها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في النجف.
وجاء ذلك بعد إقدام القوات الأميركية على غلق مقر صحيفة "الحوزة" التي يُصدرها التيار وكانت تحرض ضد الأميركيين.

ثلاث روايات
وعلى ضوء الغموض الذي يحيط بما حصل في مطار النجف وغياب التعليق الرسمي، دار العديد من الروايات أوردها محللون ومواقع محلية أو جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، بخصوص الحادثة، وربما انحصرت في ثلاثة سيناريوهات.
أولى الروايات تمثلت في الحديث عن اعتقال زعيم مليشيا بدر القيادي في الإطار التنسيقي هادي العامري، برفقة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، لكن هذه القصة لم تكتسب زخما على تقدير أنهما شخصيتان لا يمكن إخفاء اعتقالهما.
رواية أخرى جرى الحديث عنها في هذا السياق، أن العملية الأميركية تتعلق بالمختطفة الإسرائيلية الروسية إليزابيث تسوركوف.
واختطفت تسوركوف من العاصمة العراقية بغداد قبل نحو عامين، وتتهم مليشيا "كتائب حزب الله" الموالية لإيران بالوقوف وراء العملية .
هذه الرواية تحدثت عن أن "القوة الأميركية المكونة من ثماني عجلات دخلت مطار النجف الدولي بشكل مفاجئ، بعد ورود معلومات استخباراتية تشير إلى وجود تسوركوف في المنطقة".
كما جرى الحديث في رواية أخرى أن سبب الاقتحام هو إيقاف تهريب نحو 400 مليون دولار أميركي إلى حزب الله اللبناني، وجرى وضع اليد عليها ومصادرتها.
بدوره قال الخبير في الشأن الأمني العراقي حميد العبيدي: إن “عدم إصدار الحكومة العراقية أي إيضاح رسمي حتى الآن يزيد من الغموض، وقد يفتح الباب أمام احتمالات خطيرة”؛ منها أن التحرك الأميركي جاء لإفشال مخطط سري داخل العراق، أو ربما للبحث عن شخصيات مطلوبة دوليا موجودة داخل الأراضي العراقية.
ونقلت وكالة "باسنيوز" العراقية عن العبيدي في 25 فبراير أن "تزامن العملية مع هبوط طائرات (بلاك هوك) قد يكون مؤشرا على نقل شخصيات مهمة أو تنفيذ عمليات نوعية، وربما حتى إجراء مفاوضات سرية على أرض المطار بعيدا عن أعين السلطات العراقية".
ولفت العبيدي إلى أن "الوضع الأمني في العراق يتطلب تعزيز الإجراءات الأمنية وفتح قنوات تواصل شفافة مع الجانب الأميركي، خاصة في ظل المخاوف من أن تكون هذه العملية جزءا من مخطط أكبر يستهدف ترتيب الأوضاع في المنطقة بطرق غير معلنة".

"رسائل مهمة"
وعن الصمت الرسمي، قال الباحث في الشأن العراقي علي المساري، إن "السلطات في موقف حرج من الحادثة؛ لأنها إذا استنكرتها فهي تؤكد أن البلد بلا سيادة، وأن واشنطن تفعل ما تريد في الوقت الذي تقرره، وهذا يُثبت ما يدور حاليا من أن الأخيرة تسعى لإجراء تغييرات بالواقع السياسي الداخلي".
وأضاف المساري لـ"الاستقلال" أن "أيا من الروايات إذا صحت، فإنها تجرّم السلطات العراقية، سواء تهريب أموال أو اعتقال شخصيات معاقبة أميركيا (العامري، الفياض)، إضافة إلى قضية المختطفة الإسرائيلية، بالتالي الصمت الرسمي هو الأسلم للسلطات".
من جهته، قال أستاذ الإعلام في العراق غالب الدعمي، عبر منصة "إكس" في 27 فبراير، إن "الرسالة الأهم من وجهة نظري، هي أن القوات الأميركية دخلت إلى مطار النجف دون أي مقاومة، ولم يتم اعتراضها وأكملت مهمتها ورجعت من حيث أتوا".
وتابع: “إذن القوات الأميركية تستطيع مداهمة أي مقر واعتقال من تشاء ولا أحد يتمكن من مواجهتها”.
وواصل القول: "ظهر أن كل ما نسمعه بشأن المقدرة على المواجهة مجرد كلمات للاستهلاك المحلي، وأن النظام الحالي لن يستطع مواجهة الولايات المتحدة التي تستطيع خلال ساعات تغيير المشهد السياسي بلا اعتراضات".
وبحسب الدعمي، فإنه "مطلوب التصرف بواقعية، فقد ثبت أن أقوى قوة في العالم يمكن أن يستند إليها الحكام هي قوة الشعب، ولكن مع الأسف فقد دمروا هذه القوة وفتتوها لأجل مصالحهم ومغانمهم".
وكان لافتا أن الصمت لم يكتنف السلطات الحكومية في العراق فقط، وإنما جميع القوى والمليشيات الحليفة لإيران والمناهضة للولايات المتحدة، والتي تطالب على الدوام بخروج القوات الأميركية من البلاد.
وشمل الصمت أيضا التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، والذي يقيم في مدينة النجف، وعادة ما يُغرد خارج السرب ويعمد إلى إحراج خصومه في الإطار التنسيقي الشيعي القريب من إيران، خصوصا مع الولايات المتحدة، إذ طالب سابقا بغلق السفارة الأميركية وطرد السفير.
ومنذ 28 يناير/ كانون الثاني 2024 توقفت تماما هجمات وكلاء إيران في العراق ضد القوات الأميركية، رغم حديثهم عن استمرارها حتى تحقق هدفين هما: إنهاء وجودها على الأراضي العراقية، وإيقاف دعم واشنطن لإسرائيل في عدوانها على غزة.
آخر هجوم شنته مليشيات إيران في العراق ضد القوات الأميركية كان في 28 يناير 2024، على قاعدة عسكرية في الأردن يطلق عليها "برج 22"، أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة 25 آخرين، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة للرد على ذلك بضربتين عنيفتين.
ووقعت الضربة الأولى بالأنبار غرب البلاد، في 3 فبراير/شباط 2024 وأسفرت عن مقتل 16 عنصرا من المليشيات، بينما أودت الثانية- بعدها بأربعة أيام- بحياة القائدين في "كتائب حزب الله"، أبو باقر الساعدي، وأركان العلياوي، لاتهامهما بالوقوف وراء هجمات ضد الوجود الأميركي في العراق.
المصادر
- البرلمان العراقي يتحرك للتحقيق باقتحام قوة اجنبية مطار النجف الدولي
- مواقع التواصل تشتعل بواقعة «اقتحام» قوة أمريكية لمطار النجف.. تسوركوف أم تهريب أموال؟
- قوة أمريكية تقتحم مطار النجف بحثاً عن مختطفة إسرائيلية
- إمام جمعة النجف يعلق على اقتحام قوات أمريكية لمطار المحافظة
- بعد ضربة الأردن.. كيف نجحت أميركا في لجم المليشيات الشيعية بالعراق؟
- امام جمعة النجف الاشرف ان اقتحام قوات امريكية لمطار النجف عمل سافر ويجب ان يستنكر هذا العمل